الرئيسية » هاني المصري »   01 كانون الثاني 1900

| | |
نحو مقاربة فلسطينية جديدة في العام 2008
هاني المصري

 

أبدأ مقالي الأول في العام الجديد، بتهنئة الشعب الفلسطيني بمناسبة ذكرى انطلاقة الثورة وحلول العام الجديد، آملاً بأن يكون أقل سوءاً من العام الماضي، وبداية عهد جديد يضع الأقدام الفلسطينية على طريق إنهاء المعاناة المستمرة منذ اكثر من مائة عام، والامل يبقى موجوداً "فلا حياة مع اليأس، ولا يأس مع الحياة"، "وما أضيق العيش لولا فُسحة الأمل".


لا اعتقد أن هناك خلافاً بين الفسلطينيين الغيورين على قضيتهم ومصلحة شعبهم بان عام 2007 كان من أسوأ الاعوام التي مرت على القضية الفلسطينية، ولم يسبقه على لقب العام الأسوأ سوى عام النكبة في 1948 الذي شهد قيام اسرائيل.

في بداية العام الماضي، أوحى عقد اتفاق مكة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية بانه عام خير، ولكنه سرعان ما انقلب الى النقيض، عندما سقطت الحكومة بعد انقلاب حماس وما أدى اليه ذلك من انقسام سياسي وجغرافي كانت حصيلته حوالي 500 قتيل وأضعافهم من الجرحى والمعاقين، واعداد من المعتقلين في غزة والضفة. وما يزيد الطين بلة ان الشهداء والجرحى الذين سقطوا على أيدي قوات الاحتلال خلال العام المنصرم يقل عددهم عن الذين سقطوا قتلى وجرحى بأيد فلسطينية، وهذا أمر يحدث للمرة الأولى!!

هذا في الوقت الذي لم تقدم اسرائيل طوال عام 2007 سوى 13 قتيلاً فقط، وهو أقل عدد من القتلى خسرته اسرائيل منذ اكثر من 20 عاماً، وربما منذ بداية الاحتلال عام 1967.

ولا يغير من تقويم العام الماضي كونه شهد القمم الفلسطينية - الاسرائيلية ومؤتمري أنابوليس وباريس واستئناف المفاوضات وتجديد الالتزام الدولي بدعم السلطة، لأن عملية السلام التي انطلقت تحمل حملاً كاذباً، ومطلوبة بحد ذاتها، ولا تستند الى مرجعية واضحة وملزمة تستند إلى القانون الدولي والشرعية الدولية التي تحفظ الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، وانما مرجعيتها خارطة الطريق، غير المتفق عليها (خارطة الطريق الدولية أم الاسرائيلية)، أو بعبارة أخرى مرجعيتها ما يتفق عليه، على أساس ان المفاوضات ثنائية وسيدة نفسها، وهذا يضع الفيتو بيد اسرائيل.

ان استئناف المفاوضات وسط هذه الشروط ينذر بالخطر اكثر بكثير مما يفتح نافذة الأمل، فحكومة اولمرت لا تترك مجالاً للتفاؤل لانها حرصت على التأكيد بالقول والعمل، بانها ستجمع ما بين المفاوضات واستمرار العدوان العسكري بكل اشكاله والاستيطان والجدار وتقطيع الاوصال وعزل للقدس والحصار والاعتقالات، ومواصلة العمل لتغيير الوعي الفلسطيني وكسر ارادة الفلسطينيين ودفعهم لقبول ما تعرضه اسرائيل من حلول تصفوية لقضيتهم، أو اجبارهم على التعايش مع الأمر الواقع الذي يصيغه الاحتلال، بحيث تصبح السلطة رويداً رويداً، غاية بحد ذاتها، وأشبه بأدارة مدنية تسعى لتحسين شروط الاحتلال وليس انهاء الاحتلال، ومسؤولة عن توفير الأمن والخدمات فقط، ما سبق محبط، وبدل انه لا توجد فرصة حقيقية لاقامة الدولة الفلسطينية في هذا العام، وانما سنكون أمام اما محاولة أميركية - اسرائيلية لإدارة الصراع وليس حله، او امام محاولة للتقدم لحل الصراع وفقاً للشروط الاسرائيلية، اذا توفرت موافقة فلسطينية على هذه الشروط.

لا يمكن ان تكون المفاوضات فرصة اذا لم تكن هناك مقاربة فلسطينية جديدة، بحيث تتم استعادة اوراق القوة والضغط الفلسطينية اولاً واساساً والعربية ثانياً، حتى يتم من خلالها تسليح المفاوض الفلسطيني بالاسلحة المناسبة الضاغطة على الاحتلال، والقادرة، اذا استمر التعنت الاسرائيلي، على جعل الاحتلال يخسر اكثر مما يربح بحيث يفكر بالرحيل، اما اذا استمر الاحتلال، كما اصبح في السنوات القليلة الماضية وتحديداً بعد وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات، احتلال خمس نجوم، احتلالاً يربح ويحصد مزايا الاحتلال كلها ولا يدفع ثمنه، لان السلطة اصبحت هي المسؤولة عن توفير الأمن للاحتلال والأمن والخدمات للفلسطينيين، والمجتمع الدولي يوفر الاموال والمساعدات، ولان الاخطاء الفلسطينية (والخطايا) تقدم الذرائع المناسبة لاسرائيل لتبرير عدم التزامها بالسلام.

رغم ما تقدم، هناك فرصة اذا بادر الفلسطينيون الى اطلاق مبادرة تقوم على مقاربة جديدة، بعيداً عن المفاوضات العبثية والمقاومة العبثية، مقاربة تجمع ما بين المفاوضات المثمرة والمقاومة المثمرة، وتحافظ على السلطة ولكن على اساس اعادة النظر ببعض وظائفها وشكلها وغاياتها، وبحيث تكون السلطة فعلاً لا قولاً أداة من ادوات المنظمة بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وجزءاً من المشروع الوطني بوصفها جسراً لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وذات السيادة والتي تقام على الارض الفلسطينية المحتلة العام 1967 بما فيها القدس، وحل مشكلة اللاجئين حلاً عادلاً. اما اذا استمر الحال على المنوال الذي نراه حالياً فالسلطة بما هي عليه ستتحول إلى "دولة" بعد اضافة بعض الارض لها وبدون ان تملك من مقومات الدول سوى الاسم، وحتى يتوصل الفلسطينيون إلى هذه المقاربة الجديدة، عليهم مراجعة التجربة السابقة مراجعة جريئة، قادرة على استخلاص الدروس والعبر من مسيرة المفاوضات وعملية السلام والاتفاقات، ومن تجربة المقاومة بكل مراحلها واشكالها، بحيث تتم بلورة استراتيجية وطنية واحدة تكون قادرة على:

اولاً: توحيد الفلسطينيين على أساس برنامج وطني واقعي، بعيداً عن التخاذل والمغامرة، قادر على الاقلاع.

ثانياً: تفعيل واصلاح وتطوير م.ت.ف، بصورة تجعلها قادرة على تجاوز حالة الشلل التي تعيشها منذ سنوات، وتحديداً منذ اقامة السلطة، حيث اصبحت المنظمة هيكلاً بلا دور، وتتم المحافظة عليها حتى توقع على اتفاقية السلام باسم الشعب الفلسطيني كله وليس أكثر.

ان التمسك بالمنظمة كما هي وبدون سعي جدي لاصلاحها، وضم القوى والقطاعات التي لا تزال خارجها، انما يعبر عن مصالح افراد وشرائح تريد بقاء الخارطة السياسية القديمة رغم ان الاحداث وموازين القوى قد تجاوزتها، ويصب في سياق ابقاء الوضع على حاله، وتكريس الانقسام عبر الدعوات لفرض التزامات المنظمة ما قبل وما بعد اوسلو على الجميع، وعقد اجتماعات المجلس الوطني بتركيبته القديمة التي أكل الدهر عليها وشرب.

هناك فرق ما بين ان تعزل قوى نفسها (مثل حماس) وترفض المشاركة بالمنظمة الا بعد اعادة بنائها والسيطرة عليها، وبين ان يتم عزلها واقصاؤها بوضع الشروط التعجيزية لمشاركتها. فهناك فرق ما بين ضرورة احترام التزامات المنظمة من الجميع، وبين اشتراط الموافقة على هذه الالتزامات للمشاركة في المنظمة.

ان مثل هذه الشروط لو طبقت تعكس سياسة اقصائية ومحاولة لفرض برنامج واحد ورأي واحد على الجميع. ان الذي يقود المنظمة او سيقودها لاحقاً، والذي يحكم السلطة او الذي سيحكمها لاحقاً، مطالب بان يلتزم بالاتفاقيات التي عقدتها، ما دام غير قادر على الغائها او تجاوزها عملياً، ولكن القوى والفعاليات التي تمثل المعارضة فمن حقها ان تعارض اوسلو وكافة الاتفاقيات التي عقدت او يمكن ان تعقد لاحقاً. فبدون احترام حق الاقلية بالمعارضة لا تملك الاغلبية الشرعية التي تفوضها بالحكم.

ان مفتاح الخروج من الازمة العاصفة التي تهب بالوضع الفلسطيني برمته يكمن في اعطاء الاولوية، اولاً: لانهاء الانقسام ليس عبر تبويس اللحى، وانما عبر معالجة جذور واسباب الانقسام، بما في ذلك وضع حد لكل مظاهر التخوين والتكفير والاقصاء والتفرد والهيمنة. وثانياً: توفير مقومات الصمود في وجه الاحتلال، والنضال بكل اشكاله وعلى رأسها المقاومة المستمرة لانهاء الاحتلال ودحر وازاحة العدوان والاستيطان والجدار، ووقف الحصار خصوصاً الحصار الخانق المفروض على غزة. واهم، كل من يعتقد ان الانقسام نافع وسيقود الى تحقيق الاهداف الوطنية، ومجرم كل من يعمل على تكريس الانقسام، فالانقسام مدمر، لكنه يحقق مصالح افراد وشرائح من هنا وهناك، في غزة والضفة، عبر تعزيز نفوذهم وثرائهم وتحكمهم بالسلطة، على حساب القضية والشعب والمصلحة الوطنية، وهذا يجعل انهاء الانقسام وتحقيق الوحدة، مهمة صعبة، ولكنها ليست مستحيلة. ان انهاء الحالة الشاذة التي يعيشها النظام السياسي الفلسطيني، اولوية يجب ان تحظى بالاهتمام، وتتعمق هذه الحالة عبر تعميق سيطرة سلطة الامر الواقع في غزة رغم دعواتها الشكلية للحوار، ورغم النتائج الكارثية للانقلاب، كما تعمق عبر اللهاث وراء مفاوضات عبثية تسير جنباً الى جنب مع استمرار العدوان والمجازر والحصار والاستيطان والجدار، وشرط استمرارها استمرار الانقسام الفلسطيني.

ان استعادة الوحدة والشرعية هدف ممكن لان الشعب الفلسطيني، لا يزال متمسكاً بوجوده على ارض وطنه رغم المعاناة، ومصمماً على انتزاع حقوقه، ومؤمناً بعدالة قضيته، وهو شعب المعجزات والمفاجآت، ولن يتوقف التآكل الداخلي الا اذا تحرك الشعب الفلسطيني، كما يفعل دائماً، لإعادة الأمور إلى نصابها، عبر انتفاضة شعبية ثالثة ضد الاحتلال، أو عبر عملية تصحيح داخلية أو كلا الأمرين معاً، بحيث يتمكن الفلسطينيون من التوحد في مواجهة الاحتلال الذي يستهدفهم جميعاً، بدون ان يفرق، كما يدعي، بين معتدل ومتطرف، بين فتح وحماس ومستقل، فالاحتلال يستهدف الارض الفلسطينية والحقوق الفلسطينية والانسان الفلسطيني، والاحتلال يسعى لتكريس وتعميق الانقسام الفلسطيني لانه يوفر فرصة ذهبية لاسرائيل لتحقيق اهدافها التوسعية والعنصرية والإجلائية، باسرع وقت وأقل الخسائر.

فهل يرتقي الفلسطينيون، وخصوصاً قياداتهم وفصائلهم ونخبهم إلى مستوى التحديات؟ أم تتعمق الأزمة وتضيع القضية والارض والانسان؟ الجواب سيحمله هذا العام، عام 2008، فهو عام حاسم بكل المقاييس؟

وكل عام وانتم بألف خير.

 

 

مشاركة: