الرئيسية » هاني المصري »   12 أيار 2007

| | |
خطة دايتون
هاني المصري

هل تتذكرون "تقرير ميتشل" و"خطة زيني"؟ هذا التقرير وتلك الخطة كانا مطروحين للتداول قبل "خارطة الطريق" التي طرحت في نيسان العام 2003، وكان ميتشل وزيني يحاولان إجراء مقايضة بين وقف المقاومة، والإقلاع عنها نهائياً، وتصفية بنيتها التحتية (أي تحقيق الأمن الإسرائيلي) وبين إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 28 أيلول العام .2000 وركّز ميتشل في تقريره على ضرورة وقف الاستيطان وقفاً تاماً بما في ذلك التكاثر الطبيعي.

وبعد تقرير ميتشل وخطة زيني، جاءت خارطة الطريق، التي هي بالأساس خطة أمنية لها أبعاد سياسية، وتحاول الجمع ما بين الحلول الانتقالية والنهائية، إلا أن حكومة شارون رغم ما تقدم قتلت "خارطة الطريق" وهي في المهد، وذلك من خلال الموافقة الشكلية عليها وتقديم تحفظات ضمنت من خلالها تحويل خارطة الطريق الدولية إلى خارطة طريق إسرائيلية. واستطاعت إسرائيل تحقيق هذا الهدف بفضل التعهد العلني الذي أعطته الإدارة الأميركية لشارون، وذلك عبر إصدار بيان وقعه باول ورايس في فترة رئاسة بوش الأولى، التزمت فيه واشنطن بأنها ستأخذ الملاحظات الإسرائيلية على خارطة الطريق بالحسبان عند التطبيق.

 

ومن أبرز الملاحظات الإسرائيلية على خارطة الطريق ضرورة استبدال التبادلية والتزامن بالتتابع أي يطبق الفلسطينيون أولاً التزاماتهم، خصوصاً فيما يتعلق بمحاربة "الإرهاب" وتصفية بنيته التحتية ثم تنظر إسرائيل فيما بعد في كيفية تنفيذ التزاماتها.

وبعدما تأكد فشل خارطة الطريق، بعد فشل الخطوات أحادية الجانب التي أقدمت عليها إسرائيل، أخذ حتى بلير نفسه، مهندس خارطة الطريق، يقول إنها لا تكفي وحدها ويجب أن ترفق ببعد سياسي والمبادرة الإسبانية - الفرنسية - الإيطالية، التي طرحت منذ عدة أشهر طالبت بتجاوز خارطة الطريق، وكذلك دعت موسكو والأمم المتحدة إلى نفس الهدف.

وعندما بدا أن الأمور تسير نحو توظيف الإدراك المتزايد على مستوى العالم كله لأهمية القضية الفلسطينية، وضرورة الإسراع بحلّها، على أساس أن حلها هو مفتاح حل أزمات ومشاكل المنطقة برمتها، كما جاء في تقرير "بيكر - هاملتون"، من خلال أن حتى مصر والأردن بصورة منفردة، وعبر بيان مشترك صدر عن وزيري خارجية البلدين، طالبتا بضرورة الاتفاق على الأفق السياسي أولاً، حتى نعرف إلى أين نسير.. وأخذ الحديث العربي والدولي يتصاعد، لدرجة التفكير باللجوء الى مجلس الأمن والأمم المتحدة، قبل قمة الرياض وبعدها، لطرح مبادرة السلام العربية على مجلس الأمن.

كل هذا الزخم، تبخّر فجأة، ووجدنا أنفسنا أمام الخطة الأمنية الأميركية، التي قدمها دايتون، والتي هي خطة أمنية تتم فيها مقايضة الأمن بالاقتصاد، على أن يتم ذلك على مراحل.. حتى التهدئة يتم العمل على تثبيتها أولاً في غزة، ثم تنتقل بعد أسبوعين، الى الضفة، تنفيذاً لمطلب أولمرت، الذي رفض الطلب المتكرر للرئيس أبو مازن بتوسيع التهدئة، بحجة ضرورة تحقيق هدوء تام في غزة.. مرّة كان يطالب بهدوء لمدة أسبوعين، ومرّة بهدوء لمدة شهر.. وهو يعرف أن مثل هذا الطلب صعب جداً أن يتحقق، لأنه لا يمكن أن تمنع الشعب الذي تحت الاحتلال والحصار والاغتيال والاستيطان والجدار، والذي يعاني من ارتفاع حاد بمعدل الفقر والبطالة ومن الفوضى الأمنية، من الصراخ، ومن ردود الأفعال الطبيعية على الأعمال العدوانية الاسرائيلية.. وحتى أقدّم تفسيراً لماذا تمخض الجبل فولد فأراً؟ ولماذا انتهت كل التحركات والجولات العربية والأوروبية والدولية والأميركية، خصوصاً جولات رايس، من الحديث عن القرارات التاريخية التي ستغيّر وجه المنطقة، والأفق السياسي، الى الحديث عن إزالة حاجز من هنا، وحاجز من هناك؟

السبب الرئيس لما حدث؛ أن إسرائيل، خصوصاً في عهد أولمرت، وبعد الحرب اللبنانية الأخيرة وتقرير فينوغراد، غير جاهزة، ولا تريد وغير قادرة على اتخاذ أية قرارات جوهرية بخصوص عملية المفاوضات والسلام.. حتى صفقة تبادل الأسرى عجز أولمرت عن إتمامها، وبرّر عجزه بأنه لن يُقدِم على ارتكاب أخطاء ارتكبتها حكومات إسرائيلية سابقة بالإفراج عن معتقلين أياديهم ملطخة بدم اليهود.. حتى التهدئة، لا يريدها أولمرت، لأن تحقيقها يفرض عليه الدخول في مسار سياسي، والمسار السياسي الوحيد المقبول لديه هو قبول الجانب الفلسطيني لكل ما تطرحه إسرائيل.

وعندما اصطدمت رايس بالرفض الإسرائيلي، عادت من جولاتها السابقة بخفّي حنين، واكتفت بالدعوة الى اجتماع دوري بين أولمرت وأبو مازن، وانتهت بطرح خطة دايتون.. وهي خطة تذكرنا بتفاهمات شرم الشيخ وما سبقها ولحقها من محاولات للعودة الى ما قبل 28 أيلول العام 2000, عبر تقسيم هذه العودة إلى عدّة مراحل، بحيث تنسحب القوات الإسرائيلية من أريحا، بعد ذلك من جنين، ثم من الخليل، ثم رام الله، انتهاءً بنابلس.

ولم تطبق الخطة، وعادت القوات الإسرائيلية الى أريحا، بعد أن انسحبت منها، وأخذت تقتحم المدينة كما تشاء، أسوة ببقية المدن والقرى والمخيمات..

وما دفع رايس للرضوخ لأولمرت، أنها تعرف أن الإدارة الأميركية غير موحدة، وهناك رأي قومي داخلها يدعم رأي أولمرت، ويرى أن الظروف غير مناسبة الآن لإحياء المفاوضات، وأن آخر ما يريده بوش هو إغضاب إسرائيل.

إن الفلسطينيين يبدون بلا سياسة، ومستعدون لقبول كل ما يُطرَح عليهم، من شرم الشيخ الى خارطة الطريق الى ميتشل وزيني، وأخيراً دايتون، وكلها خطط أمنية، الواحدة أسوأ من التي سبقتها، وهي خطط يكون أو لا يكون لها بعد سياسي، ولكنه بعدٌ لا يطبق دائماً، فتبقى خططاً أمنية بحتة.. خطورة هذه الخطط جميعها أنها كرست عدم وجود أساس سياسي وقانوني للمفاوضات، يتم الاستناد إليه والاحتكام له.. بل أصبح الأمن الاسرائيلي وحده هو المرجعية..وإذا لم يتم استخلاص الدروس والعِبَر، والعودة الى الأساس السياسي والقانوني، المتمثل بالقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، والمتجسد حالياً بمبادرة السلام العربية، سنجد أنفسنا نصل الى وضع يتفاوض فيه العرب بدلاً من الفلسطينيين، ولعلهم يقبلون بما رفضه الفلسطينيون..

لماذا لقاء وزيري خارجية مصر والأردن مع ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية، للبحث في مبادرة السلام العربية، دون مشاركة فلسطينية؟ وما معنى قبول خطة دايتون؟ إن مَن يقبل أن يهبط الى هذا الدرك، لن يطول الوقت الذي يجدنفسه في وضع يهبط الى البحث عن إزالة حاجز عطارة أو الحمرا أو حوارة، والمقايضة بينها.. المطلوب إنهاء الاحتلال وليس تحسين شروط الاحتلال.. والسياسة الفلسطينية المتبعة لا تنهي الاحتلال ولا تحسن شروطه، ولا تحقق أي شيء إلاّ منح إسرائيل الوقت اللازم لاستكمال خلق الحقائق الاحتلالية على الأرض.

 

مشاركة: