الرئيسية » هاني المصري »   21 تشرين الأول 2006

| | |
عقدة البرنامج تهدد حكومة الكفاءات!
هاني المصري

 

لفت من المبادرين، ومن أشد المدافعين عن فكرة اقامة حكومة وحدة وطنية، وذلك رغم ادراكي ومنذ البداية ان امكانية تحقيقها صعبة وصعبة جدا، ولكن لما ان الصدام هو البديل المرعب والمرجح لها، لم تكن ولا يجب ان تكون، ولا هي الآن مستحيلة. والاعتراف بالواقع يتطلب الآن، وبعد ثمانية اشهر على اجراء الانتخابات التشريعية، وخمسة اشهر على اطلاق وثيقة الاسرى، وأربعة اشهر على توقيعها، وبعد فشل كل المبادرات والجهود للاتفاق على حكومة وحدة، الإقرار بأن هذه حكومة اصبحت وراءنا واحتمال اقامتها بات ضئيلاً للغاية. حكومة الوحدة تراجعت بينما حكومة الكفاءات الوطنية تتقدم. ولعل هنا بالضبط تكمن اهمية طرح هذا الخيار. فلو تصورنا عدم وجوده، فماذا سيكون البديل عن الفشل في الاتفاق على حكومة الوحدة: الصدام والانزلاق للحرب الاهلية للوهلة الاولى، تبدو حكومة الكفاءات خيار سهل كونه يعطي مخرجاً مناسباً لكل الاطراف، وهي تحفظ ماء وجه الجميع. فمثل هذه الحكومة لا تطلب من الفصائل والاحزاب التخلي عن او تعديل برامجها، بل المطلوب منها ان تمنح الثقة لها، وتعطيها شبكة أمان لمدة عام، وهذا لا يحملها المسؤولية المباشرة بل يجعلها تتحمل مسؤولية غير مباشرة تضامنية. وهذا اقل وطأة عليها من المشاركة في حكومة تحمل برنامج لا توافق عليه. النظرة المتفحصة لخيار حكومة الكفاءات يتوصل صاحبها الى انها خيار صعب، وصعب جداً هو الآخر، وإن تكن صعوبته اقل قليلاً من حكومة الوحدة الوطنية، وترجع صعوبته الى انه يفترض موافقة الفصائل والاحزاب عدم المشاركة بها، وهي تعتبر نفسها الأحق بالمشاركة، والأقدر على الحكم. وهذه الصعوبة تظهر بحدها الاقصى عند حركة حماس التي ستكون مطالبة عند تشكيل حكومة الكفاءات بالتخلي عن الحكم،

 ليس من اجل المشاركة مع الآخرين، وانما مغادرة الحكم كلياً. لذا كان من المتوقع، كما حدث فعلاً، أن ترفض حركة حماس المبادرة التي حملت اسم "نداء من أجل فلسطين" حتى قبل أن تلتقي بالوفد الذي من المقرر أن يلتقي مع اسماعيل هنية رئيس الحكومة، بعدما التقى الرئيس ابو مازن، حيث رحب بالمبادرة، واعتبرها اسهل الخيارات المرة. ورغم التنوع في الردود التي اطلقتها الحكومة وحركة حماس على مبادرة تشكيل حكومة الكفاءات الوطنية الا ان الموقف النهائي مال الى استمرار تمسك حماس بتشكيل حكومة وحدة وطنية على اساس وثيقة الوفاق الوطني واعتبار اية مبادرة لا يكون برنامجها منسجماً مع وثيقة الوفاق ستكون التفافاً على الديمقراطية ومحاولة لإقصاء حماس عن السلطة، وأعلنت حماس انها مستعدة لنقاش اية ورقة شريطة ان تنطلق من نوايا صادقة لا تعيدنا الى نقطة الصفر، وأكدت انها لن تمنح اية حكومة شبكة أمان في التشريعي، تأتي برؤية اسرائيلية اميركية، وشددت حماس على ان حكومة كفاءات دون برنامج سياسي لن يكتب لها النجاح ولن تستطيع تسيير الامور المعقدة خاصة في مجال الامن وحفظ النظام. الخلاصة التي يمكن استنتاجها من موقف حماس من حكومة الكفاءات هي ضرورة ان تكون وفق معايير وشروط واضحة ومحددة، تبدأ بأن يكون لها برنامج سياسي متفق عليه بين الفصائل والاحزاب وتكون مرجعيتها وثيقة الوفاق الوطني، بأن تتوفر لها ضمانات دولية واقليمية كافية لرفع الحصار الاقتصادي السياسي عن الشعب الفلسطيني، وهذا يعيدنا الى عقدة عدم الاتفاق على البرنامج السياسي التي اطاحت بإمكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية. واذا كان بالإمكان الاتفاق على برنامج سياسي فمن الافضل في هذه الحالة الاتفاق على حكومة وحدة وطنية. السؤال الذي يطرح نفسه على حماس هو: هل هي مستعدة لتمرير حكومة كفاءات تستند الى وثيقة الوفاق الوطني والمحددات السياسية التي اتفق عليها ابو مازن واسماعيل هنية، ووقع عليها ممثل عن حماس وآخر عن فتح، كما وقع عليها كل من زياد ابو عمرو، وروحي فتوح كشهود؟ واذا كان الجواب لا، فهل نقبل بحكومة دون برنامج سياسي على ان تعلن الحكومة القادمة التزامها بما وقعت عليه م.ت.ف من اتفاقيات، وعلى احالة الملف السياسي الى المنظمة؟ واذا كان الجواب لا، فهذا يعني ان حكومة الكفاءات الوطنية لن ترى النور، وسيكون مصيرها مثل مصير حكومة الوحدة الوطنية. وفي هذه الحالة، التي يمكن ان نصل اليها بعد مدة تقصر او تطول، وأعتقد انها لن تطول كثيرا، لأن الوقت من دم، ولا يحتمل الوضع الفلسطيني استمرار الازمة التي تنهش به لفترة طويلة وسنكون أمام الخيارات التالية: الخيار الاول: بقاء الوضع على حاله، واستمرار الحكومة الحالية بالعمل، وهذا سيفاقم الازمة، فليس هناك اذا استمر الوضع الحالي، ما يشير الى ازالة الحصار السياسي والاقتصادي، ولا الى تراجع حدة العدوان العسكري الاسرائيلي، بل تتزايد المؤشرات عن قرب تنفيذ المخططات الاسرائيلية باجتياح واسع لقطاع غزة. وفي ظل استمرار هذا الخيار، على الحكومة ان تستعد لقيام المعارضة بممارسة دورها بالمعارضة الى اقصى مدى، داخل المجلس التشريعي وخارجه، وعليها ان تستعد لاستمرار وتصاعد الاحزاب، وما يمكن ان يؤدي اليه ذلك من تدهور شامل في كافة المجالات والاصعدة السياسية والاقتصادية والصحافية والتعليمية والأمنية. الخيار الثاني: دعوة الرئيس الى اتخاذ قرارات حاسمة، واتخاذه مثل هذه القرارات، كما تعهد خلال لقاءاته مؤخراً مع الإعلاميين ورجال الدين والمقاولين ولجنة الحوار، حيث اكد ان زمن اتخاذ القرارات الصعبة تقترب. وحسبما ألمح الرئيس فإنه يفكر بتنظيم استفتاء شعبي يتم الاحتكام فيه للشعب ولم يعرف حتى الآن على ماذا سيفتي الشعب؟ هل على اجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة؟ أم هل على برنامج المنظمة والرئيس؟ واذا فاز تتم دعوة الحكومة للالتزام به، واذا لم تلتزم تتم اقالتها وتشكيل حكومة تلتزم بما قرره الشعب أم الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة؟ واذا لم ينجح برنامج المنظمة والرئيس، يكون على الرئيس ضرورة الاستقالة، وهذا يفرض اجراء انتخابات رئاسية، ستكون نتيجتها معروفة سلفاً، أم هل سيكون الاستفتاء على خيار تشكيل حكومة انتقالية من اللقاءات الوطنية والعقدة التي تقف أمام الاستفتاء مهما كان مضمونة، ان "حماس" لا تفرق بينه.

 

 

مشاركة: