الرئيسية » هاني المصري »   17 حزيران 2008

| | |
تضامناً مع الطلبة: نعم لإلغاء امتحان التوجيهي
هاني المصري

لن أكتب عن الحوار الوطني والجهود المبذولة لإنهاء الانقسام رغم أنها لا تزال تراوح في مكانها. ولن أكتب عن جولة رايس رغم تصريحاتها "غير المسبوقة" حول أن الاستيطان "مشكلة" بعد أن كانت السياسة الاميركية تصفه في الماضي بأنه غير شرعي ولا قانوني وتجب إزالته، وأصبح الاستيطان الآن عند رايس "يمس بالثقة بين الجانبين" ولكنه "لا يمس بالمفاوضات حول القضايا الأساسية" بعد أن تضاعف الاستيطان بعد مؤتمر انابوليس بالمقارنة بمعدلاته قبل ذلك.


وسط قيام لجنة التخطيط في بلدية القدس بإقرار مخططات لبناء 40 ألف وحدة استيطانية في القدس خلال عشرة أعوام، عندما كانت رايس في المدينة، وفي نفس الوقت الذي صرح فيه مارك ريغيف المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، بأن القدس ستبقى تحت السيطرة الإسرائيلية، وأن لإسرائيل الحق الكامل للبناء فيها لأنه لا يمس بعملية السلام. سأكتب في هذا المقال عن امتحان التوجيهي لأنني أرى الآن أكثر من أي وقت مضى ضرورة إلغائه، هذه المسألة المطروحة منذ عام 1996 بدون الجرأة على تنفيذها، وذلك لأنني أعاني من التوجيهي لأسباب خاصة فلدي توأمان ولد وبنت يؤديان الامتحان هذا العام وهما آخر عهدي بالمدرسة، أي أقدم النصيحة لخدمة الطلاب وليس لهدف شخصي، ولقد تابعت توتر أولادي خلال العام كله، ما يدفعني بجرأة وبكل ثقة لأن أوصي بإلغاء امتحان التوجيهي لأنه لا يعقل أن يكون مصير 12 عاماً من الدراسة والتحصيل، ومستقبل الطالب كله يتوقف على امتحان واحد. وقد يمرض الطالب في هذا العام أو يعاني من مشكلة أو يعاني أهله من ظروف تؤثر عليه ما يحسم أمر 12 عاما. هناك طلاب من المتفوقين لم يحالفهم الحظ في التوجيهي وحصلوا على معدلات اقل مما كانوا يحصلون عليها خلال سنواتهم الدراسية. وهناك طلاب غير متفوقين كانوا يحصلون على معدلات بدرجة مقبول وجيد، حصلوا على معدلات عالية ممتازة في التوجيهي، لأن الله هداهم أو حالفهم الحظ أو استعدوا كما يجب لهذا الامتحان الرهيب. فرح ويزن لم يثقلا عليّ وعلى والدتهما لأنهما على قدر الحمل وقاما بالاعتماد على نفسيهما وتحملا المسؤولية، ولكن العبء النفسي وقع عليّ أنا وأمهما، نظراً للتوتر والمعاناة التي نراها وهما يعانيان منها طوال العام، فحياتهما كلها قلبت رأساً على عقب، فالسنة سنة التوجيهي. فإذا ذهبا "مشواراً" يؤنبهما ضميرهما، وإذا طنشا نلاحقهما بالعبارة التي سئما منها كثيراً "لا تنسوا عليكم توجيهي في هذا العام". وإذا تشتت طالب التوجيهي أو ضاع التركيز عنده وحل السرحان محله، يا ويله ويا ظلام ليله، فنتيجة التوجيهي تذكره وتقف له بالمرصاد. ممنوع التشتت، ممنوع السرحان، ممنوعة الحياة الطبيعية لمدة عام كامل. أما التلفزيون وما أدراك ما التلفزيون، فستار أكاديمي، ونور، وغيرهما من المسلسلات والأفلام الجادة والهابطة يمكن أن يشاهدوها ولكنّ عيني الوالدة تلاحقهم، وضميرهم يزن عليهم "لا تنسوا أنكم توجيهي". وتسمع عن طلاب يريدون التفوق وأعطوا حياتهم إجازة كاملة الى إشعار آخر، وتسمع عن آخرين يريدون التفوق ولكنهم يحاولون الجمع ما بينه وبين الحياة. فالحياة لا تتوقف حتى في سنة التوجيهي. وتسمع عن الأسئلة الصعبة، الشبح الذي يلاحق طلاب التوجيهي هذا العام. فالكل يقول لهم: إن الأسئلة السهلة والتي أدت الى معدلات عالية جدا العام الماضي لن تتكرر، بل الأسئلة ستكون صعبة للتعويض عن العام الفائت، ويبدو أن الأسئلة هذا العام أصعب من العام السابق، ولا ادري ما ذنب الطالب في هذا العام إذا كانت الأسئلة سهلة في العام السابق! وعين الطلاب خصوصاً المتفوقين منهم على المعدل. فكما قال لي ابني البكر عندما كان بالتوجيهي، إن الذي يحصل على 60% لا تختلف فرصته كثيراً عمن يحصل على 90%، لأن الجامعات لا تقبل طبّاً وهندسة وصيدلة و IT إلا أصحاب معدلات ما فوق الـ 95%؟، بل ذكر لي ابني انه يعرف طالبا حصل على 95% ولم يتمكن من دراسة المادة التي يرغبها إلا بعد أن سجل "موازي" أي بقسط مضاعف عن قسط الطالب العادي. لا اعرف لماذا لا نشجع المتفوقين، كل المتفوقين بمنحهم منحاً كاملة أو نصف كاملة. ولا تعود المشكلة طبعا في حصر تقييم الطالب خلال تحصيله العلمي المدرسي كله في عام واحد، بل الطامة الكبرى في المناهج وطريقة التدريس وظروف التدريس، حيث لا يزال التلقين والحفظ وطغيان الهلامية النابعة من المرحلة السياسية الهلامية هي سيدة الموقف بدلاً من التشجيع على البحث والتحليل والاستنتاج. لقد تصورنا بعد أن وضعنا مناهج فلسطينية لأول مرة في التاريخ الذي لم يشهد قيام دولة فلسطينية، وكانت فلسطين دائما عربية خاضعة للأجنبي (الامبراطورية العثمانية والانتداب البريطاني) أو خاضعة لوصاية عربية خلال الفترة 1948- 1967 أو للاحتلال الإسرائيلي الكامل منذ 1967 وحتى الآن. إن الأمور ستكون أفضل من السابق، وأفضل من المناهج العربية، ولكن الخروج عن الخطة التي وضعت لوضع المناهج، والخلط بين الدين والعلم وتغليب اليقين والمطلق على الشك الضروري للعلم ولأي بحث علمي، أدى الى إضاعة فرصة ثمينة جدا. ولا تزال الحاجة الى مناهج عصرية تقرع الأبواب وتدق ناقوس الخطر. إن تطوير التعليم لا يمكن أن يتحقق من خلال زيادة المدارس والمعلمين والفصول الدراسية وفرص التعليم فقط، وإنما كل ما سبق يمثل البنية التحتية الضرورية، ولكنها لا يمكن أن تحدث تعليماً حقيقياً ما لم تستند الى خطط كفيلة بقيام تعليم نوعي يهتم بغرس وترسيخ الثقافة الوطنية، وقيم الانتماء الوطني والقومي والمشاركة والمساواة، وتعزيز الهوية وتنمية مهارات البحث والتفكير العليا، مثل: التحليل والتركيب والإبداع وفتح الآفاق أمام الطلبة للمساهمة في صنع المعرفة ومواكبة الحداثة والحضارة

 

مشاركة: