الرئيسية » هاني المصري »   19 أيلول 2006

| | |
تجميد أم موت لحكومة الوحدة الوطنية؟
هاني المصري

تراجعت فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية الى الخلف، وهناك من اعتبر أن التجميد للمشاورات حول تشكيلها ما هو الى صيغة تخفيفية لواقع الحال الذي يؤشر على ان هذه الفكرة قد ماتت او على الاقل أخذت تعاني من موت سريري وبحاجة الى معجزة لانقاذها بالنسبة لي، ورغم فرحتي الغامرة بالانباء التي تحدثت عن الاتفاق على محددات البرنامج السياسي لحكومة الوحدة، الا انني كنت اجيب كل من يسألني او يناقشني بأن حكومة الوحدة الوطنية لا تزال في غرفة العناية المكثفة، خصوصاً مع عدم صدور مرسوم قبول استقالة الحكومة ومرسوم تكليف هنية بتشكيلها، ورغم بورصة الاسماء التي انتشرت لتسلم الحقائق الوزارية التي عرضت للتلميع او للحرق او لجس النبض، كنت اصر على ضرورة الانتظار لمعرفة آثار عاصفة المعارضة الداخلية والخارجية لحكومة الوحدة الوطنية، وهل استطاعت الاطاحة بها وهي بالمهد، أم استطاعت حكومة الوحدة الانحناء ريثما تمر العاصفة؟

 

السؤال الذي يطرح نفسه الآن بقوة: هل تراجع حماس عن المحددات السياسية هو الذي جمد حكومة الوحدة الوطنية؟ أم ان المعارضة الاميركية لها، جعلت الرئيس وفتح في حالة تردد، وخصوصاً بعد ان تحولت المعارضة الاميركية من التخبط، واعتبار برنامج حكومة الوحدة الوطنية، غير كاف، والمهم الافعال وليس الاقوال، الى المعارضة الشديدة والسعي لاقناع اوروبا لمعارضتها والتهديد باعتبار كل من يشارك بالحكومة مع حماس نظيراً لها، وسيعامل نفس المعاملة الاميركية لها، أم ان تراجع حماس ادى الى تراجع فتح وخصوصاً تحت الضغط الخارجي والداخلي؟الانظار كلها الآن، معلقة على اجتماع ابو مازن - بوش.

واذا اصرت الادارة الاميركية على نفس الموقف المتشدد، سيكون ابو مازن في موقف لا يحسد عليه. فاذا اصر على حكومة الوحدة الوطنية دون تلبية الشروط الدولية كاملة سيغضب الرئيس الاميركي، وربما يتحول ابو مازن بسرعة الى ليس ذا صلة؟ واذا استجاب للضغط الاميركي وعاد بموقف يطالب بالاخذ بالشروط الدولية كما هي، سيبدو وكأنه خاضع للارادة الاميركية، وهذا سيضر مصداقيته بين الفلسطينيين.

للخروج من هذا الموقف الحرج، لا بد من العودة الى المحددات للبرناج السياسي، كما اتفق عليها، وبدون التفسيرات التي تريد حماس إلحاقها بها، بصورة تغير مضمونها فيما يخص عدة نقاط، وخاصة تلك النقاط التي تتحدث عن >الموافقة على مبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية كأساساحترام الاتفاقات التي وقعتها المنظمة مع اسرائيل<، والعودة الى الصياغات الواردة في وثيقة الأسرى، والتي تعتبر حمّالة اوجه، تسمح لحماس بتمرير موقفها القاضي بالتعامل مع مبادرات السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية والاتفاقات الموقعة، على اساس مدى انسجامها مع المصلحة الفلسطينية، وهذا يتيح لحماس الانتقاء والتهرب من الالتزامات الواردة التي تشير الى الاعتراف باسرائيل، ووقف العنف والموافقة على الاتفاقات الموقعة.

واذا اصرت حماس على إلحاق تفسيرها للمحددات، فهي ستتحمل المسؤولية عن فشل حكومة الوحدة الوطنية؟ أما اذا سحبت حماس تحفظاتها وأصرت فتح او الرئيس على قبول الشروط الدولية، كما هي، ستقع المسؤولية عن الفشل على عاتقهم. واذا تمترس كل طرف بموقفه، فهذا يعني ان الطرفين يتحملان مسؤولية الفشل، وهذا سيساعد على اتجاه الوضع الفلسطيني نحو المزيد من الفوضى، وربما نحو الانزلاق باتجاه الحرب الاهلية التي لن تبقي ولا تذر، ولن يخرج منها اي طرف فلسطيني منتصراً. فالمنتصر الوحيد من الاقتتال الفلسطيني هو الاحتلال.

واذا اردنا الغوص في اسباب وجذر الخلاف وعدم التوصل الى اتفاق، نجد ان الابتعاد عن المصارحة وتجنب المسائل الشائكة، وعدم خوض حوار على أعلى مستوى بين الرئيس وقيادة حركة فتح من جهة، وخالد مشعل وقيادة حماس من جهة اخرى، فالمصارحة تقتضي القول انه بدون التعامل مع الشروط الدولية بصيغة فلسطينية تتضمن الموافقة عليها، ولكن ليس بالصياغة الاسرائيلية، لا يمكن كسر الحصار الحالي واختراق العزلة الدولية. وتجنب عدم لقاء على أعلى مستوى بين فتح وحماس، ساهم في ايصال المناقشات الى الاتفاق على جمل مفتوحة وغير مكتملة والى نقض متكرر لما يتم الاتفاق حوله، فوثيقة الاسرى خطوة مهمة وهي حجر الاساس، ولكنها لا تكفي اذا نظر اليها كبرنامج للحكومة. فبرنامج الحكومة يجب ان يكون واضحاً ومفهوماً ومحدداً وقادراً على الاقلاع محلياً واقليمياً وعربياً ودولياً.

والصيغة التي اتفق عليها ابو مازن - هنية كان أم الافضل ان تكون اوضح، وكان يجب عرضها على الفصائل للحصول على دعمها، وعلى الشعب، لا ان تبقى عنصراً محيراً، وشأناً خاصاً بفتح وحماس، بل بعدد محدود من فتح وحماس، رغم ما تقدم، يبقى خيار حكومة الوحدة الوطنية افضل الخيارات، وكافة الخيارات الاخرى سيئة جداً، وتداعياتها خطيرة للغاية.

فاذا استخدم الرئيس صلاحياته بدون موافقة حماس، واقال الحكومة، سيكون عليه إما تكليف شخص آخر بتشكيل حكومة عادية او تشكيل حكومة طوارئ. واذا كانت حكومة عادية فلن تحظى بثقة المجلس التشريعي لانها بحاجة الى 76 صوتاً حتى تنال الثقة.

واذا كانت حكومة طوارئ من المفترض ان تعرض على المجلس التشريعي خلال شهر لتنال الثقة، وسيكون مصيرها مصير الحكومة العادية، اي لن تنال الثقة، حتى لو اعتقلت اسرائيل عدداً آخر من النواب من اعضاء كتلة التغيير والاصلاح، فالحكومة الجديدة حتى تنال الثقة بحاجة الى 76 صوتاً. ان حجب الثقة عن حكومة قائمة بحاجة الى 76 صوتاً، واذا استخدم الرئيس صلاحياته وشكلت حكومة عادية او حكومة طوارئ، وتم حجب الثقة عنها، سيكون الرئيس مضطراً لتكليف شخص من كتلة التغيير والاصلاح. وفي هذه الحالة لن تحصل الحكومة ايضاً على الثقة اذا استمر اعتقال عشرات النواب لانها بحاجة الى 76 صوتاً، وفي هذه الحالة ستسقط هذه الحكومة بمساعدة الاحتلال، وهذا عمل لا اخلاقي ولا وطني ولا سياسي، يجب ألاّ ينسى احد ان فلسطين ليست دولة مستقلة، وانها تحت الاحتلال، وقانون الوحدة هو القانون الاساسي الذي يجب ان يحكمها، لا بديل عن حكومة وحدة وطنية على اساس برنامج وطني واقعي، او الاتفاق على حكومة كفاءات وطنية، اذا وجدت حماس انها غير مستعدة لتمرير برنامج قادر على كسر الحصار الحالي واختراق العزلة الدولية، وهذا البديل قابل للتحقيق، اذا اعترفت كافة الفرقاء بالواقع الذي يقول ان استمرار الوضع الحالي في ظل حكومة تقودها حماس بمفردها من المحال لانه قاد وسيقود الى تردي الاحوال على كافة الاصعدة.

كما يقول الواقع: ان عودة فتح الى الحكومة منفردة سواء بانقلاب او انتخابات مستحيلة، لأن ما تخسره حماس بعد وصولها الى الحكم، لا تكسبه فتح وانما يصب لصالح اتجاهات واحزاب اخرى اسلامية اكثر تشدداً من حماس، مثل: الجهاد الاسلامي الى القاعدة الى حزب التحرير. ولعل ما شهدته فلسطين من مهرجانات نظمها حزب التحرير، وشارك بها عشرات الآلاف يشعل الضوء الاحمر، وينزل الجميع من السموات العالية التي يحلقون فيها الى الارض، ما يجعلهم ربما يفكرون ويتصرفون بواقعية ومسؤولية!!

 

مشاركة: