الرئيسية » هاني المصري »   17 حزيران 2006

| | |
إسرائيل ووثيقة الأسرى والاستفتاء
هاني المصري

منذ طرح وثيقة الاسرى على طاولة الحوار الوطني، لم تظهر الحكومة الاسرائيلية اهتماماً علنيا بهذا التطور ولكن بعض الكتاب والصحافيين الاسرائيليين اهتموا بالوثيقة والاستفتاء وذلك حين اعتبر بعضهم ان طرح الوثيقة وتأييدها شبه الاجماعي من الفلسطينيين دليل جديد على ان الشعب الفلسطيني متطرف وأنه لا يريد السلام مع اسرائيل. ولكن بالاجمال اعتبرت الصحافة الاسرائيلية ان الوثيقة وطرحها للاستفتاء ضربة معلم ومقامرة في نفس الوقت. فإذا نجحت الوثيقة واصبحت برنامجاً يوحد الفلسطينيين، فمن شأنها ان تضع حكومة اولمرت بالزاوية لانها ستثبت وجود شريك فلسطيني لديه خطة في مواجهة خطة اولمرت، وهذا سيجعل فرص نجاح خطة الانطواء والتجميع والعزل ورسم حدود اسرائيل النهائية من جانب واحد واعتمادا على القوة والعدوان وخلق الحقائق على الارض اقل بكثير. فاذا كانت خطة اولمرت لا تحصل على الغطاء الدولي وتواجه صعوبات اسرائيلية واميركية ودولية في ظل تعددية البرامج والسلطات والفوضى والاقتتال الذي يطل برأسه في الساحة الفلسطينية، فكيف ستجد طريقها الى التطبيق اذا توحد الفلسطينيون. واذا فشلت الوثيقة بالاستفتاء فهذا يسدل الستار على الفصل الختامي على مرحلة بأكملها ويفتح الباب لمرحلة جديدة لن يكون عنوانها المصالحة والمفاوضات والسلام.

 

تأسيساً على ما سبق، نستطيع ان نفهم لماذا صرح اولمرت فجأة، ودون مقدمات وعشية سفره الى اوروبا للقاء بلير وشيراك، بان وثيقة الاسرى بعيدة جدا عن الشروط الاسرائيلية لاحياء المفاوضات، وان الاستفتاء لا معنى له ولعبة داخلية فلسطينية، وانه، اي اولمرت، سيقدم النصائح لابو مازن عندما يلتقيه حول كيفية محاربة الارهاب مع انه لم ينسَ ان يضيف على الهامش بأنه لا يعلق اية اهمية على هذا اللقاء، وذلك لان ابو مازن-حسب اولمرت-ضعيف جداً وحكومته متطرفة.

هذه التصريحات تظهر الانزعاج الاسرائيلي من امكانية نجاح الفلسطينيين باقرار وثيقة الاسرى سواء عبر الحوار او في الاستفتاء. فوجود شريك فلسطيني مفوض بالمفاوضات وبالمقاومة ومسلح بالشرعيات الفلسطينية والعربية والدولية، ومحل شبه اجماع فلسطيني، كابوس يؤرق احلام اولمرت، ويجعله يعمل كل ما يستطيع لمنع حدوثه.

في هذا السياق، نستطيع ان نفهم السر وراء التصعيد العسكري الاسرائيلي الذي بدأ منذ افتتاح مؤتمر الحوار الوطني وتصاعد بشكل ملحوظ باغتيال الشهيد جمال ابو سمهدانة وارتكاب مجزرة الشاطئ ثم مجزرة غزة الثانية خلال اقل من اسبوع واحد. عند اندلاع الازمة الداخلية الفلسطينية، وبعدما أخذت شكل ازدواجية السلطة والاشتباكات المسلحة اختارت اسرائيل ان تبقي حربها ضد الفلسطينيين بوتيرة منخفضة حتى لا يوحدهم العدوان العسكري الاسرائيلي ويذكرهم بالاحتلال عدوهم الحقيقي. وظهر هذا التكتيك واضحاً بامتناع قوات الاحتلال عن تنفيذ خطط موضوعة لاجتياح مناطق محددة في قطاع غزة التي تطلق منها الصواريخ ضد جنوب اسرائيل.

ولكن حكومة اولمرت خافت ان ينجح الحوار الفلسطيني فقامت بهذا التصعيد الاجرامي لتحقيق هدفين رئيسيين:

الهدف الأول: ضمان عدم نجاح الحوار، لان التصعيد العسكري الاسرائيلي يزيد الفوضى ويدفع الفلسطينيين نحو المقاومة والتطرف ورفض اية خطوات تصالحية او دعوات لاستئناف المفاوضات حتى لو كانت على اساس وثيقة الاسرى التي تعتبر وثيقة متوازنة وتحفظ الحقوق الفلسطينية وتمكن السلطة من العمل الفاعل لكسر العزلة الدولية واختراق الحصار الخانق.

وللدلالة على ما سبق اشار استطلاع اجري بعد التصعيد الاسرائيلي الى انخفاض حجم التأييد للاستفتاء على وثيقة الاسرى من 77% قبل التصعيد الى 95% بعده.

وعندما سئل المستطلعون الذين غيروا رأيهم عن السبب وراء هذا التغيير اجاب 44% منهم أنه يرجع الى التصعيد الاسرائيلي. واجاب حوالي الربع الى عدم قدرة وثيقة الاسرى على تحقيق شيء.

وحتى لا يترك اولمرت اي شيء للصدف صرح بانه سيساعد ابو مازن في حربه ضد حماس حتى يصب الزيت على نار الصراع الداخلي. في الوقت الذي تناقلت شخصيات اسرائيلية بارزة ووسائل اعلام اسرائيلية خبراً يفيد بان اسرائيل سهلت وصول حوالي 0001 قطعة سلاح فردي الى الحرس الرئاسي في الضفة وغزة الامر الذي نفاه ابو مازن وغيره من المسؤولين الفلسطينيين مع تأكيدهم ان اتفاق اوسلو يلزم اسرائيل بتسهيل وصول الاسلحة الخفيفة والذخائر للسلطة الفلسطينية. اولمرت من خلال مثل هذه التصريحات يبطن غير ما يظهر. فهو يبدو كمن يحرص على دعم الرئيس الفلسطيني في حين انه في الحقيقة يطعنه في الظهر ويساهم في محاولات اضعافه. فاسرائيل الحاكمة لا تريد ان ينتصر طرف فلسطيني على آخر، فهي لا تفرّق عملياً بين معتدل ومتطرف، بين فتح وحماس وتريد ان يبقى المشهد الفلسطيني كما هو عليه الآن، بل الافضل ان يتفاقم أكثر، بما يسمح لاسرائيل ليس فقط تمرير خطة اولمرت بأسرع وقت واقل تكاليف وانما يأمل اولمرت بأن يستطيع في ظل الاحتراب الداخلي ان يحصل على الدعم الدولي لخطته لانها ستكون اللعبة الوحيدة في المدينة، وأقصى ما يمكن ان تقدمه اسرائيل، ولا شيء سيوقفها اذا فشلت المفاوضات، حسبما صرح اولمرت في نهاية جولته الاوروبية، التي ستفشل حتماً في ظل الشروط الاسرائيلية الموضوعة والتي تبدأ بموافقة الرئيس والحكومة على الاعتراف باسرائيل ونبذ العنف وعلى الاتفاقات المبرمة، ولا تنتهي بالاستعداد للتفاوض على خطة اولمرت بوصفها المرجعية الوحيدة للمفاوضات، وفي مثل هذه الاجواء اذا نجحت اسرائيل بغرضها لن تحظى وثيقة الاسرى على الاجماع، ولن يشكل الاستفتاء مخرجاً مهما كانت نتيجته.

الهدف الثاني الذي تريد الحكومة الاسرائيلية تحقيقه من التصعيد هو كسر التهدئة وجر حماس تحديداً لاستئناف اطلاق القذائف والصواريخ ضد جنوب اسرائيل، حتى تتحرر اسرائيل كلياً وتعاود استهداف قادة حماس بمن فيهم رئيس الوزراء والوزراء واعضاء المجلس التشريعي. وحسنا فعلت حماس بأنها اعادت الالتزام بالتهدئة بعد الاعلان عن عدم الالتزام بها بعد مجزرة الشاطئ، لأن اطلاق حماس للصواريخ يجعلها رغم فوائده الجماهيرية وفي الصراع الداخلي، تقع بالفخ الاسرائيلي الذي يستهدف توجيه ضربات لحماس وابقاء المواجهة مسلحة لان الحرب العسكرية مناسبة أكثر بكثير لاسرائيل لانها متفوقة عسكرياً، ولان الحرب العسكرية تجعل استئناف المفاوضات وعملية السلام مستبعدة جداً اذا لم تكن مستحيلة. فاسرائيل اسقطت عملية السلام والحل المتفاوض عليه، ولا تريد ان تعود اليه، وهي تسابق الزمن لانها بحاجة الى فترة من عام الى اثنين حتى تستكمل خلق الحقائق على الارض التي تجعل الحل الاسرائيلي المنفرد امراً واقعاً من الصعب تجاهله او القفز عنه.

صحيح ان التزام حماس بعدم الرد مقابل عدم تعرضها للنيران الاسرائيلية في الوقت الذي تواصل اسرائيل حربها ضد الاهداف الفلسطينية الاخرى محرج لحماس، ولكن الضرر الذي يحدث اقل من الضرر الناجم عن الانجرار الى الحرب التي تريدها اسرائيل.

ما سبق يدعو الى أهمية الحوار باقرار برنامج وطني يستند الى وثيقة الاسرى لان البديل عن الاتفاق بالحوار هو الاقتتال، خصوصاً اذا استمر رفض اللجوء الى استفتاء. والاقتتال سيأكل الأخضر واليابس وسيجعل اسرائيل مرتاحة كليا وقادرة على تنفيذ حلها المنفرد. كما ان الاقتتال يمكن ان يوفر مناخاً لنشوء طرف فلسطيني يمكن ان يقبل اي شيء. صحيح انه لن يعبر عن الشعب الفلسطيني. ولكن الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال ويعاني من العدوان والاستيطان والحصار والجدار ومن ويلات الاقتتال لن يكون قادراً على منع مثل هذا الطرف لفترة من الزمن على الاقل. فهل نجرؤ على الوفاق والاتفاق على برنامج وطني على اساس وثيقة الاسرى؟ هذا ما ندعو إليه ونعمل من اجله ونتمنى حدوثه!!

الاعتداءات على المؤسسات العامة والخاصة خطر داهم

شهدت الايام الماضية، وفي سياق الحرب الداخلية المفتوحة على كل الاحتمالات، اعتداءات مرفوضة على مجلس الوزراء والمجلس التشريعي ومقر الأمن الوقائي في رفح، ومحلات ومطاعم في رام الله، وعلى بلدية نابلس، واعتداءات اخرى لا حصر لها على نواب ووزير وقاض وافراد ما ينذر بالشرور وعظائم الامور. وهذا يفرض على السلطة بكل مكوناتها (رئاسة وحكومة) رفع الغطاء عن كل من يرتكب هذه الاعمال التي تدمر مؤسساتنا وقيمنا ورموزنا وديمقراطيتنا التي دفعنا ثمنها غالياً والعمل من اجل محاربة ومحاسبة كل المشاركين بها. فالفوضى والزعرنة والاقتتال ليست طريقاً للاصلاح والتغيير والمقاومة والوحدة ولتحقيق المشروع الوطني وانما هي اسرع طريق للموت والدمار والشرذمة والانقسام. اما حقوق الاختلاف وابداء الرأي والاعتصام والاضراب والتظاهر والمعارضة للحكومة او للرئاسة او لاي شيء، فهي حقوق مقدسة مكفولة بالقانون الاساسي ووثيقة الاستقلال، وبالتجربة الفلسطينية والقيم والعادات الفلسطينية، ويجب الحفاظ عليها شرط ان تعبر عن نفسها بشكل حضاري وسلمي وديمقراطي، ودون وصفها بأسوأ الصفات والنعوت على اساس ان اية معارضة جزء من المؤامرة الخارجية!!

مشاركة: