الرئيسية » هاني المصري »   06 تشرين الثاني 2006

| | |
تمخض جبل اجتماع أنا بوليس فولد فأراً
هاني المصري

تمخض جبل الدعوة الاميركية لعقد اجتماع دولي للسلام في أنا بوليس، فولد فأراً يتمثل باختزال هذه الدعوة بتطبيق خارطة الطريق، خصوصاً في مرحلتها الأولى، وتحاول اسرائيل جاهدة أن تفرض رؤيتها لخارطة الطريق، كما فرضت رؤيتها لمسألة الوثيقة المشتركة.

ففي بداية الاتصالات للتحضير لاجتماع أنا بوليس كان الحديث يدور عن "اعلان مبادئ" أو "اتفاق اطار تفصيلي"، ثم اختزل الامر كله إلى "بيان مشترك" باتت رايس تنصح بأن تكون عباراته عمومية وذات طابع اعلاني، دون وضع جداول زمنية ملزمة لاقامة الدولة الفلسطينية وغيرها من قضايا الصراع الجوهرية التي من المفترض الاتفاق على الأسس التي تضمن حلها.

استطاعت الحكومة الاسرائيلية انزال الادارة الاميركية، بدءاً ببوش وانتهاء برايس عن شجرة التوقعات العالية، بحيث اصبحت أكثر وأكثر تتبنى الموقف الاسرائيلي الذي يريد ان يجعل اجتماع أنا بوليس مناسبة لاطلاق واستئناف المفاوضات لا أكثر ولا أقل.

 

على ضوء ما سبق، فان أقصى ما يمكن ان يتوصل اليه اجتماع الخريف، هو تحديد موعد نهائي لانهاء التفاوض، والاتفاق على القضايا الجوهرية، دون الاستناد إلى أسس يتفق عليها وتتفق مع القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، فبدلاً من وضع جدول زمني لتطبيق الاتفاق الذي من المفترض ان يتحقق في الوثيقة المشتركة سيتم الاستعاضة عنه باحسن الاحوال بتحديد سقف زمني للتوصل الى اتفاق. فرايس تحدثت عن مدة 14 شهراً لتحقيق هذا الهدف. واولمرت سبقها بالاعراب عن تمنياته بالتوصل الى اتفاق دائم خلال عام. فماذا عدا عما بدا، حتى يغير اولمرت موقفه الذي اعرب عنه منذ اسابيع والذي جاء فيه ان الاتفاق بحاجة الى 20 الى 30 سنة حتى ابرامه حتى أخذ يتحدث عن عام واحد.

ان ما يفسر تغير موقف اولمرت، كما نقل عنه، انه يريد ان يستثمر الفرصة الذهبية المتوفرة لاسرائيل حالياً في ظل وجود ادارة بوش التي تعتبر افضل ادارة، في دعم اسرائيل، وعلى الارجح ستكون افضل من الادارة التي ستلحقها. فاولمرت يريد ان يستفيد من حقيقة ان ادارة بوش اعطت ورقة الضمانات الاميركية لاسرائيل العام 2004، التي منحت اسرائىل موافقة اميركية على عدم العودة الى خطوط 1967، وعلى ضم الكتل الاستيطانية، وعلى عدم حل قضية اللاجئين على حساب اسرائيل من خلال عودة اللاجئين الفلسطينيين، ولو بأية اعداد، الى ديارهم وممتلكاتهم كما ينص قرار 194 ومجمل القانون الدولي والشرعية الدولية، كما يريد اولمرت ان يستفيد من خارطة الطريق الدولية التي تعطي الاولوية للأمن الاسرائيلي وقبل التفاوض على القضايا الجوهرية، وقبل اقامة الدولة الفلسطينية، وخصوصاً ان الادارة الاميركية في فترة الرئاسة الاولى، تعهدت علناً وفي بيان مشترك نادر وقعه كل من باول ورايس، بانها ستأخذ الملاحظات الاسرائيلية على خارطة الطريق بالحسبان عند تطبيقها. وهذا ما حصل فعلاً، وهذا ما يمكن ان يحصل لاحقاً رغم المديح الفلسطيني المتواصل لخارطة الطريق.

في هذا السياق، لم يكن تصريح تسيبي ليفني بعد لقائها الاخير مع رايس، بأن الأولوية يجب أن تُعطى للأمن الاسرائيلي، صاعقة في سماء صافية، بل استمرار للسياسة الاسرائيلية التي اعتمدتها حكومة شارون وسارت عليها حكومة اولمرت وتحظى بالدعم والرعاية من الادارة الاميركية، وحتى يتم ادراك خلفية الموقف الاسرائيلي لا بد من التوقف امام تصريحات ليفني الاخيرة، والتي قالت فيها، ان على القيادة الفلسطينية ان تدرك ضرورة، اولاً: تلبية الاحتياجات الأمنية الاسرائيلية، وما يعنيه ذلك من التزام السلطة الفلسطينية قولاً وفعلاً بمحارية "الارهاب" وتفكيك بنيته التحتية بسحب السلاح غير الشرعي وتفكيك الفصائل والاجنحة المسلحة، وثانياً، على القيادة الفلسطينية ان تدرك ان اجتماع انا بوليس بداية وليس نهاية للمفاوضات.

وما تفوهت به ليفني ليس موقفها الشخصي بل يعبر عن الحد الأدنى من الموقف الرسمي الاسرائيلي، هذا الموقف الذي يهدد اجتماع أنا بوليس بالفشل الذريع.

فاسرائيل "لا ترحم ولا تجعل رحمة ربنا تنزل" فهي لا تريد أن تفاوض حول القضايا الجوهرية، وتريد تطبيق القراءة الاسرائيلية لخارطة الطريق، والتي تقوم على ضرورة توفير الأمن الاسرائيلي، اولاً.

والسؤال هو: كيف يمكن تحقيق الأمن الاسرائيلي أولاً؟ ففي ظل استمرار الاحتلال والعدوان العسكري بكل اشكاله، وتكثيف الاستيطان وتسمينه وبناء بؤر استيطانية غير شرعية وتبييضها باستمرار، ومواصلة بناء الجدار، والحصار وتقطيع الاوصال وتشديد الخناق على قطاع غزة، والتهديد باجتياحه بعد اجتماع أنا بوليس، ومع حملة الاعتقالات الاسرائيلية اليومية، وتردي الحياة الاقتصادية والمعيشية الفلسطينية الى معدلات غير مسبوقة، في ظل هذه الاوضاع كلها وغيرها، كيف يمكن تحقيق الأمن الاسرائيلي؟

لا أمن ولا سلام ولا استقرار في ظل الاحتلال والعدوان والاستيطان والجدار، فالسلام مفتاح الأمن، ولا يمكن ابداً ان يكون الأمن مفتاح السلام!!

 

مشاركة: