الرئيسية » عبد الستار قاسم »   14 شباط 2016

| | |
قضاء الحكم الذاتي الفلسطيني
عبد الستار قاسم

مجددا وللمرة السابعة تقوم السلطة الفلسطينية باعتقال الكاتب وذلك يوم 2 فبراير/شباط الجاري على خلفية دفاعه عن ضرورة تطبيق القوانين المعمول بها والصادرة عن منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية.
أجرت فضائية ‘القدس’ التي تبث من بيروت لقاء معي حول الوضع الفلسطيني، طالبت فيه بإعادة الحياة إلى قانونين فلسطينيين هما القانون الثوري لمنظمة التحرير الصادر عام 1979، وقانون الانتخابات الصادر عام 2005 والذي يحدد مدة رئاسة السلطة الفلسطينية بأربع سنوات فقط.
هناك نصوص في القانون الثوري الفلسطيني تقول إنه يعاقب بالإعدام كل من يتخابر مع إسرائيل أو يتعاون معها أو يعرقل عمل قوات الثورة ضدها.. إلخ، وقد ذكرت النص على الهواء، علما بأن القانون الثوري هذا معمول به حتى الآن وتمت محاسبة بعض عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية الذين هربوا من غزة أمام قوات حماس عام 2007، لكن أغلب الناس -بمن فيهم بعض القانونيين- لا يعرفون عنه شيئا.
أما قانون الانتخابات الفلسطينية فيجعل من رئيس السلطة الحالي غير شرعي لأنه تم تجاوز القانون بسبع سنوات. عباس انتهت مدت رئاسته عام 2009، ونحن الآن في العام 2016، وبالتالي هو الآن ليس ما يسمى بمقامات عليا.
يبدو أن أركان السلطة الفلسطينية راعهم وأرعبهم التنبيه إلى هذين القانونين لأنهم يخالفون بنود القانون الواردة، ورئيس السلطة الفلسطينية يخالف قانون الانتخابات، ولهذا قرروا افتعال أزمة من خلال تلفزيون ‘فلسطين’ الرسمي. أقدم تلفزيون ‘فلسطين’ على استقدام مقابلة لي مع تلفزيون ‘القدس’، وبث مقاطع منها يصعب التحقق منها كأدلة.
واستضافت القناة شيخا ليصدر فتوى إخراجي من ملة الإسلام، وأستاذا جامعيا لإخراجي من ملة العلم.. لم يقرأ أي منهما نصي القانونين للمشاهدين، واكتفيا بكيل الاتهام بأنني أدعو إلى قتل الرئيس إعداما، وهذا ما ركزت عليه منسقة البرنامج أيضا، وأصرت على أنني أنتحل صفة محلل سياسي، وعلى أنني ما يسمى بروفيسور. واضح أن إنجازاتي العلمية لا تعجبها، ونرجو الله أن تتطور هي علميا لتسد العجز في المكتبات العربية.
حقيقة أنا لم أدعُ إلى قتل أحد أو إعدام أحد، لأن هذا الأمر من شأن المحكمة لا من شأني، وجدليتي أن الأمم التي لا تحترم القانون لا يمكن لها أن تقف على أقدامها أو أن تتحرر. وطبعا أصرّت المذيعة المسكينة على كيل الاتهامات والتوجه بأسئلة للانتقاص من مكانتي العلمية، مع العلم أنه تم إعدام فلسطينيين في لبنان بناء على هذا القانون وبسبب التخابر مع العدو.
فيما يخص عملية الاعتقال، فقد كنت على وعي بأن السلطة الفلسطينية ستقدم على اعتقالي، وكنت جاهزا، بخاصة أن حقيبة ملابس السجن جاهزة على الدوام. وبينما كنت عند مدخل بيتي يوم 2فبراير/شباط الجاري، فوجئت بسيارة الشرطة الفلسطينية تقف أمام منزلي.. هبط منها ثلاثة من رجال الشرطة وهجموا عليّ قائلين: ‘هات الهوية وهات الهاتف الخلوي ويَلا معنا’.
طلبت منهم أن يتريثوا قليلا لكي أبلغ زوجتي زين النساء عن الاعتقال، وآتي بحقيبة الاعتقال وأقفل باب البيت، ولكنهم رفضوا وتصرفوا بعنجهية مطلقة. كان ملحّا أن أتحدث مع زوجتي لأننا عائلة معرضة للاعتداءات من قبل زعران وبلطجية وشبيحة النظام، وإذا كان لها ألا تتواصل معي فإنها ستهيم حزينة جدا وحائرة.. المهم أنهم رفضوا، علما بأن الضابط الصهيوني الذي اعتقلني عام 2014 قدم كل التسهيلات لي كي أتحدث مع عائلتي.
التحقيق كان المرحلة الثانية، ووجه لي وكيل الادعاء السيد صبحي حلوة من سكان مخيم جنين ثلاث تهم، وهي النيل من هيبة الدولة، والترويج لأخبار كاذبة، وذم مقامات عليا، أي رئيس السلطة الفلسطينية.
بالنسبة للنيل من هيبة الدولة، نفيت وجود دولة فلسطينية، وما هو موجود فقط هو حكم ذاتي لا هيبة له. أما الترويج لأخبار كاذبة فتبين أن وكيل الادعاء يتحدث عن خبر نشره أحد أركان السلطة الفلسطينية حول إجهاض 200 محاولة فلسطينية ضد الصهاينة. أما الثالثة فقلت إنها غير صحيحة لأنه لا يوجد لنا في فلسطين مقامات عليا، إذ لا يوجد من الناحية القانونية رئيس للسلطة الفلسطينية.
وكيل الادعاء هذا رفض أيضا أن أتحدث مع زوجتي، وبعد انتهاء التحقيق طلب من الشرطة السماح لي بالاتصال بزوجتي، لكن الشرطة لم تطع الأمر وبقيت دون اتصال.
أما زين النساء (أم محمد) فقد اتصلت بي على الهاتف الخلوي ولم تجد جوابا، وعادت بمفردها إلى البيت.. وجدت باب البيت مفتوحا، وبحثت عني دون جدوى.. طفقت تسأل الجيران، ولم يسعفها أحد برؤيتي. لقد ارتابت جدا، خاصة أننا مهددون كما قلت.. انهارت ابنتي ميس باكية، وقام جارنا بفحص البيت، ووجد أن غرفة مقفلة بالمفتاح فكسر الباب ظنا منه أنني في الداخل ميت.
ازداد التوتر مع عدم وجودي داخل الغرفة، فتذكرت زوجتي آلات التصوير المنتشرة حول بيتي ففحصتها ورأت على الشاشة سيارة الشرطة ورجالها. وقد نشرت فضائيات عدة صور الشرطة الفلسطينية على الملأ وهي متلبسة بهجوم على فلسطيني لا يتم التعامل معه كمواطن.
المرحلة الثالثة تتمثل في إيداعي السجن.. أخذوني إلى سجن الجنائيين في مدينة نابلس لأنهم يعملون جاهدين دائما على عدم الاعتراف بوجود سجناء سياسيين لديهم مخافة رد فعل بعض الدول الأوروبية.. وضعوني في غرفة المسجونين بسبب الصكوك المالية الراجعة.
الغرفة قذرة جدا ورائحتها كريهة ومكتظة بالمعتقلين.. مرافقها الصحية غير صحية، ولا يمكن للمصلي أن يتطهر فيها. أما الصراصير فتتجول في الغرفة بحرّية، وقد دخل صرصور (أو على رأي الممثلة المصرية شيرين سرسراية حبنا) في أذني أثناء نومي.
من المهم أن أشير إلى أن تعامل أفراد الشرطة الفلسطينية معي أيام الاعتقال كان لطيفا وجيدا، ولم يحاول أي فرد الإساءة لي، وهؤلاء هم الذين يعبرون عن الأخلاق الفلسطينية الحقيقية.
وقد عقدت محكمة نابلس جلسة لتمديد توقيفي برئاسة القاضي عبد الرحمن حسين وحضور وكيل النيابة يسار حجاز. علمنا قبل انعقاد الجلسة القضائية أن توقيفي تمدد 15 يوما. وقد رد القاضي طلب الإفراج بالكفالة ومدد توقيفي 15 يوما لاستكمال التحقيق، على الرغم من أن وكيل الادعاء قال لي إن التحقيق قد انتهى.
تمديد التوقيف من صلاحية القاضي، وليس من صلاحية أي جهة أخرى، لكن يبدو أن هناك سلطة أعلى من سلطة القضاء وعلى القاضي أن يلتزم بأوامرها. كيف لقاض أن يقبل تمديد توقيف متهم خارج غرفة القضاء؟ هذا يحصل في فلسطين للأسف. أما وكيل الادعاء يسار حجاز فأتى إلى المحكمة بدون ملف القضية، فقام محامي الدفاع بتقديم الملف للقاضي. ترافع المحامي حول مسألة إخلاء السبيل بالكفالة، لكن القاضي أعطى حكمه بسرعة ورد طلب الإخلاء.
لقد قدم المحامي مرافعة متكاملة حول إخلاء السبيل، وقدم بيّناته القانونية، وأدركت أن القاضي سيأخذ وقتا لدراسة المرافعة، لكن القاضي لم يكترث وأصدر حكمه بسرعة، وهذا ما أكد لي صحة المعلومات التي تم الحصول عليها من خارج غرفة القضاء بأن الحكم صدر خارج إرادة القاضي وتقييمه للأمر.
قدم المحامي طلب إخلاء سبيل بعد ثلاثة أيام وقبل القاضي الطلب وخرجت يوم السابع من الشهر الجاري، أي أن المسألة لم تنته، وأنا بانتظار المحكمة، والريبة الآن ليست مباشرة من القاضي، وإنما من القوى الخارجية التي تضغط على القاضي.
لاحظت أثناء جلسة المحكمة الصورية أن تهمة رابعة قد أضيفت إلى لائحة الاتهام.. لم يسألني أحد عنها من قبل، وهي تهمة إثارة الفتن المذهبية. تولى محامي الدفاع تفنيد هذه التهمة قائلا بأنه لا يوجد في فلسطين مذاهب متنازعة يمكن أن يبث أحد الفتنة حولها، فضلا عن أنني لم آت على ذكر طوائف في مقابلتي التلفازية.
وأخيرا أؤكد أنني لم آت على ذكر جهات أو أشخاص معينين، وأن تلفاز ‘فلسطين’ وضيوفه والقضاء الفلسطيني لم يستندوا إلى معلومات ونصوص قطعية من أقوالي، وإنما استندوا إلى تحليلات وتفسيرات لنوايا زعموا أنها عندي.
وقد جرّحت في أدلة قدمها وكيل الادعاء على اعتبار أنها مواد مبثوثة إلكترونيا. المواد المبثوثة إلكترونيا لا تشكل أدلة أمام القاضي، لأن الإشارة الإلكترونية تخضع للكثير من التزوير والتحوير بمجرد أن خرجت من مصدرها.
هكذا كان الأمر أمام المحقق الصهيوني الذي حقق معي عام 2014.. لقد قلت له ألا يعرض علي أي مواد مبثوثة إلكترونيا لأنها ليست صادرة عني، وفعلا التزم ولم يقدم أي ورقة أو قول مبثوث إلكترونيا أمام القاضي.
الجزيرة نت، الدوحة، 12/2/2016

مشاركة: