الرئيسية » هاني المصري »   12 آذار 2013

| | |
مصر وأسئلة المصير
هاني المصري

 

ما يحدث في مصر من خلافات إلى حد الصّدام وتدهور الوضع الاقتصاديّ والأمنيّ ينذر، إذا استمر الحال، بثورة الجياع التي إذا اندلعت فإنها لا تُبقي ولا تذر.

هل ما يجري في مصر مجرد أعراض وعوارض لسيرها نحو المستقبل كما يقول الأستاذ محمد حسنين هيكل، أم أنه من المحتم الصدام بين الجيش والإخوان، لأن ما يجري في مصر ثورة تاريخيّة وليست ديمقراطيّة، وهي تقودها إلى الدمار كما صرح هنري كيسنجر، أحد أبرز المنظّرين الصهاينة، وصاحب سياسة الخطوة خطوة التي أدت في النهاية إلى معاهدة كامب ديفيد وخروج مصر من الصراع العربي الإسرائيلي.

هل سيكون هناك توافق بين الإسلام السياسي والقوى المدنيّة؟ وهو الخيار الوحيد القادر على إنقاذ مصر.

إنّ خلاص مصر يكمن في حدوث توافق وطني وهو لن يكون إلا إذا: أولًا، تخلى الإخوان المسلمون عن احتكار السلطة وسعيهم لأخونة مصر بسرعة جنونيّة، يريدون فيها تعويض أكثر من 80 عامًا من المعارضة والمعاناة. على (الإخوان) أن يعترفوا بأن مصر للجميع، للإخواني واليساري والقومي والليبرالي، للمسلم والقطبي، ولا يمكن أن يفرض عليها اتجاه أيديولوجيّته وبرنامجه ولونه حتى لو حصل على أغلبيّة في دورة انتخابيّة واحدة.

وثانيًا، إذا تخلّت المعارضة عن مساعيها لإسقاط الإخوان واعترفت بوجودهم وحقهم في الحكم، لأنهم حصلوا على الأغلبيّة.

مصر بحاجة إلى شراكة واعتراف من كل طرف بالأطراف الأخرى، لأن جميع القوى – وإن بشكل متفاوت- وليس فقط الإسلام السياسي بحاجة إلى الإيمان بالديمقراطيّة والتعدديّة والتنوع والشراكة واحترام الرأي والرأي الآخر، وهذا بحاجة إلى تشجيع ثقافة الحوار وإلى إرادة سياسيّة تقبل الآخر.

الوفاق الوطني يمكن أن يتحقق أساسًا بإقرار دستور توافقي لا يخضع للأغلبيّة والأقليّة، لأن هناك قضايا تمثل "ركائز المصلحة الوطنيّة العليا"، وتحدد ما يجب أن يتوافق عليه الجميع، ولا تخضع للتغيير بعد نتيجة أي انتخابات قادمة؛ وبضمان حقوق الإنسان وحرياته الأساسيّة، والمساواة بين المواطنين، وإقامة نظام ديمقراطي يتحقق فيه مبدأ فصل السلطات واستقلالها، وسيادة القانون، ومبدأ تداول السلطة، وفصل الدين عن السياسة وموقعه في النظام السياسي، بحيث لا يمكن إقامة نظام باسم الدين، كما لا يمكن تجاهل أهميّة الدين وتأثيره، خصوصًا الدين الإسلامي ودوره في تكوين الحضارة المصريّة والعربيّة، وموقع مصر ومكانتها في المنطقة بوصفها قائدة للأمة العربيّة.

بعد إقرار الدستور التوافقي يكون من الأهميّة إقرار قانون للانتخابات؛ يمكّن الجميع من المشاركة بعدل، حتى يأخذ كل حزب وحركة وتجمع ما يستحقه في الانتخابات من دون تفصيل ذلك القانون على مقاس حزب أو جماعة.

إن الانتخابات الدوريّة المنتظمة في جميع القطاعات وعلى مختلف المستويات ضروريّة لأي نظام ديمقراطي، لكن الديمقراطيّة لا يمكن تقزيمها في الانتخابات، فقد تقود الانتخابات فقط إلى نظام استبدادي فاسد يتغطى بقشرة ديمقراطيّة زائفة، ويستخدم الانتخابات للقفز إلى كرسي الحكم، بحيث تكون عرسًا ليوم واحد كما صرح أحد قادة جبهة الإنقاذ الجزائريّة بعد فوزها في الانتخابات، ما استُخدم كذريعة للانقلاب العسكري على نتيجة الانتخابات.

فالنظام الديمقراطي يحتاج إلى الحريّة والاستقلال الوطني أولًا، فالديمقراطيّة شكل من أشكال ممارسة الحريّة، ومن دون حريّة للمواطن والوطن لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطيّة حقيقيّة.

فالديمقراطيّة التي انتشرت في عدد من البلدان العربيّة بعد الحرب العالميّة الأولى وإلى حين اندلاع الثورات القوميّة العربيّة التي بدأت بثورة 23 يوليو المصريّة كانت زائفة، لأنها غطّت على التبعيّة والخضوع للاستعمار وتخدم مصالحه وأهدافه وجاءت على حساب مصالح وأهداف وطموحات الشعوب العربيّة، فلا ديمقراطيّة من دون حريّة واستقلال وطني وكرامة وسيادة.

هل هذا يعني أن ما فعلته ثوره عبد الناصر العظيمة كان كله إنجازات، أم أنها ارتكبت أخطاء فادحة ورافقها ثغرات كبرى تسللت منها قوى الثورة المضادة التي أدت إلى انهيار المشروع العربي، الذي طمح إلى قيادة العرب وإلى أخذ مكانهم اللائق بهم في خارطة العالم وتحت سمائه وشمسه؟

إن الإنسان لا يحيا بالخبز بمفرده، ولا بالديمقراطيّة بمفردها، ولا بالعدالة الاجتماعيّة بمفردها، بل أي نظام ناجح قادر على التقدم والاستمرار ويصعب الانقلاب عليه بحاجة إلى مزج ما بين العيش الكريم والحريّة والديمقراطيّة والعدالة الاجتماعيّة والاستقلال الوطني.

المأخذ الأساسي على حكم محمد مرسي الذي يمثل الإخوان المسلمين أنه يتصرف وكأن الأمر الحاسم هو أن الإخوان أصبحوا في الحكم، وليس كيف يحكمون؟. فليس عندهم الأمر الأهم تغيير السياسات السابقة الداخليّة والخارجيّة، لأن السياسات السابقة بقيت من حيث الجوهر كما هي، بل أنهم أصبحوا يقودون مصر.

مصر ثارت ثورتها العظيمة، ثورة 25 يناير، ليس من أجل تغيير الأشخاص والإطاحة بحسني مبارك فقط، على أهميّة ذلك، وإنما من أجل تغيير السياسات التي أضعفت مصر وأفقرتها وأفقدتها مكانتها العربيّة والدوليّة، ونقل مصر من موقعها الذي أصبح في ذيل الأمم إلى ما تستحقها من مكانة.

لا يمكن أن تتقدم مصر عن طريق استرضاء الولايات المتحدة الأميركيّة وإسرائيل، لأن هذا الطريق يؤكد استمرار التبعيّة والتقزيم لدور مصر وإبقائها خاضعة للشروط والأهداف والمصالح الأميريكيّة والصهيونيّة.

لذلك لاحظنا كيف انتقلت إدارة البيت الأبيض من التحالف الوثيق والدفاع القوي عن نظام حسني مبارك إلى دعوته للرحيل وتأييد الإخوان المسلمين، لأنها ارتأت فيهم ما يمكن أن يعوض عن ذهاب حسني مبارك، وشرعت في عقد صفقة معهم قوامها الاعتراف بهم وبحكمهم في مصر وغيرها من البلدان العربيّة مقابل حفاظهم على معاهدة السلام المصريّة – الإسرائيليّة وأمن إسرائيل ومصالح ونفوذ الولايات المتحدة الأميريكيّة في المنطقة.

ولكي يضمن حكام واشنطن وتل أبيب خضوع الإخوان المسلمين واستمرارهم في الصفقة وعدم ارتدادهم عليها عندما يقوي عودهم ويثبتوا أقدامهم في الحكم؛ يتم إشعال الفتنة الداخليّة وإشغال مصر في صراع بين الإسلام المعتدل والإسلام المتطرف، وبين الإسلام السياسي والعلمانيين، وبين المسلم والقبطي، وتشجيع نشوء صراع بين السنة والشيعة، والعرب والفرس، كبديل من الصراع العربي – الإسرائيلي.

هذا لا يعني أنه لا توجد أسباب للخلافات الداخليّة بين القوى الدينيّة نفسها وبينها وبين القوى الأخرى، أو بين العرب وإيران، أو أنه لا توجد أطماع وأهداف لإيران، ولكن هذه الخلافات إما خلافات داخل شعب واحد هو الشعب المصري، أو بين أمة واحدة هي الأمة العربيّة، وأن ما يجمع الشعب والأمة أكثر بكثير مما يفرقهما، ومن دون الوحدة على أهداف كبرى مشتركة لا يمكن لمصر والأمة العربيّة السير في طريق المستقبل؛ أو خلافات بين جيران، بين الدول العربيّة وإيران، ويجب تنظيم العلاقات بينهم على قاعدة المساواة واحترام الحقوق والواجبات المتعارف عليها بين الجيران.

لقد هبطت فرصة ثمينة من السماء لإنقاذ مصر بقرار المحكمة وقف الانتخابات البرلمانيّة القادمة، التي كانت مقررة في الشهر القادم، وعلى القوى والعناصر الحيّة التي تحب مصر وتسعى لاستقلالها وتعمل لكي تكون دولة قويّة ومتقدمة وديمقراطيّة؛ أن تستغل الفرصة بالشروع في حوار وطني يشارك فيه الجميع، يستهدف الوصول إلى وضع دستور توافقي وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، تحضر لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وتفتح الطريق لإقامة نظام ديمقراطي يشارك فيه الجميع مشاركة حقيقيّة، وتعرف فيه الأغلبيّة أنها أغلبيّة لفترة محدودة لا تتمتع فيها بتفويض لتغيير كل شيء، فصندوق الاقتراع الذي أوجدها يمكن أن يأتي بغيرها في الدورة القادمة أو التي تليها، ومن حقها أن تحكم فيما يمكن أن يكون من صلاحيات الأغلبيّة، وتعرف أن الديمقراطيّة مستحيلة من دون الأقليّة وحقها في المعارضة والعمل على الفوز بالحكم باتباع الأساليب القانونيّة والديمقراطيّة.

إن التحديات الداخليّة والخارجيّة التي تواجهها مصر كبيرة وبحاجة إلى جهد مختلف القوى، لأن المؤامرة الخارجيّة التي لها أيادٍ داخليّة كبيرة وأكبر ما يتصور الكثيرون.

يحفظُكِ اللهُ يا مصر، لأنّ مصر القويّة تعني أنّ العرب أقوياء، وأنّ فلسطين قويّة وسيكون شعبها قادرًا على إنجاز التحرر والاستقلال والعودة.

Hanimasri267@hotmail.com

مشاركة: