الرئيسية » مهند عبد الحميد »   04 تشرين الثاني 2015

| | |
لماذا لا تنخرط القطاعات الشعبية في الهبة ؟
مهند عبد الحميد

مضى شهر على الهبة، وقد احدثت بعض التغيير في اكثر من مجال. تغيير اسرائيلي نحو الاسوأ وبخاصة في المستوى السياسي (الحكومة) الذي أمعن في عقوبات من طبيعة عنصرية انتقامية عززت من القتل الميداني بمجرد الشبهة، ما أدى الى تكرار قتل يهود اسرائيليين، والى بث حالة من الذعر المتبادل. ما تزال حكومة نتنياهو تعتقد انه بمزيد من القمع الدموي العنيف للشبان والشابات، وبمزيد من التنكيل والعقوبات الجماعية - كهدم المنازل وسحب التأمين والهويات ومضاعفة الغرامات والخنق وبإطلاق يد المستوطنين الفاشيين -  تستطيع أن تستعيد السيطرة وتحكم قبضتها الامنية. لكن سياسة التصعيد قادت الى مزيد من الاحتدام. وتلازم القمع الدموي الذي حصد 72 شهيدا وشهيدة بتخبط سياسي سرعان ما يرتد على الحكومة الاسرائيلية. فما ان تورط  نتنياهو في تبرئة هتلر من المحرقة، حتى انكشف عدم التزامه بالحفاظ على الوضع  القائم في الحرم القدسي في ما أسمي "تفاهمات كيري".، فلم تمض بضعة  ايام قبل ان يدخل الاصوليون اليهود الحرم القدسي بحراسة جيش الاحتلال، فضلا عن منعه لمؤسسة الاوقاف من نصب الكاميرات. كما فشلت الاتفاقات السابقة، سيفشل الاتفاق الاخير. ذلك ان كل الاتفاقات مبنية على خداع اسرائيلي يقول أن الصلاة للمسلمين فقط  والزيارة لغير المسلمين،  قافزا عن حقيقة أن اليهود الذين يزورون الحرم هم من جماعة "أمناء الهيكل والذين يدورون في فلكهم، وهؤلاء يأتون للصلاة  ولتقاسم المكان ويملكون مخططا معلنا لبناء الهيكل.هذا الوضع الذي دشنه شارون بدأ منذ العام 2000 ويتعهد نتنياهو بالحفاظ عليه ما هو إلا إمعان في سياسة تقاسم المكان. التحول الاسرائيلي الابرز يتبدى في صعود الصهيونية الدينية التي تخوض المعركة الان من موقعها الجديد في المؤسسات كالاحزاب ومنظمات الاستيطان والكنيست والحكومة والجيش والمؤسسة الامنية. مقابل تقهقر الصهيونية العلمانية  او اليسار الصهيوني الذي انحسر وافلس مشروعه السياسي  باغتيال رابين. وقد جاءت محاولته للاعتراض على سياسة نتنياهو في مناسبة  إحياء الذكرى ال20 للاغتيال كمن ينفخ في قربة مقطوعة، بعد أن تحول شلله وعجزه السياسي الى  حالة مزمنه. فلم يستطع الافادة من حماقات  الحكومة ولا من التغير في مواقف وأمزجة الاسرائيليين في إطلاق مبادرة سياسية. الان وبعد شهر واحد من الهبة أيد اكثر من نصف الاسرائيليين في آخر استطلاع للرأي العام، التخلص من كل الاحياء العربية في مدينة القدس –اكثر من ربع مليون مواطن – في إشارة الى الاخفاق الاسرائيلي في ضم المدينة العربية. والان وبعد شهر واحد من الهبة قال 55% من الاسرائيليين ان الاستيطان هو عقبة امام الاتفاق مع الفلسطينيين. إذا ما أضيف الموقفين السابقين الى تهديد نتنياهو بسحب هويات اكثر من 100 الف فلسطيني مقدسي، والى تشوش علاقات حكومة نتنياهو مع الادارة الامريكية و العديد من الحكومات الصديقة لاسرائيل. المشكلة كما نرى، لا يوجد معارضة اسرائيلية تستطيع طرح بديل لعدمية نتنياهو وسياسات التحالف اليميني المدمرة. لا يوجد معارضة تجرؤ على وضع قضية الاحتلال على طاولة البحث. لا يوجد قوى إسرائيلية واضحة لها مصلحة حقيقية في إزالة الاحتلال. وهذا يقودنا الى ما يمكن ان يفعله نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال  على الجبهة الاسرائيلية الداخلية.  اي عندما يتحول الاحتلال الى  مشروع خاسر. وعندما يتم استقطاب حلفاء يمارسون الضغوط ويعاقبون ويعزلون دولة الاحتلال  ويجعلون مشروع الاحتلال اكثر خسارة. حينذاك تبدأ المعارضة بالتشكل. استحضر هذا الاستنتاج البديهي الذي توصلت اليه الانتفاضة الشعبية الاولى،  لانه يطرح أهمية الهبة الشبابية الحالية، ويطرح أهمية تطويرها بالانتقال من العفوية والاندفاع الثورى الشبيبي، الى انتفاض شعبي منظم. كانت تجربة 21 سنة مفاوضات، اكثر من كافية وأكثر من مقنعة بفشل وعقم وخطورة مسار سياسي تتحكم به دولة الاحتلال وحليفتها الولايات المتحدة. وكان شهرا واحدا  من الهبة الشبيبية كافيا لاقناع السواد الاعظم من الناس انه يوجد "بديل" أو مسار آخر بديل لمسار أوسلو. وحتى يكون البديل حقيقيا، فلا بد ان يعبر عن مصلحة السواد الاعظم من الشعب، وأن يسير الى الامام بمشاركة منظمة من السواد. لقد احدث الشبان الشجعان البداية والفرق، قاموا بدور تاريخي إذا جاز القول.  ولكن إذا لم يستكمل ويطور ويعمق فلن يأتي أكله. والسؤال من يطور هذه البداية؟  يقول البعض من المخلصين : القوى السياسية عاجزة، ونحن نكرر الاخطاء منذ ثورة 36 وحتى اليوم،لأننا لم ننقد الاخطاء الكبيرة والصغيرة. وها نحن لم نملك استراتيجية ولا اهداف الان كما في السابق. ثمة وجاهة في كل هذا النقد. ولكن لماذا لا نحاول مرة تلو المرة تصويب الاخطاء ؟  سيما اثناء حالة التوترات التي يكون الاستعداد للتغيير اوفر حظا من حالة الهدوء. لماذا لا نتقدم بأفكار ومبادرات قد تساعد وتغير ؟ إذا انطلقنا من حقيقة أن هدف الخلاص من الاحتلال من خلال المسار الشعبي البديل لمسار المفاوضات، لن يتحقق بمعزل عن تغيرات في الواقع الفلسطيني وفي تحالفات الشعب الفلسطيني، وبمعزل عن تغيرات اسرائيلية. هذه المعادلة المركبة تحتاج الى نضال منظم طويل يخضع لحساب الربح والخسارة وحالة ميزان القوى السياسي والجماهيري والاقتصادي والمعنوي،  والتفوق الاخلاقي. وبهذا المعنى فإن الهبة بوضعها الحالي وما لم تنتقل الى طور جديد فإنها غير مؤهلة لاحداث التغيير.  وفي هذا الصدد لا يكفي رؤية عجز التنظيمات الساسية  والمنظمات والاتحادات الشعبية ومراوحتها في المكان. السؤال لماذا لم تستفز – حتى الان-  فئات وقطاعات شعبية واجتماعية وتبدي استعدادها للتمرد العفوي على الوضع الراهن ؟  ما زالت الفئة المتمردة  والمستفزة تقتصر على شبيبة ما بعد اوسلو فقط . في الوقت الذي تستدعي فيه المصلحة الوطنية العليا اشتراك ومشاركة القطاعات الشعبية قاطبة. دعونا نتخيل خروج عشرات الالاف الى مراكز المدن ونقاط التماس مع مراكز الاحتلال والاستيطان  بشعارات ومطالب موحدة. اسبوع يرفع شعار  إخراج المستوطنين من الاحياء العربية في القدس والخليل . اسبوع يرفع شعار محاكمة كل المتهمين بارتكاب جرائم حرب، واسبوع يرفع شعار مقاطعة دولة الاحتلال اقتصاديا وثقافيا وسياسيا، واسبوع يطالب الحماية الدولية، واسبوع لاستعادة الاراضي المصادرة والمياه المسروقة، واسبوع لازالة جدار الفصل العنصري. وكل الفعاليات ترتبط بالشعار المركزي  وهو انهاء   الاحتلال. لم نفعل ذلك ونكتفي بالتغني ببطولة الشبان، نتركهم بلا سند ودعم ولا حماية. إذا كانت القطاعات الشعبية لم تأت بسبب الاحباط وعدم الثقة بإمكانية تحقيق شيء، فلماذا لا نحاول تبديد شكوكها وتقديم انشطة " قوة مثال " جاذبة. Mohanned_t@yahoo.com

مشاركة: