الرئيسية » هاني المصري »   22 نيسان 2008

| | |
رقص على جراح الشعب أم رقص من أجل تجسيد قضية الشعب؟
هاني المصري

هالتني الحملة الظالمة التي شنتها أوساط معروفة بعلاقتها مع حركة حماس في قطاع غزة ضد مهرجان رام الله للرقص المعاصر، وكأن هذه الأوساط لا تجد ما تهتم به بعد ان انجزت كل المهمات سوى الإساءة الى هذا المهرجان ووصفه بأشد العبارات وأخطرها. لقد وصلت الحملة الظالمة على هذا النشاط الفني الثقافي الوطني السنوي الى حد وصف المهرجان من د. صالح الرقب وكيل وزارة الأوقاف في الحكومة المقالة، ود. مروان أبو راس رئيس رابطة علماء فلسطين في غزة، واتهامهما القائمين عليه "بالراقصين على جراح الشعب" فيما تغرق غزة في دماء عشرات الشهداء والجرحى جراء العدوان الصهيوني المتواصل.


 وذهبت الحملة الى حد اتهام القائمين على المهرجان بالخيانة، والكفر، والتطبيع، والانحلال الأخلاقي، والفساد، وشككوا بانتمائهم الوطني واعتبروا المهرجان مسيئاً لنضالات الشعب الفلسطيني. وأكثر من ذلك، وظفت الحملة المهرجان سياسياً أسوأ توظيف من خلال الادعاء بأنه من تنظيم سلطة المقاطعة في رام الله وحركة فتح، بينما يعلم الجميع بأن الجهة القائمة على المهرجان هي سرية رام الله، صاحبة اللون السياسي المعروف يسارياً، ولها تاريخ وطني عريق لا مجال للتشكيك او الطعن فيه. أولاً: على الذين يقفون وراء الحملة الظالمة والجاهلة أن يعرفوا ان الفن والثقافة (الشعر والرسم والرواية والسينما والفن الشعبي والرقص والنحت والأغنية) غذاء الروح، وبدونهما لا يستطيع الإنسان الفلسطيني أن يصمد ويقاوم وأن يحلم بالنصر ويبدع حتى ينتصر فعلاً، وبدون الفن لا يستطيع الإنسان الفلسطيني أن يحافظ على هويته الثقافية والوطنية والدينية في وجه محاولات الاحتلال لطمس هذه الهوية، وتشويهها وتزييفها. هذا الدور قامت به دائماً سرية رام الله ما دفع الاحتلال الى الهجوم عليها، وعلى دورها الوطني والابداعي، حيث تعرض العديد من اعضائها الى الاعتقال الطويل كفاعلين في النضال الوطني. ثانياً: يجب التفريق تماماً ما بين الفن الملتزم والفن الهابط والمبتذل والمنحل، والفن الذي يقدمه مهرجان رام الله ينتمي للفن الراقي الملتزم، وهو جزء من الفن الشعبي الفلسطيني والعالمي الذي يشحذ الهمم ويشيع الأمل والتفاؤل. فعلى سبيل المثال ستقدم فرقة سرية رام الله في المهرجان هذا العام عرضاً بعنوان "الأمواج السبعة"، وهو يحمل الهم الفلسطيني ويجسده عن طريق الفن. إن الفن الرفيع يرفع مستوى الوعي الثقافي والوطني والذائقة الفنية للإنسان الفلسطيني في مواجهة طوفان من الفن الهابط الذي يتسلل الينا في بيوتنا، وإلى أطفالنا وشبابنا بمليون طريقة وطريقة عبر الفضائيات والإنترنت والجوال ووسائل الاتصال الحديثة. مقاومة هذا الطوفان لا تكون بالامتناع عن الفن حتى يصبح الفن الهابط هو الوحيد بالميدان والسيد بلا منازع وانما بتشجيع الثقافة والفن والابداع بكل الاشكال حتى نقدم للإنسان الفلسطيني ما يعزز انتماءه وثقافته ولا يتركه نهباً للآخرين. ثالثاً: إن اقامة مهرجان للرقص المعاصر، وما يعنيه ذلك من قدرة الإنسان الفلسطيني على التسلية والابداع والفرح، لا تعني بأي حال من الاحوال، تجاهل معاناة غزة، والمعاناة الفلسطينية بكل أبعادها وتفاصيلها وفي كل مكان داخل الوطن والشتات، ولكنها تعني ادراكاً واعياً وشمولياً بأن المعركة الفلسطينية مع الاحتلال معركة طويلة، مستمرة منذ أكثر من ستين عاماً، ومرشحة للاستمرار لسنين طويلة قادمة. وهذه المعركة تتطلب حتى نخوضها وننتصر فيها أن نوفر للإنسان الفلسطيني كل احتياجاته المعيشية والفكرية والروحية والفنية، فلا بد أن يكون هناك وقت للفرح ووقت للحزن. فالإنسان الفلسطيني لا يحيا بالوطنية وحدها، وإنما هو بشر مثل بقية البشر، يحب ويكره، يتعلم ويمرض ويشفى، يتسلى ويتألم ويعاني من الملل واليأس، ويبدع بما يؤكد ويعمق إنسانيته وجذوره، وبقدر ما يزيد من قدرته على التحدي والصمود والمقاومة ومن فرصه لتحقيق الانتصار. نعم، الفن الوطني الهادف الملتزم، جزء من مقاومة المحتل، شاء من شاء وأبى من أبى، فبالدم نكتب لفلسطين والشعر الفلسطيني والثقافة الفلسطينية، والفن الفلسطيني من اهم الأسلحة التي نملكها. نعم ان هناك مفارقة كبرى، بل مفارقات كثيرة، تظهر بالفوارق في الظروف المعيشية والاحتياجات والأولويات والمهمات ما بين بقعة وبقعة أخرى من أرض الوطن، وبين جزء وجزء آخر من الشعب، سواء داخل الوطن او خارجه، وهذه المفارقات أحدثها الفصل الذي أسس له الاحتلال ما بين الضفة وغزة، وما بين القدس والضفة، وما بين الشمال والجنوب والوسط في الضفة، وبين أرض 67 وأرض 48 واللاجئين في الشتات، وتقسيم الشعب بين المعتدلين والمتطرفين، وساعد على تعميق هذه المفارقات كثير من أخطائنا وخطايانا التي أوصلتنا الى حد الانقسام السياسي والجغرافي، وإلى انتشار دعاة التكفير والتخوين والهيمنة والتفرد والاقصاء، وتراجع المشروع الوطني وم.ت.ف لصالح السلطة وتقدم المشاريع الجهوية والفردية والعشائرية والعائلية والفصائلية. هذا الواقع لم يسببه مهرجان رام الله للرقص المعاصر، بل ان هذا المهرجان وغيره من النشاطات الثقافية الفنية الابداعية الوطنية والملتزمة هي جزء من عوامل وقوى رفض الاحتلال والتقسيم والتهميش وطمس الثقافة الوطنية. فالمهرجان يجسد الثقافة الوطنية الواحدة والموحدة ويتفاعل مع الثقافات الاخرى ليؤكد ان القضية الفلسطينية قضية انسانية عادلة، وان الشعب الفلسطيني شعب حي جدير بالحياة ويستحق أن يأخذ مكانه اللائق تحت الشمس

 

مشاركة: