الرئيسية » هاني المصري »   21 آب 2010

| | |
المفاوضات وحرية الرأي ومصافحة الفتيات و"وطن على وتر
هاني المصري

كنت في إجازة منذ حوالي ثلاثة أسابيع، وكانت فترة للتأمل وللتفكير وللراحة. وكانت أيضاً حافلة بالأحداث والتطورات خصوصاً بالنسبة للمفاوضات المباشرة، ما أخذ يلح علي بشدة بأن أنهي الإجازة وأعاود الكتابة. فالكتابة حياة مع الاعتذار من الدكتور صائب عريقات صاحب كتاب "الحياة مفاوضات".

خلال فترة الإجازة طلب مني العديد من الاشخاص ان اكتب، واستغربوا واستهجنوا عدم الكتابة في مثل هذا الوقت. طلبوا ان اكتب عن المفاوضات المباشرة، وعن عدم مصافحة الفتيات، وعن الحرب الدينية التي دشنت عشية شهر رمضان وتصاعدت خلاله جراء المحاولات المتعددة والمتبادلة لاستخدام الدين لخدمة السياسة والسياسيين عن طريق السيطرة على الجامع والمؤسسة الدينية، وكانعكاس للانقسام المدمر وحالة الإقصاء المتبادلة الناجمة عن، والمتأثرة بالحملة على الحكومة ورئيسها بعد انتقاده لمظاهر التزمت مثل عدم مصافحة الفتيات للرجال على اساس انه فريضة دينية، وما هي كذلك، وانما عادة مكتسبة بدليل أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يسلم على النساء وكن يسلمن عليه.

لا يمكن تقديم الدين بهذا الشكل وتقزيمه الى هذا الحدورغم اختلافي الجوهري مع الحكومة في العديد من السياسات والقضايا، الا انني لا أرى مبرراً للحملة التي شنت على رئيس الحكومة بسبب انتقاده لعدم مصافحة الطالبات.

وطالبوني بالإدلاء بدلوي حول الضجة التي أثارها مقال امتياز المغربي حول وزيرة الشؤون الاجتماعية ومركز محور والفساد والانحلال اللذين ادعت انهما يعشعشان فيه، بدون تقديم وثائق وأدلة وبراهين ما اعتبر نوعاً من القذف والتشهير الذي يحاسب عليه القانون.

ان ما أثارته هذه القضية من آراء مختلفة تمام الاختلاف توجب التأكيد على ان لا شيء مقدس وفوق النقد، ولا شيء يجب ان يسمح له بتقييد حرية التعبير عن الرأي، ولكن على اساس ضرورة التمييز القاطع ما بينها وما بين التشهير والتحريض. فحرية الرأي حق اساسي طبيعي يكفله القانون الاساسي ويحب ضمان الحق دائما في ابداء الرأي مهما كان الخلاف حوله. أما حرية الاتهام بدون ادلة وبراهين فمرفوضة دائماً ومهما كانت الاسباب.

ان حرية التعبير بحاجة الى معارك دائمة لترسيخها وهي لا تتحقق بسهولة، وفي سياق الكفاح من أجلها يمكن ان نشهد بعض الأخطاء من انصارها، ومع أهمية معالجة الأخطاء الا ان هذا لا يبرر لأحد أن يسارع الى الدعوة لتقييد حرية التعبير عن الرأي، فهي حجر الاساس لبناء الحريات كله.

وهناك من طلب مني ايضاً خلال اجازتي ان اعلق على مسلسل "وطن على وتر" وما تعرض له من هجوم واسع هذا العام لدرجة ان هناك من طالب بوقفه، وهذا امر مرفوض لان من لم يعجبه المسلسل هذا العام يستطيع، كما كتب عن حق زكريا محمد، الا يشاهده وان يفتح على محطة اخرى. فلا يجب المساس بحق من اخرجه وألفه وتبنوه وايدوه ان يطرحوا وجهة نظرهم، ولكن على من يقف وراءه ان يتمعن جيداً وملياً بالملاحظات المنتشرة جداً عليه هذا العام، ويقارنها بالمديح العارم جداً بالعام الماضي .

لذلك انصح أبطال المسلسل ومخرجه والتلفزيون الفلسطيني الا يبسطوا الامر بالقول ان المسلسل يتعرض لمؤامرة وأنه ضحية لجرأته فقط. فرغم وجود من يحاربه الا انه لم يكن في هذا العام في المستوى الذي كانه في العام الماضي، هذا في ابسط تقدير ما يستدعي التوقف والتفكير من أجل التجديد والتغيير. أليس كذلك؟

حسناً فعل الصديق رئيس التحرير، ولو عن غير قصد، عندما اعتقد ان التنويه المرفق بمقالي الأخير قبل الإجازة، والذي يشير الى عزمي على الاستراحة من الكتابة خاص به فقط، في حين انه كان يخص ايضاً القراء الذين من حقهم ان يعرفوا ان أحد الكتاب الذين يقرأون لهم سوف يكون في اجازة.

رب ضارة نافعة، لقد اتاح عدم نشر التنويه ، ان اكتشف ان لي قراء مواظبين على قراءة مقالاتي اكثر مما اعتقد. فتعرضت خلال هذه الفترة الى استفسارات من أمي ومن اصدقاء واقارب وصحافيين وقراء من مختلف الفئات الاجتماعية، ومن فلسطين وخارجها، اتصلوا هاتفياً أو ارسلوا ايميلات و /او تحدثوا مباشرة معي متسائلين عن سبب امتناعي عن الكتابة. بعضهم لم يصدق ان الامر يرجع الى اجازة من الكتابة، التي هي امر متعب جداً، اذا تعامل معها الكاتب بجدية، انما أرجع الأمر الى ان رئيس التحرير او غيره قاموا بمنعي من الكتابة. وما ساعد على انتشار نسبي لهذا الرأي ان لقاء الرئيس ابو مازن الأخير مع الصحافيين والكتاب شهد ملاحظات عديدة وجهها الرئيس لي معظمها كان سلبياً وبعضها كان ايجابياً.

ان الحقيقة كل الحقيقة ان الاجازة سبقت موعد اللقاء مع الرئيس وان رئيس التحرير لا يتدخل في الغالبية الساحقة من المقالات وانه أتاح في "الايام" هامشاً جيداً من الحرية، والمطلوب والمهم ان يستخدم الكتاب هذا الهامش في حدوده القصوى، وان يعملوا على توسيعه باستمرار.

ان الحرية اساس التطور والتغيير وهي لا تعرف الحدود، ولكن على اساس استلهام وتجسيد ما قاله فولتير: "انني مستعد لأن ادفع حياتي ثمناً للدفاع عن حقك بالتعبير عن رأيك، بدون نسيان أن حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية غيرك".

ثمن المفاوضات المباشرة

لا استطيع ان انهي مقالي الأول بعد الاجازة، بدون ان اتطرق الى المفاوضات المباشرة، وخصوصاً اننا عشية انطلاقها.

ففي مساء "الجمعة" بالأمس دعيت اللجنة التنفيذية لاجتماع يعتقد أنه للبت بمسألة المشاركة في المفاوضات المباشرة على ضوء عرض ما توصلت اليه المشاورات الممتدة طوال الاسابيع الماضية، وسط انباء ان القيادة ستقرر الذهاب الى المفاوضات المباشرة بدون تحقيق اي من شروطها، اعتماداً على بيان اللجنة الرباعية الدولية الذي يشكل تراجعاً عن القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة، ولم توافق عليه اسرائيل رغم ذلك، فكيف سيكون مرجعية للمفاوضات اذاً !!

أناشد الرئيس واعضاء اللجنة التنفيذية أن يحكموا ضمائرهم وان يتحملوا مسؤولياتهم الوطنية، ويثبتوا انهم قيادة تمثل الشعب الفلسطيني المصمم على مواجهة التحديات وانجاز حقوقه مهما طال الزمن وغلت التضحيات.

ان ثمن المفاوضات المباشرة، وفقاً للشروط الإسرائيلية، اي عندما تكون مفاوضات من أجل المفاوضات، وبدون الاتفاق على مرجعية تستند الى هدف انهاء الاحتلال عن جميع الأراضي المحتلة عام 1967، وليس انهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967، وتستند الى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، بحيث تكون المفاوضات لتطبيق هذه القرارات وليس للتفاوض حولها، وبدون وقف الاستيطان (وليس المطالبة بوقفه أو بوقف الخطوات الاستفزازية) وجميع الاجراءات الاحتلالية التي تغير الواقع على الأرض، وبدون مشاركة دولية وضمانات دولية وجدول زمني قصير وآلية تطبيق ملزمة، أكبر بكثير، واسوأ من ثمن المفاوضات السابقة أو من ثمن عدم الذهاب للمفاوضات.

ان خطورة الذهاب الى هذه المفاوضات ان المطلوب من المفاوض الفلسطيني ان يذهب اليها عارياً تماما حتى من ورقة التوت، ولذلك فان الدخول اليها وفق الشروط الاسرائيلية سيكون خطأ فادحاً ونوعاً من الانتحار السياسي، وخطوه ستستدعي ضغوطاً أكثر وأكبر على المفاوض الفلسطيني ستجعله في المستقبل اقل قدرة على رفض شروط واملاءات اسرائيل.

ان دخول "حمام" المفاوضات المباشرة وفقاً للشروط الاسرائيلية يجعل من الصعب الخروج منه. فمن شارك بها تحت وطأة الضغوط سيكون اضعف وعرضة للاستجابة للضغوط القادمة والتي ستكون أشد من سابقاتها، خصوصاً ان المشاركة بالمفاوضات ستسبب خلافات أكبر وأوسع داخل الصفوف الفلسطينية، بما في ذلك داخل حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، وستمس مصداقية القيادة التي تعهدت طوال حوالي عامين بعدم المشاركة بالمفاوضات بدون وقف الاستيطان والاتفاق على مرجعية.

ان كل المؤشرات و المعطيات تدل على ان اسرائيل (وليس فقط الحكومة الإسرائيلية الحالية) ليست جاهزة للسلام العادل، والدليل على ذلك انها ترفض بيان اللجنة الرباعية الدولية على هشاشته وتقبل رسالة الدعوة الاميركية.

فاسرائيل تريد اما استمرار الوضع الاحتلالي القائم حالياً، او فرض احد سيناريوهات الحل الاسرائيلي.

تأسيساً على ما تقدم فان على قيادتنا الا تقع فريسة الاوهام والخداع وتكتفي بتخريجة بيان اللجنة الرباعية التي لا تعني اي شيء بدون الزام اسرائيل "الدولة المحتلة" بإنهاء الاحتلال ومرجعية المفاوضات ووقف الاستيطان .....الخ.

على قيادتنا ايضا ان تكف عن الاعتقاد ان الحل على الابواب، وان الدولة على مرمى حجر، فالوقت ليس وقت الحل ، وانما وقت وضع كل الجهود لادارة الصراع من أجل تغيير موازيين القوى، حتى تسمح بإنجاز الحرية والعودة والاستقلال.

وحتى يحدث ذلك لابد من وقف الرهان على المفاوضات الثنائية المباشرة، "على خطة أ" والمسارعة الى وضع "الخطة ب" التي تقتضي بلورة استراتيجية جديدة بديلة قادرة على انهاء الانقسام واستنهاض الشعب الفلسطيني كله، داخل الوطن وخارجه، على اساس اعادة الاعتبار للبرنامج الوطني واعتماد شراكة حقيقية على اسس ديمقراطية.

يكفي ان نذكر بأن أكثر من خمس سنوات من سياسة الاعتماد على المرونة الزائدة والاعتدال المفرط والسير وراء خيار السلام كخيار وحيد وتنفيذ الالتزامات الفلسطينية الأمنية وغير الأمنية من طرف واحد، وبدون التزام اسرائيلي مقابل، لم تؤد الى تعاظم التأييد الدولي والأميركي للمطالب والحقوق الفلسطينية، وانما اوصلتنا الى الحالة الراهنة التي نواجه فيها الضغوط الاميركية والاسرائيلية الدولية للقبول بمفاوضات مباشرة وفقاً للشروط الاسرائيلية!!

مشاركة: