الرئيسية » هاني المصري »   11 تموز 2006

| | |
حماس وإسرائيل: مرحلة عض الأصابع
هاني المصري

 

 

لا أبالغ في القول إن مستقبل حركة حماس في فلسطين يتوقف إلى حد كبير على نتيجة المفاوضات الدائرة من أجل تبادل الأسرى، وعلى نتيجة العدوان العسكري الإسرائيلي الذي حمل اسم "أمطار الصيف"، وبدأ وله أهداف أكبر بكثير من إطلاق الجندي الأسير، ووقف اطلاق الصواريخ والقذائف على جنوب اسرائيل. فبعد عملية كرم أبو سالم النوعية، وعلى إثر تداعيات أسر الجندي الإسرائيلي، وجدت حماس نفسها أمام أربعة خيارات. ثلاثة منها بالغة الصعوبة، والرابع يمثل مخرجاً إذا تحقق، تسجل حماس من خلاله نقطة كبيرة في سجلها، ويجعلها تتقدم بقوة وثقة أكبر على طريق أخذ مكانها في النظام السياسي الفلسطيني.

وقبل أن نعرض الخيارات التي أمام حماس، نذكر أن حماس قبل عملية كرم أبو سالم كانت في وضع صعب جداً، فهي وصلت الى الحكم ولكنها غير قادرة على الحكم، ومطالبة إما بالموافقة على الشروط الإسرائيلية الدولية وإما بالتنازل عن الحكم.

وبعد هذه العملية، إما أن تفرز حماس وجودها في السلطة وتتمكن من الحكم منفردة أو بمشاركة فتح والقوى الأخرى، وإما تخسر الحكم، لأنها وكمن فضل المقاومة على السلطة، ولكن حماس إذا سقطت من الحكم ستأخذ معها السلطة بأسرها. فلا مستقبل للسلطة إذا أسقطت الحكومة (حكومة حماس) تحت ضربات العدوان الإسرائيلي.

فما هي الخيارات أمام حماس؟

الخيار الأول: الإفراج عن الجندي الأسير دون مقابل، وهذا الخيار إن تحقق سيلحق ضرراً كبيراً بحماس، سيؤثر على دورها كله. إذ سينظر إليها الجمهور الفلسطيني والعربي والإسلامي، على أنها فضلت حماية رأسها على مصلحة القضية، وقايضت الجندي بوجودها في السلطة. وهذا الخيار سيفجر نقمة مكبوتة (عدم توفير الرواتب) في وجه حماس، تم كبتها سابقاً بسبب التعاطف معها في وجه الحصار الخانق. ولن يكون مبرراً لكبتها لاحقاً.

الخيار الثاني: هو دفع المجابهة حتى آخر مدى، حتى لو أدى ذلك إلى خسارة حماس للحكم وانهيار السلطة. وهذا الخيار سيكلف حماس والشعب الفلسطيني غالياً، يتمثل باغتيال عدد من قيادتها وكوادرها وعناصرها، ووضع عدد أكبر منهم في السجون، وإغلاق مؤسساتها ومكاتبها، وضرب المؤسسات الفلسطينية والبنية التحتية لجعل الفلسطينيين مستنزفين كلياً في البحث عن لقمة عيشهم واحتياجاتهم المختلفة، بما يصرف أنظارهم عن المقاومة.

الخيار الثالث: أن تتمكن حماس من عقد تسوية مع اسرائيل، وذلك عن طريق عقد صفقة تبادل أسرى، أو صفقة أكبر تتضمن إضافة الى تبادل الأسرى اتفاقاً على وقف اطلاق نار متبادل. وهذا إن حدث سيعطي حماس نصراً واضحاً، ويعزز وجودها في الحكم، ويساعد في تحولها الى حركة سياسية، وقد يمهد الطريق للاعتراف بها كطرف معتدل ومسؤول، يمكن التفاوض معه بالمستقبل.

الخيار الرابع: أن يتم عقد صفقة تبادل أسرى، يتم فيها إطلاق الجندي الأسير، مقابل وعد بإطلاق أسرى فلسطينيين في وقت لاحق، لا يتجاوز نهاية العام الحالي، على أن يتم ذلك كبادرة حسن نية تقدمها اسرائيل لأبو مازن وليس لحماس. وإذا تمت هذه الصفقة، وشملت اطلاق سراح الوزراء والنواب والمعتقلين وعدد من المعتقلين منذ سنوات طويلة، إضافة للأطفال والمرضى والنساء، تخرج حماس بوضع متعادل. لا رابحة ولا خاسرة.

وبعد أن تحولت قضية الجندي الأسير الى قضية رأي عام فلسطيني وإسرائيلي، أصبحت مسألة تبادل الأسرى واردة أكثر من السابق، بصرف النظر عن الكيفية التي سيتم اخراجها بها. وبالتالي تكون الأحداث قد تجاوزت الخيار الأول، خيار إطلاق سراح الجندي الأسير دون مقابل.

يبقى لدينا ثلاثة خيارات: استمرار المجابهة أو الاتفاق على صفقة محدودة أو شاملة مع حماس أو عقد الصفقة مع الرئيس أبو مازن.

المتتبع لمسار العدوان الإسرائيلي، يلاحظ أن حكومة أولمرت بدأت تفتش عن السلم الذي تنزل من خلاله عن الشجرة العالية التي صعدت اليها، بإعلان أن هدف عملية أمطار الصيف احداث "تغيير استراتيجي" في قواعد اللعبة، وفي النظام السياسي الفلسطيني. فقد تراجع أولمرت بالأمس عن الأهداف الكبرى السالفة الذكر ليحصر أهدافه بإطلاق سراح الجندي ووقف إطلاق الصواريخ. وهذا التحول في الموقف الإسرائيلي، ما كان له أن يحدث لولا موقف الإجماع الفلسطيني من مسألة اطلاق سراح الجندي دون مقابل، والإصرار على الاتفاق على عملية تبادل أسرى. ولولا اليقظة التي تحلت بها حركة فتح حين رفضت الوقوع في الفخ الإسرائيلي الذي تمثل في تزيين عودتها الى السلطة على ظهر الدبابة الإسرائيلية وبحجة ملء الفراغ القانوني الناجم عن اعتقال ثلث الوزراء وأكثر من 62 نائباً، اضافة الى حالة الشلل التي تعاني منها الحكومة بسبب تداعيات العدوان بكل أشكاله في غزة والضفة. كما أن المبادرة التي أطلقها اسماعيل هنية والتي تقوم على الدعوة للعودة الى مربع التهدئة ووقف العمليات العسكرية من الجانبين، والتفاوض حول الأسرى، وضعت اسرائيل في الزاوية. فالرفض الإسرائيلي للمبادرة أوضح ان أهداف العدوان أكبر من اطلاق سراح الجندي ووقف اطلاق الصواريخ، وهذا ما أدى الى بداية تآكل الدعم الدولي للعدوان الإسرائيلي. فأوروبا انتقدت العدوان بعد أن أعطته ضوءاً أخضر، وأميركا أخذت تشدد على شروطها بعدم المساس بأبو مازن والمدنيين والبنية التحتية. وتلمح إلى أن التفويض الذي أعطته لإسرائيل بالدفاع عن النفس ليس إلى الأبد، فلا بد من أن تدخل الإدارة الأميركية على خط محاولة حل الأزمة قبل أن تفلت المسألة كلها من يدها ومن يد اسرائيل.

وساهم في إفشال العدوان الإسرائيلي، الذي اعترف بفشله وزير الحرب الإسرائيلي، ان إعادة دخول غزة، ليس نزهة سهلة، فرغم كل الدمار والموت والمعاناة، شهد قطاع غزة مقاومة شرسة، واستمر اطلاق الصواريخ رغم سيطرة القوات الاسرائيلية على منطقة الحزام الآمن في شمال غزة. كما أن إعادة اقتحام غزة يمكن أن تضعف وحتى توجه ضربة قاصمة لخطة أولمرت "للانسحاب" من الضفة. فكيف يمكن أن تمرر هذه الخطة في الوقت الذي تضطر فيه القوات الإسرائيلية للعودة إلى غزة. وفي كل الأحوال سيقوى في اسرائيل أنصار ضرورة وجود شريك فلسطيني حتى لتطبيق خطوات أحادية الجانب. وهذا يتطلب اعطاء الفلسطينيين ما يبرر مشاركتهم في تنفيذ هذه الخطوات وما يطالب به الفلسطينيون للمشاركة أكبر بكثير من الحد الأقصى الذي يمكن أن يعطيه أولمرت. لذا حكومة أولمرت في مأزق، رغم تفوقها العسكري، والدعم الأميركي المطلق، ورغم أن الاتجاه المركزي في اسرائيل يؤيد خطة الانطواء، فهي تستطيع أن تقتل وتدمر وتحتل وتعتقل ولكنها لن تجلب أمناً ولا سلاماً ولا استقراراً للشعب الفلسطيني ولا لاسرائيل.

أمام ما تقدم، هل سنشهد انفراجة سريعة للمأزق الحالي؟ استبعد ذلك، فإسرائيل لا تريد أن تتفاوض مع حماس، أو تعقد صفقة تقوي حماس، أو تقوي المنطق الفلسطيني الذي يرى أن اسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة، لغة المقاومة، وان مسألة اطلاق سراح الأسرى، لن تتم إلا عن طريق أسر جنود ومستوطنين اسرائيليين لعقد صفقات تبادل أسرى. ولذلك سيستمر العدوان على أمل أن تستطيع اسرائيل أن تطلق سراح الجندي وتوقف اطلاق الصواريخ بأقل التكاليف. كل الاحتمالات تبقى مفتوحة، ولكن المؤشرات إلى حاجة الأطراف الى تسوية تتزايد، رغم ان الصفقة لم تنضج حتى الآن.

ويبدو أننا دخلنا، أو نكاد ندخل في مرحلة عض الأصابع، من يصرخ أولاً يخسر، ومن يصمد يربح!!.

 

مشاركة: