الرئيسية » هاني المصري »   19 نيسان 2009

| | |
القداسة أم السياسة وراء الخلاف على موعد الانتخابات؟
هاني المصري

نصت الرؤية المصرية على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في موعد يتم الاتفاق عليه في النصف الأول من عام 2010، وهو أمر فتح الطريق لتجاوز الاستحقاق الدستوري الذي يفرض إجراء الانتخابات في موعد أقصاه 25/1/2010، وذلك قبل انتهاء المدة التي تفرض على الرئيس وفقاً للقانون بإصدار مرسوم رئاسي بإجرائها قبل ثلاثة أشهر على إجراء الانتخابات.

إن إجراء الانتخابات في موعدها استحقاق دستوري، ولكنه أمر سياسي أيضاً. فلا يمكن تغليب الدستوري على السياسي في الحالة الفلسطينية، لأن فلسطين تحت الاحتلال، والسلطة لا تتمتع بالسيادة، والاحتلال عامل رئيسي يحدد هل يمكن إجراء الانتخابات أم لا؟ ويستطيع إذا جرت الانتخابات أن يتدخل لتعطيل نتائجها، إذا لم تعجبه، مثلما حدث فعلاً باعتقال عشرات النواب من حركة حماس، مما أفقدها القدرة على ممارسة العمل كأغلبية، وأدى إلى تعطيل المجلس التشريعي.

إن هذا الواقع يطرح بشدة ضرورة تحقيق الوفاق الوطني حتى تكون الانتخابات أمراً وطنياً وديمقراطياً، وتساعد على إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، الشرط الحاسم من أجل تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني بإنهاء الاحتلال وإنجاز الحرية والعودة والاستقلال.

لقد تفاوتت ردود الأفعال على الدعوة لتمديد الانتخابات بين الرفض المطلق، لأن ذلك يشكل خرقاً للقانون الأساسي، ولأن إجراء الانتخابات في موعدها الدستوري أمر "مقدس" لا يجب التراجع عنه بأي حال من الأحوال، وبين الرفض والاستعداد للتعاطي معه بشروط معينة، اي اتخاذ موقف متوازن مسؤول، وبين القبول به لأن ذلك يعطي فرصة أكبر للحوار، ويمنع فشله الذي سيؤدي إن حدث الى تحويل الانقسام الى قطيعة كاملة.

كان من معسكر الرافضين للتأجيل أوساط في حركة فتح والسلطة والمنظمة، رغم أن حركة فتح اتخذت موقفاً يجمع ما بين رفض التأجيل، والاستعداد للموافقة عليه، شرط الاتفاق الوطني على صدور مرسوم رئاسي بموعد آخر لإجراء الانتخابات، على أن يكون الموعد الجديد في شهر آذار أو نيسان أو أيار أو حزيران في الحد الأقصى.

هذا في نفس الوقت أعلن مصدر رسمي أن الرئيس سيصدر مرسوماً لإجراء الانتخابات في موعدها قبل 25/10/2009، مع التوضيح أن هذا الإجراء لن يتعارض مع الجهود والتوجهات من أجل انجاز الاتفاق الوطني. وأضاف: إذا لم يتم الوفاق الوطني فإن الأمور سوف تتجه لإجراء الانتخابات في موعدها المقرر، وإذا كان هذا الموقف للتأكيد على احترام الموعد الدستوري وممارسة الضغط على "حماس" فلا بأس، أما إذا كان يعكس توجهاً لإجراء الانتخابات بدون وفاق وطني وفي الضفة الغربية فقط، فهذه هي الطامة الكبرى. فعدم إجراء الانتخابات سيئ جدا وإجراؤها بدون اتفاق أسوأ.

وليس خافياً أن هناك في أوساط حركة فتح والمنظمة تبايناً في الموقف بين وجهتي نظر:

وجهة النظر الأولى ترتقي بمسألة موعد إجراء الانتخابات الى مستوى "القداسة" وتدفع باتجاه إجراء الانتخابات في موعدها سواء إذا جرى الاتفاق الوطني أو لم يجر، بل إن بعض أنصار وجهة النظر هذه يفضلون أن لا يتم الوفاق الوطني، لأنهم ينظرون للانتخابات القادمة كوسيلة لتصفية الحساب مع حركة حماس، ولإقصائها وإخراجها من النظام السياسي الفلسطيني من البوابة التي دخلت منها، (صناديق الاقتراع) وهذا يضرب جوهر الديمقراطية التي يتشدقون بها. فالديمقراطية في أساسها تعني المساواة والمشاركة وتعزيز التعددية والتنوع والمنافسة.

ولم تحرك أنصار وجهة النظر هذه الغيرة على الاستحقاق الديمقراطي والديمقراطية. فلقد سبق وأن انتهكت مواعيد دستورية على ايد فلسطينية وأخرى أفظع بكثير على أيدي الاحتلال ولم تحرك ساكناً للحفاظ على الدستور ودفاعاً عن الديمقراطية.

رهان هذا الفريق،على أن "حماس" تمر بأزمة شديدة الآن، وأن المؤشرات العديدة توضح أنها لن تحصل على الأغلبية التي حصلت عليها إذا جرت الانتخابات في موعدها الدستوري. كما يراهن بعض أوساط هذا الفريق على وضع شروط وضوابط سياسية وقانونية تجعل "حماس" ترفض المشاركة في الانتخابات أو تمنعها من المشاركة حتى لو أرادت، وهذا أمر سياسي بامتياز و ليس قانونياً على الاطلاق.

المسألة طبعاً كما لاحظنا، عند البعض، لا علاقة لها بقداسة موعد إجراء الانتخابات، ولا بضرورة احترام القانون الأساسي، لأن هذا البعض نفسه كان رافضاً مشاركة "حماس" بالانتخابات قبل أن تعترف بالمنظمة وتوافق على برنامجها، وعلى اتفاق اوسلو والالتزامات المترتبة عليها أي لأسباب سياسية. كما دعا الى إجراء استفتاء ثم إجراء انتخابات مبكرة بعيد الانتخابات التشريعية التي جرت عام 2006.

وجهة النظر الثانية ترى إمكانية الجمع بين الوطنية والدستور من خلال بذل كل الجهود الضرورية من أجل الوفاق الوطني، حتى لو اقتضى الأمر تأجيل الانتخابات لبعض الوقت، ولكن ليس بشكل مفتوح. مع ضرورة أن يتم التأجيل بشكل دستوري أيضا، أي من خلال دعوة المجلس التشريعي للانعقاد لاقرار قانون يسمح للرئيس بتأجيل الانتخابات لمدة محددة في حال وجود أسباب طارئة تستدعي ذلك.

بالمقابل هناك أوساط واسعة في حركة حماس لا تريد إجراء الانتخابات، لأنها لا تؤمن باللجوء الى صناديق الاقتراع إلا لمرة واحدة، ولا تريد الانتخابات تحديداً إلا بعد أن تضمن "حماس" الفوز فيها، لذلك تصر على إجرائها بعد حدوث الوفاق الوطني والتوقيع على اتفاق يشكل رزمة كاملة متكاملة تضم كافة القضايا، وتشدد بشروطها حول العديد من القضايا بما يساهم في جعل التوصل الى اتفاق أمراً مستحيلاً او شبه مستحيل. كما أن هذه الأوساط تفضل الاتفاق مع حركة فتح على تمديد فترتي الرئاسة والمجلس التشريعي لمدة عامين، بحجة ان المجلس التشريعي لم يمارس عمله جراء الاعتقالات التي قام بها الاحتلال لعشرات النواب مما عطل الأغلبية ومنعها من ممارسة دورها.

أي أن هذه الأوساط تضع شروطاً سياسية وفئوية تجعل الانتخابات تحت رحمتها، وإذا لم تجر في موعدها تهدد بأنها ستتعامل مع المجلس التشريعي القائم لحين انتخاب مجلس آخر مستندة إلى اجتهاد غير صحيح مبني على فقرة في القانون الأساسي تفيد بأن المجلس التشريعي ينتهي عندما ينتخب مجلس آخر، كما تتساءل: لماذا تكون فترة المجلس التشريعي الحالي 4 سنوات فقط، رغم أن فترة المجلس التشريعي الأول استمرت 10 سنوات بالتمام والكمال خلال الفترة من 1996 - 2006.

ينسى أصحاب وجهة النظر هذه أن الاستحقاقات الدستورية يجب ان تخضع للمصلحة الوطنية العليا وليس للمصالح الفئوية والفصائلية، وأن المجلس التشريعي الأول لم يكن محدداً بفترة ملزمة بالقانون وإنما فترته كانت مفتوحة ومرتبطة بالمرحلة الانتقالية. وعندما كان الرئيس الراحل ياسر عرفات، يرحمه الله، ونترحم الآن أكثر على رحيله ونحن نرى المشهد الفلسطيني في غيابه، يرفض إجراء الانتخابات لم يكن ذلك خشية من نتائجها، كما كنا نعتقد، وإنما لأنه كان يصر على ضرورة وضع حد للمرحلة الانتقالية التي كانت من المفترض أن تستمر لمدة ثلاث سنوات فقط. فالراحل لم يكن يريد تكريس شرعية الاحتلال من خلال تكرار إجراء الانتخابات والتعامل مع الأمر الواقع الانتقالي كوضع مستمر. والفلسطينيون يجب أن يقفوا أمام هذه المسألة طويلاً. فلا يعقل أن تجري انتخابات وراء انتخابات تحت الاحتلال وبدون سقف زمني نهائي وقبل إقامة دولة فلسطينية حقيقية على حدود 1967.

أما المجلس التشريعي الثاني فهناك نص قانوني يحدد مدته بأربع سنوات وبالتالي يفقد المجلس شرعيته إذا انقضى هذا التاريخ بدون إجراء انتخابات، ونفس الأمر ينطبق على انتهاء شرعية الرئيس، التي هناك إجماع على إنهائها رغم الاختلاف السياسي حول ذلك بين من يقول إن الرئيس فقد شرعيته في 9 كانون ثاني عام 2009 وبين من يقول إنه سيفقدها في 9 كانون ثاني عام 2010.

إن إجراء الانتخابات في موعدها أمر مهم جدا، كما أن الوفاق الوطني أمر مهم جدا، وإذا جرت الانتخابات في ظل الانقسام ستعمقه وتحوله الى قطيعة دائمة.

إن مخاطر إجراء الانتخابات في الضفة فقط أو في الضفة والقطاع بشكل منفصل عن بعضهما البعض، لا تقتصر على خسارة مشاركة قطاع غزة، الذي يقول البعض بكل وقاحة ولا مسؤولية "فليذهب الى الجحيم"، بل سيعني أن "حماس" والجهاد الإسلامي وربما الجبهة الشعبية وقطاعات سياسية وشعبية أخرى في الضفة الغربية لن تشارك أو ستمنع من المشاركة بسبب الشروط التي يطالب البعض بوضعها على المشاركين فيها مثل الموافقة على اتفاق اوسلو والالتزامات المترتبة عليه، وهذا يشكل ــ إن حدث ــ ضربة قاصمة للديمقراطية، وسيعني أن الانتخابات إذا جرت على هذا النحو لن تعطي شرعية ولا وحدة وطنية وستكون هناك مقاطعة واسعة لها. من حق المرشح أن يؤيد أو يعارض اوسلو. والمعارض من حقه أن يسعى للحصول على الأغلبية من أجل إلغائه. الطامة الكبرى ظهرت في أن "حماس" فازت بالانتخابات التي هي ضمن افرازات اوسلو، ولم تسع الى الغائه رغم فوزها، وإنما وافقت على احترامه ورفضت الالتزام به. وهذه موقف مزدوج وغير مفهوم!

لقد كنا موحدين ولم نحصل على شيء من إسرائيل، فكيف سنحصل ونحن منقسمون على أي شيء. لا بد من الوحدة على أساس برنامج وطني يحفظ الحقوق ويضع الاستراتيجيات القادرة على تحقيقها.

هناك من يقول إن الانتخابات الأولى جرت عام 1996 رغم مقاطعة "حماس" والجهاد والجبهتين الشعبية والديمقراطية وقطاعات سياسية وشعبية أخرى، وينسى هذا البعض أن م.ت.ف كانت في تلك الفترة في وضع أفضل مما هي عليه الآن، فهي كانت الشرعية المعترف بها فلسطينياً وعربياً ودولياً، وكانت قيادة ياسر عرفات تحظى بدعم أغلبية واضحة ومستقرة. الآن وبعد أن مر زمن طويل على شلل المنظمة وعدم عقد المجلس الوطني، وبعد أن حصلت "حماس" على الأغلبية في المجلس التشريعي أصبح هناك تغير جوهري في الخارطة السياسية الفلسطينية، بحيث لا يمكن أن تعطي الانتخابات إن جرت في ظل الانقسام وبمقاطعة واسعة خصوصاً من حركة حماس التي حصلت على الأغلبية في الانتخابات السابقة شرعية لأحد.

وعندما نقول للمتحمسين جداً لإجراء الانتخابات في موعدها في كل الأحوال، ماذا إذا فازت "حماس" مرة اخرى؟ يقول لك بعضهم هذا لن يحصل حتى لو تم تزوير الانتخابات أو لن يتم الاعتراف بنتائجها، إلا إذا التزمت "حماس" بالتزامات المنظمة. إذا السبب مرة ثالثة أو رابعة سياسي وليس قانونياً كما يدعون.

أما البعض الآخر المنطقي والديمقراطي فيقول إذا فازت "حماس"، فيجب أن نحترم إرادة الشعب. فإذا اختار الشعب "حماس" للمرة الثانية، ورغم ما جرى، فإنه مؤيد لبرنامجها، وعلى العالم أيضا في هذه الحالة أن يحترم إرادة الشعب الفلسطيني.

إن إجراء الانتخابات في موعدها أمر ضروري جدا، ولكن الانتخابات حتى تقدم حلاً وطنياً يجب أن تستند الى:

أولا: إلى الاتفاق على مرجعية وطنية تحدد الأهداف الأساسية وأشكال النضال وقواعد العمل السياسي الديمقراطي.

ثانياً: إلى برنامج وطني واستراتيجيات قادرة على تطبيقه.

ثالثاً: إلى توفير ضمانات بأن تكون انتخابات حرة ونزيهة من خلال إيجاد الظروف المناسبة بإطلاق سراح المعتقلين على خلفية سياسية، قبل مدة كافية على إجراء الانتخابات، ووقف حملات التحريض الإعلامي وتوفير رقابة فلسطينية وعربية ودولية، وأن تكون بدون شروط أو تدخلات داخلية اوخارجية تمس بالديمقراطية، ومع توفير شبكة أمان تشل قدرة الاحتلال على التدخل الحاسم في سير الانتخابات أو تعطيل نتائجها أو عمل المجلس التشريعي.

وإذا أصرت "حماس" أو غيرها على عدم الاتفاق على المرجعية التي تمثل ركائز المصلحة الوطنية العليا، وعلى البرنامج السياسي، ورغم تقديم الضمانات الضرورية لحرية ونزاهة الانتخابات، عندها ستتبلور أغلبية سياسية وشعبية كبيرة وثابتة وكاسحة ستجبر "حماس" على المشاركة في الانتخابات او يمكن حينها عقد الانتخابات بدونها، وبحيث تكون أقلية صغيرة غير قادرة على تعطيل إرادة الأغلبية.

 

مشاركة: