الرئيسية » هاني المصري »   09 كانون الأول 2009

| | |
العدوان على غزة: حلقة جديدة على طريق القضاء على الدولة الفلسطينية
هاني المصري

يخطئ من يعتقد أن اسرائيل شنت عدوانها البربري ضد غزة، دفاعا عن أمنها أو من أجل إضعاف أو إسقاط حركة حماس فقط، ودعم المعتدلين الفلسطينيين والعرب وإزالة العقبة التي تمثلها "حماس" أمام المفاوضات وعملية السلام.

فالعدوان الإسرائيلي له أهداف آنية وبعيدة، تجعله ضد الشعب الفلسطيني بمختلف أطيافه، ومن أجل قطع الطريق على قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة بعد أن أصبح العالم كله تقريبا يؤيد إقامة دولة فلسطينية، كما أن العدوان حلقة في مسلسل يرمي الى كسر إرادة الفلسطينيين وتغيير وعيهم، وإجبارهم على قبول الحل الإسرائيلي الذي يصفي القضية الفلسطينية من خلال تطبيق أحد البدائل المفضلة لإسرائيل وهي:

 

أولا: بقاء الوضع الراهن، حيث هناك عملية سلام بدون سلام، ومفاوضات تدير الصراع ولا تحله ولا تؤدي سوى الى إضاعة الوقت والتغطية على ما تقوم به اسرائيل من عدوان واستيطان وتقطيع أوصال، بحيث أصبح الاحتلال احتلالا بلا مسؤولية عن احتلاله، احتلال خمس نجوم وهو الذي يضع الشروط لكي يثبت الشعب المحتل جدارته بالاستقلال، أي استقلال سيتحقق في هذه الحالة؟؟!!

ثانيا: فرض الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة، التي تسمى دولة وهي أبعد ما تكون عن الدول، وتقوم على جزء من الأراضي المحتلة عام 1967.

ثالثا: العودة الى اعتماد الخطوات الإسرائيلية أحادية الجانب، التي اعتمدها شارون بخطة فك الارتباط عن غزة، والتي أدت الى تأسيس حزب كاديما الذي قام على فكرة واحدة، هي متابعة الخطوات أحادية الجانب، عبر خطة الانطواء التي تم تجميدها بعد الحرب اللبنانية الأخيرة التي أصابت قوة الردع الإسرائيلية بالصميم، وبعد إطلاق الصواريخ على غزة، والتي بينت أن "انسحاب" اسرائيل من غزة، أو الأصح إعادة انتشارها لم يخلصها من غزة وإنما أدى الى تحويل غزة الى قاعدة معادية لإسرائيل أكثر من قبل خصوصا بعد أن أصبحت تحت سيطرة حركة عقائدية تكن العداء لإسرائيل.

فإسرائيل لا يهمها من يحكم غزة، وهي لا تمانع في بقاء سيطرة سلطة "حماس" هناك لكي يستمر الانقسام الفلسطيني ويتعمق أكثر ولكن شرط وقف المقاومة من غزة ضد اسرائيل كليا.

رابعا: عودة الوصاية المصرية على غزة، والاحتواء الأردني للضفة الغربية، فاسرائيل تحاول رمي غزة بحضن مصر.

وحتى أبرهن على حقيقة النوايا والأهداف الإسرائيلية من العدوان سأورد ما قاله ارئيل شارون رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق بعد إقرار خطة فك الارتباط الإسرائيلية عن غزة، فقد قال لكي يهدئ من روع الإسرائيليين الغاضبين والمحتجين على الخطة:

"انتبهوا جيدا لما سأقوله، فبعد انسحابنا ولو من طرف واحد، سيحدث العديد من المواجهات بين مختلف الفصائل الفلسطينية والتي بين أجنحتها العديد من التناقضات والاختلاف في نظرة كل فصيل فلسطيني حيال أسلوب التعاطي مع اسرائيل، وتحديدا بين "فتح" و"حماس"، ولا استبعد تحول الخلافات القائمة فيما بينهم الى اشتباكات دموية، والعديد من عمليات التصفية الجسدية، والدخول في صراع مرير على السلطة، عندها سيتأكد العالم، وبصورة خاصة الولايات المتحدة الأميركية أن الفلسطينيين لا يستحقون التمتع بالاستقلال الذاتي، وبالتالي الدولة الفلسطينية من حيث عدم قدرتهم على حكم أنفسهم بأنفسهم. وختم شارون أقواله: لا تحزنوا على انسحابنا من غزة، وستدركون فيما بعد جدوى وصوابية قراري."

هناك من يسارع بعد قراءة هذه الكلمات الى الاستنتاج بسذاجة ويقول: لقد صدقت نبوءة شارون، وكأنه يقرأ في كتاب، والأصح أن القراءة الصحيحة "لنبوءة شارون"، أنها نابعة من تخطيط وتدبير إسرائيلي عبر وضع خطة فك الارتباط الإسرائيلي من غزة، كخطوة في سياق مخطط متكامل بدأ منذ الاحتلال عام 1967، حيث حافظت اسرائيل على الفصل ما بين الضفة وغزة، بمختلف الوسائل السياسية والأمنية وعبر إبقاء القوانين الأردنية سارية في الضفة، والقوانين المصرية سارية في غزة، ولكن مع الاعتماد أساسا على الأوامر العسكرية الصادرة عن سلطات الاحتلال.

وواصل الاحتلال مخططاته للفصل ما بين الضفة وغزة من خلال طرح خطة الانسحاب من غزة أولا، وطرح الاستعداد لموافقة إسرائيلية على إقامة الدولة الفلسطينية في غزة فقط، ورفض الرئيس الراحل ياسر عرفات الطرح الإسرائيلي وأصر على أن يتضمن اتفاق اوسلو عبارة تؤكد على أن الضفة وغزة وحدة جغرافية واحدة، وأصر على أن تبدأ الخطوات الأولى بتطبيق أوسلو من خلال ربط "الانسحاب" من غزة بالانسحاب من اريحا، ولكن اسرائيل على أرض الواقع لم تطبق ما هو وارد في اتفاق اوسلو من إقامة المعبر الآمن الدائم للأفراد والبضائع بين الضفة وغزة، وحولته الى ممر يفتح أحيانا ويغلق غالبا، ويخضع للقرار الإسرائيلي بدون أي تدخل من الجانب الفلسطيني، الى أن قامت اسرائيل بتتويج هذا المخطط بفك الارتباط عن غزة، التي شكلت خطوة الى الوراء في غزة من أجل التقدم عشر خطوات الى الأمام في الضفة على طريق تعميق الاحتلال والاستيطان فيها.

إن اسرائيل إذا نجحت في عدوانها الحالي، سيدفعها هذا لجعل ما حدث في غزة، سابقة قابلة للتكرار في الضفة، بحيث تلقي الضفة في حضن الأردن بعد أن تضم اسرائيل كل ما تحتاجه من أرض وخاصة القدس ومن مصادر مياه وثروات ومواقع استراتيجية ودينية وحيوية للمصالح الإسرائيلية.

فحذار من اعتبار معركة غزة معركة "حماس" وحدها أو معركة أمنية، تستهدف إسكات الصواريخ والقذائف الفلسطينية ومنع إطلاقها في المستقبل على اسرائيل فقط، وإنما هي معركة أخرى على طريق فرض الحل الإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية، وإجبار الفلسطينيين لقبول التعايش مع الاحتلال والتنسيق معه، الى أن يقبلوا هذا الحل، والى أن تستكمل اسرائيل تطبيق مشاريعها التوسعية والعنصرية والاستيطانية والعدوانية التي تجعل الحل الإسرائيلي هو الحل الوحيد المطروح والممكن عمليا!! .

 

 

مشاركة: