الرئيسية » هاني المصري »   10 شباط 2007

| | |
تفاق مكة: لا غالب ولا مغلوب
هاني المصري

بعد يومين من الحوار الفتحاوي- الحمساوي على أرض مكة المكرمة، وفي ظل رعاية سعودية على أعلى المستويات تم توقيع الاتفاق النهائي الذي يشمل الشروع في إحياء وتفعيل م.ت.ف، وخطاب التكليف لرئيس حكومة الوحدة الوطنية القادمة، وعلى البرنامج السياسي وتوزيع الحقائب، وهذا يدل على أن جولات الحوار العديدة السابقة، وحوار السلاح قد أدت الى جعل المتحاورين والمتقاتلين أكثر واقعية وأكثر رؤية للنتائج الكارثية التي سيصل اليها الوضع الفلسطيني إذا استمرت الامور على ما هي عليه الآن، وعلى ما كانت عليه خلال العام الماضي حيث وصل الضرر ليس إلى الفصائل ودورها فقط وإنما إلى القضية والشعب والمجتمع.

أهمية اتفاق مكة تكمن في أنه سيشكل في الحد الأدنى هدنة تحقق السلام الداخلي الفلسطيني ولو مؤقتاً، بما ينهي حالة الاحتراب التي وصلت في أكثر من مرة الى حد اندلاع اشتباكات عنيفة أدت الى سقوط المئات ما بين قتيل وجريح، وطغيان التحريض المتبادل الى درجة وصلت الى حد استبدال الاولويات بحيث أصبح الخصم الداخلي بديلاً عن العدو الخارجي (الاحتلال) الذي يعتبر العدو المشترك لجميع الفلسطينيين بمختلف اتجاهاتهم وفصائلهم. وفي الحد الاقصى يمكن ان يشكل اتفاق مكة بداية مرحلة جديدة تبدأ باعتراف متبادل بين القوتين الرئيسيتين في الساحة الفلسطينية بقناعة متزايدة بأن اياً من فتح وحماس لا يستطيع أن يلغي الطرف الآخر، ولا تنتهي بإعادة صياغة النظام السياسي الفلسطيني بمختلف مكوناته بما فيه المنظمة والسلطة على أسس جديدة تأخذ الخارطة الجديدة بالحسبان، وتكون قادرة على استيعاب دروس التجارب السابقة في المفاوضات والمقاومة وبناء السلطة، وهذا يقتضي أن تكون هذه الاسس وطنية وواقعية تحفظ الحقوق والاهداف وتمكن الشعب الفلسطيني من التقدم على طريق تحقيق الحرية والعودة والاستقلال.

 

وإذا أردنا قراءة الاتفاق حسب المعلومات المتوفرة حتى الآن سنجد أنه أقرب الى صيغة لا غالب ولا مغلوب. فحركة فتح تنازلت في عدة جوانب أهمها:

1) الموافقة على تولي حركة حماس لرئاسة الحكومة وتسع حقائب وزارية أخرى إضافة الى تسمية ثلاثة من الوزراء المستقلين الخمسة. وهذا يعطي لحماس أغلبية تمكنها من التأثير على الحكومة وإسقاطها إذا ارادت، وهذه الاغلبية تعكس الاغلبية التي حصلت عليها في المجلس التشريعي.

2) الموافقة على صيغة ستلتزم بها الحكومة القادمة تنص على احترام التزامات المنظمة وقرارات القمم العربية والشرعية الدولية، وهي صيغة أقل من الالتزام بالاتفاقيات والقرارات وأعلى من صيغة احترام التي كانت تتمترس خلفها حماس طوال الفترة الماضية وحتى التوقيع على اتفاق مكة.

3) الموافقة على الشروع في الخطوات الرامية الى إعادة بناء وتفعيل وإصلاح م.ت.ف بحيث تضم الفصائل التي لا تزال خارجها.

وحركة حماس تنازلت عن سيطرتها الانفرادية على الحكومة خصوصاً عن الوزارات التي تسمى سيادية حيث تم الاتفاق على اسناد وزارات المالية والخارجية والداخلية الى مستقلين، كما غيرت حماس مواقفها السابقة الرافضة للاتفاقيات التي عقدتها المنظمة مع إسرائيل، والرافضة لقرارات القمم العربية والشرعية الدولية التي لا تلبي المصالح الوطنية الفلسطينية، لأن احترام الالتزامات يمثل نوعاً ودرجة من الاقرار بالاتفاقيات وبما جاء فيها من اعتراف باسرائيل ونبذ العنف ولكنها درجة أقل من الالتزام، وهذا يسمح لحماس القول إنها لم تعترف مباشرة بإسرائيل ولم تلتزم بالاتفاقيات المعقودة معها، ولم تتخل عن المقاومة مع أنها التزمت بالتهدئة وما تعنيه من تعليق للمقاومة يترافق مع الاستعداد لتمديد التهدئة كلما تطلب الامر ذلك لدرجة تقديم مبادرة تقوم على هدنة لمدة من الزمن (01 سنوات) قابلة للتجديد تلقائياً مقابل قيام دولة فلسطينية.

السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يستطيع اتفاق مكة أن يحقق الهدف الرئيسي لأية حكومة فلسطينية قادمة وهو فك الحصار المالي والعزلة الدولية المفروضين على حكومة حماس منذ تشكيلها حتى الآن؟

إذا أخذنا المواقف الدولية، خصوصاً الاميركية والاسرائيلية، عشية اتفاق مكة، فإننا سنجد ان هذا الاتفاق لن يستطيع أن يؤدي الى كسر الحصار، بل ستسارع الادارة الاميركية الى مطالبة الحكومة القادمة بتلبية شروط اللجنة الرباعية بصيغة لا تقبل التأويل وكذلك ستفعل اسرائيل. أما اوروبا فيمكن أن تنقسم في موقفها وتميل بالمحصلة الى فك الحصار أو تخفيفه بحيث يتم التعامل مع الحكومة القادمة بشكل انتقائي وبصورة يتم فيها اللقاء والتعاون مع الوزراء الذين لا يلتزمون بحركة حماس ومقاطعة وزراء حماس. وهنا يجب أن نلاحظ بالنسبة للحصار ثلاث نقاط مهمة.

النقطة الاولى: ان الحصار لم يعد كما كان في بدايته فهناك اختراقات كبيرة قد حدثت بدليل ان الاموال العربية التي تلقتها السلطة في العام 6002 تقارب ضعف الاموال التي تلقتها عام 5002، والاموال التي تلقتها السلطة من المجتمع الدولي العام 6002 أكثر بنسبة 03% عن العام 5002، وهذا الامر هو الذي يسمح للحكومة والرئاسة بتسديد نسبة من الرواتب تصل في محصلتها الى أكثر من 05% من مجموع فاتورة الرواتب. والنقص الحادث يعود أساساً الى مصادرة الاموال الفلسطينية المحصلة من الجمارك في اسرائيل والتي وصلت الى 006 مليون دولار.

النقطة الثانية: يجب ملاحظة ان اتفاق مكة تم في السعودية وبرعاية كاملة من العاهل السعودي واستعداد كامل لتسويقه من قبله ما يعطي للاتفاق غطاء ودعماً عربياً سيشمل كافة الدول العربية. وهذا كان الشرط الرئيس للرئيس ابو مازن حتى يقبل باتفاق لا يتضمن اقرار الحكومة القادمة بشروط اللجنة الرباعية.

النقطة الثالثة: ان الموقف الاميركي الذي يريد أن يعطي اهتماماً أكبر للقضية الفلسطينية وهو يواجه مأزقاً متصاعداً داخلياً (بحكم الاغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ والنواب، ومعارضة أغلبية الرأي العام الاميركي لسياسة إدارة بوش الشرق اوسطية). وهذا الواقع يجعل الادارة الاميركية مقيدة فهي اذا اخذت مواقف اقصوية تقضي بمقاطعة الحكومة القادمة ستزيد من مأزقها في المنطقة وتسرع في هزيمة استراتيجيتها الجديدة، وإذا تراخت وتعاملت مع الحكومة الجديدة ستحرج حليفتها الاولى اسرائيل. وإدارة بوش قد تختار موقفاً أقل من المقاطعة الكاملة وأكثر من التعامل الكامل، فهي ستعارض الحكومة وتضعها تحت الاختبار. وإذا توقفنا عند الموقف الاسرائيلي فهو سيرفض في الغالب التعامل مع حكومة لا تلبي الشروط الاسرائىلية التي أصبحت دولية. وستحاول حكومة اولمرت ان تستخدم الاوراق التي في يديها والتي تبدأ بالاحتلال والعدوان ولا تنتهي بالاسرى والنواب والوزراء المخطوفين.

ان الامر الاهم من توقيع الاتفاق، توفر الارادة اللازمة لتنفيذه، وهذا لن يكون إلا عندما يطابق ما في النفوس ما في النصوص. وعندما يقتنع كل طرف بأنه لا يستطيع ان يتجاوز الطرف الآخر ولا هزيمته، لا بالحرب ولا بالسلم وأن الشراكة باتت ضرورة لا يمكن تجاوزها ما دامت هناك قوتان رئيسيتان بينهما نوع من توازن القوى الذي يجعل الصراع المسلح دماراً عليهما. فما جرى بغزة من اقتتال دموي اثبت لحماس ان فتح ليست لقمة سائغة خصوصاً في غزة كما كانت تعتقد، بحيث يمكن بلعها بسهولة، كما اثبت لفتح ان حماس يمكن أن تمضي الى أبعد حد للحفاظ على موقعها في السلطة ومنع اسقاطها بأي شكل بما في ذلك عن طريق الانتخابات المبكرة.

نقطة أخيرة سأنهي المقال بها، وهي ان اتفاق مكة تم بشكل ثنائي بين فتح وحماس، وهذا يعني ان الاستقطاب لا يزال هو سيد الموقف. وهذا الاستقطاب يمكن ان تكون التعددية والمشاركة أول ضحاياه. وهنا لن تختلف النتيجة إذا ادى الاستقطاب الى الاقتتال او الاتفاق على تقاسم الحقائب والحصص بين فتح وحماس لدرجة ان المستقلين ايضاً سيتم تسميتهم من قبل فتح وحماس. وهذا يطرح على الفصائل والاحزاب الاخرى وقوى المجتمع المدني والقطاع الخاص والمستقلين ان تهب للدفاع عن دورها والمشاركة وعن التعددية التي تعتبر اغلى ما يملكه الفلسطينيون، وإذا لم تكن هذه القوى والفعاليات قادرة على الوحدة وتشكيل قطب ثالث قوي وفعال الآن يحسب له الف حساب فلتتفق على الاقل على مطلب وهو ان يتم التعامل معها باحترام. فالحديث يجري عن تشكيل حكومة وحدة وطنية تقوم على اساس النصاب السياسي والشعبي لا عن حكومة ائتلافية تشكل على اساس حجم الكتل البرلمانية. والحديث يجري عن ويمس حاضر ومستقبل الفلسطينيين جميعاً. ويجب ان يشارك بصنعه مشاركة حقيقية كافة الوان الطيف السياسي والاجتماعي. اي اتفاق ثنائي لا يلبي مصالح كافة الفئات لن يصمد وسيسقط عند اي اختلاف جوهري على الحصص او على التعامل مع التطورات المختلفة

 

 

مشاركة: