الرئيسية » صلاح عبد العاطي »   12 تموز 2016

| | |
دولة محتلة تترأس اللجنة القانونية في الأمم المتحدة ؟!
صلاح عبد العاطي

انتخبت الجمعية العامة للأمم المتحدة "إسرائيل" لترأس اللجنة السادسة، وهي اللجنة القانونية، في اقتراع سري بعد الاعتراض قبل معظم الدول العربية والإسلامية ودول عدم الانحياز للترشح،  ففي العادة كان يتم تعيين رؤساء اللجان الدائمة بالتوافق بين الأعضاء، دون تصويت، وهدف الاعتراض كان  من اجل رفع صفة الإجماع عن النتيجة التي تترتب عليها، الامر الذي اجبر الجمعية العامة على اجراء تصويت سري كانت نتيجته حصول المندوب الدائم لإسرائيل، داني دانون، على 109 لصالحه مقابل عشرة أصوات لممثل السويد و4 أصوات لممثلة اليونان و4 أصوات لممثل إيطاليا، وقد امتنع عن التصويت 23 دولة ووجدت 14 ورقة تم حذفها. وربما الصدمة كانت عندما نقلت صحيفة "القدس العربي" القطرية والصادرة في لندن، من مصادر دبلوماسية أن أربع دول عربية، على الأقل، صوّتت لصالح المندوب الإسرائيلي.

من الجدير ذكره هنا ان كل اللجان الرئيسية الخمسة انتخبت رؤساءها بالإجماع إلا اللجنة السادسة، وان هذه المرة الأولى التي تتولى فيها دولة الاحتلال الإسرائيلي رئاسة واحدة من اللجان الدائمة الست للمنظمة الدولية منذ انضمامها لها عام 1949، واللجنة السادسة هي اللجنة القانونية التي تنص المادة 13 من ميثاق الأمم المتحدة، تحديدا، على أن مهامها هو تشجيع التقدم المطرد للقانون الدولي وتدوينه، بناء عليه تختص اللجنة بوضع المعاهدات الجديدة، العمل على تبنيها والتوصية بها لدى الدول للتوقيع والمصادقة والانضمام إليها، لذا فمفاوضات صناعة القوانين الدولية تحدث داخل اللجنة السادسة.

وقد جاء ترشيح إسرائيل من قبل مجموعة أوروبا الغربية، وأنها سابقا كانت تنتمي إلى مجموعة آسيا والمحيط الهادي، التي تعارض في أغلبها دولة إسرائيل، لكن تحويلها إلى مجموعة أوروبا الغربية مكنها من الحصول على رئاسة لجنة دائمة، لأول مرة، منذ انضمامها إلى الأمم المتحدة عام 1949.

ورغم اعتراض دولة فلسطين والمجموعة العربية والإسلامية ودول عدم الانحياز وبعض الدول على الترشيح، كون هذا الترشيح يتعارض مع التزامات الدول باحترام القانون الدولي ومبدا النوايا الحسنة ، إضافة الى ان مهام رئاسة اللجنة يتطلب أن تكون الدولة المرشحة عضواً يحترم القانون الدولي، وملتزما بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، وليس دولة تنتهك القانون الدولي والقانون الإنساني وقرارات الأمم المتحدة، والامر الذي يقوض مصداقية الأمم المتحدة، ويحول دون تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ويعطي مكافأة لدولة تنتهك القواعد الأساسية للقانون الدولي والمعاهدات الدولية وقرارات الأمم المتحدة، الامر الذي سيؤثر سلبياً على صورة الأمم المتحدة ومكانتها.

وفي المقابل أصدر السفير الإسرائيلي دانون بياناً بهذه المناسبة، اعتبر أن انتخاب إسرائيل للجنة دائمة من لجان الأمم المتحدة حدث تاريخي بكل المقاييس، وقال إن هذا الانتخاب جاء بعد معركة دبلوماسية طويلة خاضتْها البعثة ضد اعتراض دول مجموعة عدم الانحياز ومؤتمر التعاون الإسلامي.

وفعليا فقد جندت إسرائيل كل قدراتها في هذه المعركة إضافة الى جهود حلفائها وخاصة الولايات المتحدة وكندا وإستراليا، حيث مارسوا كل أساليب الابتزاز والتهديد وخاصة للدول الصغيرة لضمان التصويت لإسرائيل وكثير من الدول استجابت لهذا الضغط خوفاً من الدول الكبرى، وبدل أن تقف مع الحق ضد الظلم الذي تمثله دولة الاحتلال، الامر الذي يؤشر الى اننا امام حالة صارخة من النفاق السياسي خطير والاستلاب للإرادة الدولية، و التسيس للقانون الدولي وازدواجية المعايير من بعض الدول في عالم بات يسوده شريعة الغاب بدلا من الشرعة الدولية لحقوق الانسان وقيم الحق والعدل. ويمثل في حد ذاته يوما اسودا من ايام هذه المنظمة الدولية، وصمة عار في جبين من ساعد في تمكين إسرائيل من تبوء هذا المنصب.

في المقابل ادنت الدول العربية والإسلامية ودولة فلسطين انتخاب إسرائيل وقد جاءت تصريحات السفير الفلسطيني رياض منصور لتؤكد الفشل الفلسطيني والعربي والإسلامي عن اثناء الجمعية العامة على انتخاب إسرائيل، حيث قال حاولنا أن نحشد كل أصدقائنا لإسقاط المندوب الإسرائيلي بحرمانه من الحصول على الحد الأدنى من الأصوات المطلوبة لكننا لم ننجح. وللعلم الحد الأدنى المطلوب تأمنيه لأسقاط ترشيح دولة الاحتلال هو 77 صوت.

خلاصة القول يمثل حصول دولة الاحتلال الإسرائيلي على رئاسة اللجنة القانونية في الأمم المتحدة، صفعة للقانون الدولي، ومكافأة دولية لإرهاب الدولة المنظم وانتهاك صارخا للقانون الدولي، ومهزلة تكرس عمليات تسيس القانون الدولي وازدواجية المعايير فبدلا من محاسبة الاحتلال على جرائمه يتم مكافأته على احتلاله وجرائم حربه وانتهاكاته للقانون الدولي.

 ففي الوقت الذي تزداد إسرائيل تطرّفاً وتدير ظهرها لكافة القرارات الدولية وتنتهك كافة المعايير الدولية لحقوق الانسان وتوسّع نشاطاتها الاستيطانية وتستمر في حصار قطاع غزة، وبناء جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية، وتمارس عمليات الإعدام للفلسطينيين خارج القانون وانتهاك حقوق الاسري في سجونها، وتهويد مدنية القدس وهدم المنازل، ممارسة سياسية التمييز العنصري ، وتخترق القانون الدولي في كل ممارساتها يقوم المجتمع الدولي بمكافأتها، الامر الذي يعطي دولة الاحتلال ضوء اخضر للاستمرار في التنكر لكافة القرارات الدولية وقواعد القانون الدولي. 

ولعل من الطبيعي في ظل التراخي الدبلوماسي والسياسي الفلسطيني والعجز عن تبني مسار يقوم على تدويل الصراع مع الاحتلال، وفي ضوء استمرار الانقسام السياسي الفلسطيني، وغياب الرؤية الاستراتيجية الوطنية، والقيادة الجماعية ، وغياب العمل الفلسطيني والعربي الجدي من اجل مقاطعة ومحاسبة وعزل دولة الاحتلال الإسرائيلي، ان يستمر الاحتلال في تحقيق مزيد من المكاسب على المستوي الدولي والعلاقات الدولية والاقليمية، ولعل حصول دولة الاحتلال على رئاسة اللجنة القانونية في الجمعية العامة مؤشر الى إمكانية ان نري بعد عام او أكثر ترشيح دولة الاحتلال من نفس المجموعة لعضوية مجلس الأمن الامر الذي بات يتطلب بناء استراتيجية فلسطينية وعربية دولية لعزل ومقاطعة دولة الاحتلال الإسرائيلي كما يؤكد الحاجة الماسة الى تقييم أوضاع الدبلوماسية الفلسطينية والعربية وتفعيل دورها لقطع الطريق على إمكانية حصول دولة الاحتلال على مزيد من المكاسب السياسية والدبلوماسية ، إضافة الى  تفعيل كل الادوات الفلسطينية وتعزيز حركة التضامن الدولي على المستوي الرسمي والشعبي لإدانة تصويت دول غرب اروبا الدول التي صوتت لصالح الاحتلال الإسرائيلي كونها لم تراعي التزاماتها الاخلاقية والقانونية والانسانية الواردة في قواعد القانون الدولي والقانوني الدولي الانساني، التي تلزمها بمقاطعة الاحتلال ومحاسبته. إضافة الى ممارسة ضغوط دولية من اجل الزام دولة الاحتلال بالقانون الدولي، واحترام حقوق الانسان في فلسطين وصولا الي انهاء الاحتلال الإسرائيلي وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير.

  

 

 

 

مشاركة: