الرئيسية » هاني المصري »   21 تشرين الأول 2015

| | |
الطريق الى انابوليس: وقف الاستيطان شرط للمشاركة
هاني المصري

 

احاول جاهداً، دون جدوى، ومنذ اسابيع كثيرة، ان افسر سبب التفاؤل الفلسطيني الذي يظهر احياناً، في اجتماع انابوليس رغم ان كل شيء (أكرر كل شيء) يشير الى ان الفلسطينيين لن يحققوا أياً من اهدافهم في هذا الاجتماع، ولن يحصدوا فيه سوى الريح. فلن يحققوا شيئاً ملموساً لا بالنسبة للقضايا الجوهرية ولا بالنسبة للاوضاع الراهنة.


فالاجتماع سيفشل حتماً من منظور المصلحة الفلسطينية. والنقاش يجب ان يدور حول نسبة الفشل. وهل يكون الفشل ذريعاً أم فشلاً بأقل الاضرار؟ وهل سيأتي فشلا مغطى بوثيقة مشتركة حمّالة اوجه يفسرها كل طرف كما يحلو له، أم فشلاً عادياً ومفضوحاً ولا يحظى حتى بوثيقة مشتركة؟

ما سبق ليس تشاؤما، وانما نظرة واقعية ترى ما هو محتمل فعلا حتى يتم تداركه: إما من خلال السعي لعدم عقد او تأجيل اجتماع انابوليس او لكي تتم بلورة موقف فلسطيني مختلف قادر على اعادة خلط الاوراق والاستفادة من الفرصة المتاحة جراء ازمة السياسة الاميركية-الاسرائيلية في المنطقة. فاذا توفرت السياسة المناسبة والارادة اللازمة يمكن تحقيق شيء من انابوليس. ولكن حتى يتحقق هذا الشيء فالفلسطينيون بحاجة الى سياسة اخرى، مختلفة تماماً عن سياستهم الحالية. هم بحاجة الى سياسة مقاتلة، تجمع اوراق الضغط والقوة وتسعى لاستخدامها.

"المكتوب يقرأ من عنوانه"، و"ما في الطنجرة تطلعه المغرفة"، وما هو على ارض الواقع سيعكس نفسه على طاولة المفاوضات في انابوليس وفي أي مكان يشهد مفاوضات فلسطينية-اسرائيلية.

ان كل ما يقوله اولمرت واركان حكومته، والاهم ما يطبقونه على الارض يؤكد ويشير الى ان الحكومة الاسرائيلية ليست بوارد التنازل عن "الثوابت الاسرائيلية"، وانها تعتبر ان اجتماع انابوليس ليس مؤتمرا للسلام، ولا بديلا عن المفاوضات المباشرة، وان اتفاق السلام بحاجة الى عقود (من 02 الى 03 عاماً كما صرح اولمرت). وهذا كله لا يكفي حتى يراجع الفلسطينيون سياستهم ويتبعوا سياسة جديدة وتكتيكاً تفاوضياً جديداً.

كل ما يفعله الوفد المفاوض الاسرائيلي منذ ان كان يضم موظفين وخبراء لا يملكون صلاحية، وليس سياسيين، الى ان انضمت اليه وزيرة الخارجية الاسرائيلية من اغراق للاجتماعات في التركيز على قضايا اجرائية، وليس على الوثيقة السياسية الواجب الاتفاق عليها قبل الذهاب الى اجتماع انابوليس، وترافق ذلك مع محاولات اسرائيلية مستمرة لالزام الفلسطينيين بتطبيق ما يخصهم في المرحلة الاولى من خارطة الطريق، دون ان يقابل ذلك التزام اسرائيلي مماثل، حيث تريد اسرائيل تطبيق ما تشاء منها وفقاً للقراءة الاسرائيلية لخارطة الطريق، كل ما تقدم لا يستحق الرد ولا يستحق موقفاً فلسطينياً يناسبه سوى ترداد الاسطوانة المشروخة التي مللنا من الاستماع اليها والتي تعزف باستمرار لحناً يقول: ان ما لا تحققه المفاوضات يحققه المزيد من المفاوضات. صحيح ان الوفد الفلسطيني ذهب الى المفاوضات الحالية وبيده ورقة قوية هي اعتقاده ان الجانب الفلسطيني نفذ 7 من 8 من النقاط المطروحة كالتزامات فلسطينية في المرحلة الاولى من خارطة الطريق، ليفاجأ بأن القراءة الاسرائيلية مختلفة، وترى ان الفلسطينيين لم ينفذوا ما عليهم، وانهم ضعفاء وبحاجة الى وقت والى وضعهم تحت الاختبار لاثبات جدارتهم.

وهذا ما تحقق فعلاً في الكثير من الامثلة اهمها كيفية التعامل مع مساعدة السلطة لفرض الامن في نابلس لتكون باكورة استعادة السلطة لهيبتها وصلاحياتها في مدن الضفة، حيث وافق وزير الحرب باراك بعد مماطلة وتأخير لعدة اشهر على اعادة نشر مئات من افراد الامن في نابلس بعد تسليحهم شرط ان لا يتم ذلك في اطار نقل الصلاحيات الأمنية للسلطة في نابلس، بل على أساس أن أفراد الأجهزة الأمنية مسؤولون عن النظام العام فقط، أما المسؤولية الأمنية فلا تزال بيد الجيش المحتل الإسرائيلي. أو حسبما قال مصدر أمني إسرائيلي: مدينة نابلس ستكون تحت سيطرة الأمن الفلسطيني نهاراً، وفي الليل ستخضع لسيطرة إسرائيل.

يبقى الأهم من الأقوال الإسرائيلية التي تشير إلى أن حكومة أولمرت غير جاهزة ولا قادرة ولا راغبة بالسلام، أو بإحداث اختراق حقيقي باتجاهه، هو الاستمرار في السياسة الإسرائيلية الرامية لخلق الحقائق على الأرض التي تجحف كلياً بقضايا التفاوض الأساسية. والاستمرار أيضاً بالعدوان العسكري بكل أشكاله والذي سقط جراءه 95 شهيداً أو أضعافهم من الأسرى خلال أسبوع واحد. وهذا يدل على أن السياسة الإسرائيلية تراهن على القوة والعدوان والاستيطان لا على السلام إن ما قد يفسر سبب استمرار تعلّق القيادة الفلسطينية بعملية السلام والمفاوضات رغم إخفاقها المستمر، ورغم الانخفاض المتتابع لسقفها السياسي والقانوني أنها تعتقد بعدم وجود بديل آخر. وفعلاً إذا لم يكن هناك بديل فتحقيق شيء أو تقليل الأضرار أفضل من لا شيء. في هذه الحالة يصبح وجود المفاوضات أفضل من عدم وجودها حتى لو كانت مفاوضات عبثية. وذلك لأنها تساعد على خطوات بناء الثقة التي تعتمدها إسرائيل، ويتم بفضلها إطلاق سراح دفعات من الأسرى وإن بأعداد قليلة، وبفترات متباعدة، ووفقاً للمعايير الإسرائيلية وتم بسببها إعادة الأموال الفلسطينية المحتجزة، ويمكن أن يتم بسببها إزالة بعض السواتر الترابية وبعض الحواجز وتحسين شروط الحياة المعيشية وحرية حركة مرور الأفراد والبضائع. ويمكن أن تؤدي إلى تحسين الأمن الداخلي وإن ضمن المسؤولية الأمنية الإسرائيلية. أي باختصار ما يحدث حالياً هو تحسين شروط الاحتلال وتلطيفه، وأعتقد أن هذا الهدف لا يستحق كل هذا العناء. ولا يمكن أن يؤدي إلى تحقيق الأهداف الفلسطينية بإزالة الاحتلال ولو بعد مائة عام.

وحتى ندرك أكثر صحة هذا التوقع المشار إليه، علينا أن نشير إلى أن حكومة أولمرت ترفض حتى الآن العرض الأميركي الذي حمله ستيف هادلي مستشار الأمن القومي لإسرائيل ويقضي بتغيير الواقع الميداني وتفكيك البؤر الاستيطانية غير القانونية مقابل الاستجابة للموقف الإسرائيلي بعدم طرح القضايا الجوهرية في أنابوليس. فحكومة أولمرت مهددة بالسقوط إذا أقدمت على إزالة البؤر الاستيطانية غير القانونية المنصوص على إزالتها في خارطة الطريق لأن حزبي "شاس" و"إسرائيل بيتنا" يهددان بالانسحاب من الحكومة إذا تم ذلك أو إذا تم التطرق إلى القضايا الجوهرية. فالإدارة الأميركية كما وعد بوش وفوداً يهودية لن تضغط على إسرائيل لقبول ما ترفضه، ولن تقبل بتحول اجتماع أنابوليس الى تظاهرة معادية لإسرائيل.

تأسيساً على ما تقدم، فإن أقصى ما يمكن أن ينتهي إليه اجتماع أنابوليس هو الاتفاق على استمرار المفاوضات، والاتفاق على العودة مجدداً لعقد اجتماع مماثل بمشاركة دولية بعد ستة أشهر لتقييم ما تتوصل إليه المفاوضات. فالاتفاق على جدول زمني مرفوض من إسرائيل أيضاً، لأن عدم تنفيذه كما صرحت ليفني يمكن أن يؤدي إلى إحباط لا داعي له، فحكومة أولمرت يمكن أن توافق على جدول زمني وهي تعرف أنه لن يتحقق. فقد حدث ذلك سابقاً مراراً وتكراراً. فعقيدة قادة إسرائيل ما ردده اسحق رابين بعيد توقيع اتفاق أوسلو بأن لا مواعيد مقدسة. وان الأمر الحاسم ليس الجدول الزمني متى تنتهي المفاوضات، بل على أية أرضية ستجري المفاوضات، وما هي مرجعيتها وضرورة توفير ضمانات دولية وآلية تطبيق ملزمة. لا يكفي كل ما سبق لتغيير السياسة الفلسطينية بحيث تربط ما بين حضور المؤتمر وبين وقف الاستيطان وإزالة البؤر الاستيطانية، لكي يكون ذلك مؤشراً كافياً ومقنعاً بوجود الحد الأدنى من الجدية للتوصل إلى السلام. إن مثل هذا الهدف ممكن التحقيق إذا شرب المفاوض والقائد الفلسطيني حليب السباع. وإلا فالعواقب وخيمة!

 

 

مشاركة: