الرئيسية » هاني المصري »   13 أيار 2008

| | |
خطوة باتجاه إيجاد مقاربة جديدة
هاني المصري

على مدار يومين، وبحضور مئات الشخصيات السياسية والثقافية والأكاديمية والمجتمعية، عقد مركز بدائل مؤتمره السنوي الثاني، تحت عنوان: "المفاوضات والمقاومة: البحث عن مقاربة جديدة".

وكما يوحي العنوان، وكما ظهر واضحا للعيان فإن الاتجاه العام للمشاركين في الورشات التمهيدية التي عقدت في العديد من محافظات الوطن، وخصوصا في غزة، وفي المؤتمر لديهم ملاحظات جوهرية على المفاوضات الممارسة، والمقاومة الممارسة بما يقتضي إجراء مراجعة علمية عميقة جريئة لاستخلاص الدروس والعبر. لذلك يمكن القول بثقة إن التوصية الأبرز التي خرج بها المؤتمر هي الدعوة لإيجاد مقاربة جديدة.

 

إن التفاوض وحده لا يمكن أن يؤدي إلى دحر الاحتلال، بل يسهم في التغطية على ممارسات الاحتلال وعدوانه وسياساته الرامية لخلق أمر واقع وتكريسه وجعله الحل الوحيد الممكن عمليا.

أما استراتيجية رفض المفاوضات كليا، من حيث المبدأ أو وضع شروط تعجيزية لقبول المشاركة بها، استراتيجية اعتماد المقاومة المسلحة كخيار وحيد في ظل ميزان القوى الراهن المختل جوهريا لصالح إسرائيل وخصائص الصراع والوضع العربي والدولي تعتبر استراتيجية مغامرة تساهم في عزلة القضية الفلسطينية على كل المستويات العربية والإقليمية والدولية، كما تسهل على سلطة الاحتلال فرض الحل الإسرائيلي.

المقاربة الجديدة تقوم على الجمع ما بين المفاوضات المثمرة والمقاومة المثمرة، أي المقاومة الشعبية أساسا وعلى أساس أن المفاوضات والمقاومة مجرد وسائل لتحقيق نفس الغايات، فلا توجد مقاومة دون أفق سياسي، كما لا توجد مفاوضات دون موازين قوى تسمح بتحقيق الأهداف الوطنية، فالمسألة ليست براعة أو عدم براعة المتفاوضين، بل مدى قدرتهم على تحقيق أهداف شعبهم في ظل بيئة مناسبة وميزان قوى قادر على تحقيق هذه الأهداف.

وضمن المقاربة الجديدة نجد هناك متسعا لوقف المفاوضات أو تعليقها كجزء لا يتجزأ من استراتيجية المفاوضات، فأي مفاوضات يمكن أن تستمر كما يمكن أن تتوقف لفترة من الوقت احتجاجا على مسألة أو كنوع من التكتيك، كما يمكن أن تتوقف كليا لأنه لا يمكن استمرار التفاوض في كل الظروف والأحوال، فلا يمكن الاستمرار في التفاوض عندما تكون اضراره أكثر بكثير من فوائده، وعندما تستخدم المفاوضات للتغطية على العدوان وتكثيف الاستيطان واستكمال بناء الجدار وخلق الحقائق على الأرض .

كما أن المقاربة الجديدة يجب أن تستند إلى المصلحة الوطنية والقواسم المشتركة أي أن تكون محل إجماع أو شبه إجماع، وان تبنى على أساس القناعة بأن السياسة هي فن أفضل الممكنات، وأنها عملية مدروسة من اجل المواءمة بين الوسائل والأهداف دون إسقاط الاعتبارات والمؤثرات الأخرى.

وبالنسبة لعناصر الاستراتيجية التفاوضية الجديدة والبديلة فقد أكدت توصيات المؤتمر على مايلي:

1- العمل على تغيير قواعد العملية التي وضعتها الولايات المتحدة وتأكيد مسؤولية المجتمع الدولي، لاسيما المسؤولية الدائمة للأمم المتحدة تجاه قضية فلسطين لحين حل القضية من كافة جوانبها، والتمسك بالشرعية الدولية، والتأكيد على أن مطالب الشعب الفلسطيني هي حقوق طبيعية.

2- العمل على وضع أساس سياسي صحيح، من خلال المحافظة على جوهر الصراع وابرازه دائما، منيث وجود الاحتلال الأجنبي والاستعمار الاستيطاني، واتخاذ موقف حازم بأنه لا سلام ولا مفاوضات مع المستوطنات.

3- تحديد الشكل النهائي للحل أولا، باعتباره حل الدولتين على أساس حدود 1967، ويستدعي هذا التخلي عن البدائل التي لا يمكن إلا أن تقوض هذا الموقف المبدئي مثل خارطة الطريق وما ورد في التفاهمات المشتركة التي صدرت عن مؤتمر أنابوليس، وضرورة موافقة الجانبين على الشكل النهائي للحل قبل الدخول في المفاوضات. الأمر الذي يعني الخروج من العملية الحالية والعودة إلى عملية جديدة فقط على أساس ما سبق.

4- تغيير الآليات، لاسيما آلية اللجنة الرباعية، والتمسك بدور الأمم المتحدة وإعطاء المفاوضات صيغة غير محلية، بما يمكن من رصدها دوليا ومتابعة تطوراتها، وعدم جعل المفاوض الفلسطيني عرضة للابتزاز الإسرائيلي، وهو يفاوض تحت السيطرة الإسرائيلية ، لماذا لا تنقل المفاوضات إلى الخارج؟

5- توفير الأداة المطلوبة لإدارة العملية التفاوضية من خلال فريق تتوفر فيه المهنية والولاء والمعرفة الفنية، بعيدا عن تأثير الأجندات السياسية.

6- تعزيز عوامل القوة وأوراق الضغط، وفي مقدمتها تعبئة المواطن وتحقيق مشاركة واسعة و فعالة في مقاومة الاحتلال والاستيطان والجدار بشكل سلمي ومتصاعد، والسعي لبناء موقف عربي موحد وفعال، والإبقاء على حالة ضغط سياسي حقيقي على إسرائيل مع استخدام الأدوات القانونية خاصة الفتوى القانونية لمحكمة العدل العليا.

وبالنسبة للخيارات البديلة فقد أكدت توصيات المؤتمر على ما يلي:

أولا: يجب مصارحة الناس بحقيقة أن الدولة ليست قريبة، وأن ما هو مطروح في حدود موازين القوى الحالية قد لا يتجاوز 50% من أرض الضفة، مقطعة مجزأة، وأن الاقتراب من تحقيق الرؤية الفلسطينية للدولة لن يحصل إلا إذا حدثت تغيرات في موازين القوى تتيح ذلك. وفي ضوء ذلك، يصبح مطلوبا إعادة النظر في الأداة، أي السلطة الفلسطينية، التي أقيمت من أجل هدف محدد، ولا يمكن لها أن تستمر بالشكل الذي هي فيه، إذا كان الهدف الذي أقيمت من اجله قد ظهر باعتباره هدفا بعيدا. وفي سياق الجدل حول مصير السلطة، فإن أقل ما يمكن القيام به هو إعادة النظر في دور وبنية ووظيفة السلطة بما ينهي الاستمرار في لعب دور الدولة الوهمي، كما ينهي معه استمرار الصراع الداخلي عليها، من دون أن يخل ذلك بضرورة الحفاظ على هيكل قادر على استمرار إدارة شؤون المجتمع الفلسطيني تحت الاحتلال. وهي عملية تتطلب إبداعا فلسطينيا ربما لا يذهب إلى حدود حل السلطة، لكنه لا يبقي عليها بشكلها الراهن، ما يعني أن تفكيك بعض أجزاء ووظائف السلطة وإحالتها إلى منظمة التحرير قد يكون أكثر ملاءمة في مرحلة مواصلة مسيرة التحرر الوطني.

ثانيا: يقتضي ما سبق الانخراط في عملية إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية بدءا بإعادة بناء منظمة التحرير كجبهة وطنية عريضة، وكمرجعية وطنية عليا، وكممثل للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده. لقد ابتلعت السلطة المنظمة، وكادت تنهيها. وبما أن السلطة تحت الاحتلال، فقد وضع هذا الخلط منظمة التحرير تحت الاحتلال أيضا، حين أصبحت هيئاتها بغالبيتها موجودة في الضفة والقطاع.

ثالثا: لقد ثبت أن الدولة المستقلة كانت شعارا أكثر من كونها برنامجا، وهو شعار لا تتيح موازين القوى تحقيقه. وفي حين يمكن الإبقاء على شعار الدولة كشعار كفاحي يتلاءم مع الوضع الدولي ولا يعارضه، ويتم العمل على تعديل بنيتنا التنظيمية كي تتوافق مع هذا التقييم، بما يعيد إلى الكفاح الفلسطيني طابعه الوطني التحرري، فإن هذا يجب ألا يعني أن الدولة هي الخيار الفلسطيني الوحيد. بل يجب أن تكون الخيارات متعددة ومطروحة على الطاولة بهذا الشكل أو ذاك. فهناك خيار قرار التقسيم لعام 1947، وهناك خيار الدولة الديمقراطية الواحدة، وهناك خيار الدولة ثنائية القومية، وكل هذه الخيارات يجب الاحتفاظ بها.

رابعا: بما أن الدولة المستقلة لن تقوم قريبا عبر المفاوضات، بل تحتاج إلى تعديلات جوهرية في موازين القوى، فإن الحديث عن المفاوضات والسلام كخيار استراتيجي يصبح أمرا ضارا جدا. سيبقي الهدف هو السلام، لكن خيارنا الاستراتيجي هو الاستقلال والتحرر والعدالة. وهذا الخيار يمنحنا الحرية في اختيار كل الأشكال الشرعية للمقاومة. الأمر الذي يعني أن كل أشكال المقاومة، بما فيها الشكل المسلح، يجب أن تظل مطروحة، وأن تستعمل حين يأتي وقتها.

 

 

مشاركة: