الرئيسية » هاني المصري »   08 أيار 2012

| | |
"المو صالحة"
هاني المصري

 

نذ أيام، مرت الذكرى الأولى على توقيع اتفاق القاهرة دون اكتراث من المواطن الفلسطيني الذي سئم من تكرار توقيع الاتفاقات حول المصالحة من دون تطبيقها، وأُحبِط من تبادل الاتهامات بين "فتح" و"حماس" حول من يتحمل المسؤوليّة عن عدم تطبيق اتفاقات المصالحة.

منذ توقيع اتفاق القاهرة تم تأجيل تطبيقه أولًا انتظارًا لاستحقاق أيلول الماضي؛ حتى لا يؤثر على فرص نجاح هذا الاستحقاق، وثانيًا، انتظارًا لما ستسفر عنه المتغيرات العربيّة، خصوصًا المصريّة والسوريّة، بعد صعود الإسلام السياسي وانتصاره في الانتخابات في عدة بلدان عربيّة.

بعد "إعلان الدوحة"، الذي حل من حيث الشكل عقدة رئيس الحكومة بالاتفاق على ترؤس الرئيس "أبو مازن لها؛ عطلت عقدة أخرى هي الخلاف على "من ولد أولًا الدجاجة أم البيضة"، على شروع الرئيس "أبو مازن" بتشكيل الحكومة أولًا، أم سماح سلطة "حماس" للجنة الانتخابات المركزيّة بتسجيل الناخبين أولًا؟

في الحقيقة العارية إن العقدة أكبر من ذلك بكثير، فالخلاف على الخطوة الأولى يخفي خلافًا أعمق حول عدد من المسائل، أهمها من الأحق بقيادة الفلسطينيين "فتح" أم "حماس".

"حماس" تقول قولًا يبدو منطقيًّا للغاية، بأن يقوم الرئيس بتشكيل الحكومة أولًا، وبعد تشكيلها يستطيع أن يصدر أمرًا بصفته رئيس حكومة الوفاق الوطني بشروع لجنة الانتخابات في تسجيل الناخبين، ولكن هذا القول مردود عليها، لأن الأمر إذا كان بهذه البساطة، فلماذا لا تسمح بتسجيل الناخبين وسحب الذريعة من أيدي "أبو مازن"؟، وما الذي سيضمن استجابة "حماس" لرئيس حكومة الوفاق الوطني بعد تشكيلها؟. فالأمر الواقع الانقسامي لن ينتهي بمجرد تشكيل الحكومة، فتشكيلها من دون إعادة بناء وتشكيل المؤسسات، خصوصًا الأجهزة الأمنيّة، لن يغير من واقع الانقسام، وسيؤدي إلى قيام حكومة واحدة موحدة من فوق وبقاء الأمور على الأرض كما هي عليه إلى أجل غير مسمى.

"فتح" أيضًا تقول قولًا يبدو منطقيًّا للغاية بإصرارها على ضرورة سماح "حماس" بتسجيل الناخبين؛ لتدلل على موافقتها عمليًّا على إجراء الانتخابات خلال مدة لا تزيد عن عدة أشهر، ولكن هذا القول مردود عليها أيضًا، فكيف يمكن إجراء انتخابات حرة ونزيهة خلال عدة أشهر في ظل استمرار انقسام المؤسسات المدنيّة والأمنيّة، واستمرار الاعتقالات والاستدعاءات والفصل الوظيفي واستنكاف الموظفين عن العمل وفي ظل التراشق الإعلامي بين الحركتين؟

إذا تغلغلنا قليلًا في أعماق المشكلة، نجد أن "حماس" الآن، خصوصًا بعد نتائج انتخابات الجامعات في الضفة الغربيّة، أكثر تحفّظًا على إجراء الانتخابات بسرعة؛ لأنها تخشى من الخسارة والخروج من نفس البوابة التي دخلت إلى السلطة منها، أي من صناديق الاقتراع.

ويقوي من حجة "حماس" إدراكها أنها لن تتمكن من الحكم في حال نجاحها في الانتخابات المقبلة، لأن الوقائع على الأرض حاليًا شبيهة بما كانت عليه في عام 2006، عندما فازت في الانتخابات التشريعيّة دون أن تتمكن من الحكم بسبب الحصار والمقاطعة واعتقال النواب والوزراء وتعطيل المجلس التشريعي.

لذا، فـ"حماس" تراهن على استمرار سيطرتها على غزة، وعلى الوقت، والتغييرات والثورات العربيّة، خصوصًا ما يمكن أن يجري في مصر لصالحها إذا فاز مرشح جماعة الإخوان المسلمين، التي تعتبر "حماس" امتدادًا لها في فلسطين.

لسان "حماس" يردد في السر دائمًا وفي العلن أحيانًا، أنها لا يمكن أن تخسر سيطرتها الانفراديّة على قطاع غزة دون أن يكون لها فرصة بالفوز في الانتخابات في ظل ضمانات بتمكينها من الحكم.

وبما أن هذه المسألة متعذرة لأنها ليست في يد الفلسطينيين لوحدهم، ولا العرب لوحدهم، وإنما بيد إسرائيل أولًا والولايات المتحدة الأميركيّة ثانيًا؛ فـ"حماس" ترى بتأجيل المصالحة حتى إشعار آخر، "فغزة في اليد خير من عشرة عصافير في الضفة والسلطة والمنظمة على الشجرة". أو فلتكن المصالحة نوعًا من التقاسم والمحاصصة في ظل استمرارٍ فعليٍّ للانقسام إلى أنْ يقضيَ اللهُ أمرًا كان مفعولًا.

على "حماس" أن تدرك -وهي تدرك فعلًا- أن قبول مشاركتها في النظام السياسي، فضلًا عن قيادته، مشروطة باستكمال عمليّة ترويضها وقبول جميع شروط اللجنة الرباعيّة. و"حماس" تتصرف مثل الذي يريد ولكنه متردد، فهي تسير خطوة أو اثنتين إلى الأمام وترجع خطوة إلى الخلف، فاعتمدت برنامجًا سياسيًّا يتقاطع كثيرًا مع برنامج المنظمة، وعلقت المقاومة من خلال قبول وضمان تهدئة مفتوحة، وتبنت المقاومة الشعبيّة، وأبدت استعدادًا لقبول "أبو مازن" لرئاسة الحكومة، وكل ذلك دون جدوى. فالمطلوب هو الاعتراف الذهبي بإسرائيل و"نبذ العنف والإرهاب" وليس وقف المقاومة فقط، والالتزام بالاتفاقيات وما ترتب عليها من التزامات.

لقد فعلت "حماس" كل ذلك دون مقابل حقيقي، فالمطلوب منها أكثر من ذلك، والمعروض عليها مجرد الحوار معها أو الاعتراف بها، وإذا وافقت ستخسر كل شيء، وستقدم مثلًا أسوأ من المثل الذي قدمته منافستها "فتح". فـ"فتح" قدمت ما قدمته من تنازلات كبرى مقابل الاعتراف الإسرائيلي بالمنظمة وإقامة سلطة فلسطينيّة على أرض فلسطين، حين كانت تأمل بأن تتحول إلى دولة على حدود 1967، بينما "حماس" مطالبة بأن تفعل كل ذلك مقابل مجرد الاعتراف بها في ظل معرفة الفلسطينيين جميعًا بعد حوالي عشرين عامًا على اتفاق أوسلو، بأنه لن يقود إلى إنهاء الاحتلال وإقامة دولة، بل أن السلطة الانتقاليّة المقيدة بقيود مجحفة هي الحل النهائي الذي توافق عليه إسرائيل.

إن مفتاح الخلاص يكمن في إدراك الجميع، خصوصًا "فتح" و"حماس"، أن طريق أوسلو أغلق تمامًا، وأن المطلوب شق طريق سياسي جديد قادر على إحياء المشروع الوطني الذي يستطيع حشد طاقات وقوى الشعب الفلسطيني، والتعبير عن مصالح وحقوق كل الفلسطينيين في جميع أماكن تواجدهم، وفي الإقلاع عن البحث عن المصالحة دون معرفة ومعالجة جذور وأسباب الانقسام. فالغرق في البحث في تشكيل لجنة الانتخابات والحريات والمصالحة المجتمعيّة والمنظمة والحكومة - وحتى لو شكلت الحكومة فعلًا- لن يقود إلى مصالحة حقيقيّة إذا لم تنتج عن بلورة إستراتيجيّة جديدة قادرة على توحيد الشعب الفلسطيني، وليس فقط الفصائل، ولتكن على أسس ديمقراطيّة وشراكة حقيقيّة؛ تمكن من إعادة بناء المنظمة، المؤسسة الجامعة، التي تمثل الفلسطينيين جميعًا، بحيث تتبنى ميثاقًا وطنيًّا يستند إلى الميثاقين القومي والوطني، ويسعى إلى تجديدهما بالاستفادة من الدروس والعبر المستفادة من الخبرات والوقائع والحقائق والمستجدات التي مرت على القضيّة الفلسطينيّة منذ تأسيس المنظمة وحتى الآن، ميثاق يضمن حقوقهم التاريخيّة والوطنيّة، وتتبنى كذلك برنامجًا سياسيًّا يجسد القواسم المشتركة، ويمكّن من التعامل مع الواقع السياسي الراهن من أجل تغييره، وليس التسليم به أو الاستسلام له!!

مشاركة: