الرئيسية » هاني المصري »   19 آب 2006

| | |
وقف إطلاق النار هدنة... وانتصار حزب الله جولة
هاني المصري

انتهت الحرب الإسرائيلية على لبنان، دون أن تحقق إسرائيل أياً من أهدافها.. حتى الأهداف المتواضعة التي حلّت محل الأهداف الكبيرة لم تتحقق.. فلم يتم القضاء على حزب الله ولا نزع سلاحه، ولا إبعاده عن الجنوب، وأقصى ما يمكن أن يحدث، أن يتوارى مسلّحو حزب الله، ولا يظهروا بأسلحتهم، وهذا ما كانوا يفعلونه قبل الحرب.. بل لقد فوجئ الصحافيون المنتشرون في كل أنحاء لبنان، خصوصاً في المحاور التي شهدت قتالاً برياً، بأنهم لم يشاهدوا المقاتلين، الذين قاتلوا ببسالة فائقة، وأتقنوا حمل السلاح في المكان المناسب والزمان المناسب، وعند الحاجة.. وابتعدوا عن الاستعراض، والفزعة، وعن كل مظاهر الفوضى، التي عادة ما تميز المقاومات المسلحة.. في بداية الحرب، لم أكن مقتنعاً بأن حزب الله قادر على إحراز النصر.. ولكنني كنت واثقاً من استحالة انتصار إسرائيل.. فالمقاومة لا تُهزَم.. خصوصاً إذا استندت الى حزب له جذور شعبية لمحيطه.. وروافع عقيدته، إيمانية ووطنية عديدة وقوية.. كنت أتصوّر ان الحرب ستنتهي بصيغة لا غالب ولا مغلوب، وعلى أساس ان إسرائيل لن تنتصر وحزب الله سيُهزم.. ما حدث فاق توقعاتي، وأعتقد توقعات الجميع، تقريباً.. فحزب الله ليس فقط لم يُهزم، ولكنه حقق انتصاراً سياسياً وعسكرياً له أبعاد تاريخية لا يمكن إنكارها. صحيح ان انتصار حزب الله مكلف جداً، له وللبنان.. ولكن ما يبرر له ذلك، انه لم يسع للحرب، بل فُرضت عليه.. فالحرب شنتها إسرائيل مستخدمة ذريعة أسر الجنديين لتحقيق أهداف عديدة، منها ما يتعلق باستعادة هيبة الجيش الاسرائيلي، ومنها ما يخص القضاء أو إضعاف حزب الله بصورة جدية،

ومنها ما يتعلق برسم شرق أوسط جديد، يكون فيه لبنان موالياً للمحور الأميركي - الإسرائيلي. وسواء، إذا ثبت صحة ادعاء السيد حسن نصر الله، بأن عملية "الوعد الصادق" تهدف الى إجهاض المخطط الاسرائيلي، الذي كان يعد لعدوان عسكري على لبنان في أيلول أو تشرين أول المقبل، أم لا، فإن الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان أكبر بكثير من مجرد رد فعل على عملية أسر الجنديين.. وما يبرر لحسن نصر الله خطأ التوقيت في العملية، إذا سلمنا بوجود مثل هذا الخطأ، أنه كان مستعداً تماماً للحرب. وتتضح معالم الصورة أكثر، مع مرور الأيام، التي تثبت كل يوم، بصورة أكبر من سابقه، بأن ما عجز الجيش الاسرائيلي عن تحقيقه بالقوة، لن يتحقق من خلال العملية السياسية ومحاولات تطبيق قرار مجلس الأمن 1071 بصورة تحقق معظم أهداف إسرائيل. ومفاجأة حزب الله السياسية، والمتمثلة بحنكته السياسية وحرصه على الوحدة، هي المفاجأة الأكبر في هذه الحرب. لقد بات واضحاً اليوم، ان إطلاق سراح الجنديين الإسرائيليين لن يتم وفقاً لقرار مجلس الأمن، بل بعد عملية تبادل أسرى، وهذا ما أصدرت إسرائيل إشارات عن استعدادها لقبوله.. وبات واضحاً كذلك، ان سلاح حزب الله لن يُنزع، ولن يتراجع مقاتلوه عن جنوب الليطاني، وان القوات الاسرائيلية التي احتلت بعض المواقع في الجنوب اللبناني، تنسحب بمعدلات أكبر من انتشار الجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية. بل لقد صبّت فرنسا سطلاً من المياه الباردة على كل أصحاب الرؤوس الحامية من الذين لا يزالون يعلّقون الآمال على مجيء القوات الدولية، وبمشاركة فرنسية كبيرة، ذلك عندما أعلن قصر الاليزيه ان حجم المشاركة الفرنسية لن يزيد على 002 جندي فرنسي، بعد أن كان الحديث يدور عن عدة آلاف، تصل الى أربعة.. وهذا سيحبط الدول الأخرى، وسيقلل من حجم حماسها ومشاركتها بالقوة الدولية، ويدل على ان توسيع حجم ودور قوات الطوارئ الدولية ليس أكثر من مخرج لإسرائيل، قد يساعدها على إخفاء هزيمتها. ويبقى الرهان الأميركي - الإسرائيلي الأخير على إحداث انقسام في لبنان، شجع عليه التراشق الإعلامي الاخير، بعد الحرب، ما بين بعض الأطراف اللبنانية والرئيس السوري من جهة، وحزب الله من جهة أخرى.. ولكن هذا الرهان سيسقط أيضاً، لأن قوى 41 آذار، التي طرحت مسألة سلاح حزب الله، أكدت أنها ستعتمد لغة الحوار لتحقيق هذا الهدف.. وهذا ما ينسجم مع ما أشار إليه السيد حسن نصر الله، حين قال إن الحوار الداخلي هو المكان الوحيد الذي يجب أن يتناول القضايا الوجودية، وعلى أساس أن سلاح المقاومة سيبقى مرفوعاً ما دامت هناك أراضٍ لبنانية محتلة، وما دام هناك أسرى لبنانيون وراء القضبان الاسرائيلية، وما دامت إسرائيل تقوم بكل أنواع العدوان ضد لبنان، براً وبحراً وجواً، وعبر شبكات التخريب الداخلي. إن الهزيمة الإسرائيلية في لبنان، توضح حدود القوة العسكرية المتغطرسة، وتؤكد، مجدداً، وجود طريق للوقوف في وجه العربدة الاسرائيلية، ومحاولات إسرائيل المدعومة أميركياً، لفرض إسرائيل كأداة مهيمنة على منطقة الشرق الأوسط.. فإذا توفرت الإرادة الصلبة والمقاتل المُدرَّب والمؤهّل والمستعد للتضحية، والتنظيم والاعداد الدقيق، والمحيط السياسي المطلوب، والإمكانات الضرورية، خصوصاً التسليحية، والدعم الاقليمي اللازم، والأهداف الواقعية القابلة للتحقيق، يمكن هزيمة إسرائيل، ويمكن تحقيق المعجزات. وعلى أهمية المغزى الاستراتيجي التاريخي لنصر المقاومة في لبنان، فإن هذا لا يدعو هذه المقاومة، ولا يجب أن يدعو أحداً، على الإطلاق، الى النوم على وسادة الانتصار، وإلاّ تحولت الى وسادة من الأوهام، بأن الحرب انتهت، وان ما حدث في الجولة الماضية قابل للتكرار، بكل بساطة، في الجولات المقبلة. إن إسرائيل التي ظهرت عيوبها وإخفاقاتها وعورتها، في هذه الحرب، كما لم تظهر من قبل، يمكن أن تأخذ العِبر والدروس من الهزيمة، وتجرب حظها مرة أخرى، في محاولة لتلقين حزب الله درساً لن ينساه، لتستعيد الهيبة الإسرائيلية المفقودة. لذلك، إذا لم يأخذ حزب الله، وكل المقاومات للاحتلال، في فلسطين ولبنان والعراق، وكل مكان في العالم العبر والدروس اللازمة، سيفاجأ بخطط وتكتيكات عسكرية إسرائيلية جديدة.. فالحرب سجال، والحرب خدعة.. والقادر على الانتصار هو الذي يسعى الى الاستفادة من هزائمه، مثلما يستفيد من انتصاراته!!

 

مشاركة: