خلال إطلاق "مسارات" لكتاب "إسرائيل والبيئة الإقليمية"
الدعوة إلى تبني سياسات فلسطينية
لمواجهة السياسات الإسرائيلية الإقليمية
البيرة، غزة (خاص): أكد عدد من الشخصيات السياسية والأكاديمية على أهمية التوصيات التي جاءت في دراسة أعدّها الباحث مهند مصطفى بعنوان "إسرائيل والبيئة الإقليمية"، وتحديدًا السياسات الفلسطينية لمواجهة السياسات الإسرائيلية الإقليمية التي باتت تؤثر على القضية الفلسطينية.
ودعا مصطفى إلى ضرورة العمل على إنهاء الانقسام الفلسطيني، وإعادة اللحمة الجغرافية والوطنية بين قطاع غزة والضفة الغربية، وإلى استعادة الحركة الوطنية الفلسطينية، المتمثلة بمنظمة التحرير والسلطة، مواقعها التقليدية الآخذة بالتراجع لصالح الغزو الإسرائيلي الديبلوماسي المدعوم من التحولات في العالم العربي، مثل عودة الموضوع الفلسطيني كموضوع احتلال في الهند، واليونان، ودول أفريقيا، عبر إستراتيجية ديبلوماسية فلسطينية تشترك فيها مركبات فلسطينية وعربية مختلفة.
وطالب ببناء إستراتيجية مقاومة فلسطينية جامعة، تعتمد الاحتجاج الشعبي المنظم، والعمل على تنفيذ هذه الإستراتيجية بشكل مثابر، على ألا يُفهم أنّ تبني المقاومة السلمية الشعبية جاء كرد فعل على خطاب الاحتلال تجاه المقاومة المسلحة، بل كمصلحة فلسطينية بالأساس، نابعة من قرار فلسطيني وطني يدرك أن المتغيرات الإقليمية والدولية باتت تستدعي مثل هذه المقاومة.
وأشار إلى أهمية أن تعمل الحركة الوطنية الفلسطينية بمعزل عن الخلافات العربية، بحيث تحرص على أن تكون القضية الفلسطينية محل إجماع عربي، وعلى أن تكون المبادرة العربية ثابتة في مبادئها تجاه حل الصراع، من خلال حمل الثوابت الفلسطينية من جهة، ومركزية المسألة الفلسطينية من جهة أخرى.
جاء ذلك خلال ندوة نظمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) في مقريه بالبيرة وغزة؛ لإطلاق الكتاب الأول ضمن سلسلة إصدارات "برنامج الدراسات الإسرائيلية" بعنوان "إسرائيل والبيئة الإقليمية ... التحولات الإستراتيجية والحالة الفلسطينية".
وأدار الحوار في البيرة خليل شاهين، مدير البرامج في مركز مسارات، بينما أداره في غزة صلاح عبد العاطي، مدير المكتب هناك.
وقال شاهين: يأتي هذا الإصدار ضمن برنامج الدراسات الإسرائيلية، الذي أطلقه مركز مسارات لدراسة وفهم المشروع الصهيوني، وطبيعة الدولة والمجتمع الإسرائيليين، وصيرورة تطورهما بصورة نقدية، وسيتبعه العديد من الإصدارات، التي تشمل بدائل سياسات فلسطينية لمواجهة السياسات الإسرائيلية ومنظومات السيطرة الاستعمارية على طريق الكفاح من أجل إحباط أهدافها وتفكيكها.
وأضاف: يهدف البرنامج الذي يشرف عليه فريق بحثي متخصص إلى تحقيق فهم معمّق لطبيعة وأهداف وديناميات سيطرة النظام الصهيوني الاستعماري الاستيطاني، وفهم التناقضات داخل المشروع الصهيوني على طريق امتلاك رؤية وطنية للمشروع التحرّري الفلسطيني.
ونوه مصطفى إلى أن هدف الدراسة هو تحليل السياسات الخارجية الإسرائيلية في المنطقة بعد اندلاع الثورات العربية، وتأثير التغييرات الإقليمية على مكانة إسرائيل الإستراتيجية، وتأثير ذلك على المسألة الفلسطينية. ويركز على تحليل منظومة ردود الفعل الإسرائيلية بعد اندلاع الثورات العربية وحتى الآن، حيث يقترح تقسيم رد الفعل الإسرائيلي إلى ثلاث مراحل: مرحلة الصدمة، مرحلة التكيف مع المتغيرات الإقليمية، مرحلة إعادة التوازن الإستراتيجي للتصورات الإسرائيلية.
وعرض تأثير كل مرحلة على توجهات السياسات الإسرائيلية تجاه المسألة الفلسطينية. ففي مرحلة الصدمة، حاولت إسرائيل أن تقدم انطباعًا للعالم بأنها جادة في حل الصراع على أساس "حل الدولتين" كما طرحه نتنياهو في خطاب بار إيلان، وقد تمثل هذا الموقف في خطابه في الأمم المتحدة في دورتها العام 2011. أما في في المرحلة الثانية، وبعد أن أخذت البيئة الإقليمية تتجه نحو الفوضى، تركت إسرائيل الموضوع الفلسطيني لصالح الملف النووي الإيراني، بينما عززت في المرحلة الثالثة من تهميشها للموضوع الفلسطيني، وتمثل ذلك في إفشالها مبادرة كيري، وفشل المفاوضات العام 2014، وجاء كل ذلك بسبب ثقتها بنفسها وأن البيئة الإقليمية والدولية تسمح لها بأن تهمش المسألة الفلسطينية، لا بل تعمق من سياساتها الكولونيالية في الضفة الغربية.
وتناول الباحث تطور السياسات الإسرائيلية تجاه البيئة الإقليمية. فقد مثلت التحولات الإقليمية من جهة، والسياسات الإسرائيلية نحو التكيف مع هذه التغيرات من جهة ثانية، فرصة لإسرائيل لإعادة بلورة إستراتيجية إقليمية تسعى إلى تهميش الموضوع الفلسطيني، وبخاصة أن تعزيز علاقاتها مع دول إقليمية ودول أطراف للإقليم تصب من وجهة النظر الإسرائيلية باتجاه تهميش المسألة الفلسطينية.
وأضاف: إن هذه العلاقات قد تؤثر في المستقبل على توجهات هذه الدول من المسألة الفلسطينية، وإن بشكل شكلي، كما حدث مع الهند واليونان، كما أنها – وفق ما ترى إسرائيل - تضعف عزلها دوليًا، وتشكل ردًا على محاولات السلطة الفلسطينية تدويل القضية الفلسطينية.
وأوضح أن التغييرات الإقليمية دفعت اليمين الإسرائيلي إلى الاعتماد في رفضه لكل تسوية مع الفلسطينيين على الادّعاء بأن التسوية الإقليمية هي الإطار للتسوية مع الفلسطينيين، فمن جهة يرفض اليمين الاعتراف بحقوق الفلسطينيين الوطنية، ومن جهة أخرى يتفاخر بكون إسرائيل لم تعد العدو الأول للعرب، لا بل إنها تعزز علاقاتها مع دول إقليمية على الرغم من موقفها من الموضوع الفلسطيني.
ورصد مصطفى عددًا من السياسات التي اتبعتها إسرائيل، وأهمها العودة إلى سياسة الأطراف التقليدية وتحديثها، وإعادة بلورة أولويات الإستراتيجية الإسرائيلية ومكانة الموضوع الفلسطيني في هذه الإستراتيجية، والبدء في بلورة تصور يرى في البيئة الإقليمية المتغيرة لحظة أو فرصة إستراتيجية ومصدرًا للحل، بدلًا من أن تكون لحظة تهديد، أو على الأقل تعزيز الأولى ودرء الثانية، واستعمال مورد الغاز كأداة لتوطيد مكانة إسرائيل الإقليمية، وبخاصة مع مصر، والأردن، والدول المحيطة بالإقليم العربي.
واستعرض نماذج من علاقات إسرائيل الإقليمية بعد الثورات العربية، وبخاصة مع مصر، والأردن، وسوريا، ولبنان، وعلاقتها مع الموضوع الفلسطيني، موضحًا أن إسرائيل باتت تعطي أهمية أكبر للبيئة الإقليمية مقارنة مع البيئة الدولية، وبخاصة بعدما اتّضح أن الدول الإقليمية باتت تلعب دورًا كبيرًا ومؤثرًا على استقرار المنطقة، وتؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على مكانة إسرائيل الإقليمية والصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ويرى الباحث أن إسرائيل تحاول تهميش الموضوع الفلسطيني في أعقاب تعزيز مكانتها الإستراتيجية في السنوات الأخيرة، ما شجعها على تعميق مشروعها الكولونيالي في الضفة الغربية، وفصل الضفة عن قطاع غزة، وبروز تصورات إسرائيلية تصب كلها في النهاية نحو تهميش وتفكيك المشروع الوطني الفلسطيني، وهو ما يتطلب سياسات فلسطينية تعيد المركزية للمسألة الفلسطينية على المستوى الإقليمي.
وتنوعت آراء الحضور، فأشار البعض إلى أن إسرائيل استغلت المتغيرات العربية في تنفيذ المزيد من الإجراءات الاحتلالية الاستعمارية على الأرض، وخاصة في مناطق (ج). كما أنها استغلت ذلك في التغلغل داخل دول الإقليم، وخاصة الدول العربية، إضافة إلى تعزيز علاقاتها ونسج علاقات جديدة مع دول أفريقيا، حيث باتت دولة مركزية في الإقليم والعالم، ومثال ذلك توليها منصب رئيس اللجنة القانونية في الأمم المتحدة.
وقال آخرون إن الموقف الإسرائيلي تجاه السلطة الفلسطينية هو العمل على إضعافها ولكن دون انهيارها. ودعا البعض إلى ضرورة أن تتناول الدراسة بعمق أكثر موضوع تركيا، ومقاطعة إسرائيل، إضافة إلى دور المياه في البيئة الإقليمية.