الرئيسية » هاني المصري »   20 تموز 2007

| | |
تمخض لقاء عباس - أولمرت فولد بوادر لبناء الثقة!
هاني المصري

عقد لقاء جديد بين الرئيس الفلسطيني أبو مازن ورئيس حكومة اسرائيل ايهود اولمرت في منزل الاخير في القدس، بعد أن تردد كثيراً أنه سيعقد في أريحا، ولكن المكان تغير مثل كل مرة لأسباب أمنية. فالأمن هو الذي يحكم كل شيء بما في ذلك مكان عقد اللقاءات الفلسطينية - الإسرائيلية ونتائجها! القمة هذه المرة نتج عنها شيء ملموس وهو بوادر بناء الثقة المتمثلة بالإفراج عن 250 أسيراً وعد أولمرت بالإفراج عنهم في قمة شرم الشيخ، والكف عن ملاحقة 178 مطارداً من المطلوبين من حركة «فتح»، والسماح لعدد من القيادات الفلسطينية للمشاركة في أعمال المجلس المركزي والمكوث أسابيع عدة فقط، والاستمرار في صرف الأموال الفلسطينية المحتجزة على دفعات، والتأكيد على وعد أولمرت القديم بإزالة بعض الحواجز وتخفيف الاجراءات على الحواجز عندما تنهي الأجهزة الأمنية الإسرائيلية دراسة الأمر، وتسهيل حركة الأفراد والبضائع، وإدخال بعض المركبات والأسلحة.

 

البوادر التي يقدمها أولمرت هذه المرة مكشوفة الأهداف تماماً، فهي تتعلق بتعميق الانقسام الفلسطيني وتوظيفه لصالح اسرائيل.

قبل الانتقال لتقييم نتائج القمة بالإجمال، لا بد من القول إن الأسرى المنوي الافراج عنهم لم يتم الاتفاق عليهم وانما هو إجراء إسرائيلي أحادي الجانب. وهم أسرى ينتمون في غالبيتهم الساحقة الى حركة «فتح»، أنهوا معظم محكوميتهم وغالبيتهم الساحقة لم يتبق على وجودها في السجن سوى أقل من عام. فلم تشمل القائمة أسرى «ملطخة أياديهم بالدم اليهودي» ولا من ذوي الأحكام العالية الذين يرزحون وراء القضبان منذ أكثر من عشرين عاماً. ومع الترحيب بالإفراج عن كل أسير ولو تبقى له في الأسر يوم واحد، الا أن معرفة ظروف المنوي الإفراج عنهم في ظلها توضح محدودية البادرة وكيف أنها تحتوي على السم أكثر ما تحوي من الدسم. فالتمييز بين الأسرى وعدم أخذ مطالب «الشريك الفلسطيني» بالاعتبار شيء لا يستحق كل هذا الاحتفال.

اما المطاردون الذين سيتم التوقف عن ملاحقتهم فيجب أن يتعهدوا بتسليم أسلحتهم وبعدم مقاومة الاحتلال والتزامهم بجدول زمني ينتهي بعد ثلاثة أشهر، أي انهم تحت الاختبار. ومن الملاحظ أن بوادر بناء الثقة كلها جزئية ومبتورة وناقصة ومشروطة وبعضها يسبب إحراجاً للرئيس والسلطة مثل الكف عن ملاحقة جزء من المطاردين ومن حركة «فتح» وحدها، كذلك إطلاق أسرى في غالبيتهم من حركة «فتح»، فالرئيس رئيس للشعب الفلسطيني كله وليس لحركة «فتح» وحدها، والتعامل الندي يقتضي الاتفاق المشترك على أسس ومعايير الافراج عن الأسرى والكف عن ملاحقة المطاردين كلهم من دون استثناء. فعلى سبيل المثال، كيف يمكن ضمان نجاح العملية من دون الاتفاق على وقف إطلاق نار متبادل وشامل ومتزامن، ومن دون الاتفاق على وقف اقتحام المدن والاغتيالات والاعتقالات بحجة أن هناك مطلوبين آخرين؟

أما بالنسبة للسماح لبعض القادة بزيارة الضفة فهذه نكتة سمجة، فهؤلاء لهم الحق في العودة الى وطنهم والإقامة الدائمة فيه. أما السماح لهم بالمشاركة في أعمال المجلس المركزي بحجة دعم أبو مازن وحكومة تسيير الأعمال، فينطوي على اساءة واضحة. فإسرائيل لا تدعم حقاً السلطة بهذه البوادر بل تسيء لها وتحرجها أكثر مما تساعدها.

أما بالنسبة لإزالة حواجز وتخفيف الاجراءات عليها فما حدث منذ قمة شرم الشيخ حتى الآن، هو تكثيف الاجراءات على الحواجز وزيادتها لدرجة دفعت المواطنين لوضع أيديهم على قلوبهم عشية القمة الجديدة خشية من نتائجها على صعيد تشديد الاجراءات على الحواجز، كما يتندر المواطنون، كي تعود الأمور الى سابق عهدها بعد القمة، وتدعي حكومة أولمرت بعد ذلك أنها أزالت حواجز أو سهلت الاجراءات على الحواجز.

إن من الخطأ القاتل الغرق في البحث مع إسرائيل حول كل حاجز على حدة، وكل أسير على حدة، وكل معبر على حدة، وكل مطارد على حدة، وكل مدينة على حدة، وهكذا بالنسبة الى كل المواضيع. كما يجب أن يكون مرفوضاً انتظار الكرم الإسرائيلي والموافقة على اللفتات الإسرائيلية مهما كانت من دون احتجاج أو ردة فعل. إن الاستمرار في هذه السياسة المتهاونة يجعل السلطة تنزلق بسرعة، بوعي أو من دون وعي، نحو إعادة انتاج أخطاء وخطايا الماضي وبشكل أسوأ. لقد عانى الفلسطينيون معاناة مرّة من تقسيم المراحل بين انتقالي ونهائي، ومن فصل القضايا عن بعضها البعض، ومن تقسيم الأرض إلى أ، ب، ج، ومن الوفاء بالالتزامات الفلسطينية أولاً، ومن تقسيم كل قضية إلى أجزاء ثم إلى تفاصيل، الأمر الذي أدخلنا في دوامة حتى ونحن في أيام «عز أوسلو». لقد عرفنا كيف دخلنا الى هذه الدوامة ولا نعرف كيف سنخرج منها. إذا كان الهدف الفلسطيني من وراء كل ذلك احياء أوسلو وإعادة الأمور الى ما كانت عليه قبل 28 أيلول فليتم ذلك مرة واحدة وليس على دفعات ومراحل يمكن أن تستغرق على هذه الوتيرة سنوات. فاسرائيل ليست في وارد إحياء أوسلو، وإنما تريد إعادة إلزام الفلسطينيين بالتزاماتهم الواردة في أوسلو وخصوصاً الاعتراف بحقها بالوجود والاقلاع كلياً عن المقاومة بكل أشكالها.

إن القبول بالتفاوض حول تفاصيل التفاصيل من دون مرجعية واضحة ولا اتفاق حتى على معالجة الأوضاع المعيشية والراهنة، ومن دون اتفاق على استئناف المفاوضات حول قضايا الوضع النهائي، ومن دون أي التزام متكامل حتى بالمسائل الإجرائية، ومن دون وقف العدوان والاستيطان والجدار وتقطيع الأوصال، يحول السلطة الى سلطة وظائفية إدارية مهمتها الأساسية توفير الأمن للاحتلال.

تأسيساً على ما تقدم لا بد من الحذر من الانزلاق في هذا الطريق تحت وطأة الانقسام والضعف والعناد وردة الفعل ومحاولة الحصول على أي شيء من إسرائيل.

التجربة تعلم ضرورة الإصرار على التمسك بإطلاق مسار سياسي جدي واستئناف المفاوضات حول الوضع النهائي على أساس مرجعية تضمن الحق الفلسطيني وانهاء الاحتلال، وفي ظل وجود ضمانات ومشاركة دولية فاعلة، وجداول تنفيذ وآلية تطبيق ملزمة، شرط أن يترافق استئناف المفاوضات ليس مع وقف المقاومة فقط وانما أيضاً مع وقف العدوان العسكري بكل أشكاله، ووقف الاستيطان والجدار وتقطيع الأوصال وسياسة فرض الحقائق على الأرض. وإذا لم نصر على ذلك ولم نناضل من أجله، فإننا نبيع القضية بثمن بخس!

 

مشاركة: