الرئيسية » هاني المصري »   31 آذار 2007

| | |
ما بعد قمة الرياض
هاني المصري

 

يمكن" أن تكون قمة الرياض مختلفة عن سابقاتها من القمم العربية. فهي قمة عقدت في "محاولة" لسد الفراغ الناجم، ويمكن أن يتعمّق بسبب فشل الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، واستعداداً للانسحاب القادم للقوات الأميركية من العراق، ومن أجل قطع الطريق على قيام إيران بسد هذا الفراغ. فهي قمة الخوف من الآتي الأعظم، خصوصاً إذا نشبت الحرب الإيرانية - الأميركية، لأن العرب ليسوا مستعدين لإمساك زمام قضاياهم بأيديهم وتركوها للآخرين ليتحكموا بها. وهي قمة "اقتربت" من تقديم رسالة للعالم، بأن العرب لا يزال لديهم رمق، ويتمسكون بهويتهم العربية، وأمن يحرصون عليه، وأمانٍ ومصالح يدافعون عنها.

وإذ أستخدم كلمات مثل "يمكن" و"محاولة" و"اقتربت"، لأن المخاوف وحدها لا تصنع سياسة قادرة على النجاح، واستبدال الأولويات أو تداخلها، بحيث يضيع الخطر الإسرائيلي بالخطر الإيراني ولا يوصل إلى أي مكان. فرغم أن القمة أحيت مبادرة السلام العربية وأيدت حكومة الوحدة والتزمت بفك الحصار، وجددت الدعم الشهري للسلطة، وسعت لإحياء التضامن العربي المنهار، والإمساك بالقرار العربي المفقود، وحاولت محاصرة الحرائق في العراق ودارفور والصومال ولبنان، إلا أن هناك مخاوف مبررة من أن تكون قرارات قمة الرياض الإيجابية سحابة دخان للتغطية على قيام أحلاف جديدة في المنطقة، وبالتالي تكون هذه القرارات مثل معظم قرارات القمم السابقة، حبراً على ورق.

 

فعلى سبيل المثال، لقد تم اعتماد مبادرة السلام العربية في قمة بيروت العام 2002، ولكن لم يتم العمل على تسويقها وتطبيقها، بل ألقيت على قارعة الطريق بسبب الرفض الإسرائيلي لها، وتم القفز منها إلى "خارطة الطريق"، التي هي خارطة بلا طريق، وأدخلتنا في متاهة منذ نيسان العام 2003، لم نخرج منها حتى الآن.

وإذا أخذنا مثالاً آخر من أحد قرارات القمة، نجد أنها قررت فك الحصار عن الفلسطينيين، ولكنها لم توضح كيف ستعمل ذلك في ظل استمرار الحصار الأميركي - الإسرائيلي؟ كما أنها اكتفت بتجديد الالتزام بالدفعة الشهرية المقررة سابقاً، رغم أن الفلسطينيين في حاجة ماسة لدفعة إضافية لسد العجز الكبير في موازنة السلطة. كان يمكن للقمة أن تقرر دعماً إضافياً لسد هذا العجز أو تلزم الدول الأعضاء بالوفاء بما تبقّى من دفعاتهم التي لم يتم الوفاء بها خلال الأعوام السابقة، والتي تصل قيمتها إلى مليار و460 ألف دولار، وهو مبلغ مناسب جداً لانطلاق حكومة الوحدة وقادر على حمايتها وإنجاحها في وجه الحصار الأميركي - الإسرائيلي المستمر.

حسناً فعلت القمة بإقرار مبادرة السلام العربية دون تعديلها، وقرارها تفعيل هذه المبادرة من أجل الإسراع بتطبيقها، ولكن القمة لم تُجب عن عدة أسئلة مثل: ما العمل إذا استمرت إسرائيل مدعومة بالموقف الأميركي برفض مبادرة السلام العربية؟ ولماذا لم تحدد القمة سقفاً زمنياً لتطبيق المبادرة؟ ولماذا لم يتم التلويح بخيارات أخرى إذا لم يتم التجاوب مع المبادرة العربية، مثل استخدام أوراق القوة السياسية والاقتصادية العربية مثل سلاح البترول والمقاطعة العربية لإسرائيل وقطع العلاقات ووقف التطبيع معها وتشجيع المقاومة الشعبية للاحتلال الإسرائيلي وتعزيز صمود الفلسطينيين، وإعادة الملف الفلسطيني إلى الشرعية الدولية (إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة)، ومتابعة القرارات الدولية، بما فيها الفتوى القانونية التي أصدرتها محكمة لاهاي بخصوص الجدار، واعتمدتها الجمعية العامة بقرار حصل على تأييد أغلبية كبيرة. وهذا لا يعني أن على العرب التلويح بالحرب، فالعرب غير مستعدين للحرب، ولكن، هناك أوراق عديدة يمكن استخدامها ولا تصل إلى حد الحرب.

إن اعتماد خيار السلام كخيار استراتيجي وحيد، والدعوة للمفاوضات فقط، في الوقت الذي لا تريد إسرائيل السلام، وأسقطت الشريك الفلسطيني والحل المتفاوض عليه، يبرر الخشية من أن تصل القمة العربية، أو "محور الاعتدال العربي" وحده، إلى قبول رسمي وعملي لما رفضته القمة، وهو تعديل مبادرة السلام أو التعامل معها، ليس كمرجعية للتفاوض بحيث يستهدف التفاوض تطبيقها ككل متكامل، وإنما التعامل معها كنقطة انطلاق، أو كأساس للتفاوض بحيث تكون هي الحدّ الأدنى العربي بينما إسرائيل لا تزال تطرح حدها الأقصى دون أن تتنازل عنه قيد أنملة.

إذا افترضنا حسن النية، وصدقنا أن القادة العرب صادقون هذه المرة في تبنّيهم مبادرة السلام العربية فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هو الموقف العربي إذا رفض مجلس الأمن اعتماد مبادرة السلام العربية دون تعديلها؟ وهذا أمر متوقع جداً، لأن الولايات المتحدة الأميركية لا يمكن أن تمرّر اعتماد المبادرة كما هي.

يمكن أن توافق إدارة بوش على تدبيج المبادرة في هامش لمبادرة أوسع، سقفها منخفض، وتشمل خلطة عجيبة، مثلما فعلت خارطة الطريق، فهي تجمع المراحل والحلول الانتقالية مع النهائية، وقرارات الشرعية الدولية مع الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة مع رؤية بوش، وتترك كافة قضايا الوضع النهائي للمرحلة الأخيرة، وتحت رحمة التفاوض، دون تحديد أهدافه سلفاً.

سؤال آخر؛ ماذا إذا اقترحت إسرائيل على المملكة العربية السعودية الالتقاء على مستوى القمة أو أدنى منها للبحث في المبادرة؟ أو اقترحت تعاوناً اقتصادياً، وفتح مكتب للاتصال، أسوة ببلدان عربية أخرى؟ أو وافقت إسرائيل على عقد مؤتمر دولي تشارك به اللجنة الرباعية الدولية واللجنة الرباعية العربية زائد إسرائيل؟ ألا يعني كل هذا، إذا حدث، خطوات تطبيعية مع إسرائيل تسبق تجاوبها مع مبادرة السلام العربية؟ ألاّ يحقق هذا ما طالبت به وزيرة الخارجية الإسرائيلية بجعل التطبيع أولاً وقبل السلام؟

سؤال ثالث؛ إذا قامت إسرائيل، رداً على الإحراج الذي يمكن أن تسببه لها مبادرة السلام العربية، ولتصدير الأزمة الداخلية التي تعيشها حكومة أولمرت، على كل الأصعدة، ولأسباب لا حصر لها، بشن عدوان واسع على غزة، أو على لبنان، أو ضد إيران، ما هو الرد العربي، هل سيبقى العرب يرددون تمسكهم بخيار السلام، والدعوة للمفاوضات؟ ألا يوجد أي بحث بالعقاب؟.

سؤال رابع؛ إذا واصلت إسرائيل سياستها الراهنة، وهي يمكن اقتصارها على خلق حقائق احتلالية واستيطانية وأمنية عنصرية، تجحف في قضايا الوضع النهائي وتجعل الحل الاسرائيلي أكثر وأكثر، هو الحل الوحيد المطروح عملياً على أرض الواقع.

ألم يكن من الأجدى أن تطالب القمة كشرط لبدء التفاوض، بوقف العدوان العسكري الاسرائيلي، بكل أشكاله، ووقف الاستيطان والجدار والحصار وتهويد القدس والمساس بالمقدسات؟ هل سيتفاوض العرب مع إسرائيل، هذا إذا قبلت التفاوض معهم الى الأبد؟ دون مرجعية واضحة محددة الأهداف منذ البداية، ومن دون ضمانات ولا حضور دولي حقيقي، ولا آلية تطبيق ملزمة، ولا جداول تنفيذ، ودون وقف الإجراءات أحادية الجانب، وعلى أساس أن التفاوض سيد نفسه، والوسيلة الوحيدة لحل الصراع. عندما تقول إسرائيل إنها لا تقبل الإملاءات الواردة في مبادرة السلام العربية، فإنها تقلب الواقع رأساً على عقب، لأن الاحتلال والعدوان وكل ما ينتج عنهما، هو الإملاءات، والتفاوض تحت هذه الشروط، ودون مرجعية متفق عليها منذ البداية، يقود؛ إما الى قبول الشروط الإسرائيلية، أو الى تفجر المفاوضات، أو دوران المفاوضات حول نفسها، لتعطي إسرائيل الوقت والغطاء اللازمين لاستكمال مخططاتها على الأرض.

دون الاستعداد لخيارات أخرى، في حال عدم انطلاق المفاوضات على أسس تكفل نجاحها بإنهاء الاحتلال، وعلى أساس تطبيق مبادرة السلام العربية، التي تقوم على معادلة "الانسحاب الكامل مقابل السلام الكامل، وبما في ذلك حل مشكلة اللاجئين حلاً عادلاً، متفقاً عليه وفقاً لقرار 491"، سنجد أنفسنا في أحسن الاحتمالات، أمام أمر واقع لا يوجد فيه سوى احتمال واحد، هو: الدولة ذات الحدود المؤقتة، التي تقام على المناطق الآهلة بالسكان، على أن يتم التفاوض لاحقاً على قضايا الوضع النهائي. وفي هذه الحالة، يمكن أن نجد أصواتاً فلسطينية وعربية، وربما قبولاً من النظام الرسمي العربي، "لإنقاذ ما يمكن انقاذه"، وعلى أساس أن "دولة على جزء أفضل من لا شيء".

هناك طريق آخر، إذا توفرت الإرادة العربية اللازمة، وهو طريق يستوجب استعادة التضامن العربي، والسعي لتقليل الخسائر والمخاطر من التطورات الحادثة والمحتملة، والاستفادة من الفرص المتاحة، وذلك بعد التطورات الرئيسية التالية:

أولاً: المأزق الأميركي المتصاعد في العراق، والذي يجعل الإدارة الأميركية بحاجة للعرب، حتى تضمن انسحاباً مشرفاً.. لأن هناك خطراً يهدد النفوذ الأميركي في المنطقة بأسرها، إذا لم تجد مَخرجاً مناسباً في العراق.

ثانياً: اقتراب المواجهة الأميركية - الإيرانية من الحسم، سلماً أو حرباً، وهذا يطرح احتمالات متباينة؛ فإذا سارت المواجهة نحو الحرب، ستكون الإدارة الأميركية بحاجة الى الغطاء العربي، والى إظهار المواجهة وكأنها بين السنّة والشيعة، وبين المتطرفين والمعتدلين، وليس حرباً من أجل النفط وضمان بقاء إسرائيل كدولة عظمى نووية متفوقة وحيدة في المنطقة.. وإذا سارت المواجهة نحو الاتفاق، سيتم تقاسم المنطقة بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى.. وليس من الضرورة أن يكون العرب الى جانب الولايات المتحدة، بل يجب أن يكونوا الى جانب مصالحهم وأهدافهم.. والاقتراب من كل طرف بقدر استعداده لتلبية أكبر قدر من هذه المصالح والأهداف.. وعلى أساس أن الاحتلال الأجنبي، خصوصاً الاحتلال الاسرائيلي ودور إسرائيل في المنطقة، هو الخطر الأكبر الذي يتهدد المنطقة، وليس كما ادعى أولمرت ومندوب إسرائيل في الأمم المتحدة جيلرمان؛ بأن الدول العربية تشهد تغيراً ثورياً في رؤيتها لإسرائيل يتمثل في أن الهدف من قمة الرياض هو الوقوف في وجه ما أسموه الخطر الإيراني، لأن الصراع مع إسرائيل أصبح ثانوياً، قياساً مع الصراعات العربية الداخلية.

ثالثاً: تزايد المؤشرات على اقتراب التمرد الدولي على السيطرة الأحادية الأميركية على العالم، ولعلّ الموقف الروسي الذي عبّر عنه بوتين مؤخراً، دليل كبير على ذلك.

رابعاً: اتضاح حدود القوة الإسرائيلية، وسقوط نظرية الردع الإسرائيلية، سواء في لبنان، حيث هُزمت آلة الحرب الإسرائيلية، أو في فلسطين، حيث لم تستطع إسرائيل تطويع الفلسطينيين وتغيير وعيهم وكسر إرادتهم.. وهذا التطور يمكن أن يضع الدور الاسرائيلي في الاستراتيجية الأميركية على بساط البحث.. فلن يبقى هذا الدور كما كان.. السؤال هو حول مدى التغيير وفي أي اتجاه؟ وهل ستقوم إسرائيل بحرب أو بحروب لاستعادة هيبتها أم لا؟

خامساً: نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية وتداعياتها، منذ تشكيل حكومة "حماس"، مروراً بتفاقم الخلافات الفلسطينية الى حد الاقتتال، وصولاً الى اتفاق مكة وتشكيل حكومة فلسطينية، وما يعنيه ذلك من التقدم خطوات ملموسة على طريق إيجاد عنوان فلسطيني، يُسقِط ادعاءات إسرائيل المضلِّلة عن عدم وجود شريك فلسطيني.

من مصلحة الفلسطينيين أن يعودوا الى الحضن العربي، لأن تضامن العرب يمكن أن يصب دائماً لمصلحة فلسطين.. ولكن العجز العربي عن التضامن الحقيقي، وعن وضع السياسات المناسبة، يمكن أن يجعل الالتفات العربي الجديد للقضية الفلسطينية طريقاً لتشجيع الفلسطينيين لقبول ما رفضوه، أو عجزوا عن قبوله بمفردهم، ودون غطاء عربي!! فالعرب مطلوبون دائماً لدعم الحقوق الفلسطينية، ولجعل الفلسطينيين أكثر قدرة على تحقيقها.. أليس كذلك!

 

مشاركة: