الرئيسية » هاني المصري »   08 تموز 2008

| | |
رياح التهدئة في المنطقة: مقدمة للصفقة الشاملة أم للحرب الشاملة؟
هاني المصري

 

استمرار المفاوضات الفلسطينية ــ الإسرائيلية رغم وصولها الى الطريق المسدود، والحديث عن التوصل الى اتفاق ما قبل نهاية العام، واستمرار صمود اتفاق الدوحة رغم اصطدام المساعي لتشكيل حكومة وحدة وطنية بعقبة الخلاف على توزيع الحقائب الوزارية، وصمود التهدئة في غزة رغم الخروقات المتبادلة، ورغم التلاعب الإسرائيلي بها، واستمرار المفاوضات السورية ــ الإسرائيلية والاستعداد لتحويلها الى مفاوضات مباشرة وسط تحسن العلاقات السورية ــ الفرنسية، والتلويح بوضع مزارع شبعا بعهدة الأمم المتحدة، واستمرار التعامل مع الملف النووي الإيراني على قاعدة أن كل الخيارات مفتوحة، كما صرح الرئيس بوش مع تراجع الخيار العسكري وإعطاء الخيار الدبلوماسي فرصة أكبر وسط تزايد الجهود الدولية خصوصا الأوروبية لعقد صفقة شاملة مع إيران، كل ذلك يدل على أن المنطقة برمتها تشهد نوعا من التهدئة.

 

فهل هذه التهدئة مقدمة لصفقة شاملة تعقدها الولايات المتحدة الأميركية مع إيران بحيث تعترف فيها واشنطن بالدور الإقليمي الإيراني المتعاظم مقابل تخلي إيران عن طموحها ومشروعها للحصول على السلاح النووي؟ أم أن التهدئة هي بمثابة الهدوء الذي يسبق العاصفة، وما هي سوى محاولة أميركية ــ إسرائيلية لتحييد الأطراف في الشرق الأوسط، خصوصا على صعيد الصراع العربي ــ الإسرائيلي من أجل عزل إيران عن حلفائها في سورية وحزب الله و"حماس" ما يسهل تشديد العقوبات ضدها، وفتح الطريق للحل العسكري إذا لم تتراجع إيران عن مشروعها لتخصيب اليورانيوم والذي جعلها تقف على عتبة الحصول على سلاحها النووي.

من الصعب الحسم حول ما هو أقرب الى التحقق الصفقة الشاملة أم الحرب الشاملة، ولكن الشيء شبه المؤكد أن اتجاه الأمور نحو الحرب أم الاتفاق سيتضح حتى نهاية هذا العام، أي عند نهاية فترة رئاسة بوش. فإذا مرت هذه الفترة دون ضربة أميركية أو أميركية ــ إسرائيلية مشتركة لإيران، من الصعب أن تكون هناك ضربة، لأن أي إدارة أميركية جديدة سواء برئاسة ماكين أو أوباما لن تمتلك نفس القدرة من التعصب والتطرف والمغامرة والجنون الذي تملكه إدارة بوش، وذلك رغم أن ماكين يطرح برنامجا يجعله إذا فاز امتدادا لرئاسة بوش. ولكن حتى ماكين سيتردد في خوض حرب جديدة بسرعة. فكما قال مايكل مورين رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية أثناء جولته الأخيرة في المنطقة إن بلاده ليست مع فتح جبهة ثالثة ضد إيران في الوقت الذي لا تزال الحرب في العراق وأفغانستان مفتوحة. فهناك في الإدارة الأميركية أوساط سياسية وعسكرية تعارض الحرب الآن لذلك سارع سفير واشنطن في إسرائيل الى نفي الأنباء التي تحدثت عن احتمال توجيه ضربة تقوم بها الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل منفردتين أو مجتمعتين ضد أهداف إيرانية.

وهناك أوساط أميركية يقودها نائب الرئيس تشيني تريد ضربة عسكرية عشية أو غداة الانتخابات الرئاسية خصوصا إذا فاز أو رجح فوز اوباما، على أساس أن ليس لدى الإدارة الأميركية الحالية ما تخسره. فإذا نجحت الضربة فهذا يعطيها نصرا مؤزرا تختتم به عهدها المليء بالإخفاقات والخسائر. وإذا لم تنجح ينطبق عليها القول "أكثر من القرد ما مسخ الله".

يبدو أن إيران وحلفاءها في المنطقة سورية وحزب الله و"حماس" أدركوا أن الأهمية الحاسمة هي لكسب الوقت لحين رحيل إدارة بوش، لذا أبدوا بعض المرونة ولكن ليس بلا ثمن سواء على صعيد المفاوضات السورية ــ الإسرائيلية أو لتمرير اتفاق الدوحة أو اتفاق التهدئة في غزة، وذلك لأن ذهاب بوش دون ضربة عسكرية لإيران أو سورية أو لبنان أو في غزة يحسن موقف هذا المعسكر. فأي رئيس أميركي قادم ليس متورطا بالحروب الاستباقية ورؤية المحافظين الجدد مثل الرئيس بوش، وأي رئيس قادم بحاجة الى بعض الوقت حتى يرتب أوراقه للحكم. وهذا وقت ثمين يمكن إيران من الصمود في وجه الحصار الدولي، ومن تحسين قدراتها خصوصا مع الارتفاع الفاحش بأسعار النفط الذي تستفيد منه إيران كونها دولة نفطية.

ومن المهم هنا ملاحظة الموقف الإيراني الذي يستعد لكل الاحتمالات. ففي الوقت الذي حذرت فيه طهران بأنها ستلقن من يهاجمها درسا بليغا وأنها كما جاء على لسان رئيس أركان الجيش الإيراني يمكن أن تغلق مضيق هرمز إذا تعرضت لهجوم الذي تعبره 40% من شحنات النفط العالمي إذا تعرضت لهجوم، لاحظنا كيف أن وزير خارجية إيران منوشهر متكي، قال إن حربا لن تقع بدليل أن تقدما يطرأ على المواقف الدولية حيال طهران، وهذا التحسن يشمل أيضا الموقف الأميركي. كلام متكي له أساس والدلائل تشهد على ذلك. لقد برز استعداد أميركي لفتح مكتب تمثيل مصالح في طهران التي لم تشهد أي تمثيل أميركي منذ عام 1979 كما أن هناك توجهات أميركية إيرانية لتشغيل خط طيران مباشر بين البلدين.

أما اسرائيل وهي الطرف المحرض على العقوبات الشديدة على إيران، وإذا لم تنجح العقوبات في وقف برنامجها النووي تشجع اسرائيل وتستعد وتدفع للحرب على إيران. لذلك جاءت تصريحات الوزير شاؤول موفاز حول حتمية الضربة لإيران، وتصريحات غيره من المسؤولين الإسرائيليين ومناورات بحر ايجه بوصفها محاولة إسرائيلية للضغط على الأوروبيين والعالم بأسره، من خلال إرسال رسالة مفادها أن عدم تشديد العقوبات الدولية على إيران لوقف برنامجها النووي وعدم وقف هذا البرنامج فعلا سيعني أن اسرائيل ستحارب إيران ولو منفردة. وهذا الأمر تدرك اسرائيل أنه لن ينطلي على العالم، لأن حربا أميركية ــ إسرائيلية مشتركة على إيران غير مضمونة النتائج فكيف بحرب إسرائيلية منفردة؟

العرب هم الطرف الوحيد الذي سيكون خاسرا في كل الحالات. فإذا توصلت إيران والولايات المتحدة الأميركية الى صفقة شاملة سيدفعون ثمنها من كيسهم لأن إيران ستتقاسم المنطقة مع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل على حسابهم.

وإذا اندلعت الحرب فمحتمل جدا أن تكون شاملة، والكثير من الدول العربية ستكون راغبة أو كارهة مسرحا لها. فهناك قواعد أميركية في عدة بلدان عربية متحالفة مع طهران، وهناك شيعة منتشرون في المنطقة والعالم، لا يمكن أن يقفوا مكتوفي الايدي وهم يرون الدولة الشيعية تتحطم أمام أنظارهم.

تأسيسا على ما تقدم، فإن التهدئة على أكثر من جبهة، يجب ان لا نخطئ في قراءة دلالاتها، فهي مقدمة للحرب أو السلام، وهذا يتوقف على التطورات القادمة خصوصا في الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، ولكن على أساس رؤية أن السياسة الأميركية تبدو مترددة وتواجه مأزقا متفاقما من أفغانستان والعراق الى سورية ولبنان وفلسطين.

ودون مشروع عربي، سيكون العرب كرة تتقاذفها الأقدام المتصارعة على المنطقة، ولا يمكن معالجة الأزمة بتجاهل العدو الراهن (الاحتلال الأميركي للعراق والإسرائيلي لفلسطين) عبر تضخيم العدو المحتمل إيران. المشروع العربي يستطيع أن يوظف الصراع الأميركي ــ الإيراني لصالح الأهداف العربية والمصالح العربية، فأن يكون هناك صراع بين طرفين أفضل مليون مرة من أن نكون أمام هيمنة أميركية إسرائيلية منفردة ومستقرة!

 

 

مشاركة: