الرئيسية » هاني المصري »   23 آب 2008

| | |
الحوار وحده لا يكفي
هاني المصري

من المقرر ان تبدأ في القاهرة خلال هذا الاسبوع، اولى جلسات الحوار الثنائي بين مصر وكل فصيل على حدة، على ان يبدأ الحوار الوطني الشامل بعد عيد الفطر المبارك.

ان بدء الحوار الثنائي وقدرته على فتح الطريق امام الحوار الشامل لا يعني بالضرورة انه سيصل الى نتائج حاسمة، بل يمكن ان نشهد حوارا يطول ويطول واشبه بحوار الطرشان، او حوار يصل الى اتفاق غامض، اشبه بالصلح العشائري، ويكون مصيره عاجلا ام اجلا مثل مصير اتفاق مكة.

بعد ان وجهت مصر الاسئلة وتلقت الاجوبة عليها خلال مدة استغرقت عدة اسابيع، ستلتقي مع كل فصيل على حدة لتمهد الطريق امام الحوار الشامل، مع انه لن يكون شاملا اذا اقتصر على الفصائل بدون مشاركة فعاليات واطر المجتمع المدني والقطاع الخاص. ان الآلية المصرية المتبعة للحوار طويلة وبطيئة جدا لانها تريد ان تنسجم اولا مع التصور المصري بضرورة تثبيت التهدئة واتمام صفقة تبادل الاسرى ورفع الحصار وفتح المعابر، قبل الحوار والمصالحة الوطنية، وحتى تؤدي هذه الخطوات الى تهيئة الظروف والاجواء الكفيلة بانجاح الحوار.

 

وثانيا : لانها تعكس التردد المصري والعربي عموما الناجم عن الخوف من الفشل، خصوصا ان الاطراف الفلسطينية، رغم حديثها المستمر عن الحوار والمصالحة والوحدة، الا انها لم تنضج بعد بما فيه الكفاية، لانها اما راهنت على تقديم نموذج جاذب في الضفة، رغم ان هذا الرهان سقط تحت وطأة العدوان الاسرائيلي المستمر والمتصاعد، وجراء الاقتحامات والاعتقالات والاغلاقات المستمرة واليومية التي تقوم بها قوات الاحتلال، ولا تزال السلطة تراهن على المفاوضات وتحقيقها انجازا ما قبل نهاية هذا العام، وعلى احتمال سقوط سلطة "حماس" تحت ثقل الحصار والظروف الصعبة التي تعيشها، او رهان "حماس" على تثبيت التهدئة واتمام صفقة تبادل الاسرى وفتح الحدود والمعابر، وعلى فشل المفاوضات.

ان ما يدعو الى الحزن والكابة ان كلا الرهانين يعتمد على الغير، على الاحتلال، ومن يراهن على اوراق ليست في يده يكون حتما يسير وراء اوهام، وراء رهان خاسر. فلا المفاوضات وصلت ولن تصل الى اتفاق مرض يساعد من يعتمدها، ولا "حماس" استطاعت ان ترفع الحصار بعد أن وقعت على التهدئة مع اسرائيل، كما توقعت وبشرت، كما ان فشل المفاوضات الحتمي لن يصب مكاسب صافية لـ"حماس"، بل سيخدم اسرائيل واطرافا عربية واقليمية ودولية، والاتي، بدون انهاء الانقسام واستعادة الوحدة، الشرط الرئيسي لتقوية الموقف الفلسطيني، سيكون اعظم بكثير!!

ان الحوار الوطني الشامل لم يبدأ حتى الان، على الاقل من حيث الاسباب المعلنة، بسبب اولا ان السلطة تريد انهاء الانقلاب اولا او مع بدء الحوار، وفي اقصى حد قبل نهايته، وهذا يعني ان على "حماس" ان توافق على هذا الشرط لتحقيق المصالحة.

ثانيا : ان "حماس" لا تريد ان تلقي بالورقة الرابحة التي تمسك بها، وهي السيطرة على قطاع غزة، بدون ان تضمن انها ستحصل على شراكة حقيقية في السلطة، في الضفة وغزة، وخصوصا في الاجهزة الامنية، وعلى اتفاق يضمن شراكة حقيقية في م.ت.ف، والقرار الفلسطيني، وان السلطة لا تريد مشاركة "حماس" مشاركه حقيقية، خصوصا قبل أن تضمن أنها سترضى بالمشاركة، ولا تنظر اليها كمنصة للسيطرة الانفرادية.

ثالثا : ان هناك فيتو اميركيا ــ اسرائيليا على الحوار، وهو فيتو لا يمكن التغلب عليه الا بدخول الاختبار بدلا من استخدامه لتبرئة النفس من خلال عدم تحميلها أي مسؤولية لعدم الشروع بالحوار حتى الآن.

هناك من يقول ان "حماس" لا تريد شراكة وانما سيطرة احادية وهيمنة لانها لا تؤمن بالشراكة، وبالتالي فاذا حصلت على شراكة سيكون ذلك مرحلة اولى على الطريق السيطرة الانفرادية، وهناك من يقول ان "فتح" لا تريد شراكة وانما الحاق "حماس" بالسلطة وربما في المنظمة، على غرار التحاق الفصائل الاخرى، ولكن بما لا يمس هيمنة "فتح" عليها. وهناك قدر من الصحة في الأقوال السابقة ولكن هذا لا يعني الاستسلام امام هذا الواقع بل يقتضي معاظمة العمل لإنهاء الانقسام واعادة اللحمة الوطنية.

لا يستطيع المرء ان يتجاهل ان العقبة الاساسية التي تحول دون الشروع في الحوار، ووصوله الى نهايته بانهاء الانقسام واستعادة الوحدة، هي وجود قوتين كبيرتين تريد كل منها ان تكون يدها هي العليا، مع فارق ان حركة فتح بوصفها حركة وطنية واسعة، تضم كافة التيارات والافكار، وليست عقائدية، يوجد فيها وفي السلطة التي تسيطر عليها، هامش للتعددية بينما "حماس" فانها، حتى الآن على الاقل، تقبل بالتعددية والديمقراطية، كاسلوب للوصول الى الحكم، وليس كمنهج للحياة والحكم .صحيح ان هناك تغييرات ملموسة في مفاهييم وبرامج الحركات الاسلامية، بما فيها حركة حماس، تجعلها تقترب من الايمان بالديمقراطية، واعتبارها شكلا متطورا من الشورى، الا ان هذه التغيرات لم تصل بعد الى نقطة حاسمة لا رجعة فيها.

تأسيسا على ما تقدم، حتى تنجح الوساطة المصرية أو العربية لابد أن يكون وراءها ثقل عربي جدي يعبر عن نفسه بإرادة قوية، مدعومة من السعودية ومصر وسورية على الأقل، أو ان تتبلور ارادة فليسطينية ضاغطه بقوة عبر بروز تيار سياسي جماهيري ويضم كل العناصر والقوى المتضررة من الانقسام والمخلصة لهدف الوحدة، بحيث يكبر هذا التيار لدرجة لا تتمكن "حماس" ولا السلطة من الاستمرار بتجاهله.

حتى الان الحاضنة العربية القوية للحوار لم تتوفر، كما أن الارادة الفلسطينية الجارفة لم تر النور. ان المراقب يلاحظ الكثير من التحركات والمبادرات والمناشدات التي تقوم بها الفصائل الأخرى وقوى وفعاليات المجتمع المدني، ولكن هذه التحركات والمبادرات والمناشدات، لم تحقق الكثير، ولم تستطع معالجة اسباب الحريق، بل كانت اقرب الى سيارات الاطفاء، فهي تستطيع ان توقف أو تحد من لهب الحريق وقد تمنع احيانا اتساعه، ولكنها لا تمنع نشوب المزيد من الحرائق، إن الانجازات التي حققتها العناصر والفصائل على صعيد وقف الحملات الاعلامية، أو على صعيد اطلاق سراح عدد كبير من المعتقلين في الضفة وغزة، خير دليل على محدودية الدور الذي يمكن أن تقوم به اذا لم تتحول الى تيار جماهيري جارف.

لو، ولو تفتح عمل الشيطان، ركزت الأغلبية المتضررة من الانقسام والراغبة فعلا باستعادة الوحدة، على بلورة التيار الشعبي الضاغط والتركيز على عقد مؤتمرات شعبية يسبقها ويلحقها اجتماعات وندوات واعتصامات ومسيرات شعبية في كل مكان، عندها ستأخذ السلطة وحركة حماس مطالبها بالحسبان، وأكثر بكثير من اذا ركزت هذه الأغلبية فقط على الاتصالات والاجتماعات والمناشدات والتمنيات.

قد يقول قائل ان الانقسام عميق لدرجة أنه امتد عاموديا وافقيا، وأن الشعب محبط ويائس ولم يعد يبالي ولا يستجيب للدعوات التي وجهت اليه للتحرك، وهذا القول ينطوي على قدر من الصحة، ولكنه يتجاهل أن الاحتلال غرس جذور الانقسام عميقا في الأرض الفلسطينية عبر فصل القضايا عن بعضها البعض والقيادة والسلطة عن الشعب والارض عبر تقطيع الأوصال وتقسيم الأرض الفلسطينية الى كانتونات منفصلة عن بعضها البعض بعد أن صادر مساحات واسعة منها لتلبية احتياجاته المختلفة.

ان عدم تحرك الشعب بقوة يعود الى عدم ثقته بقياداته وفصائلة ونخبه المختلفة، بسبب الفشل في تحقيق الاهداف الوطنية ولعدم اجراء التغيير والتجديد والاصلاح، وهذا يفرض على كل الحريصين على القضية أن يتحركوا تحركا على مستوى التعديات وبما يتناسب مع درجة الخطر.

فالانقسام مدمر وأشبه بعاصفة تهدد بالاطاحة بكل شيء، وعلى من يريد انهاءه ان يخوض كفاحا يوميا ومنظما ومتراكما حتى يكون قادرا على حشد الشعب من أجل انهاء الانقسام واستعادة الوحدة على اساس برنامج وطني واقعي ديمقراطي.

ان الفلسطنيين بحاجة ماسة الى الاتفاق على مرجعية وطنية وقانونية وديموقراطية تحدد الأهداف الأساسية وكيفية الوصول اليها . فلا يمكن أن يكون المخرج مجرد الدعوة لتغليب المصلحة الوطنية أو لاعتماد التعددية أو الديمقراطية أو بالذهاب الى انتخابات مبكرة أو غير مبكرة . فالانتخابات جرت سابقا ولم تحل الأزمة الوطنية بل أصبحت جزءا منها، لذلك قبل الذهاب الى الانتخابات يجب الاتفاق على مرجعية واستراتيجية واحدة، وعلى قواعد اللعبة التي يجب أن تحكم الجميع بغض النظر عن فصائلهم واحزابهم وارائهم.

في هذا السياق يجب أن نعترف أن انهاء الانقسام واستعادة الوحدة مهمة صعبة ومعقدة وتحتاج الى وقت لتحقيقها، رغم أن الوقت عدوها الأول، و هذا يفرض على الجميع أن يفكروا جديا، اذا أرادوا الوحدة فعلا، بتطبيق اقتراح الدكتور سلام فياض الذي يعطي الأولوية لاستعادة الوحدة عبر الاتفاق فورا على تشكيل حكومة وفاق وطني انتقالية من كفاءات وطنية مستقلة تشرع فورا في توحيد الوطن المنقسم على ان يبدأ في نفس الوقت الحوار الشامل حول قضايا الخلاف الأساسية، السياسية وغير السياسية، وعندما يتم الاتفاق عليها، نذهب الى صناديق الاقتراع للاحتكام للشعب اما اذا ذهبنا الى الانتخابات ونحن مختلفون على كل شيء فلن نحل شيئا وربما سندخل في حرب أهلية أسوأ وأخطر من سابقتها !!

 

مشاركة: