الرئيسية » هاني المصري »   05 أيار 2011

| | |
حق العودة في مواجهة يهودية إسرائيل
هاني المصري

 

على الرغم من طرح الحكومة الإسرائيلية في عهد أولمرت في تشرين ثاني 2007 في مؤتمر أنابوليس ضرورة الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، أو كدولة للشعب اليهودي، نلحظ مفارقة مدهشة ظهرت واضحة بشكل جليّ مع حلول الذكرى الثالثة والستين لنكبة فلسطين، وهي أن حق العودة لم يكن بهذه القوة والاتساع، ربما منذ تأسيس إسرائيل.

فعندما جاءت حكومة نتنياهو إلى سدة الحكم في إسرائيل، رفعت هذا الموقف أحيانًا إلى مستوى الشرط المسبق لاستئناف المفاوضات، ودائمًا وضعته شرطًا لا غنى عنه في أي اتفاق سلام، بحيث أصبح من الثوابت الإسرائيلية، التي عليها شبه إجماع، إن لم أقل إجماعًا كاملًا.

فلم تعد إسرائيل تكتفي بمطالبة الفلسطينيين بالتنازل عن حق العودة كشرط للاعتراف بدولة فلسطينية، وإنما أصبحت تطالبهم بالاعتراف بها كدولة يهودية، أو دولة للشعب اليهودي، وأخذت تحصل على موافقة دول العالم الغربي على هذا الطلب.

 

فبعد الولايات المتحدة الأميركية، اعترفت كل من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا بيهودية إسرائيل، وأصبح هذا الأمر الخطير جدًا يتحول ويتسلل إلى أجندة أي لقاءات إسرائيلية مع أي طرف آخر، وإلى اللقاءات التي تهتم بالصراع الفسطيني الإسرائيلي، لدرجة أن هناك من القيادة الفلسطينية من صرح: "إنه لا يعنينا ماذا ستسمي إسرائيل نفسها"، وكأن المسألة مسأالة تسمية، وليست محاولة إسرائيلية جديدة لتصفية القضية الفلسطينية، التي هي في جوهرها قضية لاجئين وحقهم في العودة.

وقبل أن نقف أمام انعكاسات الطرح الإسرائيلي على الفلسطينيين ومدى تمسكهم بحق العودة، لا بد من الإشارة إلى أن الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل كدولة يهودية، أو دولة للشعب اليهودي، مثله مثل الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود؛ يكون بمثابة صهينة للفلسطينيين، أي يحولهم إلى صهاينة. فالحركة الصهيونية قامت على مقولة: "حق الشعب اليهودي في كل أنحاء العالم في إقامة دولة يهودية على أرض الميعاد"، وعلى إنهاء حق أصحاب البلاد الأصليين في البقاء على أرضهم؛ بتشريدهم إلى مختلف أصقاع الكرة الأرضية.

فعندما يعترف الفلسطيني بحق إسرائيل في الوجود، وأنها دولة يهودية أو دولة للشعب اليهودي، فهو بذلك يتبنى الرواية الصهيونية للصراع، وبعد أن يفعل ذلك يُسقط بنفسه حقوقه: بتقرير المصير، وحق العودة والتعويض، ومحاسبة إسرائيل على ما ارتكبته من جرائم وما ألحقته بالفلسطينيين من أضرار مادية ومعنوية لا حصر لها، منذ بدء الغزوة الصهيونية أواخر القرن ما قبل الماضي وحتى الآن.

وبعد أن يرتكب الفلسطيني هذه الجريمة يُسقط حقه ليس بعودة اللاجئين إلى ديارهم فحسب، هذا الحق الذي أقرّه القانون الدولي والمواثيق والقرارات الدولية، وإنما يجعل ظهر فلسطينيي 1948 مكشوفًا ومعرّضًا لتنفيذ مخططات التهجير "الطوعي" والقسري، التي لم تغادر أذهان وبرامج الكثير من القادة الإسرائيليين وأحزابهم.

لقد طرح أولمرت على الرئيس أبو مازن في أحد اللقاءات بينهما عام 2008، إقرار مبدأ تبادل السكان مقابل تبادل الأراضي؛ حتى تتمكن إسرائيل من التخلص من نسبة كبيرة من فلسطينيي 1948، الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، لأن بقاءهم في وطنهم يطرح سؤالًا حول حقيقة دولة إسرائيل بوصفها دولة يهودية أو دولة للشعب اليهودي.

ما سبق يعني أن طرد الفلسطينيين باتفاق على طاولة المفاوضات، أو عبر جعل حياتهم جحيمًا لا يُطاق، أو بالقوة؛ ليست فكرة موجودة في عقول القادة الإسرائيليين الهامشيين الأكثر تطرفًا وعنصريةً فقط، وإنما معشعشة في عقول القادة الذين يقودون أحزابًا مركزيةً في إسرائيل.

لقد رفض الرئيس أبو مازن مبدأ تبادل السكّان، لأنه يدرك خطورته على القضية الفلسطينية والموقف الفلسطيني التفاوضي، ويشكل سابقة ستستخدم لاحقًا بطرد جميع الفلسطينيين من إسرائيل، حتى تصبح دولة نقية لا يقيم فيها، أو لا يحصل على الجنسية الإسرائيلية، سوى اليهود وأحفادهم إلى يوم القيامة.

في الوقت الذي وصل فيه التطرف الإسرائيلي إلى الذروة في ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية، وخصوصًا فيما يتعلق برفض حق العودة والتمسك بشرط الاعتراف بيهودية الدولة، التي تعتبر أكثر تطرفًا منذ تأسيس إسرائيل؛ نجد أن تمسك الشعب الفلسطيني بحق اللاجئين في العودة وصل إلى الذروة.

ففي هذا العام نجد أن إحياء ذكرى النكبة يتم بشكل أوسع من أي عام مضى، كما يظهر من خلال المظاهرات المليونية التي يجري الاستعداد لتنظيمها في فلسطين والبلدان المحيطة، وغيرها من البلدان العربية والأجنبية، لدرجة أنّ هناك زخمًا كبيرًا لتنظيم انتفاضة شعبية ثالثة بمناسبة الخامس عشر من أيار.

فالمتابع لوسائل الإعلام والنشاطات والمؤتمرات التي جرت والجاري الإعداد لها، والمتجول على الفيسبوك وتويتر وصفحات الإنترنت وفي شوارع المدن الفلسطينية يجدان اليافطات، التي تؤكد على حق العودة والتمسك بحل القضية الفلسطينية حلًا عادلًا؛ منتشرةً في كل مكان.

يأتي هذا الزخم والالتفاف الواسع حول حق العودة، جرّاء فشل المفاوضات وما يسمى بـ"عملية السلام"، حيث أدى ذلك إلى انحسار الوهم بإمكانية المقايضة ما بين الدولة الفلسطينية على أراضي 1967، وبين حق العودة، حيث تبين أن مثل هذه المقايضة ليست جائرة فقط، وإنما تتنازل عن حق أساسي من الحقوق الوطنية الفلسطينية، دون أن تساعد على تحقيق حق آخر وهو دحر الاحتلال وإقامة الدولة.

فثبت خلال مسيرة المفاوضات ما قبل وبعد اتفاق أوسلو: إن إسرائيل لا تريد أن تصفي قضية اللاجئين وخصوصًا حق العودة فقط، مقابل منح الفلسطينيين دولة ، وإنما تريد أن تصفي القضية الفلسطينية من مختلف جوانبها، فالتنازل عن حق العودة تمثل بالموافقة على حل متفق عليه لقضية اللاجئين كما جاء في المبادرة العربية، أوعودة رمزية أو في إطار لم الشمل لأسباب إنسانية، أو الاكتفاء بالمطالبة بالاعتراف بالمسؤولية التاريخية والقانونية والسياسية عن تشريد اللاجئين، والاكتفاء بالتعويض أو بعودة من يريد العودة إلى الدولة الفلسطينية، أو بقاء اللاجئين في البلدان التي هُجّروا إليها، أو اختيار بلد لجوء جديد؛ كل ما سبق لا يساعد على تحقيق إقامة الدولة، وإنما فتح شهية إسرائيل التوسعية والعداونية والعنصرية للمطالبة بتقديم تنازلات فلسطينية وعربية أخرى.

كما يأتي هذا الزخم الذي تشهده قضية اللاجئين كنتيجة مباشرة وسريعة للربيع العربي الذي أعاد الروح العربية، وفتح الطريق لإمساك الشعوب العربية بزمام أمورها بنفسها، وعندما تكون الشعوب العربية حرة وتقيم أنظمة ديمقراطية، لا بد من أن توفر للفلسطينيين دعمًا أكبر، وتلهمهم وتجعلهم أكثر عزمًا وتصميمًا على تحقيق أهدافهم.

إن الشعب الفلسطيني واحد، وقضيته واحدة، ويجب التمسك بوحدة الشعب والأرض والقضية، وعدم الانجرار وراء المخططات الإسرائيلية التي فصلت الشعب عن قضيته وأرضه، وقسّمت الشعب إلى شعوب، والأرض إلى أجزاء: أ، ب، ج، وإلى أرض 1948، وأرض 1967، والضفة وغزة، والقدس، والحبل على الجرار.

بدون التمسك بوحدة القضية وترابط جوانبها المختلفة، لا يمكن تحقيق أي حق، وإنما التنازل عن الحقوق مجتمعة أو أي حق منفردًا يجعل الطريق ممهدة لتصفية القضية الفلسطينية بالمفرق وبالجملة، كما أن أي فصل ما بين الأرض والشعب والقضية يحرم الفلسطينيين من أدوات وأوراق القوة والضغط، الكفيلة وحدها بتحقيق أهدافهم المتمثلة: بحقهم بتقرير مصيرهم بأنفسهم، ودحر الاحتلال، وتحقيق الحرية، والعودة، والاستقلال؟

 

مشاركة: