الرئيسية » هاني المصري »   01 آذار 2008

| | |
عراقيل في طريق مبادرات المصالحة الوطنية
هاني المصري

كلما طرح طرف فلسطيني او عربي مبادرة لانهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية توضع في طريقه عراقيل ضخمة لمنعه من الاستمرار في العمل. من أهم العراقيل التي يتم طرحها ان الرئيس ابو مازن والسلطة التي استطاعت بعد الانقسام وبسببه انهاء العزلة الدولية والمقاطعة المالية واستئناف المفاوضات واعادة القضية الفلسطينية على رأس الاجندة الدولية لا يمكن ان تغامر بخسارة كل ذلك من خلال العودة لاسطوانة الحوار الوطني والوحدة الوطنية، لان مثل هذه العودة تعني تشكيل حكومة وحدة وطنية لا تلبي الاشتراطات الدولية الثلاثة وبذلك "تعود ربما لحالتها القديمة"، وتعود المقاطعة الدولية بسبب الموقف الاميركي-الاسرائيلي المصر على عدم الاعتراف بأية حكومة تشارك بها حركة حماس ما لم تعترف باسرائيل والاتفاقات المبرمة معها، وتنبذ العنف و"الارهاب".


ينسى من يردد هذه الاقوال ان المصالحة الوطنية ليس من الضروري ان تمر بمحطة تشكيل حكومة وحدة وطنية اذا لم يتم الاتفاق على برنامج واضح ومنسجم، بل يمكن استبدالها بتشكيل حكومة يتم الاتفاق عليها تضم الكفاءات الوطنية المستقلة وتكون مهمتها الرئيسية التحضير لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، مثل هذه الحكومة لا تشارك بها "حماس" مباشرة، ولكن "حماس" تشارك بتشكيلها من خلال المساهمة بها باختيار شخصيات وطنية مستقلة مقربة منها.

ومثل هذه الحكومة تقر التزامات المنظمة والسلطة لحين القدرة على تجاوزها وباعتبارها قيودا غليظة، ولكنها عليها ان تتجنب شن حرب على المقاومة وسلاحها، على اساس ان هناك فرقاً حاسماً ما بين سلاح المقاومة الطاهر المقدس وسلاح الفوضى والفلتان الأمني، السلاح الذي يستخدم في تنفيذ الجرائم او في الصراعات الداخلية لخدمة مصالح جهوية فردية. فالمقاومة بكل اشكالها حق اساسي للشعب الفلسطيني ما دامت ارضه تحت الاحتلال، ولا يجب التفريط بهذا الحق، مع أهمية ترشيد المقاومة وضمان ان تكون مقاومة مثمرة تخضع للمصلحة الوطنية وتكون مرجعيتها مرجعية وطنية واحدة ومتفقاً عليها، كما نصت وثيقة الوفاق الوطني. مرجعية المقاومة هي التي تحدد اشكال النضال المناسبة في كل مرحلة، بما في ذلك التهدئة المتبادلة. فالمقاومة عمل وطني مسؤول وليست قطاعاً خاصاً تقرر بشأنه كل مجموعة او كل فصيل على حدة.

العقبة الثانية التي تلقى في طريق اية مبادرة للمصالحة الوطنية الادعاء أن اي مصالحة يمكن ان تقضي على المفاوضات وعلى فرص توصلها لاتفاق، بحيث تستخدم اسرائيل ومن يقف وراءها (الولايات المتحدة الاميركية) اي مصالحة باعتبارها اشارة قوية على رفع السقف التفاوضي الفلسطيني، وهذا ما ترفضه اسرائيل وتقاومه، وبصورة تمكنها من تحميل المسؤولية للجانب الفلسطيني لعدم استمرار المفاوضات او لعدم توصلها الى اتفاق. فالتهمة الاسرائيلية جاهزة دائما، وهي تارة ان القيادة الفلسطينية قادرة على احراز السلام ولا تريده مثلما كانت ايام قيادة ياسر عرفات الذي عاد لاستخدام "الإرهاب" الى جانب او بدلاً عن المفاوضات، ومثلما كانت الاحوال أيام حكومة "حماس" او حكومة الوحدة الوطنية.

وتارة أخرى تظهر التهمة الاسرائيلية بأن القيادة الفلسطينية (مثلما هي القيادة الحالية) تريد السلام ولكنها لا تقدر على صنعه لانها قيادة ضعيفة لا تستطيع ان تقبل ما رفضه ياسر عرفات، ولا تستطيع أن تقدم تنازلات كبرى تحتاجها عملية السلام حتى تتكلل بالنجاح، لانها تخشى من الرفض الشعبي لها جراء تقديمها التنازلات.

ينسى من يروج لهذه العقبة ان المفاوضات استؤنفت بعد اجتماع انابوليس، ولكنها لم تحقق اي تقدم، بل اضرت ضرراً فادحاً حين استخدمت كغطاء لاستمرار العدوان العسكري الاسرائيلي بكل اشكاله، وللتسارع المجنون في التوسع بتنفيذ كافة المخططات الاسرائيلية خصوصاً الاستيطانية المحمومة لدرجة الاعلان عن مخططات لبناء أكثر من عشرين الف وحدة استيطانية منذ انابوليس حتى الآن.

اسرائيل استخدمت الانقسام لتبرير عدم التقدم في المفاوضات، وتستخدمه للتذرع بعدم امكانية احراز اتفاقية سلام نهائية. فابو مازن وفقا للزعم الاسرائيلي لا يستطيع ان يطبق ما يمكن ان يوقع عليه، وهو لا يمثل جميع الفلسطينيين، ولا يسيطر على كافة الاراضي المحتلة.

ان من يريد انجاح المفاوضات فعلا عليه ان يبذل كل الجهود لانجاح المصالحة الوطنية. فاية مصالحة وطنية يمكن ان تستند، وبالضرورة ان تستند الى برنامج وطني واقعي، يحفظ الحقوق والاهداف الوطنية، ويؤمن القدرة على المبادرة والفعل ويملك القدرة على اعادة تجميع الاوراق الفلسطينية المبعثرة، بما يمكن الطائرة الفلسطينية من الاقلاع محلياً وعربياً ودولياً.

ان اي مصالحة، كما حصل فعلا في اتفاق مكة وحكومة الوحدة الوطنية، يمكن ان تمد اليد الفلسطينية للمفاوضات شريطة ان تكون مفاوضات تستند الى مرجعية واضحة وملزمة او تجمع ما بين المفاوضات والمقاومة المثمرة بحيث تكون المقاومة اداة الضغط الفلسطينية المعادلة للعدوان والاستيطان والجدار، والقادرة على اقناع اسرائيل او اجبارها على التفكير بالانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، وحل مشكلة اللاجئين حلا عادلا، لان احتلالها اصبح مكلفا، وتخسر بسببه أكثر مما تربح. وعندما تصل اسرائيل الى هذه اللحظة، عندها، وعندها فقط، ستفكر جديا بالانسحاب وتقدم عليه فعلاً.

ولكن اذا استمر الاحتلال الاسرائيلي للضفة والقطاع احتلال خمس نجوم يحقق كل "مزايا" الاحتلال ولا يجعلها تدفع ثمنه، فلماذا تنسحب؟ وما الذي سيدفعها للانسحاب؟

العقبة الثالثة التي توضع امام اية مبادرة لتحقيق المصالحة الاشارة الى أن التدخلات الاسرائيلية والاميركية اولاً وأساساً والعربية والاقليمية والدولية ثانياً اصبحت هي صاحبة القرار بالشأن الفلسطيني، بحيث ان الفلسطينيين باتوا رويدا رويداً أقل الاطراف تأثيرا على ما يجري في وطنهم وعلى مصيرهم.

ينسى اصحاب هذا الرأي ان وصول الفلسطينيين الى هذا الوضع من فقدان القدرة على التأثير على مصيرهم يرجع أساساً الى فقدان الإرادة والاستراتيجية الكفاحية، والى الانقسام الذي جعل الفلسطينيين بحاجة أكثر للدعم المالي الخارجي للاستمرار بالحياة، وجعل كل طرف رهينة لتحالفاته والاطراف العربية والاقليمية والدولية التي تقدم له المساعدة والحماية، ان قدرة الفلسطينيين على انتزاع زمام المبادرة والتحكم بمصيرهم تتوقف الى حد كبير على قدرتهم على انهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية ليس على اسس عشائرية او محاصصة فصائلية وانما على أسس تضمن الحفاظ على الأهداف الوطنية وتعاظم القدرة على تحقيقها، والحفاظ على الديمقراطية والتعددية بوصفهما مصدر المناعة والتطور والتقدم الذي حمى القضية الفلسطينية وجعلها حية رغم كل ما تعرضت له منذ نشوئها وحتى الآن.

ان توحيد الفلسطينيين وحسب كل طاقاتهم وكفاءاتهم وجهودهم في اتجاه واحد ولتحقيق استراتيجية واحدة عن طريق انهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية ضرورة حيوية وملحة في كل الاحوال، سواء اذا كان هناك عملية سلام او لم يكن، وضرورة ملحة لايجاد عملية سلام قادرة على انهاء الاحتلال وتحقيق الحقوق الفلسطينية والوحدة، وحدها القادرة على معاظمة فرص النجاح في كل الاحوال.

 

مشاركة: