الرئيسية » هاني المصري »   03 أيار 2008

| | |
المواقف الفلسطينية من المفاوضات
هاني المصري

تتوزع المواقف الفلسطينية من المفاوضات الى المواقف الثلاثة التالية: الموقف الاول: ينادي اصحابه باستمرار المفاوضات لأن المفاوضات هي الخيار الوحيد. وحتى عندما عاد الرئيس ابو مازن متشائما من لقائه الاخير مع الرئيس بوش بسبب تأكده من عدم وجود اي فرصة لتوجيه ضغط اميركي على اسرائيل، فان دعاه المفاوضات الى الابد، كرروا ان خيارنا هو التفاوض، ولا يوجد شيء آخر، وعززوا موقفهم بالقول... اذا كانت حماس تستجدي الاسرائيليين من اجل التهدئة، ووصل بها الامر الى حد تهديد اسرائيل اذا لم تقبل بالهدنة، فهل سنلجأ نحن الى العمل المسلح. فالعلاج لفشل المفاوضات هو المزيد من المفاوضات. يبني فريق المفاوضات وجهة نظره، على ا ننا هزمنا، وان 99% من اوراق الصراع وحله بيد الولايات المتحدة الاميركية،


 وهي تدعم اسرائيل بشكل مطلق، ولا مفر من اجل تحقيق المطالب الفلسطينية من اعتماد الاقناع والتمنيات والتوسل، والمراهنة على اقناع الاميركان بان الطرف الفلسطيني يستحق ان ينال حقوقه، لانه يمكن ان يقوم بواجبه كاملاً ويساهم في توفير الامن والاستقرار في المنطقة ولاسرائيل. ويحاول ان يغري هذا الفريق الاميركان بانه ضمن معسكر المعتدلين العرب المحسوب على الاميركان. وتصور هذا الفريق او قسم منه ان سياسة ياسر عرفات هي العقبة التي حالت دون التوصل لاتفاق في السابق، خصوصاً محاولاته اللعب على الحبلين. ورغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على رحيل ياسر عرفات، وقيام السلطة باعتماد سياسة جديدة تقوم باللعب على حبل واحد، لدرجة قبولها بتنفيذ الالتزامات الفلسطينية الواردة في المرحلة الاولى من خارطة الطريق اولاً، خلافاً لما تنص عليه، الا انها لم تكافأ على ذلك، بل تطالب اسرائيل منها بالمزيد رغم انها لا تفي بالتزاماتها في تلك الخارطة. ويراهن هذا الفريق على أهمية التوقيع على اتفاق خلال هذا العام، حتى لو كان مجرد اتفاق اطار ليكون خطوة على طريق الاتفاق على معاهدة سلام، وحتى، وهذا هو الاهم، يكون جسرا يربط ما بين ادارة بوش الحالية والادارة الاميركية القادمة. فاخشى ما يخشاه فريق المفاوضات الى الابد ان يرحل بوش بدون التوصل الى شيء، الامر الذي يهدد بان الادارة الاميركية القادمة ستتردد في اقحام نفسها في ملف الصراع مجدداً، وهذا سيجعل المنطقة في وضع صعب جداً جداً، ويمكن ان يؤدي الى انهيار السلطة وتقوية معارضيها ومعارضي المفاوضات وعملية السلام. ويحذر هذا الفريق من عواقب وقف المفاوضات واستعادة الوحدة على اساس اتفاق مكة او اتفاق شبيه منه كون ذلك سيؤدي الى عودة المقاطعة المالية الدولية وفرض العزلة على السلطة الفلسطينية، وداخل هذا الطريق يوجد تباين في الآراء بين من يمكن ان يرضى بأي شيء حتى لو اعلان مبادئ جديد او اتفاق أو دولة ذات حدود مؤقتة، لأن الهدف المقدس هو استمرار المفاوضات وحماية السلطة من الانهيار، وبين من يطالب باتفاق اطار ويرفض اعلان المبادئ، وبين من لا يزال يصر على التوصل الى معاهدة سلام وعدم الوقوع تحت ابتزاز الوقت. فاذا لم نتوصل الى المعاهدة هذا العام يمكن التوصل اليها العام القادم. فالتوصل الى اتفاق رف او مهما كان اسمه (اعلان مبادئ او نوايا او تفاهمات) اسوأ من عدم التوصل لاي شيء خصوصاً انه لن يحل شيئاً ولن يطبق، وسيعطي اسرائيل المزيد من الوقت لاستكمال مخططاتها التوسعية والعنصرية والاستيطانية. ويعزز انصار التوصل لمعاهدة سلام موقفهم بان عواقب عدم التوصل لشيء بسبب الموقف الفلسطيني المتمسك بالحق الفلسطيني أقل من عواقب التوصل لاتفاق رف او هزيل جداً، خصوصاً اذا تم تحضير المواطنين لاحتمال الفشل بدلا من رفع توقعاتهم الى السماء تارة وانزالها الى باطن الارض تارة اخرى. ويذكرون بان ياسر عرفات عاد من "كامب ديفيد" رغم الفشل بطلا لانه تمسك بالاهداف الفلسطينية، اما التهديد بعودة المقاطعة الدولية فهو فزاعة لأن واشنطن في مأزقها الراهن لا يمكن ان تخسر الفلسطينيين جميعاً ولأن المصالحة الفلسطينية ليس بالضرورة ان تكون عبر حكومة وحدة وطنية. الموقف الثاني: ينادي اصحابه برفض المفاوضات وعملية السلام لانها تقوم على اسس تكريس اغتصاب فلسطين وتعطي شرعية لاسرائيل واحتلالها. ويطالب انصار هذا الموقف بالكفاح لايجاد ميزان قوى جديد مختلف تماماً عن الموجود حالياً، بحيث يسمح بفرض تسوية مرحلية تحقق الحد الادنى من الحقوق الفلسطينية والعربية بدون اعتراف ولا تطبيع وعلى ا ن يتم التفاوض اذا كان لا مفر منه، بدون تنازلات مسبقة. ويراهن انصار هذا الموقف على معسكر الممانعة وعلى التغييرات والتطورات المحلية والعربية والدولية الحاصلة فعلاً، والتي يمكن ان تحدث خلال السنوات القليلة القادمة وتسمح بهزيمة السياسة الاميركية والاسرائيلية في المنطقة. يركز هذا الفريق على المقاومة بكافة اشكالها بهدف ابقاء جذوة الصراع مشتعلة وابقاء القضية حية الى ان يخرج المارد العربي او الاصح الاسلامي من القمقم ويعيد الامور الى نصابها. الموقف الثالث: ينادي بضرورة مراجعة عملية السلام والمفاوضات والاتفاقات واستخلاص العبر والدروس منها. فلا يعقل ان تستمر المفاوضات وهي لا تحقق اهدافها. ولا ان تتحول المفاوضات الى هدف. وليس من المنطقي استمرار المفاوضات رغم استخدام اسرائيل لها للتغطية على العدوان والاستيطان وخلق الحقائق على الارض، ولتعميق الانقسام الفلسطيني السياسي والجغرافي. ويرى انصار هذا الموقف ضرورة العمل لتطوير جوهري لشروط المفاوضات عبر الاصرار على ربط الاستمرار بها بوقف العدوان والاستيطان والجدار وتقطيع الاوصال، والتمسك بايجاد مرجعية للمفاوضات تستند الى الشرعيات الفلسطينية والعربية والدولية والقانون الدولي وقرارات الامم المتحدة التي تضمن الحد الادنى من الحقوق الفلسطينية، وبحيث يكون هدف المفاوضات واضحاً منذ البداية وهو انهاء الاحتلال، على ان تستند المفاوضات الى ضمانات دولية ودور دولي فاعل، والى آلية تطبيق ملزمة، وجداول زمنية قصيرة. ويركز اصحاب هذا الرأي على تعزيز مقومات الصمود واعتماد مقاومة مثمرة تركز على المقاومة الشعبية، وعلى استعادة البعد العربي والاسلامي والانساني والدولي للقضية الفلسطينية، واستعادة دور الامم المتحدة. وينطلق هذا الفريق من ان الدولة الفلسطينية المطلوبة ليست على مرمى حجر، ولن تقوم في عام 2008، ولا حتى عام 2009، بل يجب الكفاح من اجل قيامها، بحيث يصبح الاحتلال الاسرائيلي مكلفاً لاسرائيل ويجعلها تخسر من احتلالها أكثر مما تربح. ويدعو انصار هذا الموقف الى النظر الى التغيرات المحلية والاقليمية والدولية الحاصلة والتي يمكن ان تحصل واخذها بالحسبان خصوصاً انها تشير الى اخفاقات اميركية هامة، ولكن بدون المبالغة بهذه الاخفاقات والتغييرات، ولا الرهان عليها والثقة بانها ستتبلور بشكل حاسم خلال السنوات القليلة القادمة. ان السنوات القادمة ثمينة جدا لأن فيها سيتقرر مصير المنطقة لسنوات طويلة قادمة ويطالب هذا الفريق بالاستعداد لكل الخيارات والبدائل الاخرى وعدم الرهان على خيار واحد وحيد، فلا بد وان تكون الخطة (ب) جاهزة منذ البداية حتى تقلل الخسائر من فشل الخطة (أ). مما يفرض ذلك ان المفاوضات فشلت وستفشل سواء اذا تم التوقيع على اتفاق رف او بدونه. فقضايا الصراع على حالها، واي اتفاق رف سيء ولا ينفذ هو اسوأ سيناريو يمكن ان يحدث، فهو لا يحقق شيئاً للفلسطينيين ويترك يد اسرائيل حرة، ويعمق الانقسام الفلسطيني، ويفرض مرجعية جديدة سقفها ادنى بكثير من المرجعية السابقة. وعلى أهمية الخلافات حول المفاوضات والمقاومة لكن الملاحظ انها ليست موضوع الخلاف الاساسي بين الفصائل والاحزاب الفلسطينية خصوصاً بين فتح وحماس. فكما نلاحظ فان حماس تسعى لتهدئة طويلة مع اسرائيل وانها رغم معارضتها للمفاوضات الجارية لا تطالب بوقفها ولا بإيجاد مرجعية حقيقية لها، بل اكتفت بالسابق بتفويض ابو مازن بالتفاوض على ان يعرض ما يمكن ان يتوصل اليه في المفاوضات على استفتاء شعبي او على المجلس الوطني الجديد للموافقة عليه او رفضه، كما ابدت استعدادا الآن لتجديد هذا التفويض بعد لقائها الاخير مع كارتر. اذا، الصراع على السلطة والمنظمة والقرار الفلسطيني هو موضوع الخلاف الفلسطيني الاساسي، وهذا يعكس بشكل او بآخر، ان الفصائل المتصارعة تدرك في اعماقها او بوعي كامل، عجزها عن تحقيق الاهداف الفلسطينية بسبب ترهلها واخطائها وضعف قيادتها وخلافاتها وانقسامها، لانها تنظر بشكل فئوي وليس وطنياً للصراع، لذلك تركز على محاولة الحصول على اقصى مكاسب في المعادلة الداخلية اما اسرائيل فيترك امرها الى الله او الى المستقبل. في هذا السياق نلاحظ ان اسرائيل تفاوض السلطة مباشرة للحصول على اتفاق تصفوي ولاضعاف حماس او للتوصل في الحد الادنى لاتفاق رف يعطي شرعية لاستمرار الاحتلال والمفاوضات. وتفاوض اسرائيل حماس بصورة غير مباشرة لاضعاف السلطة وللتوصل لحل امني ضمن معادلة: هدوء مقابل هدوء بما يمكن الاحتلال من مواصلة تطبيق مخططاته على الارض في الضفة. وسواء اذا نجحت المساعي للتوصل لحل سياسي مع السلطة وحل امني مع حماس او لم تنجح الا ان استمرار الانقسام الفلسطيني، في ظل فشل تقديم نموذج للسلطة في الضفة شبيه بسنغافورة، وعدم احراز اتفاق مع اسرائيل يساعد على هزيمة حماس، وفي ظل فشل محاولة تحويل غزة الى منطقة محررة او قاعدة انطلاق او امارة اسلامية تشكل نموذجاً للمنطقة ونقطة انطلاق لتحرير فلسطين، فغزة تحولت الى سجن كبير والى صومال جديدة. إن استمرار هذا الواقع سيجعل اي حل سياسي وامني مكسباً صافياً لاسرائيل، ما يفرض العمل من اجل انهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية أولاً وقبل اي شيء آخر. ومرة اخرى المصالحة ليس بالضرورة ان تكون من خلال عودة حكومة وحدة وطنية تعيد المقاطعة الدولية ولكن من خلال تشكيل حكومة كفاءات. فهل نتعظ مما جرى حتى الآن؟ ام نبقى نفاوض بدون مفاوضات حقيقية؟ ونقاوم بدون مقاومة حقيقية؟

 

 

مشاركة: