الرئيسية » هاني المصري »   21 حزيران 2006

| | |
"أمطار الصيف": أكبر من جندي أسير.. و أكبر من فراغ قانوني في السلطة!
هاني المصري

عملية "أمطار الصيف"، أكبر من ردٍّ على عملية "كرم أبو سالم" النوعية والجريئة، وأكبر من دفاع إسرائيلي عن النفس، كما صرّح الناطق باسم الإدارة الأميركية.. وأكبر بكثير من ممارسة حقٍّ شرعي لإسرائيل باستخدام القوّة، لإطلاق سراح الجندي الأسير جلعاد شاليت، كما صرّحت تسيفي لفني وزيرة خارجية إسرائيل.. وأكبر كذلك من إحداث فراغ قانوني في السلطة.

عملية "أمطار الصيف" عدوان إسرائيلي شامل، يمثل مجرد حلقة جديدة من حلقات العدوان المستمر ضد الشعب الفلسطيني من أجل تكريس الاحتلال والاستيطان والعنصرية والضم، ومن أجل جعل الحل الإسرائيلي هو اللعبة الوحيدة في المدينة.

 

فالعقوبات الجماعية التي تتضمنها عملية "أمطار الصيف"، وتدمير البنية التحتية عبر قصف محطة الكهرباء ومصادر المياه والجسور، والقصف المتقطع، والاغتيالات، واختراق جدار الصوت، وهدم المنازل وتجريف الأشجار، وإغلاق المعابر، ومنع كل اتصال مع قطاع غزة مع الخارج، وتدمير المؤسسات الفلسطينية، والسعي لإسقاط الحكومة، وشلّ السلطة، عبر اعتقال ثلث الوزراء، وأكثر من 42 من نواب المجلس التشريعي، والعشرات من القيادات الدينية والمجتمعية ورؤساء البلديات المنتخبة.. كل هذه الأشكال من العدوان، وغيرها الكثير، يدل على وجود أهداف إسرائيلية كبرى ومتعددة، مباشرة واستراتيجية.

وما يدلّ على ان هذا العدوان الشامل لا يستهدف تحقيق أهداف جزئية فقط، مثل إطلاق سراح الجندي الأسير، أو الرد على عملية "كرم أبو سالم"، هو العلامات والدلائل التالية:

ü إن العدوان الشامل و عمليات التدمير والقتل لا تساعد على إطلاق سراح الجندي الأسير، ولا على ضمان سلامته، بل تجعل حياته مهددة أكثر بما لا يقاس من الشروع بالمفاوضات حول شروط إطلاق سراحه.. فإذا عرفت قوات الاحتلال مكانه وحاولت اقتحامه، ستسرع في قتله.

ü إن الصحف الإسرائيلية، خاصة صحيفة "يديعوت احرونوت"، كانت قد نشرت أخباراً حول خطة إسرائيلية تستهدف قطاع غزة، وتشمل كل أشكال العدوان، كما يجري حالياً، وكان من المفترض تنفيذها -حسب المصادر الإسرائيلية- قبل أسر الجندي بأيام قليلة.

ü إن العدوان الحالي، جزء من تطبيق خطة حملت اسم خطة "السهم الجنوبي"، وضعتها وأقرتها قيادة جيش الاحتلال منذ عدة أشهر.. وهي خطة تشمل عدة مراحل، تبدأ بالقصف وعمليات الاغتيال، وضرب البنية التحتية وتشديد الحصار، وتصل الى تقسيم قطاع غزة الى عدة أقسام منفصلة عن بعضها البعض، ويمكن أن تصل الخطة بمراحلها الأخيرة الى إعادة احتلال المناطق التي انسحبت منها قوات الاحتلال، أو أجزاء واسعة منها، لفترات مختلفة، وحسبما تقتضي مصلحة إسرائيل وأهدافها، والحفاظ على أمن احتلالها وديمومته.. وكانت الخطة المذكورة تتذرع أساساً بالسعي لمنع إطلاق القذائف والصواريخ من قطاع غزة ضد جنوب إسرائيل.

ü وما يؤكد الأهداف الاستراتيجية للعدوان الحالي؛ التصريحات التي أدلى بها عدد من الوزراء في إسرائيل.. فقد جاء في تصريحات أدلى بها الوزيران بنيامين بن اليعازر وآفي ديختر، ان العملية تستهدف إسقاط حكومة "حماس".. وأضاف بن أليعازر، انها تستهدف، ليس فقط الضغط لإطلاق سراح الجندي الأسير، وإنما إسقاط حكومة "حماس"، لأن أبو مازن لم يستطع إسقاطها، ولم يدع لانتخابات مبكرة.

وأفادت صحيفة "هآرتس"، ومصدر سياسي، حسبما نقلت الإذاعة الإسرائيلية، ان جيش الاحتلال وجهاز الأمن العام (الشاباك)، خططا منذ أسابيع لاعتقال الوزراء والنواب، وغيرهم من قادة "حماس"، واستصدار أوامر خاصة من المحاكم الاسرائيلية، وقّعها المستشار القضائي للحكومة ميني مزوز، ما يوحي، بدون أدنى شك، بعدم وجود علاقة بين الاعتقالات وأَسْر الجندي، بل ان عملية الأسْر استُخدِمت ذريعة لتحقيق أهداف موضوعة سلفاً.. وبدلاً من أن ترحب إسرائيل بالاتفاق الفلسطيني على وثيقة تتضمن استعداداً للاعتراف الجماعي بإسرائيل إذا لبّت الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، اختارت شنّ العدوان، فهي تريد فرض الحل الإسرائيلي المنفرد.

تأسيساً على ما تقدم، فإن أهداف عملية "أمطار الصيف" تشمل ما يلي:

- إطلاق سراح الجندي الأسير، بدون جعل هذا هو الهدف الأساسي، حتى لو أدى العدوان الى المجازفة أكثر بحياته.

- وقف إطلاق الصواريخ والقذائف على "سديروت".

- إعادة الهيبة والاعتبار لجيش الاحتلال ونظرية الردع الاسرائيلية، بعد الضربة القوية، التي وُجهت له، المتمثلة في عملية "كرم أبو سالم".

- تدفيع الفلسطينيين ثمناً غالياً، ليجعلهم لا يفكرون مجدداً بأَسْر أو اختطاف جنود أو مستوطنين.. فإسرائيل تخشى أن يتحول أسر جلعاد الى سابقة ونهج قابل للتكرار.

- إسقاط الحكومة الفلسطينية وفتح الطريق لتشكيل حكومة جديدة، عبر نصب فخ لـ"فتح"، حتى تقبل بتشكيلها، مستندة الى فقدان "حماس" أغلبيتها في المجلس التشريعي، وهذا يشق الطريق أمام التناحر الفلسطيني - الفلسطيني بشكل أسوأ من السابق.

- قطع الطريق على تطبيق "وثيقة الأسرى"، لأنها تنذر بإمكانية ولادة شريك فلسطيني قوي جداً، ويرفع في يده خطة سلام بديلة، ستقف في مواجهة خطة أولمرت، وستجعل الحكومة الفلسطينية الجديدة، حكومة الوحدة الوطنية، قادرة على كسر الحصار الخانق، واختراق العزلة الدولية، ودرء الحرب الأهلية.

- إبقاء السلطة ضعيفة، ودفعها الى حافة الانهيار، ويمكن السعي لتقويض السلطة إذا لم تُدجَّن وتصبح أداة طيّعة بيد إسرائيل، على أمل قيام سلطة هزيلة تكون إدارة مدنية ومطواعة لما يريده الاحتلال.

- الضغط على سورية للمس بقيادة "حماس"، وطرد خالد مشعل من دمشق.

- استمرار السعي لكسر إرادة الشعب الفلسطيني، وتغيير وعيه، ليقبل ما تفرضه إسرائيل، وإجباره للتخلي عن المقاومة، ومعاقبته على انتخاب "حماس" في الانتخابات التشريعية السابقة.

- منع إحياء المفاوضات وعملية السلام، لأن حكومة أولمرت قامت لتنفيذ خطة الانطواء، وسيسقط أولمرت إذا لم يعمل على تنفيذها.

إذا نظرنا الى هذه الأهداف، نصل سريعاً الى ضرورة وضع ردّ استراتيجي فلسطيني قادر على إفشالها، وفتح الطريق أمام تحقيق الأهداف الفلسطينية.

ويبدأ هذا الرد الاستراتيجي، بالتمسك بـ"وثيقة الأسرى"، الذي يعتبر توقيعها بالأحرف الأولى، حدثاً تاريخياً من الطراز الأول، لم يظهر على حقيقته، ولم يأخذ الاهتمام الذي يستحقه، لأن أخبار العدوان وحياة الجندي الإسرائيلي، طغت على كل شيء آخر.. والتمسك بـ"وثيقة الأسرى"، يبدأ بإدراك انها يجب أن تكون بداية تحول نوعي، يتوحّد فيه جناحا الحركة الوطنية المعاصرة، لأول مرة خلال العشرين سنة الماضية، على أساس برنامج الحد الأدنى المشترك.

تطبيق الوثيقة يتطلب الشروع فوراً بما يلي:

أولاً: تشكيل حكومة وحدة وطنية على أساس وثيقة الأسرى، ووضع خطة سياسية تحفظ الحقوق، وتمكن الحكومة من التحرك الفاعل، المنصوص عليه بالوثيقة.

ثانياً: إعادة تفعيل وإصلاح م.ت.ف، والعمل على ضم كل الفصائل والأحزاب التي لا تزال خارجها، من خلال عقد مجلس وطني جديد خلال مدة أقصاها نهاية العام الحالي، وذلك لتمكينها من المبادرة من أجل إحياء المفاوضات على مرجعية قادرة على إنهاء الاحتلال.

ثالثاً: تقييم المقاومة على أساس الاحتفاظ بحق الشعب الفلسطيني بالمقاومة، وبما يضمن اختيار أشكال المقاومة المناسبة، وتركيزها في أراضي 7691، واستخلاص العِبر والدروس من المقاومة في وعبر قطاع غزة في وضعه الجديد، وتشكيل مرجعية سياسية وتنظيمية موحدة للمقاومة، حتى تضبط إيقاعها وعملياتها وأهدافها وأساليبها، بما يخدم المصلحة الوطنية الموحدة، وتحقيق الأهداف الوطنية.. وهذا يتطلب وقف إطلاق الصواريخ والقذائف، وعدم استهداف المدنيين في إسرائيل.

إن أسوأ ما يمكن أن يحدث هو أن تنزلق "فتح" نحو وراثة حكم لم تُنتَخب له، بعد اعتقال إسرائيل عدداً كبيراً من الوزراء وأعضاء المجلس التشريعي من حركة "حماس"، بحجة ملء الفراغ القانوني الناشئ، ولدرء احتمالات شل السلطة وتقويضها.

وأعتقد ان حركة "فتح" تعي متطلبات المرحلة ومخاطر الوقوع في الفخ الاسرائيلي، وانها ستكون معنية الآن، بتوفير شبكة أمان للحكومة لحين الاتفاق على تشكيل حكومةوحدة وطنية، تساهم في تشكيلها جميع القوى والأحزاب، خصوصاً حركة "حماس"، لأن لديها أغلبية في المجلس التشريعي.

على السلطة، بكل مكوناتها، وتحديداً رئيسها وحركة "فتح"، إعطاء رسالة واضحة لإسرائيل، ان خيار استقالة الرئيس وأعضاء المجلس التشريعي وبقية الوزراء، ووضع الأمور بيد الشعب، حتى لو أدى ذلك الى انهيار السلطة، إذا لم تتراجع إسرائيل عن العدوان وتفرج عن المعتقلين، هو خيار يمكن أن يكون مقبولاً، ولا بد أن يخضع للدراسة، حتى لا تتصور إسرائيل انها يمكن أن تتدخل مباشرة، وبالاعتماد على أسنّة حراب الاحتلال، وعبر اعتقال الوزراء والنواب، بما يسمح بفك وإعادة تركيب السلطة، بما يبقيها سلطة ضعيفة، مطواعة للاحتلال، وبما يضمن استمرار التناحر بين حركتي "فتح" و"حماس"، وحالة الفوضى والفلتان الأمني، التي تسمح لإسرائيل بالاستمرار بالعمل من أجل شق الطريق أمام تطبيق خطة أولمرت الرامية لتصفية القضية الفلسطينية من جانب واحد، واعتماداً على القوة والعدوان.

"فتح" لن تقع بالفخ الاسرائيلي، لأنها تعرف ان عودتها الى الحكومة بعد إسقاط حكومة "حماس" من الاحتلال، ستحرق "فتح"، وستجعل أية حكومة قادمة دون أية شرعية أو مصداقية، أو أي دعم شعبي لها.

فالمسألة، إذاً، أكبر من مجرد فراغ قانوني.. فالفراغ القانوني وقع، ولكنه بفعل تدخل احتلالي، مخالف للقانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة، التي تؤكد عدم جواز تدخل دول الاحتلال في إحداث ظاهرة أو إجراء قانوني نتيجة عمل مسلح.. فلا يمكن جعل سلطات الاحتلال هي المسيّرة للقانون والحكومة في النظام السياسي الفلسطيني، ولذلك يجب التعامل مع هذا الفراغ القانوني على حقيقته، برفض تحقيق أهداف الاحتلال من إيجاده.. وهذا يكون بالدفاع عن الحكومة القائمة وشرعيتها، لحين الاتفاق الوطني على حكومة وحدة وطنية، كان يجري التباحث حولها قبل العدوان الإسرائيلي الحالي، وقبل اعتقال النواب والوزراء.

 

مشاركة: