تلقيت مجموعة من الرسائل، التي تعقِّب على مقالتي بعنوان: «مؤسسة محمود درويش: بين الثقافة والسلطة السياسية»؛ أستضيف بعضها، مع الاختصار، ضمن «مساحة للحوار».
أدان معظم المعقبين/ات، طريقة التعيين والإقالة دون سند قانوني، وتحدَّث البعض عن أهمية فتح ملف الاحتكام إلى اللوائح القانونية في عمل المؤسسات، وتساءل آخرون عن سبب قبول أعضاء المجلس بالتعيين، بناء على مرسوم رئاسي!
ونبَّهت واحدة من الرسائل إلى أن مؤسسات الدولة؛ عادة ما تضطلع بالشأن الوطني العام، الذي يحظى بتوافق وطني، وأن مثل هذه المؤسسات يفترض أن يكون تأسيسها بقرار صادر عن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.
وتساءلت رسالة أخرى عن السبب الذي منع أعضاء مجلس الأمناء من إنجاز نظام أساسي يحدد فترة عضوية مجلس الأمناء.
*****
«ما حدث مع مؤسسة «محمود درويش»؛ يفترض أن يؤسِّس لإطار قانوني ينظِّم عمل المؤسسات المماثلة؛ إذ هي مؤسَّسات دولة/ ليست مؤسسات حكومية، وعادة ما تضطلع هذه المؤسسات بالشأن الوطني العام، الذي يحظى بتوافق وطني؛ ما يفترض أن يخرجها من دائرة أي تجاذبات، مثل: مركز الأبحاث الفلسطيني، والجهاز المركزي للإحصاء، ومؤسسة ياسر عرفات. مثل هذه المؤسسات يفترض أن يكون تأسيسها بقرار صادر من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وفي الدول عادة، يتمّ تأسيسها بقرارات من البرلمانات.
في فلسطين؛ كان كثيراً ما يتمّ الاستسهال باستصدار مرسوم رئاسي، دون أن يستتبع بتسوية الوضع القانوني الناظم لعمل المؤسسات؛ ما يحوِّل مجلس الأمناء التأسيسي إلى مجلس دائم، ولا تزول العضوية إلاّ للأسباب التي ذكرتِها في مقالتك. وبرأيي أن هذا غير سليم قانونياً؛ لأنه يحوِّل العضوية في مجالس الأمناء لما يشبه الوظائف الحكومية الدائمة.
لا أخصّ «مؤسسة درويش»، ولا مجلس أمنائها، الذي أكنّ لأعضائه كل التقدير والاحترام؛ لكنني أحاول تسليط الضوء على إشكالية مؤسسات وطنية مهمة، أظهرها بالصدفة الخلاف الراهن بين الرئيس ورئيس مجلس الأمناء.
الوضع الفلسطيني مأزوم، ولا يحتمل المزيد، والحراك الشبابي لا يزال وحيداً في التصدي لجرائم جيش الاحتلال والمستوطنين، والشعب محبط من قياداته ونخبه، وللمثقفين عادة دور طليعي في استنهاض الشعب وتبصيره.
إشكالية معظم المؤسسات الفلسطينية أن القوانين الناظمة لها لم تتمّ صياغتها كما يجري في الدول الديمقراطية، التي تفرِّق بين الدولة والنظام، ما يضمن استقرار مؤسسات الدولة.
حالنا كحال معظم الدول العربية، التي يتماثل فيها النظام مع الوطن مع الدولة مع الحاكم، وعند أية أزمة فإن الخطر يعصف بالجميع.
وعليه؛ فإن تحصين المؤسسات بالنظام والقانون الواضح، بمعنى تحييدها عن تجاذبات السياسة ذات الطبيعة المتغيرة، أي منع الاستقواء عليها كما الاستقواء بها؛ هو السبيل الوحيد لاستقرارها والإبقاء عليها فوق أي اختلاف».
د. غانية ملحيس/ الأردن
*****
«أعتقد أن المقالة تعبِّر عن جوهر الموضوع بكل موضوعية، وبعيداً عن التجاذبات المختلفة. ما يستدعي فعلاً المناقشة؛ العلاقة بين الثقافة والسياسة، وبين الثقافة والسلطة السياسية.
هناك أسئلة كثيرة مرتبطة بالموضوع: أنا مثلاً مع وجهة نظر تقول: لماذا قبلتم التعيين بمرسوم رئاسي وطوال 8 سنوات أنجزتم نظاما أساسيا لم يحدد فترة عضوية مجلس الأمناء. هل يعني ذلك أنكم أعطيتم لأنفسكم الحق بالبقاء طوال الحياة أعضاء في المجلس؟!
وهل هذا العمل يؤثر سلباً أم إيجاباً على الثقافة والمؤسسات الثقافية؟ أم إنه يعيد إنتاج نفس الثقافة التي تعطي الحق للسلطة السياسية بالتدخل في كل الشؤون ومنها الثقافية؟».
نبيل دويكات/ فلسطين
*****
«فعلاً، التراجع عن القرار غير المتوافق مع النظام الأساسي؛ سيرفع أسهم الرئيس؛ لا سيما في أعين من استشاطوا غضباً من هذا التدخل الفوقي غير الديمقراطي، والذي اتخذ صبغة تصفية حسابات شخصية».
هانية البيطار/ القدس
*****
«لا شك أن الإقالة والتعيين اللاحق؛ أمران مخالفان ليس للقوانين النافذة فحسب؛ وإنما للمنطق والأنظمة الداخلية، ومخالفان للأعراف والقيم المرعيَّة المعمول بها في الحالة الفلسطينية الوطنية التعددية، القائمة منذ حوالى القرن.
مخالفات من رأس الهرم وقمة الهيكل، ولأسباب ذاتية. يتمّ هذا في ظل التشدّق بدولة القانون، وهي تخرق يومياً، دون أن تقول النخبة كلمتها، فتعمّ النزعات القبلية، وفكر العشائر، وتضيع القيم والمبادئ، وتشوَّه الأهداف».
محمود خليفة/ عصيرة القبلية/ فلسطين
*****
«الموضوع مهم على المستوى الوطني العام، لأن الفكر القبلي والشخصاني نشكو منه منذ عقود، والأنا في العمل العام هي أحد أهم مشاكلنا. فاللوائح والقوانين لا يتم اتِّباعها إن وجدت؛ إلاّ إن خدمت هذا أو ذاك، والحقيقة أنها أحد أهم مشاكلنا الاجتماعية، وهي غياب المأسسة، وعدم وجود الفكر الاجتماعي بعد، لتغليب مصلحة الجماعة على المصالح الخاصة. أقترح لأهمية هذا الموضوع التوعية بمفردات العمل العام المبني على ثقافة اللوائح والقوانين، ولك التقدير لإثارتك الموضوع بالغ الأهمية».
سهام أبو غزالة/ فلسطين
*****
أعتقد أنه يجب إعادة الاعتبار إلى دور أعضاء مجلس أمناء مؤسسات الدولة، ومنظمات المجتمع المدني. ولن يتمّ ذلك سوى بتحصين هذه المؤسسات بلوائح قانونية، تحدِّد واجباتها بدقة ووضوح، كهيئات تشريعية وتخطيطية ورقابية، لا مجرد مواقع شكلية فخرية، كما يجري في العديد من المؤسسات.
بالنسبة للَّوائح القانونية الخاصة بمؤسسة محمود درويش؛ هناك النظام الأساسي، الذي يتضمن مدة العضوية: ثلاث سنوات قابلة للتجديد. وتاريخ صدور مرسوم المصادقة على أسماء الأعضاء كان شهر نيسان 2015؛ أي أنه لم يمض عام بعد على عضوية أعضاء المجلس الحالي.
ورغم إيماني بضرورة تطوير اللوائح الداخلية للمؤسسة، وللمؤسسات الثقافية جميعها، وتحييدها عن تجاذبات السياسة؛ إلاّ أني أعتقد أنه لا يجوز تحت أية ذريعة انتهاك النظام الأساسي الذي يحكم عمل المؤسسة. هناك نص صريح يحدِّد أسباب زوال العضوية عن أي عضو من أعضاء المجلس، وهي لا تنطبق على الأعضاء الذين تمت إقالتهم (ضمناً، ودون إخطار).
وإذا كان الصمت لغة؛ يصبح السكوت عمّا يحدث من انتهاك للقوانين تواطؤاً ومشاركة في خرق القوانين؛ إذا كنا نؤمن بدولة المؤسسات ودولة القانون. Faihaab@gmail.com