الرئيسية » هاني المصري »   30 أيلول 2006

| | |
لماذا تتعثر محاولات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية؟
هاني المصري

 

حتى لحظة كتابة هذه السطور، الصورة لا تزال قاتمة، والاحتمالات ترجح عدم التوصل الى اتفاق حول تشكيل حكومة وحدة وطنية. ورغم ان الامل والعمل من أجل تحقيق هذه الحكومة يجب ألاّ يتوقفا ابداً إلا ان المسؤولية الوطنية تقتضي من الجميع، او على الاقل ممن يهمه الشعب والارض والقضية قبل الوصول الى النهاية المشؤومة، ان يفكر بالخيارات التي يمكن ان تحدث اذا لم يتم الوفاق على حكومة وحدة وطنية، أو على أي صيغة متفق عليها مثل اللجوء الى انتخابات مبكرة أو تشكيل حكومة كفاءات وطنية. كل الخيارات الاخرى يمكن ان تصب في خدمة خيار واحد هو المواجهة الداخلية، واذا انزلقنا الى المواجهة الداخلية، فلن يخرج أي طرف منتصرا وانما الاحتلال سيكون المنتصر الوحيد. والطرف الفلسطيني "المنتصر" سيكون مهزوما، لانه سيخرج من المواجهة ضعيفا ومثخناً بالجراح، وسيدين بالولاء لمن مكنه من الانتصار، لأن هذا الانتصار لم يكن ممكنا لولا الحصار الذي فرضه بوش-اولمرت على الفلسطينيين بعد تشكيل الحكومة الفلسطينية الحالية، بحجة انها لا تقبل الشروط الدولية الثلاثة: الاعتراف بحق اسرائيل بالوجود، الموافقة على الاتفاقيات المبرمة بين م.ت.ف واسرائيل، ونبذ العنف، أي ان الطرف المنتصر سيكون مهزوماً وسيأتي ممتطياً صهوة الجوع الذي ينهش أمعاء الفلسطينيين منذ سبعة أشهر، أي منذ عجز الحكومة عن دفع رواتب الموظفين بانتظام.

والطرف الفلسطيني "المنتصر"، سيكون مطالبا بدفع ثمن "انتصاره" للاطراف التي مكنته من الانتصار. لذلك يجب أن يغير نفسه ليتلاءم مع الاستجابة للعرض الاميركي-الاسرائيلي لحل الصراع، والذي يدور حول: إما اقامة دولة فلسطينية مؤقتة على أقل من 50% من الاراضي المحتلة عام 1967، دولة يراد لها أن تتفاوض حول قضايا الصراع الاساسية لفترة لا يعلم مدتها سوى الله، أو التفاوض على قضايا الحل النهائي في نفس الوقت ولكن كل على حدة، والعمل على تطبيق ما يتم الاتفاق عليه دون انتظار الاتفاق على القضايا الأخرى، ودون الالتزام بالشرط الذي كان يصر عليه ايهود باراك في مفاوضات كامب ديفيد وهو ضرورة تلازم أي اتفاق حول التسوية بإنهاء الصراع من كل جوانبه والتوقف عن تقديم أي مطالب اخرى. واذا اردنا التوضيح نقول: كان باراك يرفض الاتفاق على الدولة وابقاء ملف قضية اللاجئين مفتوحاً، وكذلك الفلسطينيون كانوا يرفضون الفصل ما بين القضايا لأنها فروع من قضية واحدة، ولانهم عانوا الامرين من الفصل ما بين القضايا الذي حول كل قضية الى فروع، وكل فرع الى قضية قائمة بذاتها وتنبثق عنها فروع أخرى، وتحولت الفروع الى تفاصيل اصغر، وهكذا دواليك، ما ادخلنا في متاهة عرفنا كيف دخلنا اليها ولم نعرف كيف نخرج منها.

والدليل على ان الطرف الفلسطيني "المنتصر" سيكون مختلفاً ومتساوقا مع المشروع الاميركي الاسرائيلي، أن البرنامج الاقوى حضوراً الذي يطرح الآن في مواجهة حكومة حماس، هو برنامج الشروط الثلاثة الدولية، وليس برنامجا جديداً قائماً على بلورة استراتيجية فلسطينية تهدف الى التجديد والتغيير والاصلاح، ومستمدة من مراجعة التجربة واستخلاص الدروس والعبر، سواء من مسيرة المفاوضات وعملية السلام واتفاق اوسلو، الذي اوصلنا الى ما نحن فيه، أو من مسيرة المقاومة التي تحولت او تتحول أكثر وأكثر الى اداة سياسية تستخدم في الصراعات الداخلية او لخدمة الصراعات الاقليمية والدولية أكثر مما هي اسلوب نضال الفلسطينيين لتحقيق اهدافهم بدحر الاحتلال واقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس وحل مشكلة اللاجئين حلا عادلا وفقا للقرار 194.

ما يعيق الاتفاق على حكومة الوحدة، الخلاف القائم بين برنامجين، وبين قوتين رئيسيتين متوازيتين حتى الآن. اي بين حماس التي فازت ولكنها لا تتمتع بأغلبية ساحقة ومستقرة، فهي استطاعت ان تنهي تحكم فتح، ولكنها لم تستطع أن تحكم ولا ان تهيمن، خصوصا ان الرئاسة والمنظمة والاجهزة الامنية ووزارات السلطة لا تزال تحت سيطرة حركة فتح.

وفشل حماس وفتح خلال الاشهر الاولى على حكومة حماس، في اخضاع الواحدة للأخرى للقبول ببرنامجها، فتح الباب للاتفاق على وثيقة الاسرى التي تشكل برنامج الحد الادنى المشترك، او بداية الاعتراف المتبادل بعجز فصيل واحد وبرنامجه لقيادة السفينة الفلسطينية بمفرده. لكن المعضلة ان هذا الاعتراف لا يزال طريا وفي بدايته، ويتأثر بالتطورات المحلية والاقليمية والدولية. فاذا نشبت الحرب في لبنان تتصور حماس بعد نتائجها أنها قادرة مجددا على البقاء وحدها في الحكم، وتعود للمراهنة على امكانية إلحاق فتح والفصائل الأخرى بها. واذا اندلع الاضراب المفتوح للموظفين، واشارت الاستطلاعات الى تقدم فتح وتراجع حماس، تتصور فتح انها قادرة على العودة الى الحكم منفردة، وإلحاق الاخرين بها.

وعندما اتفق الرئيس ورئيس الوزراء على المحددات السياسية لبرنامج حكومة الوحدة الوطنية واصبحت هذه الحكومة قاب قوسين او ادنى من التحقق، ثارت ضدها الاطراف الداخلية في فتح وحماس التي تعتقد بامكانية السيطرة الانفرادية على الحكم، والاطراف الاقليمية والدولية، ما ادى الى التراجع عن هذه المحددات، وجعل حكومة الوحدة الوطنية تدخل في حالة موت سريري. والتراجع بدأته حماس، واعتبرته فتح "حجة بحاجة"، وذريعة للارتداد عن حكومة الوحدة الوطنية خصوصاً بعد الضغوط الاميركية التي اصرت على الوفاء بالشروط الدولية، واذا استمر تغليب المصالح الفصائيلية والحزبية على المصلحة الوطنية، ستموت فكرة حكومة الوحدة الوطنية وستدخل الساحة الفلسطينية في المجهول، وهذا المجهول ليس مجهولا كليا، وانما هو معلوم الى حد بعيد، فهو يحمل الفوضى والاقتتال وتراجع القضية الفلسطينية أكثر وأكثر، وتزايد قوة وتأثير الاتجاهات المتساوقة مع المشروع الاميركي-الاسرائيلي التصفوي للقضية الفلسطينية، وايضاً زيادة قوة وتأثير الاتجاهات العنفية التي ستحاول ان تقلب الطاولة على الجميع. ومثلما ادى تجاهل قيادة ياسر عرفات، وقيادة ابو مازن، ومحاولة اضعافهما باستمرار، الى مجيء حماس، سيؤدي تجاهل قيادة حماس ومحاولة اضعافها واسقاطها الى بروز اتجاهات اخرى أكثر تشدداً تبدأ بالجهاد الاسلامي ولا تنتهي بالقاعدة. فالقضية الفلسطينية هي حقوق وحاجات ومصالح الشعب الفلسطيني، فإذا لم تُلبّ ستجد دائما من يرفع لواءها. هكذا عاشت القضية وظلت حية، و هكذا ستبقى. تأسيساً على ما سبق، فإن الاتفاق على برنامج موحد يفتح الطريق لتشكيل حكومة وحدة وطنية، ليس ويجب ألا يعتبر طريقا لتوزيع الحصص والمغانم والوزارات على الفصائل والاحزاب المختلفة، وإنما هو طريق للخلاص الوطني.

فالوحدة ضرورية من اجل انقاذ الوطن والقضية. وليست اي وحدة هي المطلوبة. فالوحدة على اساس شروط بوش-اولمرت، لا تنقذ الوطن ولا الشعب ولا الارض، بل تعيد احياء وإنتاج اتفاق اوسلو وخارطة الطريق والحلول الانتقالية. اتفاق اوسلو مات وشبع موتاً، ليس اساسا بسبب حماس وغيرها من الفصائل التي عارضته وحاولت جاهدة اسقاطه، بل بسبب ان اسرائيل وجدت انها قدمت فيه تنازلات أكثر مما ينبغي فارتدت عليه بدءاً من حكومة نتنياهو، مروراً بحكومات بيريس وباراك وشارون الاولى والثانية، وانتهاء بحكومة اولمرت.

الوحدة الوطنية المطلوبة، لا بد وان تستند الى برنامج وطني واقعي يحفظ الحقوق ويتيح القدرة على الحركة والفعل. وهذا يمكن من خلال اعادة الاعتبار لوثيقة الاسرى، والكف عن التعامل معها كوسيلة لاسقاط حكومة حماس او اطالة عمرها، وانما على أساس انها بداية بلورة نهج فلسطيني جديد يمد يده للسلام والتفاوض على أسس كفيلة بانهاء الاحتلال، ويمد اليد الاخرى للمقاومة والاحتفاظ باوراق القوة وزيادتها باستمرار.

فاسرائيل الان على مفترق طرق، فهي جربت تصفية القضية الفلسطينية عبر الحروب والمغامرات والمجازر والمستوطنات والتهويد ولم تنجح، وجربت تصفيتها على طاولة المفاوضات ولم تنجح. وجربت الحلول احادية الجانب وانقلبت عليها، واسرائيل الان بعد حرب لبنان بوارد استعادة هيبة جيشها التي سقطت سقوطا مدويا. واذا لم تستطع ان تستعيدها، لن يكون امامها سوى التفاوض مع الفلسطينيين على قدم المساواة. لقد ذكر صديق لرابين مؤخرا ان الاخير قال له قبل وفاته، إنه اقدم على توقيع اتفاق اوسلو لانه يخشى من خسارة اسرائيل أي حرب قادمة. ورابين احد القادة العسكريين التاريخيين الذي استحق ان يحمل لقب "مستر أمن". وصدقت نبوءة رابين، واسرائيل هزمت في لبنان، ولن تحقق انتصارات ساحقة في المستقبل مثلما فعلت في الماضي في حرب حزيران عام 1967. وهي ستجرب أو يمكن ان تجرب تجربة اخيرة سيكون مصيرها الفشل، وبعدها ستضطر للتفاوض على أسس جديدة قادرة على انهاء الاحتلال!! فحذار من الاستعجال!!

 

مشاركة: