نقلت صحيفة "القدس العربي" عن مصادر مطلعة في حركة "حماس"، بأن هناك توجهاً في الحركة لتأجيل تشكيل حكومة جديدة، الى ما بعد وضع اللمسات الأخيرة على صفقة تبادل الاسرى مع اسرائيل التي على ما يبدو قطعت شوطا واسعا على طريق التحقق. وهذا التوجه يرجع الى قناعة عند "حماس" بأن اتمام الصفقة واطلاق سراح الجندي الاسرائيلي الاسير مقابل مئات (أو اكثر) من الاسرى الفلسطينيين، الذين من المفترض ان يكون من بينهم اسرى مضى على اعتقالهم أكثر من 20 عاماً، واطفال ونساء كبار السن ومرضى، سيساعد في إنجاح المشاورات الرامية لتشكيل حكومة وحدة وطنية. "حماس" ترغب في تحقيق عملية تبادل الاسرى قبل تشكيل الحكومة لأن ذلك يقوي موقفها في المشاورات، ويقلل الضغوط الداخلية والخارجية التي تتعرض لها. فالحكومة الفلسطينية (حكومة حماس) المشكلة منذ أكثر من سبعة اشهر تتعرض ومعها الشعب الفلسطيني، بذريعة عدم استجابتها للشروط الدولية، لأبشع حصار مالي وعزلة دولية، ولأشرس عدوان عسكري اسرائيلي ادى منذ تشكيل الحكومة حتى الآن الى وقوع أكثر من 600 شهيد فلسطيني، منهم أكثر من اربعمائة ارتقوا الى العلى خلال الاربعة اشهر الماضية وتحديدا منذ عملية اسر الجندي الاسرائيلي وحتى الآن. صحيح أن العدوان الاسرائيلي سبق تشكيل الحكومة الحالية، ولكنه تصاعد بعد تشكيلها ويتذرع الآن بأسر الجندي جلعاد شاليت، مثلما كان يتذرع سابقاً بإطلاق الصواريخ على سديروت، واضافة الى الضغوط الخارجية تعيش الحكومية الفلسطينية تحت وطأة الضغوط الناجمة عن تدهور الاوضاع الاقتصادية والمعيشية والامنية والصحية والتعليمية، بعد ازدياد معدلات البطالة والجريمة، وجراء الاضراب المفتوح واحتجاجات افراد الأجهزة الامنية، ما جعل في مسيس الحاجة لأي متنفس يساعدها على التخفيف من هذه الضغوط الهائلة. تخطئ "حماس" اذا حاولت ان تخرج من المأزق الحالي على اعتبار تغليب مصالحها بمعزل عن النظرة العامة، التي تفيد بأن ما يجري هو مخطط اسرائيلي يهدف الى تغيير وعي الفلسطينيين جميعاً واخضاعهم لما تريده اسرائيل. تخطئ الحكومة اذا اعتقدت ان العدوان العسكري والحصار المالي والعزلة الدولية تهدف اولاً واساساً الى اسقاط الحكومة واعادة حكومة "فتح"، وانما تهدف اساساً الى اخضاع الحكومة وحركة "حماس" ودفعهما للسير في طريق الموافقة على الشروط الدولية الثلاثة، وخصوصاً نبذ المقاومة والاقلاع عنها نهائياً، وليس مجرد تعليقها، وعدم اللجوء اليها كاسلوب لحل الصراع لا على المستوى التكتيكي ولا الاستراتيجي لا كأحد الاساليب النضالية، لا كأسلوب رئيس أو وحيد لتحقيق الاهداف الوطنية الفلسطينية، كما يهدف العدوان العسكري الاسرائيلي المتصاعد هذه الأيام لإثبات ان اسرائيل تقدم على صفقة تبادل الاسرى من موقع قوة،
وتعطيل المشاورات لتشكيل حكومة وحدة وطنية. ومع كل الاحترام للقناعات الاخرى، بما فيها قناعة الحكومة، أقول: لو أن الهدف الأساسي للعدوان الاسرائيلي هو اسقاط الحكومة، لما اكتفت حكومة اولمرت باعتقال بعض النواب والوزراء، وانما لطاردت رئيس الحكومة والوزراء الاخرين بمن فيهم الموجودون بغزة، ولأقدمت على اغتيال رئيس الوزراء الذي يعني اغتياله حتما وفورا سقوط الحكومة. وهذا يفتح الطريق الى تشكيل حكومة جديدة وإن حدث ذلك، فلن يكون الاحتمال الوحيد ان تكون الحكومة القادمة حماسية خالصة، خصوصا وسط التجارب والاستقطاب السياسي الفلسطيني الجاد حول ضرورة بقاء ا و ذهاب الحكومة الحالية وتشكيل حكومة وحدة وطنية، أو حكومة كفاءات تكون قادرة على تحقيق الوحدة وفك الحصار. الوضع النموذجي لاسرائيل استمرار الوضع الفلسطيني الحالي، الذي يشهد صراعا فلسطينياً حاداً، يأخذ شكل الاقتتال الداخلي، والمفتوح على كافة الاحتمالات خصوصا السيئة، والاسوأ. وهذا الوضع يسمح لاسرائيل بالاستمرار بسياستها التوسيعة والعنصرية والاستيطانية الرامية الى فرض امر واقع يحقق الحل الاسرائيلي من جانب واحد واعتمادا على القوة والعدوان. وكما ألاحظ، فان السياسة الاسرائيلية تعمل في هذه الفترة، مرتاحة وهي تردد بأنها مستعدة لاستئناف المفاوضات والاعتراف بالرئيس الفلسطيني كشريك، ولكنها تتذرع بأنه، عاجز عن السيطرة وتقف في طريقه حكومة متطرفة. اما الحقيقة فان اسرائيل لم تعترف بأبو مازن كشريك عندما كان يسيطر على الحكومة السابقة، لانها اسقطت الشريك الفلسطيني والحل المتفاوض عليه منذ عملية "السور الواقي" التي اعادت فيها احتلال الضفة، وحاصرت الرئيس الراحل ياسر عرفات في مقره في رام الله، وصولا لازالته عن طريق السم تطبيقاً لقرار اسرائيلي رسمي معلن بازالة ياسر عرفات اتخذته الحكومة الاسرائيلية في احد اجتماعاتها في ايلول العام .2004 فحكومة شارون عملت كل ما من شأنه اضعاف السلطة وتفريغها من مضمونها عبر القصف والاغتيال وتدمير المقرات والاعتقالات وفتح الطريق امام السلطة لتتحول "لادارة مدنية" تحت الاحتلال بعد تجريدها من معظم صلاحياتها واوصلتها الى حافة الهاوية، ولكنها لم تدفعها الدفعة الاخيرة نحو الانهيار التام، لانها لا تريد اعادة الاحتلال بصورته القديمة بحيث تتحمل المسؤولية عن المحتلين، ولانها تأمل بظهور قيادة فلسطينية بديلة توافق على تلبية ما تطلبه اسرائيل منها، وتتولى المسؤولية عن الفلسطينيين وتبعد الخطر الديمغرافي عن اسرائيل. حكومة اولمرت تعمل نفس الشيء، فهي قامت بكل ما من شأنه اضعاف الحكومة الحالية، لدفعها للقبول بالشروط الاسرائيلية والاستمرار بوضعها وابقائها على حافة الهاوية، وتعرضها لضغوط هائلة. فاسرائيل لا تفرق بين فلسطيني وآخر، بين معتدل ومتطرف، بين "فتح" و"حماس" وغيرها. لانها لو كانت تفرق فعلاً-كما تدعي-لكانت اعطت ابو مازن وحركة "فتح" مكاسب متنوعة على صعيد استئناف المفاوضات واعادة الامل لعملية السلام، او على الاقل ازالة الحواجز واطلاق سراح بعض المعتقلين، وتأمين حرية حركة الافراد والبضائع وغيرها من خطوات تعميق الثقة بدلا من الاحتضان الدائم له لفظاً، بدون تقديم أي شيء، ما يؤدي الى تحويله الى احتضان قاتل، يضر ابو مازن ولا يفيده على الاطلاق. فجأة يلمح اولمرت عن استعداده للموافقة على دخول قوات بدر التي سبق ان قدمت السلطة عدة طلبات لادخالها، كان الطلب الاول في العام .1994 كما وافقت الحكومة الاسرائيلية بعد تأجيل، على إدخال 5000 قطعة سلاح لحرس الرئاسة، وذلك لوجود رهان إسرائيلي بتغذية التناحر الداخلي الفلسطيني وتشجيعه للتحول الى اقتتال، ولكن الحكومة الاسرائيلية ستحرص. حالياً، كما حرصت سابقاً، على عدم تمكين طرف فلسطيني من حسم الصراع والانتصار على الطرف الاخر. لان انتصار طرف سيعني وجود عنوان فلسطيني واحد. وهي تدرك أنه رغم الاختلافات بين الاطراف الفلسطينية حول الكثير من الأمور، الا أنه لا يوجد خلاف جوهري على تحقيق الاهداف الوطنية المتمثلة بدحر الاحتلال وتحقيق الحرية والعودة والاستقلال. صحيح أن هناك افراداً وشرائح مستعدة لقبول الامر الواقع كما هو لتمرير ما تريده اسرائيل بحجة "ليس بالامكان ابرع مما كان" وضرورة "انقاذ ما يمكن انقاذه" قبل ضياعه، الا ان هؤلاء الافراد والشرائح هامشيون ولا يستطيعون تبوّء زعامة الشعب الفلسطيني حتى الان على الاقل. لذلك، فإن اولمرت وحكومته ليسوا بوارد دعم ابو مازن المعتدل، لان ابو مازن مطلوب أن يتحول الى قرضاي ولحد. ويكف عن ترديد انه يريد اقامة دولة فلسطينية على الاراضي المحتلة العام 1967 بما فيها القدس وحل مشكلة اللاجئين حلاً عادلاً وفقا لقرار 194. ما لم يقله اولمرت واركان حكومته قبل ضم ليبرمان عن الأهداف الاسرائيلية، اتى الأخير ليقوله بصراحة عندما قال في اجتماع الحكومة الامنية الاسرائيلية المصغرة، يوم الاربعاء الماضي، ان على اسرائيل ان تقتدي بنجاح الحرب التي شنتها روسيا على الشيشان لا باخفاقات الحرب الاميركية على العراق. وذلك في دعوة الى اللجوء الى اعتداءات اسرائيلية اشد وأقسى بما فيها ازالة احياء كاملة كما سبق ان اقترح ليبرمان. وقال ليبرمان في الاجتماع المذكور إنه لا معنى للقيام بعملية عسكرية دراماتيكية في قطاع غزة، اذا لم تحضر الارضية لقيام سلطة بديلة عليه قادرة على الامساك بزمام الامور. واضاف: أنه يمكن ايجاد اناس طبيعيين وعقلانيين في القطاع يبغون بناء مؤسساتهم واقتصادهم. يجب البحث عن هؤلاء وتقويتهم. واقر ليبرمان بأن القوة العسكرية الاسرائيلية وحدها لن تكسر الفلسطينيين، بل على إسرائيل كما قال، بناء سلطة محلية قادرة على انتهاج سياسة اسرائيل وتحظى بثقة الفلسطينيين. وليبرمان يعبر عما يضمره اولمرت وبيرتس، وهو اتى الى الحكم للانتقال بالسياسة الاسرائيلية العدوانية والعنصرية والاستيطانية، الى سياسة أكثر سوءاً على كافة الاصعدة، فإسرائيل تنظر الان بصورة متزايدة الى ليبرمان باعتباره آخر سهم في جعبتها، وتراهن عليه لاستعادة هيبة الردع الاسرائيلية المفقودة بعد الحرب اللبنانية والانتصار على الفلسطينيين وحزب الله وايران، وتحقيق سياسة التطهير العرقي وضمان بقاء اسرائيل قوة متفوقة ويهودية خالصة وقادرة على هزيمة العرب مجتمعين. كل هذه التمنيات والاهداف اوهام. وما عجز شارون عن تحقيقه وهو نبي اسرائيل وابو الاستيطان والحروب والمغامرات والمجازر، سيعجز ليبرمان عن تحقيقه. فمن المستحيل ايجاد سلطة بديلة فلسطينية تنتهج سياسة اسرائيل وتحظى بثقة ودعم الفلسطينيين. ما لم تحققه القوة الاسرائيلية المحتلة سابقاً، لن يحققه المزيد من القوة. فالقوة تؤدي الى المقاومة. والمزيد من القوة يؤدي الى المزيد من المقاومة!! والخلاصة ان المنتظر من اسرائيل بعد ضم ليبرمان الى الحكومة هو المزيد من التطرف والعنصرية وهذا يعطي الفلسطينيين سببا اضافياً قوياً بالتوحد حتى يستطيعوا الصمود في وجه العدوان في عهد صعود ليبرمان، وهو على الأغلب آخر سهم في جعبة إسرائيل.