الرئيسية » أحمد جميل عزم »   12 نيسان 2016

| | |
ما بعد هبة فلسطين وثورة مصر
أحمد جميل عزم

رغم أنهما موضوعان منفصلان من كثير من الجوانب إلا أنّ هناك ما هو مشترك في الظاهرتين: ثورة يناير المصرية عام 2011، وهبة فلسطين الأخيرة، وتحديداً مسألة الجيل الجديد، المحاصر بظروفه والمنفلت في ذات الوقت من منظومة معقدة تجمع أركانا من القوى السياسية القديمة، بما فيها النظام أو الفئات المسيطرة والأحزاب والقوى المعارضة التقليدية.
عندما جرت ثورة يناير المصرية، حرّكها إلى حد كبير، شبان مستقلون، نشطوا لسنوات في أنماط عمل جديدة بالاستعانة بتكنولوجيا الاتصال الحديثة (وسائل التواصل الاجتماعي)، لم ينتموا لأحزاب، أو تحركوا دون قرار من أحزابهم. واستفادوا، دون تخطيط، من حقيقة أنّ نظام محمد حسني مبارك، كان قد أبعد أو أغضب قوتين أساسيتين؛ الأولى هي الإخوان المسلمون، الذين لم يسمح لهم بالفوز بأي مقعد في الانتخابات البرلمانية التي اختتمت في الشهر السابق للثورة، بعد أن حصلوا على 88 مقعدا في انتخابات 2005، وبالتالي لم يعد لدى هذه القوة ما تخسره إذا واجهت النظام، والقوة الثانية هي الجيش القلق من سيناريوهات توريث الحكم لأبناء الرئيس المتحالفين مع رجال أعمال جدد يهددون نفوذ القوات المسلحة السياسي. 
في عام 2015، ظهرت مجموعات من الشبان الفلسطينيين، يقدر عددهم بالمئات، نزلوا للشارع، وقاموا بمواجهات على الحواجز الاحتلالية، وقامت أعداد منهم بالطعن والدهس وحتى إطلاق نار من أسلحة بعضها بدائي مصنّع محليّاً، ضد الاحتلال. وأحد معالم التشابه بين الحالتين؛ الثورة المصرية والهبّة الفلسطينية، هي أنّ من يقوم عليها مجموعات محاصرة بالوضع السياسي والاقتصادي والأمني، المتردي، وتشعر بقلق شديد إزاء واقعها ومستقبلها، كما تشعر أنّ القوى المسيطرة اجتماعياً وسياسيّاً تهمشها، ولا تقيم لها اعتباراً، فلا تحقق التنمية والحياة الكريمة في الحالة المصرية، وتعطي فئات قليلة هيمنة في المجتمع المصري، ولا تواجه الاحتلال أو تحقق التنمية في الحالة الفلسطينية. وفي الحالتين هؤلاء الشبان متحررون من قيود الحياة السياسية، فلا هم مرتبطون بسلم رواتب أو مكاسب يوفرها النظام، ولا هم جزء من أحزاب أو فصائل خاضعة لمعادلات تكبل علاقاتها وأداءها. 
 انتهت الثورة المصرية، بعودة الجيش قوة وحيدة تقريباً، بعد إزاحة الإخوان المسلمين، وتحجيم طموحات رجال الأعمال والاقتصاديين الذين كانوا قد بدأوا يرفضون العمل تحت مظلة النظام القديم الذي يسيطر عليه الجيش، ويريدون الانفراد بالسلطة، والأهم تم توجيه ضربة للشبان الذين فجروا الثورة، من خلال اتهامهم بالتبعية والعمالة لأجندات خارجية، وسجنهم، وتوريطهم في ملفات وصراعات مختلفة، ومع حقيقة أنّه لا تنظيم دائما للشبان، ومع تقدمهم بالسن لم يعد ممكناً الحفاظ على الحالة الثورية. 
فلسطينياً، يختلف الأمر قليلاً، بأنّ الهبة لم تكن بالحجم الجماهيري الكبير، وبالتالي رد الفعل المضاد أيضاً ليس كبيراً، وفيما تم اجتياح كل شيء في مصر، وتأسيس منظومة جديدة متمكنة من مقاليد الأمور، إلا أنها لا تستطيع تقديم حلول سياسية واجتماعية واقتصادية، فإنّه في الحالة الفلسطينية ما يزال الجيل الجديد موجودا بحيوية وقوة وبذات الظروف والمعطيات، أي الشعور والمعاناة من سياسات وممارسات وواقع الاحتلال، وعجز القيادة والقوى السياسية، أو ارتهانها لمنظومة تنسيق مع الاحتلال، وهذا الجيل لا يشعر بأنّ الانتماء لمنظومة السلطة الفلسطينية وأجهزتها وفصائلها يشكل طموحا أو حلا لمشكلاته الشخصية والجمعية.   
إذن، في الحالة المصرية تستمر المعطيات الاجتماعية والاقتصادية المحرضة على الرفض شعبيّاً، ويصبح السؤال هل يظهر جيل جديد في مصر، لديه كثير من مقومات أسباب التحرك الذي حرك شبان الثورة في 2011، ولكنه حذر من التورط والعثرات والكمائن السياسية والأمنية التي نُصبت وأوقَعَت شبان الثورة فيها، أو وقعوا هم فيها، ومدرك لأهمية التفكير بعيد المدى؟ ويحدد مسارا ما، ليس بالضرورة أن يكون ثورة. 
فلسطينياً، فإنّ الشبان الذين جربوا هبة أكتوبر (تشرين الأول) 2015، ما يزالون موجودين، بذات الظروف تقريباً، سوى أنّ لديهم تجربة، وأعدادهم تزداد بحكم دخول أشخاص جدد للفئة العمرية التي يتكونون منها، وقد تتجدد الهبة وقد لا تتجدد، ولكن في ظل الظرف الحالي فإننا أمام جيل يبحث عن طريق جديد. 

مشاركة: