الرئيسية » هاني المصري »   07 آب 2007

| | |
هل اتفاق اوسلو رقم 2 على الطريق
هاني المصري

 

هناك ما يشير إلى أن اتفاق أوسلو رقم 2 على الطريق، وأن هناك شيئاً ما على النار، ويتم إعداده وراء الكواليس.

فقد رأى الرئيس أبو مازن في لقاء مع صحيفة "معاريف" انه ينبغي التوصل إلى صيغة الحل النهائي مع الإسرائيليين أولا، ومن ثم تطبيقها على مراحل ولو طال تطبيق هذه المراحل.

وأكد أبو مازن أن بوش ورايس وعداه يريدان تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين في السنة المقبلة.

ونسبت صحيفة "هآرتس" إلى إيهود أولمرت انه يسعى للتوصل إلى اتفاق مبادئ يحدد خصائص التسوية النهائية على أن يتم التطبيق على مراحل في المستقبل، من الأسهل إلى الأصعب.

ما قاله أبو مازن وما نسب إلى أولمرت متطابق من حيث الجوهر. وحتى نعرف أهمية هذه الآراء وكيف أنها تعكس تغيراً جوهرياً لم يكن ممكناً حدوثه قبل أحداث غزة في حزيران الماضي، علينا أن نتذكر أن أبو مازن كان يرفض بشكل قوي ودائم العودة إلى الحلول الانتقالية بما في ذلك الدولة ذات الحدود المؤقتة، وكان يصر على التوصل لاتفاق حول القضايا الأساسية وتطبيقه خلال مدة قصيرة. الآن يوافق أبو مازن كما يقال في المقابلة المذكورة على الاتفاق على إعلان مبادئ جديد ولو احتاج إلى وقت قد يطول لأن المهم أن يعرف الفلسطينيون مسبقاً النتيجة النهائية.

 

أما أولمرت فقد كان يرفض إلى وقت قريب، أي حديث عن التسوية النهائية، لدرجة أنه أفشل كوندوليزا رايس التي حاولت أكثر من مرة في جولاتها الأخيرة إيجاد أُفق سياسي ولو عن طريق الاتفاق على إعلان مبادئ مؤجل التنفيذ، ولدرجة أن أولمرت كان دائماً يستقوي ببوش على رايس لتحقيق مراده.

فماذا عدا عما بدا؟ التطور البارز المسؤول عن التحول الدراماتيكي في المواقف الأميركية الإسرائيلية الفلسطينية هو الحسم العسكري الذي نفذته حماس وسيطرتها على قطاع غزة. فقد حرر هذا الانقلاب أبو مازن من القيود التي كانت تشكلها له الشراكة مع حماس، واندفع نحو مواقف كان يرفضها سابقاً، لأنه يريد أن يرد على حماس متصوراً انه يمكن أن يمسك بيده بانجاز سياسي جوهري طال انتظاره.

أما بوش فهو يريد أن يستثمر الانقسام الفلسطيني لصالح إسرائيل، ويريد أن يحصل على انجاز مهم ينهي به رئاسته للولايات المتحدة لأنه يعتقد أن أبو مازن الآن اضعف من السابق ويمكنه أن يقدم ما كان يرفض تقديمه، كما أن بوش يريد الحصول على المزيد من الدعم العربي يساعده تطبيق السياسة الأميركية في المنطقة، سواء للخروج من المأزق العراقي أو لحل الأزمة مع إيران سلماً أو حرباً. إعلان المبادئ بين إسرائيل والفلسطينيين يشجع العرب "المعتدلين" على المضي أكثر في تحالفهم مع الولايات المتحدة الأميركية وربما يمضون أيضا بعيداً في التحالف مع إسرائيل.

أما أولمرت فانه يريد أن يتلاعب ويلعب على سلطة حماس وسلطة الرئيس عباس، وذلك لتشجيع أبو مازن على تقديم تنازلات عبر التلويح بجزرة إعلان المبادئ، وابتزاز حماس عبر التهديد الدائم بالاجتياح لقطاع غزة وعقد صفقة مع منافسها لتقديم شيء في المقابل مثل وقف اطلاق الصواريخ والقذائف على إسرائيل، وإطلاق سراح شاليت، وإيقاف تهريب السلاح إلى غزة، حتى يتم التعامل معها وإطلاق سراح النواب والوزراء المعتقلين ضمن صفقة تبادل الأسرى.

كما أن تحرك العملية السياسية يبعد خطر السقوط الذي يلاحق أولمرت، وسيجعله قادراً على البقاء رغم وبعد صدور التقرير النهائي للجنة فينوغراد.

رغم الحديث عن إعلان مبادئ والتسوية النهائية إلا أنني أرى أن أكثر ما يمكن أن ينتهي إليه هذا الحراك السياسي هو اتفاق أوسلو رقم 2، فحكومة أولمرت لا يمكن أن توافق على إعلان مبادئ يتضمن عبارات واضحة عن القدس وحق تقرير المصير وحل قضية اللاجئين حلاً عادلاً، وإقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة العام 1967، وإنما ستصر على استخدام عبارات وكلمات مثل إنهاء الاحتلال بدون تحديد من أين وكيف، والاتفاق على الحدود وعلى مواصفات الدولة في مفاوضات بين الجانبين، وهذا يجعل إسرائيل مرجعية لهذه الدولة العتيدة.

إقامة دولة فلسطينية في أو ضمن حدود 1967، أو إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة ومتواصلة جغرافياً، وهي عبارة للأسف يكررها المسؤولون الفلسطينيون من فوق إلى تحت تشبهاً بالرئيس الأميركي الذي كان أول من استخدمها، لا يريد الفلسطينيون دولة قابلة للحياة ولا متواصلة جغرافياً بجسور وأنفاق وطرق مختلفة، وإنما يريدون اخذ الحد الأدنى من حقوقهم المقرة في القانون الدولي وقرارات الشرعية العربية ومبادرة السلام العربية. يريدون حق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس على الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967، وحل مشكلة اللاجئين حلاً عادلاً على أساس قرار 194.

وإذا وافق أبو مازن على استخدام صيغ عامة في إعلان المبادئ فانه يرتكب خطأً كبيراً إذا لم يكن خطيئة، لأن هذا يمثل إعادة إنتاج لاتفاق أوسلو، ولكن بعد أن جربنا الحلول الانتقالية وعرفنا أن إسرائيل لا تنفذ الاتفاقات وتخرقها باستمرار حتى عندما تعلق الأمر بقضايا جزئية وانتقالية فكيف سيكون الأمر عند القضايا الأساسية؟

وإذا لم يوافق أبو مازن على استخدام صيغ عامة فضفاضة قابلة للتفسيرات المختلفة لا يمكن أن يوافق أولمرت. فالحكومة الإسرائيلية الحالية تريد في أحسن الأحوال إقامة دولة ذات حدود مؤقتة على مناطق أ، ب، أو أكثر أو أقل، وليس على 90% من الأراضي المحتلة، فلعبة النسب والأرقام أتقنتها الحكومات الإسرائيلية جيداً خصوصاً منذ قمة كامب ديفيد العام 2000 وحتى الآن. فلا احد يعرف بالضبط كيف تحسب الوفود الإسرائيلية النسب وعلى أي أساس. فالحساب الإسرائيلي يتم دون احتساب لأراضي القدس الكبرى والتي تصل إلى حوالي 20% من حجم أراضي الضفة، ودون احتساب اللطرون ونقاط التماس والأغوار التي تشكل حوالي 30% من حجم الأراضي المحتلة.

لقد قالها بوش بصورة واضحة في خطابه الأخير في تموز الذي دعا فيه إلى اجتماع إقليمي، أن أية تسوية مرجعيتها هي ما يتم الاتفاق عليه بين الجانبين، وان أي اتفاق يجب أن يأخذ الحقائق السابقة والجديدة في الحسبان، أي عليه أن يأخذ الحقائق التي إقامتها إسرائيل منذ احتلالها العام 1967 وحتى الآن بالحسبان.

والأخطر أن الحديث المتصاعد عن استئناف المفاوضات يتم في الوقت الذي يستمر ويتكثف العدوان العسكري بكل أشكاله والاستيطان والجدار وتقطيع الأوصال وتهويد القدس، ويتعمق الانقسام بين الضفة وغزة، وبين سلطة الأمر الواقع التي تقودها حماس، والسلطة الشرعية التي تقودها فتح وحلفاؤها.

أن القبول بصيغة إعلان مبادئ عامة وفضفاضة خطر شديد جداً، والاتفاق على جدول زمني طويل خطر أشد، والاقتصار في المفاوضات على المفاوضات الثنائية دون حضور دولي فعلي ولا آلية تطبيق ملزمة ولا ضمانات دولية، ولا جدول زمنياً قصيراً، ودون الاستناد إلى القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، يعني أن إسرائيل ستتحكم بما يتم الاتفاق عليه، وستتحكم بكيفية تطبيقه إذا طبقته، فإسرائيل الحالية تريد دولة مؤقتة مسيطر عليها تتفاوض مع إسرائيل على القدس والحدود واللاجئين، ويتحول الصراع بعد إقامتها إلى نزاع بين دولتين على الحدود وقضايا أخرى ستبدو ثانوية أمام العالم كله. فالصراع يبدو وكأنه حل من دون تسوية أية قضية، وهذا يعني تصفية للقضية الفلسطينية وليس حلاً لها.

لقد جربنا هذا الطريق وفشل، رغم انه كان لدينا ياسر عرفات واتجاه مركزي واحد، وإسرائيل كانت اقل يمينية وتطرفاً. والآن حذار من تجربة المجرب، خصوصاً ونحن منقسمون وليس لدينا اتجاه مركزي واحد، والبرنامج الوطني غائب، ولا قيادة واحدة لديها أغلبية كبيرة تمكنها من اتخاذ القرارات والحصول على الشرعية اللازمة لتطبيقها.

لنتذكر المثل العربي: اللي بيجرب المجرب عقله مخرب!!

 

مشاركة: