الرئيسية » هاني المصري »   03 شباط 2007

| | |
الـمقاومة توحّد والسلطة تفرق
هاني المصري

ندلعت الاشتباكات بين الإخوة في جولة جديدة من الاقتتال أشد من سابقاتها في خرق كبير لوقف إطلاق النار، ما ينذر إذا لـم يتم تثبيت وقف إطلاق النار، بقطع الطريق على إمكانية نجاح الـمبادرة السعودية قبل أن تبدأ.

هذا الانهيار لوقف إطلاق النار، الذي حدث بعد إقدام مسلحين من حركة حماس على إطلاق الرصاص على شاحنات تخص حرس الرئاسة و السيطرة عليها بحجة أن هذه الشاحنات تحتوي على أسلحة وعتاد مقدمة من دولة عربية إلى "الـمفسدين في الأرض" كما جاء في أحد بيانات حماس. وبصرف النظر عن صحة أو عدم صحة رواية حماس، فهذا لا يعطيها الحق بالاعتداء على حرس الرئاسة،

و لا يبرر لها إعادة إدخال الساحة الفلسطينية إلى أتون الاقتتال الـمدمر بعد أن لاح في الأفق أمل جديد بعد الجهود الـمصرية و الـمبادرة السعودية والهدوء الذي ساد قطاع غزة لـمدة أيام بعد سحب الـمسلحين وعودة الحياة نسبياً إلى طبيعتها.

 

و لا يعطي الاعتداء الحمساوي مبرراً للحرس الرئاسي أو لغيره رد "الصاع صاعين" و مهاجمة واقتحام الجامعة الإسلامية و غيرها من الـمراكز، ولا الـمواجهات التي حدثت لاحقاً و التي أدت حتى كتابة هذه السطور إلى سقوط 17 قتيلاً و حوالي مئتي جريح. إن الامتناع عن الرد يمكن أن يكون في هذه الحالة حكمةً وقوةً ومسؤوليةً تصب في مصلحة الطرف الذي يقدم عليه. فعين الشعب شاخصة على ما يجري و سيحاسب الشعب الطرف أو الأطراف الـمسؤولة عن إيصال الوضع الفلسطيني لدرجة أن الفلسطيني رافع راية حركة التحرر الوطني العالـمي و صاحب الأمجاد و البطولات و الشجاعة أصبح يخجل من كونه فلسطينياً بعد إن كان يفاخر بفلسطينيته في أربعة أركان الأرض.

بعد هذا الانهيار لوقف إطلاق النار، أذكر بالرسالة الـمدوية التي أرسلها بطل عملية إيلات، التي قال فيها للجميع و بكلـمات ممهورة بدمه الغالي: إن الرصاص الفلسطيني يجب أن يوجه إلى الاحتلال لا إلى الإخوة .. الإخوة بالسلاح و الإخوة بالدم، ورغم اقتناعي العميق، وإيماني الراسخ، بأن الـمقاومة عمل واع منظم و علـم مدروس، ولا يجب أن تأتي كردة فعل بل جزء من إستراتيجية متكاملة يشارك بتحقيقها الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال و في الشتات، كل حسب ظروفه

وإمكانياته، إلا إنني كنت مسروراً بعملية إيلات لأنها كانت و جاءت في توقيت ذهبي، وفي ظل انشغال القوى الرئيسية في الصراع على السلطة و نسيان الاحتلال.

نعم، الصراع هو على السلطة بعد تقارب البرامج. فالالتزام بالاتفاقيات لا يختلف اختلافاً جذرياً عن احترام الاتفاقيات. و الاعتراف بإسرائيل لا يتناقض كلياً مع الاعتراف بها لاحقاً أو واقعياً. ولا مع الاستعداد للاعتراف بها رسمياً إذا قدمت مقابلاً لهذا الاعتراف.. مرة إذا كان هذا الاعتراف الـمقابل يتجسد من خلال الاعتراف بدولة فلسطينية. ومرة إذا كان الاعتراف بحماس و الجلوس معها كما صرح أسامة الباز مؤخراً. و يتفق الفرقاء الـمتصارعون على تعليق الـمقاومة. فالاختلاف في الرؤى

والبرامج موجود و لا أنكره و لكنه لايعبر عن نفسه بوجود برنامجين متناقضين متوازيين يتجهان نحو الـمزيد من التباعد، و لكن يسيران بالعكس نحو التقارب. والدلائل على ذلك كثيرة تبدأ بالاتفاق على إعلان القاهرة

(آذار 2005). و تمر بالـمشاركة بسلطة أوسلو و قيادة حكومتها، و بتعليق الـمقاومة إلى أجل غير مسمى،

ولا تنتهي بإطلاق إشارات الـمرونة والاعتدال، من الاحترام إلى الاعتراف الواقعي إلى الاستعداد بقبول دولة ذات حدود مؤقتة تقبل الهدنة، هذه الهدنة الـمطروحة لـمدة خمسين عاما أو عشرة أعوام تجدد تلقائياً تارة أخرى. كما لـم يعد مبدأ الـمفاوضات مرفوضاً من أساسه. بل هناك استعداد لتفويض رئيس الـمنظمة بالـمفاوضات على أن يعرض ما يتفق عليه على استفتاء شعبي. ماذا يبقى مع كل ما تقدم؟ إنه الصراع على السلطة.

إن طغيان الصراع على السلطة على كل شيء بما فيها على الخلافات في الرؤى و البرامج هو وحده يفسر ما يجري.

لأن الرؤى و البرامج على اختلافها تتطلب تركيز كل الجهود و الطاقات لدحر الاحتلال. أما ما يجري فأعتقد أن لا أحد يختلف في أنه يصب في مصلحة الاحتلال و يرسخ الاحتلال أكثر و أكثر. و الدليل ما يجري من إجراءات احتلالية في القدس و تحت و حول الـمسجد الأقصى، و تعديل جدار الفصل العنصري لكي يضم مستوطنات جديدة، و محاصرة غزة و استباحتها، و عزل منطقة الأغوار و تكثيف الإجراءات الرامية لضمها وهي تشكل حوالي ثلث مساحة الضفة الـمحتلة، و تكثيف الاستيطان خصوصاً في الـمستوطنات الـمقامة في القدس و جوارها، ومواصلة الحصار و الاغتيال و الاعتقال و فصل الـمناطق الفلسطينية عن بعضها البعض لكي تتعزز ككانتونات منفصلة عن بعضها البعض.

الـمخرج واضح، و الحل أكثر وضوحاً وهو بلورة رؤية إستراتيجية مشتركة تضع مقاومة الاحتلال في قلبها على أن تتم دراسة أشكال النضال الـمناسبة ذات الجدوى

والقادرة على تحقيق الـمصلحة والأهداف الوطنية.

الـمقاومة والـمقاومة وحدها يمكن أن توحد وأن تعيد توحيد الفلسطينيين. أما الصراع على السلطة والـمراكز

والوزارات والوظائف والـمحافظين والسفراء، فأقصر طريق للانزلاق نحو الحرب الأهلية. لا بديل عن الـمقاومة الـموجهة و الـمدروسة و التي يشارك بها الشعب بفعالية

وقوة وتعمل لتنفيذ برنامج وطني واقعي، برنامج أعلى

وأشد من برنامج الرئيس و حركة فتح، وأكثر مرونة من برنامج حماس. برنامج لا يقبل بشروط اللجنة الرباعية كما هي و لا يتجاهل العامل الدولي بحيث يصب في صالح الاحتلال. برنامج يمد يده للـمفاوضات و عملية السلام، لكنه لا يقبل بإعادة إنتاج الأخطاء و الخطايا السابقة عبر الدخول في حلقة مفرغة جديدة من الـمفاوضات، دون أهداف واضحة و لا ضمانات حقيقية ولا آلية تنفيذ ملزمة، ولا دور دولي جدي. لا نريد مفاوضات تدور حول نفسها و تعطي إسرائيل الغطاء و الوقت و القدرة على مواصلة احتلا لها وتعميقه

وفرض حقائق جديدة على الأرض تجعل الحل الإسرائيلي أكثر و أكثر هو الحل الواقعي الوحيد للصراع.

وإذا تعذرت الـمقاومة الـموحدة والـمدروسة، فالـمقاومة الفردية الـمتفرقة قد تنفع في تذكير الجميع بـ : إلى أين يجب أن يوجه الرصاص. و ليتذكر الجميع أن الحكومة الإسرائيلية امتنعت عن الرد على عملية إيلات حتى تدفع الاقتتال الفلسطيني إلى أقصاه، وحتى لا يتوحد الفلسطينيون ضد الاحتلال رداً على عدوان إسرائيلي جديد.

 

مشاركة: