الرئيسية » هاني المصري »   31 كانون الثاني 2006

| | |
تفاؤل حقيقي أم إسقاط للرغبات على الواقع؟
هاني المصري

أتمنى من كل قلبي ان تكون الاخبار التي تشيعها الحكومة خصوصاً من خلال التصريحات التي يدلي بها المستشار السياسي لرئيس الحكومة، والناطق الرسمي باسمها، عن قرب التوصل الى اتفاق حول تشكيل حكومة وحدة وطنية، صحيحة. فتشكيل مثل هذه الحكومة افضل واقوى من اي تشكيلة حكومية أخرى، وافضل، بمليون مرة، من استمرار الوضع الراهن، الذي ينذر استمراره بالكوارث. ولكنني، وأنا أرى التصريحات المتضاربة بين "فتح" و"حماس"، وتلك التي تصدر عن قيادات "حماس" نفسها، وتنفي اخبار التقدم بما في ذلك انكار وجود مبادرة مصرية (موسى أبو مرزوق) وتتحدث عن تعثر المشاورات بسبب تعنت الرئيس (اسامة حمدان)، اخشى ان يكون الاغراق في التفاؤل، ليس اكثر من اسقاط للتمنيات على الواقع، او محاولة للمماطلة والمناورة تهدف لكسب الوقت، وتصبير الفلسطينيين، تذكرنا بالقصة التاريخية الشهيرة عن الأم التي لم تجد ما تسد به رمق اولادها الجياع، سوى وضع طنجرة على النار تحتوي على ماء وحصى، لايهامهم بان الطبخة على النار، وانها سرعان ما تنضج ليأكلوها، فنام الاولاد بعد ان طال الانتظار ولم تنضج الطبخة، الى ان جاء سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وانقذ الموقف. لا اعتقد ان حكومتنا بانتظار مجيء المنقذ من المجهول، لانها تسير وفق الحديث الشريف "اعقل وتوكل"،

 بل لعلها تراهن على الوقت وحده، لعله يحمل معه تغييرات وتطورات محلية واقليمية ودولية تساعد على انهاء الحصار والأزمة الخانقة التي يعيش وسطها الفلسطينيون. اي تطورات مهما كانت في ظل الوضع الفلسطيني الحالي لن تساعده، فاهل مكة ادرى بشعابها. وما حك جلدك مثل ظفرك". المعطيات المتوفرة، والتحليل المنطقي للامور، وبعد البحث فيما يجري في الكواليس، وصلنا الى ان ما يجري من جهود محلية وعربية ودولية ليس سوى محاولة لسد الفراغ، وانها لم تحدث اختراقاً يسمح بالتفاؤل الذي ينتشر، ويتحدث اصحابه عن تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال ايام وفي فترة لا تصل الى اسبوع. حقائق الواقع العنيدة تصطدمنا بقوة، وتفيد بأن المشاورات والجهود لتشكيل حكومة وحدة وطنية لا تزال عالقة امام عقدة عدم الاتفاق على البرنامج السياسي. فالرئيس (ومعه حركة فتح) يعبر عن ضرورة وفاء اي حكومة وحدة وطنية بشروط اللجنة الرباعية الدولية حتى تكون قادرة على الاقلاع وفك الحصار والعزلة الدولية، وفي الحد الأدنى يمكن ان يرضى ابو مازن بعودة حماس عن تراجعها عن المحددات السياسية لتكون هي اساس برنامج الحكومة العتيدة. حركة حماس بدورها تصر على ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاستها وعلى اساس وثيقة الأسرى، بدون محددات ولا استدراكات. جسر الهوة، بين الموقفين، والاتفاق على برنامج مشترك يمكن ان يحدث خلال دقائق معدودة، اذا توفرت الارادة الكافية للاتفاق. وهذا يمكن ان يحدث اذا تراجع ابو مازن عن موقفه لصالح موقف حماس، او اذا تراجعت حماس عن موقفها لصالح موقف ابو مازن، او اذا تقدم الطرفان باتجاه برنامج يمثل الحد الأدنى المشترك، برنامج يحفظ الحقوق الوطنية ويكون قادراً على الفعل والتأثير محلياً وعربياً ودولياً، وبدون حدوث اي خيار من الخيارات السالفة الذكر، يكون الحديث عن حكومة وحدة او حكومة كفاءات او اي صيغة حكومية اخرى، اضغاث احلام لا اكثر ولا أقل. للمرة التي لا اعرف عددها، اكتب واشدد، على ضرورة الوفاق الوطني من خلال حكومة وحدة وطنية على اساس برنامج قادر على الاقلاع، واذا تعذر ذلك يمكن الاتفاق على حكومة كفاءات وطنية لمدة عام. اقتراح لتجاوز المأزق ويمكن كحل للاشكال ، الجمع ما بين الصيغتين، بحيث تكون الحكومة المقبلة حكومة وحدة وطنية، وحكومة كفاءات وطنية في آن، وذلك من خلال اعتماد الأسس التالية: اولاً: تكليف شخصية وطنية مستقلة تكون محل قبول من الجميع لرئاسة الحكومة المقبلة. ثانياً: مطالبة كافة الفصائل والاحزاب بتقديم مرشحين عنها للمشاركة بحكومة الوحدة من اصحاب كفاءة وخبرة ونزاهة، اضافة الى عدم تفضيل الشخصيات القيادية من الصفوف الاولى، تسهيلاً لقبولها عربياً ودولياً. ثالثاً: مشاركة كفاءات وطنية مستقلة لا يقل عددها عن ثلث عدد الوزراء يتم اختيارها على اساس معايير موضوعية وعبر التوافق الوطني، وتمثل القطاع الخاص والمجتمع المدني والفعاليات المستقلة. رابعاً: يراعى عند توزيع الحقائب الوزارية ان يكون نصيب كل فصيل متناسباً مع حجمه في المجلس التشريعي. خامساً: الوزارات السيادية يفضل ان تتولاها شخصيات وطنية مستقلة ذات كفاءة ونزاهة. سادساً: تقوم الحكومة المقترحة بتفويض م.ت.ف ورئيسها بالملف السياسي والمفاوضات شريطة الالتزام بالحقوق والاهداف الوطنية، وعلى اساس الالتزام بما التزمت به المنظمة سابقاً او يمكن ان تلتزم به لاحقاً، شرط ان يتم اقراره في استفتاء شعبي او عبر المجلس الوطني الجديد الذي سيتم ويجب ان يتم تشكيله وفقاً لما جاء في اعلان القاهرة، ووثيقة الاسرى، ومع الاحتفاظ بحق الحكومة المقبلة في مراجعة الاتفاقات السابقة نظراً لانها مجحفة بحق شعبنا، ولأن الحكومات الاسرائيلية تجاوزت الالتزامات الاسرائيلية فيها، ولا تعترف سوى بالالتزامات الفلسطينية. أما اذا لم يتم الاتفاق على اي صيغة توافقية، فسنجد انفسنا وبسرعة امام واقع جديد اسوأ من الذي نواجهه حالياً. وقد نجد انفسنا، ومن المرجح ان نجد انفسنا امام قرارات حاسمة يتخذها الرئيس ويستخدم فيها صلاحياته الدستورية من خلال واحد من الخيارات التالية: ü اقالة الحكومة وانتظار ردة فعل حماس والحكومة الحالية قبل تكليف شخصية وطنية بتشكيل حكومة جديدة. ü تشكيل حكومة طوارئ، حتى لو كانت هناك اجتهادات حول قانونيتها، ولكنها خطوة تغير الواقع الحالي جوهرياً. ü الدعوة لاستفتاء شعبي يتم فيه معرفة رأي الشعب إما بتنظيم انتخابات مبكرة تشريعية ورئاسية؟ او ببرنامج المنظمة والرئيس، او بمسألة تشكيل حكومة كفاءات وطنية؟ اي خيار، لا يتم التوافق عليه وطنياً ستكون له نتائج وخيمة، فالرئيس يتعرض لضغوط متعددة داخلية وخارجية، والتزم علناً باتخاذ قرارات حاسمة قريباً، وستكون مصداقيته كلها على المحك اذا لم يصدر تلك القرارات، خصوصاً اذا لم يملك في يده ما يبرر التأجيل. وامام الرئيس مناسبتان مهمتان تقدمان له اغراءً كبيراً لاتخاذ القرارات الحاسمة، الذكرى الثانية لاغتيال الرئيس ياسر عرفات، وذكرى اعلان الاستقلال. في هذا السياق، على اصحاب مبادرة "نداء من اجل فلسطين" ان يدركوا ان الكرة الآن في ملعبهم. فاذا استطاعوا ان يحافظوا على قوة الدفع لمبادرتهم، سيكتب التاريخ انهم ساهموا بانقاذ الوطن والقضية، وهذا يفرض عليهم بذل المستطاع لاعطاء مبادرتهم زخماً شعبياً عبر تنظيم تظاهرات حاشدة وعقد اجتماعات ومؤتمرات شعبية وتمثيلية يكون عنوانها وهاجسها الضغط لتشكيل حكومة كفاءات وطنية، لفترة انتقالية، توفر الشروط المناسبة لمواصلة الحوار لتشكيل حكومة وحدة وطنية، بعيداً عن التوتر والتشاحن والاستقطاب الحاد والتحريض المتبادل، وبعيداً عن الحصار وتفاقم الامور على كافة الاصعدة. في مثل الجو السائد حالياً، يصعب الحوار، ويصعب اكثر الاتفاق، اذا لم أقل يستحيل الاتفاق على برنامج مشترك. الاتفاق ممكن على مخرج وليس حلاً للمأزق، عبر حكومة كفاءات، فالبديل عن الاتفاق على حل او مخرج الانزلاق نحو الاقتتال، وهذا شيء مدمر للجميع وللقضية، والاحتلال هو المستفيد الوحيد من الاقتتال الفلسطيني!!

 

 

مشاركة: