الرئيسية » هاني المصري »   02 تشرين الثاني 2010

| | |
بدون مضمون سياسي لا مصالحة حقيقية
هاني المصري

بعد تذليل "عقبة المكان"، هل سيعقد الاجتماع الثاني بين "فتح" و"حماس" أم لا ؟ ومتى سيعقد؟ وإذا عقد هل سيتم خلاله إجمال الملف الأمني والتوقيع على الورقة المصرية ؟ هذا مع العلم أن الهوة الواسعة بين الطرفين، بين من يعتبر أن الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية شرعية، ولم تمارس انقلاباً على الشرعية مثلما حدث في قطاع غزة، لذلك لاحاجة لإعادة بنائها، وبين من يقول انه لا يمكن أن يوافق على أجهزة دايتون، ويطالب بعقيدة وطنية واعادة بناء الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة. رغم ذلك، إذا تم التوقيع على الورقة المصرية هل سيتم تطبيقها، وهل ستكون هناك مصالحة ام لا؟ الأسئلة السابقة تقدم عينة على مدى تعقيد ملف المصالحة الوطنية.


 أن نقطة الضعف القاتلة التي أفشلت الحوار الوطني وتهدد بإفشاله الآن ومستقبلاً ظهرت عندما اصطدم الحوار بعقده الخلاف على البرنامج السياسي لحكومة الوحدة الوطنية، بين رأي يرى ضرورة أن يتضمن عبارة تؤكد الالتزام بالاتفاقات والالتزامات التي عقدتها المنظمة مع إسرائيل، وبين من رأى الاكتفاء بما جاء في وثيقة الوفاق الوطني وبرنامج حكومة الوحدة الوطنية. بكل أسف لقد حسم هذا الأمر في النهاية من خلال أن الولايات المتحدة الأميركية أصرت على ضرورة التزام أية حكومة فلسطينية بشروط اللجنة الرباعية الدولية وإلا ستواجه بالحصار والمقاطعة. وبدلاً من الإصرار على تشكيل حكومة وحدة وطنية وتضمين برنامجها السياسي ما يجعلها مقبولة دوليا بدون الالتزام بشروط اللجنة الرباعية الظالمة عبر الاكتفاء بالالتزام بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، تم التراجع إلى الوراء واستبدال فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية في المرحلة الانتقالية بتشكيل لجنة فصائلية مشتركة تتولى التنسيق بين حكومتي الضفة الغربية وقطاع غزة لحين إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية التي ستحسم الأمر وتوضح من هو الطرف الذي سيحوز على الأغلبية وبمقدوره أن يشكل الحكومة استناداً إلى برنامجه. إن اللجنة الفصائلية المشتركة وصفة للتعايش مع الانقسام وإدارته، لأن الانتخابات لن تكون، هذا اذا جرت، انتخابات حرة ونزيهة لأن من سيشرف عليها حكومتان واحدة في الضفة والاخرى في غزة. فإذا جاءت النتائج غير مناسبة للحكومتين أو أي منهما فلن يتم الاعتراف بها. ورغم التراجع عن فكرة تشكيل حكومة الوحدة واستبدالها باللجنة الفصائلية المشتركة أعربت الإدارة الأميركية عن رفضها للورقة المصرية لأنها اعتبرتها تعطي نوعا من الشرعية لحركة حماس عبر الاعتراف بالأمر الواقع والتعايش معه. كما أعربت إدارة أوباما مرة أخرى بعد الحوار الأخير بين "فتح" و"حماس" عن تمسكها بضرورة الالتزام بشروط اللجنة الرباعية قبل تشكيل حكومة وحدة وطنية وقبل الاتفاق على دور ومهمات اللجنة الأمنية رفضت، بشكل خاص، مسألة مشاركة حركة حماس بقيادة الأجهزة الأمنية اذا لم تلتزم بشروط الرباعية. إن الرفض الأميركي للورقة المصرية جعل مصر التي صاغتها على ضوء الحوارات الفلسطينية، و"فتح" التي وقعتها، غير واثقتين أنها صيغة مناسبة لإنهاء الانقسام، لذلك فان عدم توقيع حركة حماس أزاح العبء وألقى المسؤولية عليها، وجنب الدخول في الاختبار العسير فيما لو وقعت "حماس" عليها. فلو وقعت "حماس" على الورقة المصرية، سيظهر على الملأ أنها صيغة لإدارة الانقسام، وتشكل نوعا من الاعتراف بعدم قدرة طرف على إقصاء الطرف الآخر، ليس إلا أو أنها صيغة غير ممكنة التطبيق خصوصا فيما يتعلق ببند إجراء الانتخابات وإعادة تشكيل منظمة التحرير . تأسيسا على ما تقدم إذا لم يتم سد الثغرات القائمة بالورقة المصرية خصوصا بإضافة المضمون السياسي وتشكيل حكومة وحدة وطنية، سندخل في دهاليز التفسيرات المختلفة لتطبيقها والمحاصصة والملاحظات التي لا تنتهي عليها. إن القفز عن المضمون السياسي للمصالحة الوطنية، يعني أن الموقف من المفاوضات والمقاومة والاتفاقات والالتزامات وموقع السلطة في النظام السياسي الفلسطيني، وميثاق وبرنامج المنظمة وإعادة تشكيلها والشراكة السياسية والحقوق والحريات والمضمون الاجتماعي للسلطة قد تم تأجيله إلى وقت لاحق، بينما إسرائيل داست بدباباتها وجرافاتها كل الاتفاقات ولم تطبق التزاماتها وتقوم بأوسع حملة لتطبيق مخططاتها التوسعية والعنصرية، وبينما الانتهاكات المنهجية لحقوق وحريات الانسان الفلسطيني متواصلة في الضفة وغزة، والحوار الفلسطيني ينقطع حينا ويتواصل حينا اخر ويتمحور الان على الجوانب الاجرائية مثل تشكيل اللجان وموعد الانتخابات وصلاحيات الإطار القيادي المؤقت للمنظمة، أي على المحاصصة وتقاسم السلطة والوظائف والمكاسب. إن تشكيل اللجان ومهمانها أمور مهمة ولكن بعد الاتفاق على الأهداف وأشكال النضال وقواعد العمل المشترك التي يجب الاتفاق عليها اولاً وقبل اي شيء آخر. إن الذي أدى إلى انهيار اتفاق مكة وسقوط حكومة الوحدة الوطنية أن برنامجها كان حمال أوجه، بحيث كان برنامجين في برنامج واحد، وهذا ظهر حين تمسكت حماس بكلمة "احترام" الواردة في البرنامج عند الحديث عن الاتفاقيات مع اسرائيل، بينما تمسكت فتح بكلمة "الالتزام" الواردة أيضا، وهذا سمح للإدارة الأميركية والمجتمع الدولي لرفع سلاح الحصار والمقاطعة في وجه حكومة الوحدة الوطنية ما أدى إلى انهيارها بعد ثلاثة أشهر على تشكيلها. كما أن المحاصصة ساعدت كثيرا على هذا المصير، لأن "حماس" أرادت أن يكون لها فورا مدارء عامون ومسؤولون بالأجهزة الأمنية وموظفون في السلطة بنسبة موازية لما حصلت عليه "فتح" منذ تأسيس السلطة حتى عام 2006 حين فازت "حماس". فالسلطة تشكلت بسبب هذ الامر بوصفها سلطة "فتح" لأن نسبة كبيرة من الموظفين، وأفراد الأجهزة الأمنية، وغالبية ساحقة من المدراء والمدراء العامين والوكلاء وقادة وكوادر الأجهزة الأمنية تنتمي لحركة فتح. لقد حاولت "حماس" في عام واحد بعد تشكيل حكومتها عام 2006 تعويض السنوات السابقة كلها فسعت إلى توظيف أكبر عدد ممكن من المدراء والمدراء العامين والمسؤولين. أن هناك مفهوماً خطيراً للديمقراطية يتصور أصحابه أن من يحصل على الأغلبية يحق له أن يتعامل مع السلطة كإقطاعية خاصة به بحيث يعين فيها من يشاء بنسبة تعادل الأغلبية التي حصل عليها. إن هذا المبدأ صحيح فقط بالنسبة لتشكيل وتوزيع المناصب الوزارية ولا ينطبق إطلاقا على بقية الوظائف. إن التعيينات يجب أن تخضع لقانون الخدمة المدنية، ويجب مراجعة وتغيير نظام التعيينات العشوائية الذي رافق السلطة منذ بداية تأسيسها، ونظام التعيينات على أساس الانتماء السياسي الذي ظهر واضحا بعد الانقسام في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأدى أيضا إلى نظام من الفصل الوظيفي على خلفية سياسية. إن إعادة تشكيل وبناء الأجهزة الأمنية بعيدا عن الحزبية وعلى أساس عقيدة وطنية وبشكل مهني يعني أن كل أعضاء الفصائل اذا ارادت الاستمرار او الانضواء في الأجهزة الأمنية عليها أن تستقيل من فصائلها. إن أية مصالحة يجب أن تقوم وتبنى في مواجهة التحديات والمخاطر التي تتعرض لها القضية الفلسطينية، خصوصا في هذه المرحلة التي تمارس فيها الحكومة الإسرائيلية الحالية أوسع وأشرس حملة لتهجير وتهويد وأسرلة القدس وبقية الأراضي المحتلة وتشدد الخناق على شعبنا في أراضي 1948، وتواصل الحصار على قطاع غزة مع تكثيف الاستعدادات والتهديدات بشن عدوان عسكري جديد. لا يمكن تأجيل الموقف من المفاوضات التي وصلت منذ زمن بعيد إلى طريق مسدود، وأصبح الآن حتى أبرز مؤيديها يتحدثون عن الخيارات البديلة، بل لابد من اتخاذ موقف فلسطيني موحد يحدد أسس ومرجعية المفاوضات التي تضمن أنها ستكون مفاوضات مثمرة والتي لا يمكن المشاركة بالمفاوضات بدون توفيرها، وهي أسس لا تكتفي بوقف الاستيطان وكل الإجراءات الاحتلالية بل تتضمن ضرورة الزام إسرائيل بمرجعية واضحة وملزمة للمفاوضات حتى تكون المفاوضات لتطبيقها وليس التفاوض حولها. إن تأجيل الاتفاق على المفاوضات والمقاومة والسلطة والاتفاقات والالتزامات والميثاق الوطني وبرنامج منظمة التحرير وضمان الحقوق والحريات والمضمون الاجتماعي والديمقراطي للسلطة يعني أن المصالحة اذا تحققت ستكون شكلية ومؤقتة، ونوعا من المحاصصة وتقاسم السلطة، وتخضع لأهداف تكتيكية، ومثل هذه المصالحة لن تتحقق وإذا تحققت لن تدوم!!

 

مشاركة: