الرئيسية » محمد ياغي »   08 أيار 2016

| | |
الإسلاميون والغرب
محمد ياغي

موقف الغرب من الإسلاميين يعتريه الكثير من الغموض بسبب ما يبدو وكأنه تناقض في المواقف المعلنة في الغرب منهم. الرافضون للتيار الديني السياسي يشيرون الى أن الغرب حليف للإسلاميين في كل من ليبيا وسورية، ويشيرون إلى الاتصالات بين الإخوان المسلمين في مصر والولايات المتحدة. الإسلاميون بدورهم يشيرون الى حالة العداء والحصار التي يفرضها الغرب على الإسلاميين في كل من فلسطين ولبنان وإيران. وهنالك طرف ثالث يشير الى كون التيار الإسلامي "غير موحد" ويقولون إن إخوان سورية مدعومون من الولايات المتحدة، في الوقت الذي تحتضن فيه سورية "حماس" و"حزب الله" وهما على قائمة الإرهاب الغربي. أين تكمن الحقيقة وكيف يمكن فهم الموقف الغربي من التيار الإسلامي من جهة، وموقف التيار الإسلامي من الغرب من الجهة المقابلة؟

إن ما يبدو تناقضاً للوهلة الأولى في الموقف الغربي، إذا ما تم تحليله من منظار العلاقات الدولية، لا يعد تناقضاً، بل هو منسجم مع جوهر السياسات الغربية عموماً. منطلق التحليل أن الدول الغربية يهمها في نهاية المطاف مسألتان: مصالحها الاقتصادية، ومصالحها الجيوسياسية. الديمقراطية ليست الخيار الأول للغرب لا في منطقة الشرق الاوسط ولا في أي مكان آخر من العالم. الاولوية للدول العظمى لمصالحها. في العام 1982 عندما قام حافظ الأسد بتدمير حماة فوق رؤوس سكانها وقتل الآلاف من التيار الإسلامي لم يتعرض نظام الأسد في حينه لكلمة انتقاد واحدة. على العكس تماماً، الغرب قام بتشجيع الأسد ووفر له الغطاء الدولي للقيام بمجزرته تلك.

في العام 1992 عندما قام الحيش الجزائري بانقلابه على نتائج الانتخابات البرلمانية التي فازت بها جبهة الإنقاذ الجزائرية الإسلامية، قامت فرنسا والولايات المتحدة بالدفاع عن موقف الجيش "الانقلابي" باعتباره الحامي للدستور. حينها جرى تصوير جبهة الإنقاذ -والتي فازت بأغلبية ساحقة في جولة الانتخابات البرلمانية الأولى- على أنها عدو لحقوق المرأة والأقليات وعدو للديمقراطية أيضا، بالرغم من أن تصريحات السيد عباس مدني في حينه وهو زعيم جبهة الإنقاذ كانت واضحة بأن حركته لن تقوم بفرض أية تشريعات تنتقص من حقوق المرأة الجزائرية ولن تفرض عليهن اللباس الشرعي. الغرب حينها دعم الجيش الجزائري مالياً ووفر له غطاء الشرعية لقمع الإسلاميين ومصادرة إرادة الناخبين لسببين: الأول لأن جبهة الإنقاذ أعلنت بأنها ستقوم بإعادة دراسة جميع عقود استثمارات النفط التي تمت ترسيتها على شركات فرنسية تحديداً "بالرشى". بمعنى الخوف من أن برنامج مكافحة الفساد الذي رفعته جبهة الإنقاذ وانتخبت على أساسه سيطال مصالح الشركات العابرة للقارات. والثاني لأن جبهة الإنقاذ وقفت ضد الحرب التي شنت على العراق العام 1991. وهو ما يعني بأن وصولها للحكم ستترتب عليه تبعات سياسية قد تهدد استقرار المنطقة على النحو الذي يفهمه الغرب. الاستقرار عبارة عن كلمة يقصد بها دائماً أمن إسرائيل وأمن منابع البترول وخطوط نقله، والمصالح الاقتصادية التجارية الأخرى. لذلك لم يكن غريباً أيضاً، أن تجري معاداة "حماس" عندما فازت في الانتخابات التشريعية الفلسطينية العام 2006 لانها تهدد "الاستقرار" على النحو الذي يفهمة الغرب.

ما الذي تغير إذا حتى أصبح "إخوان" سورية و"إسلاميو" ليبيا حلفاء للغرب. وأصبح الغرب فجأة نصيراً للديمقراطية في كل من البلدين بالرغم من ان "الغرب" مثلاً كان شديد الخجل في دعمه لثورة مصر، وحاول خلالها جاهداً إحداث تغيير شكلي في النظام من نوع استبدال مبارك بنائبه لإسكات الثورة. وفي تونس لا زلنا نذكر أن وزيرة الخارجية الفرنسية ناقشت فعلاً مسألة إرسال أسلحة لحكومة بن علي لقمع الثورة الشعبية. الحقيقة بأن موقف الغرب لم يتغير. الغرب يريد الإطاحة بالأسد بسبب مواقفه السياسية المتمثلة في دعمه أولاً لحزب الله، وبسبب علاقته ثانياً بإيران، وبسبب علاقته بـ"حماس" ثالثاً. بمعنى بسبب وجوده كعامل مانع "للاستقرار" في المنطقة. لكن الغرب ليس من السذاجة بحيث يسمح للإسلاميين بالوصول للسلطة في سورية. بمعنى ان الغرب لم يغير موقفه من "إخوان" سوريا، لكنه يقوم باستغلالهم لإضعاف النظام السوري فقط حتى يقوم بفك تحالفاته مع حزب الله وإيران و"حماس". الانتفاضة الشعبية في سورية حقيقية وقوة زخمها حقيقية أيضاً وقد تتطور مع الوقت لتشمل جميع مدن سورية. لكن الغرب ليس معنياً بالديمقراطية في سورية ولن يمكن الإخوان، إذا ما اعتقدوا ذلك- ولا نعتقد بأنهم "سذج"- من الوصول للحكم. مصير سورية سيكون مثل مصير ليبيا: تقسيم وتدمير للبلد في حالة التدخل الخارجي لأن المطلوب من سورية ليس الديمقراطية، ولكن فك التحالف السالف الذكر.

ولأن الإسلاميين عدو "للاستقرار" كما يفهمه الغرب، فلن يجري تمكين الإخوان من الوصول للسلطة لأن الهدف سيكون ليبيا جيدة. بمعنى تقسيم للبلد بهدف إضعافه وتركه في حالة فوضى لا يتمكن خلالها من الالتفات لشيء آخر باستثناء دفاعه الدائم عن وجوده كبلد، وهو الوضع الحالي في العراق. لا زلنا نعتقد بأن إخوان سورية يقومون أيضاً بممارسة لعبتهم السياسية وهو محاولة دفع النظام الغربي لممارسة المزيد من سياسات العزل الدولي للنظام في سورية بهدف إضعاف شرعيته ولدفع قطاعات جديدة من السوريين للمشاركة في الثورة الشعبية. لكن علينا أن نحذر أيضا، من نموذج ليبيا، فإسلاميو ليبيا رحبوا بالتدخل الخارجي ولا نعتقد بأن نتائج ذلك أصبحت خافية على أحد. لا زلنا نأمل بأن تبقى الحركة الشعبية في سوريا سيدة نفسها، وأن لا تستهويها فكرة التدخل الخارجي حتى لو تمت عن طريق تركيا.

صحيح أن الموقف التركي يبدو مؤيداً للحقوق العربية بعد مجيء حزب العدالة والتنمية للحكم، لكن علينا أن لا ننسى بأن تركيا دولة في حلف الناتو، وإذا ما تدخلت عسكريا فهي ستقوم بتنفيذ ما يطلب منها "غربياً" ولهذا يجب التحذير من المواقف الساذجة التي تعتقد بأن "الأيديولوجيا" بمعنى وجود حزب إسلامي على رأس الدولة في تركيا سيمنعها من تنفيذ مخطط معاد لمصالح العرب في سورية. العلاقات الدولية تحكم العمل العسكري "حجماً ونوعاً وهدفاً". لهذا حتى لو كانت رغبة تركيا صادقة مئة بالمئة في الدفاع عن شعب سورية وفي تسليم الحكم للتيار الإسلامي السوري باعتباره حليف إستراتيجي لها، فإن الغرب لن يسمح بذلك وسيضع حدوداً على حجم التدخل التركي وعلى أهدافه، بما يفضي في نهاية المطاف الى نموذج ليبي جديد. دعونا نسمّ هذا النموذج الحديث في علم سياسة بنموذج "الدولة المعطلة" –-dysfunctional state بمعنى الدولة تبقى قائمة لكنها مجزأة وعاجزة عن القيام بأي شيء لأن كل طرف فيها مشغول بمحاولة الحفاظ على نفسه.

بدأنا الحديث بأن الموقف الغربي يبدو متناقضاً، وأن موقف الإسلاميين يبدو متناقضاً أيضاً. الموقف الغربي ليس متناقضاً لأنه منسجم مع مصالحه. موقف الإسلاميين في سورية أيضاً ليس متناقضاً لأنه منسجم مع مصالحهم. لكنه بالتأكيد سيصبح متناقضاً ومبتذلاً أيضاً إذا ما قاموا بطلب تدخل خارجي تركي أو غربي بشكل عام. الثورة في إيران استمرت ثمانية عشر شهراً قبل أن تتمكن من إسقاط الشاه. الشعب الإيراني هو من أسقط الشاه الذي كان يتمتع برعاية الغرب وحمايته. السوريون ليسوا أقل، نظامهم فعلياً معزول عالمياً بمعنى أنه أضعف من نظام الشاه، وهو ما يجعل من التفكير في طلب تدخل "خارجي" جريمة بحق أنفسهم أولاً، وبحق مصالح العرب جميعاً أيضاً.

 

 

مشاركة: