الرئيسية » هاني المصري »   05 أيار 2009

| | |
حكومة جديدة أو مجرد مناورة لتليين موقف حماس
هاني المصري

 

يمكن تشكيل حكومة موسعة أو جديدة في الضفة الغربية، والرد عليها بالمثل في قطاع غزة في ذروة الحوار وعشية الجولة الخامسة، والادعاء في نفس الوقت أن الحوار سيستمر وكأن شيئا لم يكن.

إن الإقدام على هذه الخطوة، قبل استنفاد الحوار يمثل ضربة قوية للحوار، وربما تنذر بانهياره الكامل، لأنها إشارة الى نفاد صبر أو يأس أو محاولة لقطع الطريق على الحوار أو مناورة للضغط على "حماس" لدفعها الى تليين موقفها بالحوار من أجل إنجاحه.

 

الحجج والذرائع التي تساق لتبرير الإقدام على هذه الخطوة كثيرة ووجيهة، ولكنها غير كافية ولا تصمد أمام المناقشة. أهم حجة يتم تقديمها هي أن الحكومة الحالية استقالت، ولا يمكن السماح بحدوث فراغ دستوري. نعم الحكومة مستقيلة ولكن منذ تحولها من حكومة طوارئ الى حكومة تسيير أعمال، ولذلك سميت حكومة تسيير أعمال أي أنها مؤقتة، أي أنها كذلك منذ ولادتها، فضلا عن أنها لم تحظ بثقة المجلس التشريعي، وهذا يشكل ثغرة كبيرة تمس بشرعيتها، من هنا يمكن أن تستمر حكومة تسيير الأعمال لمدة أسبوعين أو حتى شهرين دون أن تخرب الدنيا.

حجة أخرى يتم تقديمها هي أن الحكومة الحالية ضعيفة والوزير الواحد فيها يتسلم أكثر من حقيبة وزارية وبعض الوزراء يتسلم ثلاث وزارات، كما أنها لا تضم ممثلين عن فصائل م.ت.ف، وعلى رأسها حركة فتح، ما فتح الباب لتوتر العلاقات بين الحكومة وأوساط عديدة في حركة فتح، إن ما مكن "فتح" من الانتظار أكثر من 22 شهراً يجعلها قادرة على تحمل فترة أخرى كرمال عيون احتمال تحقيق الوحدة الوطنية.

حجة ثالثة تفيد بأن إعادة اعمار قطاع غزة، غير ممكنة دون أن تكون هناك حكومة قوية مدعومة من أكبر عدد ممكن من الفصائل ومن الشعب، حتى يتشجع المجتمع الدولي والدول العربية على تقديم المساعدات المقررة والمطلوبة.

إن تشكيل حكومة لا تحظى بقبول السلطة القائمة في غزة لا يساعد على حل مشكلة الإعمار.

والحجة الأخيرة أن الرئيس ابو مازن بحاجة الى الذهاب للقائه الأول مع الرئيس الأميركي باراك اوباما وهو مسلح بحكومة قوية مدعومة فصائليا وسياسيا وشعبيا، خصوصا أن هذا اللقاء له أهمية حاسمة سينقل فيه أبو مازن الشروط الفلسطينية لاستئناف المفاوضات. إن حكومة أقوى في ظل الانقسام لن تحدث فرقا حاسما عن حكومة أضعف منها قليلا أو كثيرا. فحكومة وفاق وطني وحدها هي التي تحدث الفرق النوعي.

لا نذيع سرا إذا قلنا، إن هناك أوساطا سياسية في السلطة والمنظمة كذلك في حركة حماس، لا تريد حوارا ولا مصالحة، لأن تحقيقها يمس بالمصالح والنفوذ الذي حققته في ظل الانقسام ومن المتعذر الحفاظ عليه إذا عادت الوحدة. وبالتالي هذه الأوساط تعمل على توتير الأجواء دائما من خلال تشديد الشروط والمواقف وشن حملات التحريض الإعلامي، والمضي في الاعتداءات والاعتقالات المستمرة في الضفة والقطاع، ومن خلال إطالة الحوار وجعله حوارا من أجل الحوار، والإقدام على خطوات انقسامية مثل تشكيل حكومة قبل انهيار الحوار من أجل الضغط على الحوار وقطع الطريق عليه ومنعه من الوصول الى الاتفاق الوطني المنشود.

إن وجود مثل هذه الأوساط لا يمنع ولا يحجب رؤية أوساط أخرى تريد الوحدة وتعرف أن الانقسام مدمر، وسيفا مسلطا على رقبة القضية الفلسطينية سيؤدي الى قطعها إذا لم يتم إخماده بإنجاح الحوار وبأسرع وقت ممكن.

كما أن الحديث عن تشكيل حكومة موسعة أو جديدة يمكن أن يكون مجرد مناورة للضغط على "حماس" لدفعها لتليين موقفها، في محاولة للاستفادة من أزمة "حماس" المتفاقمة والناجمة عن تراجع تأثير مفاعيل صمود غزة في الحرب الأخيرة، وتعليق صفقة تبادل الأسرى حتى إشعار آخر، وما كان يمكن أن يؤدي إليه تطبيقها من تقوية لـ"حماس". لقد أخذت الصفقة المتبخرة معها التهدئة ورفع الحصار وإعادة الاعمار والمصالحة بعد أن ربطت حكومة نتنياهو كل هذه الملفات بإطلاق سراح جلعاد شاليت. كما أن أزمة خلية حزب الله في مصر أرخت بظلالها على العلاقة المصرية ــ الحمساوية، وكذلك كان للسعي المتبادل لإيران وسورية والولايات المتحدة الأميركية لفتح صفحة جديدة دور في إيجاد حالة من القلق في المنطقة، خشية من أن تأتي أي صفقة أميركية ــ إيرانية على حساب شعوب وبلدان المنطقة، بشكل عام، وعلى حساب القضية الفلسطينية بشكل خاص. إن التوصل الى صفقة أميركية مع إيران وأخرى مع سورية يمكن أن يؤدي الى أولا: اعتراف أميركي بدور إيران في المنطقة مقابل تخليها عن برنامجها النووي أو تجميده، وهذا مزعج للعرب لدرجة أن بعضهم مستعد للانفتاح على حكومة نتنياهو التي تلتقي معهم على وضع الخطر الإيراني على رأس جدول الأعمال، والى ثانيا: اعتراف أميركي بدور سوري أكبر في المنطقة.

إن فكرة تشكيل حكومة جديدة يمكن أن تكون ليست مناورة وإنما محاولة للاستعداد لتوظيف المتغيرات الحاصلة والمحتملة لصالح فريق فلسطيني ضد آخر، خصوصا بعد أن بات واضحا أن الإدارة الأميركية ليست بوارد إجراء تغيير سريع وجوهري على السياسة الأميركية إزاء "حماس"، وإزاء الاعتراف والتعامل مع حكومة وفاق وطني فلسطينية تشارك بها "حماس".

في كل الأحوال إن الإقدام على هذه الخطوة سيعطي إشارة الى فشل الحوار وستتحمل الجهة التي تقدم عليها المسؤولية عن ذلك، وتجعل أقصى ما يمكن أن يصل إليه الحوار هو التعايش مع حالة الانقسام عبر التنسيق بين الحكومتين في الضفة والقطاع انتظارا لما هو آت.

إن الوقت يمضي، وعجلة التاريخ لا تتوقف، واستحقاق 25/1/2010 يقترب، وإذا أزف دون حدوث الاتفاق الوطني على رزمة متكاملة من ضمنها الانتخابات، فهذا سيوجه ضربة قوية وربما قاصمة للشرعية الفلسطينية. فبعد تعليق المقاومة التي أعطت الشرعية للمنظمة وفصائلها، ولـ"حماس" فيما بعد، لا يبقى سوى شرعية صناديق الاقتراع بعد أن تم وقف المقاومة أو تعليقها تحت دعاوى مختلفة منها ما يتعلق بالمفاوضات، ومنها ما يتعلق بالتهدئة من أجل التقاط الانفاس، وتثبيت سلطتين هشتين تتنافسان تحت الاحتلال. إذا انتهى التفويض الذي منحه الشعب للرئيس والمجلس التشريعي بحلول الموعد الدستوري لذلك في بداية العام القادم، ستصبح السلطة أضعف ومنقوصة الشرعية في أدنى تقدير.

يخطئ من يعتقد أن الانتخابات يمكن أن تعقد دون اتفاق وطني متكامل. فدون الاتفاق على الأهداف الوطنية المشتركة وكيفية تحقيقها وأشكال النضال والعمل السياسي، وعلى قواعد اللعبة السياسية الديمقراطية، كيف يمكن إجراء انتخابات حرة ونزيهة في ظل الانقسام، ومع وجود سلطتين متنازعتين واحدة في الضفة الغربية والأخرى في قطاع غزة.

إن عدم الاتفاق يعني استمرار الانقسام، وهذا يؤدي الى عدم إمكانية إجراء انتخابات واحدة، وهذا يفتح الطريق لاحتمال تحول الانقسام الى انفصال دائم وما يتضمنه ذلك من إمكانية لإجراء انتخابات منفصلة في الضفة وأخرى في قطاع غزة.

لذلك لا مفر من وضع كل الجهود والطاقات من أجل إنجاح الحوار فالبديل عن الاتفاق الوطني والوحدة يمثل في أحسن الأحوال قفزة في المجهول!!

 

مشاركة: