الرئيسية » هاني المصري »   18 تشرين الثاني 2012

| | |
إعلانُ الدَّوْحة
هاني المصري

 

قبل أن نتطرق إلى "إعلان الدَّوْحة" لا بد من الانطلاق أن توقيع اتفاق المصالحة في أيار الماضي لم يكن ممكنًا لولا المتغيرات العربيّة والإقليميّة والدوليّة التي أزاحت جزءًا هامًا من العوامل الخارجيّة المعيقة للمصالحة. فبعد تنحي حسني مبارك الذي كان ملتزمًا بالشروط الأميركيّة الإسرائيليّة ولا يرغب في إنجاز المصالة الفلسطينيّة خشية من تقوية "حماس" حليفة جماعة الإخوان المسلمين المصريّة التي تشكل التهديد الرئيسي لحكمه، كما أن انشغال محور الممانعة فيما يجري في سورية قلل كثيرًا من تأثير هذا المحور السلبي على الجهود المبذولة لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة.

في هذا السياق يمكن أن نضع ونفهم "إعلان الدَّوْحة"، أي رؤيته ضمن ما يجري في المنطقة والإقليم من متغيرات، خصوصًا ما تشهده مصر من أحداث، وفي ظل الصراع على سورية المفتوح على احتمالات عدة: من بينها تطور الأحداث إلى الحرب الأهليّة، واحتمال الفتنة الطائفيّة، والتقسيم، والوصول إلى حل وسط، أو سقوط النظام.

وما يظهر علاقة "إعلان الدَّوْحة" بالصراع على سورية، أن قطر زعيمة التحرك العربيّ والدوليّ ضد النظام السوري هي التي رعته ودخلت على خط المصالحة متجاوزة بذلك مصر راعية الحوار الفلسطينيّ منذ البدايّة وطوال السنوات الماضيّة، إلى أن وصلت وتكللت جهودها بالنجاح  في التوقيع على الورقة المصريّة في الرابع من أيار الماضي.

لا يمكن فهم "إعلان الدَّوْحة" إلا كجزء من المساعي العربيّة والدوليّة الرامية إلى حسم الموقف في سورية، ودفعها بعيدًا عن محور الممانعة، وتحديدًا عن إيران، من خلال جذب "حماس" بعيدًا عنها وضمها إلى محور الاعتدال.

ما يؤكد ذلك أن الإعلان تضمن موافقة خالد مشعل على تولي الرئيس "أبو مازن" رئاسة حكومة الوفاق الوطني خلافًا للورقة المصريّة التي تنص على تشكيل حكومة من الكفاءات الوطنيّة المستقلة.

أن يكون أبو مازن رئيسًا رسالة بالغة الدلالة على اعتدال "حماس" إذا صمد الإعلان بعد الخلافات العلنيّة حوله داخلها، لأن "أبو مازن" مقبول عربيّا ودوليّا وإسرائيليًّا، ويعلن ليل نهار تمسكه ببرنامجه السياسي وطريق المفاوضات الثنائيّة، بما في ذلك تأكيد التزامه بشروط اللجنة الرباعيّة.

من المفترض أن يؤرق معارضو "إعلان الدَّوْحة" في "حماس" أكثر، ليس أنه مخالف للقانون الأساسي، وهو كذلك بالفعل، ولكن هذه المسألة يمكن حلها بسهولة بدعوة المجلس التشريعي للانعقاد وتغيير بنود القانون الأساسي، بحيث تسمح بالجمع ما بين منصبي رئيس السلطة ورئاسة الحكومة، ولأن المصلحة الوطنيّة العليا أعلى من القانون المهدور تمامًا في ظل الانقسام، وإنما أن رئيس "فتح" خصم "حماس" والمنافس الرئيس لها على قيادة الشعب الفلسطيني هو من سيرأس حكومة الوفاق الوطني؛ فهذا يعطي رسالة واضحة أن خلافات "حماس" في جوهرها ليست على البرنامج السياسي، بل إنها سلّمت بضرورة إعطاء الضوء الأخضر لبرنامج المنظمة السياسيّ، واستمرار زعامة "ابو مازن" في مرحلة صعود الإسلام السياسي في المنطقة التي تمر بمرحلة انتقاليّة لا تريد "حماس" أن تدفع ثمنها غاليًا مثلما حدث بعد انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، وتريد أن تستثمرها من أجل كسر المقاطعة العربيّة والدوليّة لها، والحصول على الشرعيّة التي تؤهلها لقيادة الشعب الفلسطيني في مرحلة قادمة. فالخلاف داخل "حماس" ليس على البرنامج السياسي بالرغم من وجود خلافات حوله، وإنما بسبب الظروف والاحتياجات الخاصة المختلفة بين الداخل والخارج، وبين الضفة وغزة، والتنافس على موقع كل شخص قياديّ وتجمع وتأثيره على القيادة والقرار.

تأسيسًا على ذلك، نلاحظ كيف انحسر الخلاف حول "إعلان الدوحة"، وتركّز أخيرًا على الجانب القانونيّ، وليس على الجانب السياسيّ رغم أن "حماس" عارضت برنامج المنظمة السياسيّ بعناد شديد منذ تأسيسها حتى الآن. وهذا يعني أن الخلاف حول كيفيّة وصولها إلى القيادة وأهميّة احتفاظها بما لديها في غزة و"شد أذن" خالد مشعل من قيادات غزيّة كونه انفرد بالتوقيع على "إعلان الدَّوْحة" قبل التشاور مع مؤسسات الحركة.

لم تكن نقطة تولي الرئيس منصب رئيس الحكومة هي النقطة الوحيدة المخالفة للورقة المصريّة، وإنما هناك عدة نقاط أخرى.

فعدم تأكيد موعد لإجراء الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة التي كان متفقًا على إجرائها في أيار القادم، يعني أن هذه المسألة تركت مفتوحة، ويبدو أنها مرتبطة بالتطورات العربيّة والإقليميّة القادمة، خصوصًا بالنسبة لمصير الصراع على سورية، وبآفاق استئناف المفاوضات التي يدرك الجميع أنها لن تشهد اختراقًا، خصوصا في هذا العام، وضمان موافقة إسرائيل على إجرائها بعد أن أبلغ إسحاق مولخو صائبَ عريقات: إن الحكومة الإسرائيليّة لن توافق على إجراء انتخابات يمكن أن تهدد أمنها.

كما أن من اللافت في "إعلان الدَّوْحة" استبدال الاتفاق السابق حول تزامن إجراء انتخابات المجلس الوطني مع الرئاسيّة والتشريعيّة بالاتفاق على إعادة تشكيل المجلس الوطني، في إشارة بالغة الدلالة على الاستعداد للتخلي عن مسألة الاحتكام للشعب الفلسطيني، والتجاوب مع المجتمع الدوليّ وإسرائيل التي لا يمكن أن تسمح بإجراء انتخابات للمجلس الوطني، وتهدد كما لاحظنا بأنه من الصعوبة أن توافق على انتخابات لا تكون جزءًا من عمليّة سياسيّة تستفيد منها.

خطورة الجمع بين منصبي الرئيس ورئيس الحكومة، إضافة إلى المناصب الأخرى التي يتولاها عباس؛ تتعلق باحتكار السلطات من شخص واحد في زمن الربيع العربيّ والتحولات الديمقراطيّة وسط مؤشرات أن الرياح يمكن ألا تسير وفق مشيئة الفلسطينيين، بحيث لا تعقد الانتخابات قريبًا، وإنما في موعد قد يطول.

الخلافات داخل حماس حول "إعلان الدَّوْحة" انحسرت كما لاحظنا ويمكن أن تنتهي إلى نوع من تبادل الأدوار تناسب الظروف الخاصة لمراكز القيادة المتعددة، ويحكمها حاجة "حماس" ومصلحتها الفئويّة بعدم التخلي عن سيطرتها على غزة إلا بعد ضمان مشاركتها الكاملة في السلطة والمنظمة.

إن هناك حراكًا في "حماس" كانعكاس للمتغيرات العربيّة والإقليميّة والدوليّة، ولصعود الإسلام السياسي، ووصوله إلى الحكم في أكثر من بلد عربيّ، وحاجتها إلى التحول من تنظيم مقاوم عقائدي لا يؤمن بالتعدديّة إلى تنظيم تعددي قادر على التنظيم وإدارة الخلاف داخله، وفي الإطار الوطني العام، وتأهيله للحكم أسوة بما يجري في المنطقة.

السؤال الآن الذي يجب أن يُطرح على إسرائيل وليس على الفلسطينيين، بما فيهم "حماس": هل تتجاوب مع الاعتدال الجماعي الفلسطيني وتقدم ما يمكن أن يؤدي إلى استئنافها المفاوضات ووصولها إلى حل، أم أنها ستواصل تعنتها وتطرفها وتضع اعتدال "حماس" في جعبة التنازلات الفلسطينيّة المليئة وتطالب بالمزيد بأن يوافق الفلسطينيون على الدولة ذات الحدود المؤقتة وعلى يهوديّة إسرائيل، وهذا ما سيحدث على الأرجح، ما يزيد الإلحاح بضرورة بلورة إستراتيجيّة فلسطينيّة قادرة على إحباط المشاريع الإسرائيليّة وشق الطريق أمام تحقيق الأهداف الفلسطينيّة؟

مشاركة: