الرئيسية » هاني المصري »   02 أيار 2012

| | |
حجب المواقع الإلكترونيّة واستقالة الوزير
هاني المصري

 

حسنًا فعل وزير الاتصالات مشهور أبو دقة بتقديم استقالته على خلفيّة حجب المواقع الإلكترونيّة المفترض أنها من اختصاص وزارته. واتهم النائب العام بأنه يقف وراء الحجب بصورة تمس بحريّة التعبير. الاستقالة متأخرة نعم، ولكنها ليست "مزاودة وزاريّة"، فـ"أن تصل متأخرًا خير من أن لا تصل أبدًا". والسؤال هو: ما موقف الحكومة وبقيّة الوزراء ورئيسها، ولماذا ترضى بهذه الانتهاكات للحقوق والحريات العامة، وتكتفي بالغضب المكبوت والتلميحات بأنها ضد هذه الإجراءات؟ لماذا لا تهدد باستقالة فعليّة نافذة إذا استمرت هذه الانتهاكات؟.

لقد رأينا الحكومة في عدة مرات تقف مكتوفة الأيدي لا تستطيع أن تفعل شيئًا إزاء الاعتقالات، خصوصًا لصحافيين أو مدونين أو غيرهم، على ذمة التحقيق دون قضايا مرفوعة عليهم ودون أن تستدعي القضايا حبسهم على ذمة القضيّة، ما يدل على تعسف كبير في استخدام الصلاحيات الممنوحة للنائب العام.

إذا كانت الحكومة لا تحكم مؤسسات وأجهزة مفترض أنها ضمن ولايتها القانونيّة، فعليها ألا تستمر في الحكم ولا لدقيقة واحدة. ففي بلدان العالم المتقدم وبعض الدول النامية تستقيل الحكومات على خلفية أسباب أقل من الأسباب المشار إليها، فالإنسان أغلى ما نملك، والحفاظ على حياته وحقوقه وحرياته وممتلكاته هي اللبنة الأولى في أي نظام سوي.

هل يعني ما تقدم من حق الصحافي أو المواقع الإلكترونيّة أو أي جهة إعلاميّة أو غيرها أن تكتب وتنشر ما تشاء دون حسيب أو رقيب، حتى لو وصل الأمر إلى الذم والتشهير والتحريض وإلقاء الاتهامات جزافًا دون إقامة الدليل وتقديم البراهين والوثائق التي تثبت صحة هذه الاتهامات؟ لا طبعًا، إن معالجة خروج الصحافيين على القانون لا يحل بالحبس والاعتقال على ذمة التحقيق، أو بإغلاق المواقع الإلكترونيّة، وإنما في المحاكم المختصة ومن دون اتهامات باطلة ولا تدخلات سياسيّة ترجع لأسباب شخصيّة.

فهناك مواقع إلكترونيّة أغلقت لأسباب سياسيّة، لأنها محسوبة على عضو قيادي فتحاوي سابق في خصومة مع الرئيس.

وتم منع الاستمرار بعرض مسلسل "وطن على وتر" بعد تدخلات سياسيّة، ولا يغير من الواقعة شيئًا أن المحكمة مؤخرًا أصدرت قرارها لصالح عرض المسلسل ولكن بعد ضربة كبيرة للقائمين عليه، وفي ظل معرفتهم أنّ التلفزيون الفلسطينيّ لن يقوم بعرضه مرة أخرى، هذا طبعًا لا يعني عدم وجود ملاحظات لديّ ولدى الكثيرين على مستوى المسلسل، ومدى توفقه في عرض العديد من القضايا، سواء بشكل فنيّ، أو فيما يتعلق بالموضوع المثار.

كلما حاولنا أن نفخر بأن لدينا هوامش من الحريّة تأتي إجراءات القمع في الضفة الغربيّة وقطاع غزة لتعيدنا إلى أرض الواقع. فالحريات إحدى ضحايا الانقسام، حيث هناك تحريض وتجييش واستقطاب متبادل، يهدأ حينًا ويعلو حينًا آخر، يقوم خلاله كل طرف بملاحقة أعضاء وأنصار الطرف الآخر، سواء بمنعهم من السفر إذا كانوا حاصلين على جواز سفر، أو بعدم تمكينهم من الحصول عليه، أو بالاستدعاءات التي تشمل أعدادًا كبيرة من أنصار كوادر فتح في قطاع غزة في تكرار معيب لممارسات الاحتلال، بحيث يستدعي الشخص ويبقى في الانتظار لساعات، ثم يطلب منه مع انتهاء ساعات الدوام العودة مرة أخرى دون توجيه أي سؤال أو اتهام، أو بالاعتقالات الواسعة في الضفة التي شملت منذ الانقسام الآلاف، والاعتقالات العموديّة المركّزة في غزة، حيث يمارس هنا وهناك التعذيب الذي أدى إلى نقل العديد من المعتقلين إلى المستشفيات في حالة خطرة، أو من خلال الفصل الوظيفي أو عدم التعيين على خلفيّة سياسيّة تحت يافطة "السلامة الأمنيّة" التي لا تعطي حق التوظيف إلا لمن يتم التأكد بأنه لا يمت لـ"حماس" وأحيانا لغيرها بأي صلة، في حين أن الأصل في هذه الشهادة أن تكون شهادة لا حكم عليه من خلال المحاكم بأي تهمة تمس الشرف والأمانة والانتماء الوطني.

ولا يمكن أن ننهي الحديث عن هذا الفصل الأسود من دون الإشارة إلى إغلاق المؤسسات أو السيطرة عليها، وبعضها مؤسسات اجتماعيّة يقدم الخدمة لآلاف الأسر التي حرمت من معونات تتلقاها دون ذنب سوى أن الجهة المسؤولة عن المؤسسة تنتمي أو محسوبة على الطرف الآخر.

إن التغاضي عن الحملات المتبادلة التي شملت أنصار وكوادر ومؤسسات حركتي "فتح" و"حماس" في البداية، أدى إلى وصول الانتهاكات إلى المساس بحريّة التظاهر والتعبير عن الرأي، بحيث أن هناك خطوطًا حمرًا لا يستطيع أحد أن يتجاوزها دون عقاب، وتختلف هذه الخطوط من مرحلة إلى أخرى، ومن الصعب معرفتها، ولكن استمرارها جعل الرقيب الذاتي لدى كل صحافي وكاتب وسياسي ومشتغل بالشأن العام يكبر ويكبر باستمرار.

ومن اطلع على الحوار الذي دار حول "إطالة اللسان" يرى كيف تم اعتقال إعلاميّة لأنها انتقدت بحدة الرئيس، أو عدة صحافيين، أحدهم لأنه تحدّث عن حل السلطة، في حين أن السلطة وعلى كل المستويات تهدد منذ عام 2009 بحل السلطة وتسليم مفاتيحها للاحتلال، لأنها أصبحب سلطة "بلا سلطة".

مثلًا، في مرحلة من المراحل كان تنظيم مؤتمر مناهض لاستئناف المفاوضات المباشرة يشارك فيه أربعة أعضاء من اللجنة التنفيذيّة وعشرات الشخصيات الوطنيّة العامة والقياديّة ممثلين لعدد من الفصائل المنضويّة في إطار منظمة التحرير يلقى معارضة، وصلت إلى حد إرسال أكثر من 400 رجل أمن جاؤوا مبكرين يحملون اليافطات ويرددون الهتافات التي حالت دون افتتاح المؤتمر.

والآن هناك حاجة سياسيّة لمظاهرات تناهض المفاوضات؛ لذلك سمح بتنظيم أكثر من مظاهرة أمام مقر المقاطعة.

إن الحقوق والحريات العامة ليست مادة من مواد الاستقطاب والتجاذب والاستخدام السياسي، وليست مطلوبة في ظل الوحدة وممنوعة بعد وقوع الانقسام، بل هي متطلب أساسي في كل الظروف والأحوال، لأن الإنسان الحر المصانة كرامته وحقوقه هو من يستطيع أن يصمد ويقاوم ويدحر الاحتلال، وينجز الحريّة والعودة والاستقلال.

يكفي الإنسان الفلسطينيّ ما يلاقيه على أيدي الاحتلال من قمع واعتقال وملاحقة وكبت للحريات، بما في ذلك منعه من التنقل بين الضفة وغزة، وبين الضفة والقدس، وداخل الضفة نفسها.

من المسائل المعيبة سياسيًّا وأخلاقيًّا أن يتم اعتقال أسير محرر من أجهزة أمنيّة فلسطينيّة، أو أن يتعرض شخص للاعتقال تارة على أيدي الاحتلال وتارة أخرى من قبل الأجهزة الأمنيّة.

وأخيرًا، إن رفض الاعتقالات وحجب المواقع الإلكترونيّة أو غيرها على خلفيّة سياسيّة أو على خلفيّة شخصيّة مغطاة بأسباب سياسيّة أمرٌ خطيرٌ ومرفوضٌ من حيث المبدأ، ليس لكونه شيئًا غير عمليٍّ، فالمواقع الإلكترونيّة يمكن أن تعود إلى عملها دون موافقة السلطة، ويستطيع الكثيرون الاشتراك عبر الشبكات الإسرائيليّة؛ بل لأنه إجراء يمس الإنسان الذي من دونه لا يمكن أن نسير إلى أي مكان.

وإذا اعترضت الناطقة باسم الإدارة الأميركيّة على حجب هذه المواقع، فهذا لا يستدعي تأييد الانتهاكات خشية من أن يُحسب الرافضون على خدمة جهات خارجيّة، فالمعارضة سبقت المعارضة الأميركيّة، وستستمر بعدها ولن تتوقف إلا عندما يكون هناك نظامٌ سياسيٌ موحدٌ في الضفة وغزة في إطار منظمة التحرير التي يجب أن تضم الجميع، يُحْتَرَمُ فيه الإنسانُ الفلسطينيُّ، ويدافع عن حقوقه وحرياته دون أي اعتداءات.

إنّ مدفعيّةَ الإنترنت والفضائيات وكل وسائل الاتصالات هدمت أسوار الرقابة، ومن يمارسها أو يقوم بالانتهاكات سيخسر أكثر مما يربح، وكل من قام بالاعتقالات والحجب عليه أن يسأل نفسه عن الأضرار التي ألحقها بالسلطة بارتكاب مثل هذه الانتهاكات، وهل يمكن مقارنتها بالأضرار التي لحقت بها بعد نشر مواقف أو تحقيقات تنتقدها، حتى لو خرج بعضها عن الأصول التي يحكمها قول فولتير الشهير: "تنتهي حريّتك عندما تبدأ حريّة غيرك".

Hanimasri267@hotmail.com

مشاركة: