الرئيسية » هاني المصري »   19 حزيران 2009

| | |
خطاب نتنياهو: حكم ذاتي باسم دولة
هاني المصري

لم يحاول رئيس الحكومة الإسرائيلية في خطابه الذي ألقاه مساء الأحد الماضي، أن يشق الطريق نحو مفاوضات قادرة على التوصل الى تسوية وإنما حاول أن يتجنب المجابهة مع الولايات المتحدة الأميركية، من خلال إعطاء كلمة "دولة" لباراك اوباما ولكن بعد تفريغها من مضمونها تماماً، بحيث أصبحت دولة بلا دولة وحكما ذاتيا باسم الدولة.

فلم يكتف بنيامين نتنياهو أثناء خطابه بعدم التجاوب مع المطالب الأميركية والدولية بالموافقة على حل الدولتين وتجميد الاستيطان وإنما مضى بعيداً جداً بالتطرف الى حد أنه لم يتطرق الى خارطة الطريق، التي تعتبر اللعبة الوحيدة في المدينة، وتجاهل تجاهلا تاماً مبادرة السلام العربية ومؤتمر انابوليس، وقسم الفلسطينيين الى معتدل عليه أن يمضي في اعتداله ويغادر تردده ويقبل بصورة علنية والزامية بحق إسرائيل بالوجود، كدولة يهودية، ويسعى لتوفير الأمن لإسرائيل من خلال محاربة التطرف والإرهاب الفلسطيني، والى متطرف لا تفاوض معه وإنما حرب حتى القضاء عليه. السؤال الآن هل سيبلع الرئيس الأميركي هذه الوجبة المسمومة التي قدمها نتنياهو، أم يسير بطريق المجابهة مع إسرائيل من اجل إلزامها بمتطلبات السلام.

 

لقد أخرج نتنياهو كافة القضايا الأساسية المفترض أن يتم التفاوض عليها لحلها من المفاوضات وقرر بشأنها من جانب واحد، وما على الفلسطينيين سوى الموافقة على الطرح الإسرائيلي إذا كانوا فعلا يريدون السلام.

فالقدس ستبقى عاصمة موحدة لإسرائيل، واللاجئون يجب أن لا يعودوا الى داخل إسرائيل، والحدود ليست مطروحة للتفاوض، لأن المنطقة التي يعيش فيها الفلسطينيون ليست فلسطينية، بل هي جزء من أرض إسرائيل ويمكن أن تتكرم عليهم إسرائيل، إذا اعترفوا بحقها بالوجود كدولة يهودية، وإذا أثبتوا انهم قادرون على حكم أنفسهم بأنفسهم، ووفروا الأمن لإسرائيل من خلال محاربة التطرف والإرهاب الفلسطيني، بأن يسموا كيانهم دولة فلسطينية ولكن بشرط ان تكون دولة منزوعة السلاح، وبلا جيش، ولا تسيطر على الحدود والأجواء وأحواض المياه وباطن الأرض، ولا تقيم تحالفات مع أحد يمكن ان تمس بأمن ومصالح إسرائيل.

بعد ذلك يمد نتنياهو يده للتفاوض، ولا أدري تفاوض حول ماذا، فالذي يطرحه دعوة مباشرة وصريحة لاستسلام الفلسطينيين فهل يقبلوها أو يرفضوها قولاً وعملاً. لا يمكن أن يقبل هذه الدعوة سوى العملاء.

نتنياهو يدعي أنه لا يريد إقامة مستوطنات جديدة ولا مصادرة أراض بغرض الاستيطان، أما المستوطنون - على حد زعمه - فمن حقهم أن يعيشوا حياة عادية، أي أن يتكاثروا فهم ليسوا أعداء ولا ضد السلام وهم جزء أساسي من الشعب الإسرائيلي. وما يعلن رفضَه هو ينفذه المستوطنون الذين أقاموا أكثر من 130 مستوطنة عشوائية يتم مساومتهم على إزالة بعضها وضم الباقي الى حدود المستوطنات القائمة.

بعد هذا الخطاب، من الآن وحتى رحيل الحكومة الإسرائيلية الحالية على الأقل، دخلت المنطقة مرحلة جديدة، بعد ان أطلق نتنياهو رصاصة الرحمة على ما يسمى عملية السلام.

فهذه العملية وفق ما صرح صائب عريقات كانت تسير قبل خطاب نتنياهو مثل السلحفاة، أما بعده فقد انقلبت على ظهرها، والحقيقة أنها ماتت وشبعت موتاً، وهي بانتظار من يدفنها وقام نتنياهو مشكوراً بهذه المهمة عبر اطلاق رصاصة الرحمة عليها.

رغم ما تقدم رحبت إدارة اوباما بخطاب نتنياهو واعتبرته خطوة الى الأمام، وهذا يطرح اكثر من علامة سؤال حول حجم الجديد الذي تطرحه ومدى جديتها بتطبيقه. إذا أراد اوباما أن يحافظ على مصداقيته عليه ان يلزم إسرائيل على الأقل بمطالبه، وهي الموافقة على حل الدولتين على حدود 1967، وعلى تجميد الاستيطان.

أنا شخصيا لا اعرف لماذا اتخذ نتنياهو هذا الموقف الأحمق، المتمثل بتجاهل تام لخارطة الطريق، حيث كان المراقبون يعتقدون أنه سيتمسك بها مع وضع المزيد من التحفظات عليها، وهي خارطة مناسبة تماما لإسرائيل. إلا إذا كان سينطق بكلمته السحرية حول الموافقة على خارطة الطريق، بعد حين. فهو لا يريد أن يقدم "التنازلات الإسرائيلية" مرة واحدة وربما يريد أن يحصل على مقابل لها من مزايا أميركية تمنح لإسرائيل في مجالات عسكرية وأمنية واقتصادية ومن خطوات تطبيع عربية مع إسرائيل، ومن قيام حلف عربي - إسرائيلي - أميركي دولي ضد التهديد الإيراني المتحالف مع "الإسلام المتطرف". إن خارطة الطريق التي تدعو القيادة الفلسطينية لتطبيقها تمرحل الحل الى مراحل انتقالية ونهائية، وتعطي الأولوية للأمن الإسرائيلي وتضع شروطاً كثيرة على الفلسطينيين لا قبل لهم بتنفيذها بشكل كامل، فما دام الاحتلال قائماً بكل ما يترتب عليه من استيطان وعدوان وعنصرية، كيف يمكن وقف ومحاربة المقاومة والقضاء عليها وتصفية بنيتها التحتية، ووقف التحريض. فالاحتلال يمثل ذروة العنف والإرهاب والتحريض، وهو يؤدي حتما الى المقاومة التي تعتبر رداً طبيعياً على الاحتلال. كما ان خارطة الطريق تتضمن في مرحلتها الثانية خيار قيام دولة ذات حدود مؤقتة، وهو الأمر الذي دعا الى تطبيقه شمعون بيرس منذ أيام قليلة، ورفضه الفلسطينيون على اعتبار أن هذه الدولة مطروحة كخيار وليس كالتزام، والى متى يستطيع الفلسطينيون رفض هذا الخيار إذا استمروا على انقسامهم وفي ضعفهم الشديد.

إن الرد الفلسطيني على خطاب نتنياهو يجب أن يكون بمستوى التحديات والمخاطر التي يؤكدها هذا الخطاب. فلا يوجد شريك إسرائيلي لصنع السلام. فإسرائيل غير جاهزة للسلام، وتحكمها حكومة حرب وعدوان وتطرف وعنصرية واستيطان، ولا يمكن مجابهتها بالاستمرار باعتماد السلام كخيار استراتيجي وحيد، واعتماد سياسة إحراج إسرائيل بتقديم التنازلات لها، ووقف المقاومة وتوفير الأمن وبناء مؤسسات الدولة تحت الاحتلال، وأن الأمن مدخل للسلام، وليس العكس. لا يمكن خوض المعركة مع الاحتلال بالاعتماد على الآخرين، وعلى رأسهم إدارة اوباما. فمن لا يعتمد على نفسه وعلى قدرته على تجميع أوراق القوة والضغط الكفيلة بجعل إسرائيل وكل الأطراف تأخذ المطالب والمصالح والحقوق الفلسطينية والعربية بالحسبان. إذا لم نعتمد سياسة مجابهة ولم نرفع سقف موقفنا كيف يمكن ان تأخذنا إدارة اوباما بالحسبان. وكيف تكون ملكية أكثر من الملك، وتضغط على إسرائيل وتعرض نفسها لمقاومة إسرائيل والى ضغط اللوبي القوي المؤيد لها في الولايات المتحدة الأميركية.

إن الرد الوحيد وضع استراتيجية جديدة تعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية بوصفها قضية تحرر وطني عادلة، وتعيد الاعتبار للبرنامج الوطني الذي يجسد المصالح الأساسية والقواسم المشتركة التي تجمع الفلسطينيين وهي إنهاء الاحتلال والدفاع عن حق العودة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس لا دولة مثل دولة اندورا، دولة اسمها دولة ولكنها حكم ذاتي تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي. استراتيجية قادرة على إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة.

مطلوب عزل حكومة نتنياهو والعمل على مقاطعتها لإلزامها بقبول الدخول بعملية سلام جادة وقادرة على إنهاء الاحتلال.

لا يمكن الرد على التعنت الإسرائيلي بالتمسك بخارطة الطريق، وإنما بوقف عملية السلام وقفاً تاماً، حتى توافق إسرائيل على مرجعيتها وأهدافها وعلى رأسها مبادرة السلام العربية، بحيث يكون التفاوض لتطبيقها وليس حولها.

 

مشاركة: