الرئيسية » الأخبار »   18 كانون الثاني 2013

| | |
مؤتمر "مسارات" يناقش مستقبل القضية الفلسطينية في ظل واقع التجزئة

 

في اليوم الأول لمؤتمر "مسارات" السنوي الثاني

أطروحاتٌ مثيرةٌ للجدل وحديثٌ عن انهيار حل الدولتين ونهاية الجغرافيات الفلسطينية

 

كتب يوسف الشايب:

ناقشت الدراسات التي قدمها عدد من الباحثين والأكاديميين، في اليوم الأول من المؤتمر الثاني للمركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات)، اليوم، محاور عدة تتعلق بعنوان المؤتمر الرئيس "التجمعات الفلسطينية وتمثلاتها ومستقبل القضية الفلسطينية".

وقال د. ممدوح العكر، رئيس مجلس أمناء مركز "مسارات": المؤتمر جاء حصيلة جهد مميز لنخبة من الكتاب والأكاديميين والباحثين الفلسطينيين، حيث استطاع مسارات أن يشكل حلقة وصل ما بين الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، على طريق إيجاد نوع من التشبيك العضوي بينها، لافتاً إلى أن "التصدي لواقع التجزئة بصيغها المختلفة باتجاه إيجاد طرائق للحيلولة نحو مزيد من تكريس هذا الواقع.

وأضاف العكر في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر: شددنا على أن تكون الأبحاث المشاركة ليست أكاديمية بالمفهوم النمطي للأكاديميا، على أهميتها، بل بحوثاً ودراساتٍ تؤثر في السياسات القائمة، باتجاه الخيارات والبدائل والسيناريوهات، وصياغة رأي عام واع، وبالتالي التأثير على آلية صنع القرار، وليس على صناع القرار، خاصة أن واقع التجزئة جغرافياً، وسياسياً، واجتماعياً، يتهدد الوضع الفلسطيني، لذا لابد من استعادة وحدة التمثيل، ووحدة المشروع الوطني الجمعي، خاصة بعد كل التشظي والانقسام كنتاج مباشر لاتفاقات أوسلو وتداعياتها، والتي توازي نكبة فلسطين، وربما أكثر.

من جانبه استعرض هاني المصري، المدير العام لمركز "مسارات"، أهداف وإنجازات المركز، وأبرزها إضافة إلى المؤتمر السنوي، ونشر الكتب والدراسات والأوراق البحثية، المشاركة في عديد المشاريع الحيوية من بينها مشروع تكوين رؤية فلسطينية تتعلق بالشباب، ومشروع دعم وتطوير مسار المصالحة الوطنية، الذي لا يتأتى في إطار الوساطة أو الحوار الرسمي، بل يسعى إلى الوصول إلى رؤية جديدة للتعامل مع القضية باتجاه إزالة العقبات والعراقيل أمام إنهاء الانقسام وإنجاز المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية، لافتاً إلى أن المركز وصل إلى مستويات مهمة، حيث تم نقاش إعادة بناء منظمة التحرير، وإعادة بناء المشروع الوطني، وجدوى الميثاق الوطني الجديد، والاتحادات والنقابات، والقطاع الأمني، وذلك بمساعدة جهاز المخابرات المصري، وبالتنسيق مع الرئيس ومكتبه ومع المكتب السياسي لحركة حماس وعدد من قادة الفصائل الفلسطينية، حتى إن المركز خرج بمشروع قانون للشرطة.

وأضاف المصري: خاطرنا كثيراً في هذا المؤتمر، سواء على مستوى التحضير عبر تشكيل لجنة للتحضير من خارج المؤسسة، على مستوى مناقشة قضايا حساسية تتعلق بالتجمعات الفلسطينية التي لا تعاني فقط من انقسام سياسي وجغرافي في الضفة وغزة فحسب، بل تمايزاً لكل تجمعات الشعب الفلسطيني، وهذا نابع من غياب المشروع الوطني الموحد، وتراجع دور منظمة التحرير، وبالتالي بات لابد من إعادة المشروع الوطني الموحد وتشكيل قيادة موحدة وممثلة للكل الفلسطيني.

 

مداخلة تأسيسية

وقدم د. شفيق الغبرا، الكاتب وأستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، مداخلة تأسيسية بعنوان "التحديات أمام الهوية الفلسطينية"، أشار فيها إلى أن الهوية الفلسطينية واحدة من أكثر الهويات المثيرة للتفاعل كونها نمت عبر الضدية المباشرة مع الصهيونية، لافتاً إلى أنها تعايشت مع خطوط التماس، وولدت من فوهة التحديات على الأرض، وتعرضت لاهتزازات لم تتعرض لها غيرها من الهويات، فمنذ النكبة توزعت الهوية الفلسطينية على عدة أمكنة، حيث وجدت نفسها في أماكن، وعانت من التهميش والإقصاء في أماكن أخرى، ومرت ككل الهويات بمراحل جمود وتجدد، وسط تعرض لا متناهي للقساوة والفتك.

 

وأضاف الغبرا: اليوم، وبسبب تكثف الصراعات على الأرض، وبسبب اليقظة الربيعية الجديدة، وتكاثر الأسئلة الوجودية، والخوف على مستقبلها، وبالتالي باتت الهوية الفلسطينية تحمل حملاً ثقيلاً يفرض عليها إعادة تعريف مكانتها.

وتابع الغبرا: الهوية تتناثر وتضعف عندما تبعد عن جذورها، وبالتالي قوتها ترتبط بمدى مقدرتها للتحصن بحصنها التاريخي وروايتها الأولى، فهي ورغم كونها قائمة منذ أزمان قديمة، إلا أن ولادتها الحديثة كانت ما بعد النكبة، وهي حتى اللحظة لم تصل إلى مبتغاها القائم على فكرة العودة إلى الجذور، وبالتالي لابد من وسائل مبتكرة لتحقيق هذا المبتغى.

وخلص الغبرا إلى أن "دولة دون مقومات ستتحول إلى عبء على الهوية، خاصة مع استمرار الاستيطان وتغوله، فالهوية الفلسطينية في يافا وحيفا وعكا كما هي في القدس ونابلس والخليل وبلعين .. لا تطور للهوية دون فتح متنفس للتنوع بين مكوناتها، وهذا يتوجب تقبل الرأي الآخر، كما لا تطور للهوية دون منهج ثابت للحقوق المدنية والديمقراطية، خاصة في زمن التحولات الكبرى في الوطن .. وعليه، يجب إعادة قراءة التجربة برمتها، واستلهام تجارب كجنوب أفريقيا وغيرها، مع إدراك أن المقاومة بأشكالها المختلفة تساهم في تعزيز الهوية".

 

الهوية الوطنية

واستعرض خليل شاهين مدير البحوث في مركز "مسارات"، في الجلسة الأولى للمؤتمر،  التي أدارها د. مجدي المالكي عضو الهيئة التدريسية في دائرة علم الاجتماع والإنسان في جامعة بيرزيت، ملخصاً لورقة أعدها د. فؤاد المغربي أستاذ العلوم السياسية في جامعة تينيسي الأميركية، تحت عنوان "ملاحظات حول الهوية الفلسطينية".

ولفت شاهين إلى أن ورقة المغربي تنطلق من فرضية أساسية تقوم على ضرورة إعادة النظر إلى موضوع الهوية الفلسطينية بصورة أشمل تعيد تعريفها، وتعريف القضية، والصراع القائم على الأرض، لافتاً إلى أن "الهوية الفلسطينية لم تأت كردة فعل على تقدم المشروع الصهيوني الاستيطاني الكولنيالي بل هي هوية أصيلة، عبر عنها مجتمع نابض بالحياة ما قبل الدولة العبرية، وقدم استعراضات تاريخية لذلك، وهي لطالما عبرت عن وجود الشعب الفلسطيني، مدللاً باستمرار علاقات الترابط بين الفلسطينيين، واستمراره في الدفاع عن حقه بتجسيد حقوقه التاريخية على أرض فلسطين.

وترى ورقة المغربي أن طبيعة الصراع القائم على الأرض الفلسطينية لا تحتمل إمكانية وجود تسويات، وعليه لابد من إعادة النظر في طبيعة الصراع والأدوات المستخدمة وأشكال الكفاح، ومن ضمنها الكفاح المسلح، لافتاً إلى اختلاف موازين القوى، والدعم الأميركي لإسرائيل، والذي بدأ يثير جدلاً في أميركا، ولكن لابد من الاستفادة الفلسطينية من الربيع العربي، خاصة أن النظام العربي السابق كرس النظام الإسرائيلي، وضرورة أن يكون هناك مشروع وطني جمعي يتمسك بالحقوق ومبدأ المساواة، مع إمكانية الاستفادة من الحركات الاجتماعية والشبابية والفنية، مشدداً على ضررورة إعادة النظر في المنظومة التعليمية ودور الممثليات والسفارات الفلسطينية في الخارج، وقدم مقترحات لذلك، مع التشديد على ضرورة استعادة الوحدة، ليس على قاعدة إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية فحسب، بل انتخابات للمجلس الوطني باتجاه تفعيل دور المنظمة.

وعقب د. خالد الحروب، أستاذ الدراسات الشرق أوسطية في جامعة نورث ويسترن في الدوحة، على ورقة المغربي بالقول: المثير للجدل في ورقة د. المغربي حديثه لموضوع الوطنية، رغم توافقنا على فشل أوسلو، لكن هذا الحديث وهذه التوجهات يعني أن نكون شعب دون دولة، وهناك في العالم الكثير من الشعوب دون دول، وهي أكثر من الدول .. هذا لا يلغي أن يكون لنا هوية، لكنها لن تكون هوية وطنية، بل هوية فلكلورية نضالية، وليست وطنية.

وأضاف الحروب: الدولة مكون أساسي للتعريف بالمواطنة مهما كانت الدولة "سخيفة"، لكن إذا استبدلنا فكرة الدولة بالهوية النضالية، تزيد من التخوفات بتحولنا إلى جماعة سكانية بشرية دون دولة، مؤكدا على أن الدولة الفلسطينية لا يمكن أن تضيع، مع أنها قد تكون قابلة للذوبان في ظل الهوية العربية والإسلامية، خاصة في الأقطار التي تعيش تحت ظل هذه الهوية، ويتواجد فيها الكثير من الفلسطينيين.

وتساءل الحروب عما إذا كان طرح الدولة الواحدة حل واقعي أم عاطفي هروبي .. وقال: قد توفر هذه الفكرة حالة من ارتياح الضمير، لكنها في الوقت ذاته تعطي مساحة زمنية إضافية للاحتلال، وهي فكرة مثالية لا تتفاعل مع ما يحدث على الأرض .. "على أرض الواقع نحن غير قادرين على وقع الاستيطان فيما يعرف بمنطقة (E1)".

 

الهوية الاجتماعية

وقدم د. أباهر السقا رئيس دائرة علم الاجتماع وعلم الإنسان في جامعة بيرزيت، في الجلسة الثانية، التي ترأسها سعد عبد الهادي مدير عام مؤسسة الناشر للدعاية والإعلان والعلاقات العامة، ورقة بعنوان "الهوية الاجتماعية الفلسطينية: تمثلاتها المتشظية وتداخلاتها المتعددة".

وقال السقا: مع تراجع شرعية المؤسسات الوطنية فى ظل أزمة  "المشروع الوطني" الذى تقوده السلطة والذي لا يتناسب مع المشروع الوطني الفلسطيني الجمعي المتمثل بحق العودة قد يدفع بالناس للتوكيد على هويات أخرى فرعية، حيث أن الفكرة الوطنية نفسها تم اختزالها في  الخطاب السياسي الرسمي فى الهوية الجغرافية مقابل الهوية التاريخية .. وعلى عكس منظمة التحرير الفلسطينية التى اعتبرت فاعلا أساسيا فى صياغة الخطاب الوطني الهوياتي ما بعد النكبة؛ ولعبت ثقافة النضال دورها في صهر عناصر المجتمع الفلسطيني .. قامت السلطة الفلسطينية بإخراج ملايين الفلسطينيين من عملية التمثل الهوياتى، وعليه يمكن اعتبار أوسلو حدثا قطيعيا وشرخا هائلا فى الهوية الفلسطينية بين تصورات الأجيال عن فلسطين كمركز وتهميش لفلسطيني الشتات وفلسطيني 1948، لصالح بعض أجزاء من الشتات، وتحديدا مع مجموعات صغيرة جلها من رجال الأعمال، حيث أن المشاريع والوثائق المختلفة الرسمية وشبه الرسمية التي تبعت اتفاق أوسلو والتي تتصوّر عودة اللاجئين إلى أراضي السّلطة الفلسطينية، التي تود السّلطة الفلسطينيّة إقامة دولة عليها وهي الضّفة الغربية وقطاع غزّة و"القدس الشرقيّة"، وإسقاط حق عودة للاجئين إلى قراهم ومدنهم الأصليّة، على اعتبار أنّها "مناطق إسرائيلية"، وأن ما يمكن تحصيله في ميزان القوى هو عودتهم إلى مناطق السّلطة الفلسطينيّة وليس إلى "إسرائيل"، لأنّ ثمة إجماع إسرائيلي برفض عودة اللاجئين.

 

وأضاف: يرافق ذلك مبادرات متجددة عن حق التّعويض والتّوطين ودمج اللاجئين في مشاريع اقتصاديّة في البلدان المضيفة وبلدان أخرى على استعداد لاستقبال لاجئين... هذا الموقف فى الخطاب السياسى الجديد له تأثير على مستوى طموحات اللاجئين وعلاقتهم بهذه المؤسّسات التي تدير مشروعهم الوطن .. "ولا نعتقد أن ثمة خصوصيّة فلسطينيّة استثنائيّة، ونعتقد أنّ هذه الماججات سيكون لها تأثير على هويّة الأفراد باعتبارهم مشكلين لنفس الفضاء الوطن".

 

وتابع: يشعر الفلسطينيون اليوم بوجود غياب لمؤسسات وطنية جامعة، وغياب لبرنامج وطني، وبل لغياب هوية وطنية جامعة. . وقد شوه الخطاب الفلسطيني الرسمي الواقع الاستعماري من خلال تشويه للذات الفلسطينة وتشويه علاقة الأجيال الجديدة لفلسطين، وبدات تظهر استخدامات "الجانب الآخر"، و"الطرف الآخر"، عند الحديث عن الاستعمار )الاحتلال)، علاوة على التشوه المتجذر لتوصيف الاستعمار وعنونته بالاحتلال وتعبيرات من "رفح إلى جنين"، وتشويه خارطة فلسطين في المناهج الفلسطينة وفى وسائل الإعلام.

 

وعقب د. باسم الزبيدي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، على ورقة السقا، قائلاً: التشظي في الهوية بدأ مع بدايات منظمة التحرير كبنية ومفهوم، وتفاقمم في العام 1974 عندما أصبحت فلسطين كجغرافيا مختلفة عما كان سائداً في التراث الجمعي، وتواصل الأمر إلى اتفاق أوسلو، والذي ساهم بمزيد من التشظي حول ما تعنيه فلسطين .. السلطة هي التجسيد الفيزيائي لهذا التشظي طول ستين عاماً، فهي جاءت على جزء من فلسطين، وبدأت بالقبول بتشظية المتشظي حين تواجدت أولاً في أريحا وغزة، ومن ثم قبولها بنظام اقتصر على السيادة فوق مناطق (أ) بخصوصيات مختلفة للضفة وغزة، ونسيان شبه كامل للقدس، مع ظهور ثقافة تقوم على التشظي، وصلت إلى تسمية المؤسسات الرسمية بأسماء من يترأسونها.

 

وأضاف الزبيدي: هناك تياران غير متصالحين يتمحوران هو ما تحت وما فوق فلسطين التاريخية، وهما تيار منظمة التحرير وتيار الإسلام السياسي، والخلافات المتفاقمة بينهما ستساهم في مرحلة أخرى من التشظي، وهنا مكمن الخطر الكامن.

 

 

الهوية الثقافية

 

وفي الجلسة الثالثة التي ترأسها د. حسام زملط الديبلوماسي والأكاديمي الفلسطيني، قدم د. عبد الرحيم الشيخ أستاذ الفلسفة والدراسات الثقافية والعربية في جامعة بيرزيت، ورقة بعنوان "الهوية الثقافية الفلسطينية .. المثال والتمثيل والتماثل".

 

وتقارب هذه الورقة الهوية الثقافية الفلسطينية بأطروحة مؤدَّاها أن نكبة العام 1948 كانت "العلَّة الأولى والأخيرة للهوية": مثالاً)في الفكر والسياسة(، وتمثيلاً (في التاريخ والممارسة(، وتماثلاً (في المآلات والحلول)، ولتدشين هذه المقولة، تستند الورقة إلى أربعة أقسام أساسية، بالإضافة إلى المفتتح والمنتهى.

وتخلص خاتمة الورقة (الدراسة)، إلى نتيجة مؤدَّاها أنه بالرغم من القدرة "الطبيعية" لحركة التحرر الوطني متمثلة في منظمة التحرير الفلسطينية على تخليق وعي وطني جمعي بالهوية الثقافية الفلسطينية وبلورتها، إلا إنه حين تراجعت المنظمة عن وظيفتها التاريخية، وهي التحرير، تولت الأجسام البديلة والمبادرات الثقافية في الجغرافيات الفلسطينية المختلفة مهمة مواصلة بلورة الهوية الفلسطينية ضمن خطاطة "ميثاقية" في غالبها؛ وبقيت النكبةُ الحدثَ المركزي حتى في الاحتفاليات والتظاهرات الثقافية البعيدة عن ذكراها، والنص الأم المولِّد في تاريخ الهوية الثقافية الفلسطينية المعاصرة، حيث استعصت النكبة، التي حكمت مآلات الهوية كما حكمت بداياتها، على التلاشي، والتذرير، والانقسام، وكيد الهوية الصهيونية النقيضة.

 

وخلص الشيخ  إلى أن منظمة التحرير الفلسطينية لا تزال قابلة لأن تكون رافعة البرنامج الوطني الثقافي، وإن فشلت في أن تكون رافعته السياسية.

 

وعقب الكاتب حسن خضر، رئيس تحرير مجلة الكرمل على ورقة الشيخ، بالقول: من الأشياء المفيدة في ورقة عبد الرحيم الشيخ حديثه عن الثقافة باعتبارها فعلاً سياسياً، مع ضرورة الإدراك بأن ثمة ثقافات فلسطينية، هي: الثقافة العالِمة، والثقافية الشعبية، والثقافة الجماهيرية، وهذه الثقافات تتفاعل وتتجادل فيما بينها.

 

وأضاف خضر: بالتأكيد النكبة حدث مؤسس بكونه حدثاً موحداً، وصحيح أن الهويات تصنع، لكنها متحركة، فلا وجود لهويات ثابتة متعالية فوق الزمان والمكان، فهي توجد وتموت، خاتماً حديثه المكثف بتوصية إلى الجامعات بالعمل على استحداث أقسام للدراسات الفلسطينية، على مستوى درجة البكالوريوس، والدراسات العليا أيضاً.

 

 

المشروع الصهيوني والتجزئة

 

وقدم د. نديم روحانا، في الجلسة الرابعة ورقة مثيرة للجدل بعنوان "ملاحظات حول الصراع مع الصهيونية: ماذا يريد الفلسطينيون؟" .. وقال: ليس صحيحاً أننا لا نختلف على الهدف، ولكن نختلف على الوسائل، بل الهدف غير واضخ، فلو كان لدينا أن نقرر كيف ندير الصراع مع الصهاينة، هل ندرك ما الذي نريده .. لا أعتقد أننا نريد دولتين، بل دولة واحدة، وهنا لا بديل من التفكير بمصير الإسرائيليين في هذه الدولة".

 

وأضاف روحانا في الجلسة، التي أدارتها هنيدة غانم، المدير العام للمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار): برنامج الدولتين برأيي هروب من التعامل مع الإسرائيلي في دولة واحدة قد نسيطر عليها، وهذا ما يدفعني للقول بأن أهدافنا غير واضحة، لافتاً إلى أن جابوتنسكي قال في عشرينيات القرن الماضي بأنه "من غير الممكن أن يوافق عرب فلسطين على تحويل فلسطين من بلد عربي إلى بلد ذي أغلبية يهودية، وشدد أنه لا يمكن القبول بذلك إلا عند تعميم الجدار الحديدي، ليدركوا حينها أنه ليس هناك أماكن أخرى أو حلول أخرى غير تلك التي نقدمها لهم، وحينها نتفاوض على مسائل عملية"، وهذا ما عاد وكرره الليكودي موشيه يعلون، قبل أيام.

 

وتابع روحانا: الإسرائيليون تعاملوا معنا من داخل المنظومة الكولونيالية، ونحن تعاملنا وكأن الأمر صراع قوميات .. الخطاب السياسي الفلسطيني عزف عن مفهوم المحاربة الكولونيالية .. إذا أردنا العودة إلى مشروع وطني فلسطيني علينا النضال ضد الكولونيالية على نموذج جنوب أفريقيا، خاصة أن خطاب انهيار الدولتين اخترق دوائر صنع القرار في العالم، والتي باتت تفكر في مرحلة ما بعد انهيار حل الدولتين.

 

وشدد روحانا على أن المشروع الوطني الفلسطيني هو مشروع الشعب الفلسطيني، ولا يجب أن نخشى من عملية التشظي في الهوية، ولكن المشروع يجب أن يشمل الشعب الإسرائيلي، فلا عودة ولا تحرير دون أن نقول مجاهرة بأن بناء دولة جديدة على أنقاض الكولونيالية والصهيونية، وأن يكون الإسرائيلي شريك في وطن مشترك .. ليس بالضرورة أن نقبل بهوية ونبقى لاحئين، أو أن نقبل بدولة في الضفة والقطاع فحسب .. ليس هناك اليوم إمكانية لمشروع وطني شامل، وهوية شاملة بالقفز عن الشعب الإسرائيلي، وهذا بالتأكيد مع رفضنا للصهيونية، ومع التفكير في عرض بديل إنساني للإسرائيلي كي يعيش معنا في وطننا، ووسائل النضال للدخول في مشروع كهذا لن تنجح دون شركاء إسرائيليين، ولا يتم دون مؤازرة العرب والعالم، بعيداً عن المشاريع المرحلية التي "ورطتنا"، فلا يمكن للكولونيالي القبول بمشروع مرحلي، وما أطرحه ليس مشروعا مرحليا ولا مشروعا تكتيكيا، لذا لابد من التفكير في مشروع يتحقق على أنقاض الكولونيالية والصهيونية، وكيفية التعايش مع الشعب الآخر.

 

وعقب د. رائف زريق، الباحث والمحاضر في مجال النظرية السياسية على ورقة روحانا بالقول: إحدى ميزات ورقة روحانا أنها تنتج حالة من الفنتازيا، وهو أمر مهم في ظل انسداد الآفاق في الوقت الحالي .. لديّ تعاطف فكري مع ما طرح في الورقة، ولكن ثمة هواجس تستدعي التفكير حول معنى المشروع الوطني الموحد، وإن كان الشعب الفلسطيني شعب واحد، فلكل تجمع فلسطيني موقعه المختلف، وبالتالي تختلف المصالح وحسابات الربح والخسارة.

 

وشدد زريق بأنه لا يجب إغفال موازين القوى، والحديث بأن التاريخ الفلسطيني سلسلة من المواقف الخاطئة، "وبالتالي علينا البحث عن مواطن القوة، وقد يكون ذلك في تحويل نموذج الصراع، مشدداً على أن النضال يجب أن يكون من أجل ضمان عيش الناس بكرامة وحرية وسعادة، وليس من أجل مبادئ من قبيل هزيمة الأيديولوجية الصهيونية، مشدداً على أن النتائج أهم من طبيعة الصراع إن كان صراعاً قومياً، أو صراعاً ضد الكولونيالية.

 

 

واقع التجزئة والتنمية في الضفة

 

في الجلسة الخامسة التي أدارها سام بحور، مستشار تطوير الأعمال في شركة (AIM)، قدمت د. سامية بطمة، مديرة معهد دراسات التنمية في جامعة بيرزيت، ورقة بعنوان "خطاب التنمية الفلسطيني وإستراتيجيات التغيير في الضفة الغربية".

 

وتأتي الورقة كإسهام في إعادة قراءة الخطاب التنموي الفلسطيني فيما يتعلق بالضفة الغربية بهدف تعزيز الخيارات التنموية القادرة على توثيق علاقة الضفة الغربية بقطاع غزة وسائر التجمعات الفلسطينية في إطار المشروع الوطني الجمعي، وضمن هذا السياق، ستتطرق الورقة لأثر التشكيلات الاقتصادية القائمة في الضفة الغربية من حيث طبيعة البنية الاقتصادية والقطاعات الإنتاجية والخدمية على تكريس علاقة التبعية والإخضاع لآليات السيطرة التي ينتجها النظام الاستعماري الاستيطاني، كما تناولت الورقة باختصار بعض السياسات الاقتصادية والاجتماعية الممكنة في مواجهة آليات تكريس التبعية، والارتباط في ظل نظام السيطرة الاستعماري وبضمنها السياسات الاقتصادية الأقدر على تقليص علاقة التبعية مع إسرائيل وتقليص الفجوات بين "كانتونات" الضفة، وبينها وبين قطاع غزة، وطبيعة العلاقات الاقتصادية الممكنة مع المؤسسات الفلسطينية والشتات الفلسطيني.

 

وقالت: ازدادت مؤخرا مطالبات الفلسطينيين بإعادة النظر في نمط التنمية المهيمن في الضفة الغربية، والذي يترافق مع عملية سلام أوسلو، والذي ركز على إبقاء هذه العملية على قيد الحياة أطول فترة ممكنة .. نمط التنمية السائد حالياً في الضفة الغربية، والذي تتبناه كل من السلطة الوطنية الفلسطينية والمانحين، يتعامل مع الاحتلال بوصفه عاملاً خارجياً، أو عاملاً ثابتاً إلى حد كبير بافتراض أنه لا يمكن التحكم به أو السيطرة عليه، وبالتالي يجب قبول وجوده والتحرك تنموياً ضمن الحيز والمساحة التي يسمح بهما، وضمن هذا الحيز المتاح للفلسطينيين تحت السقف الاستعماري، فإن المفاهيم والسياسات التنموية المطبقة على أرض الواقع تفترض مرحلة ما بعد الاستعمار، وتلتزم بالنموذج النيوليبرالي للتنمية.

 

وعقب الباحث في العلوم الاقتصادية، د. نصر عبد الكريم على الورقة بالقول: الحديث في الورقة عن نموذج للتنمية الفلسطينية، أمر غير دقيق، فلا نموذج للتنمية في ظل فقدان السيطرة على السياسات الاقتصادية، وبالتالي لا يمكن محاكمة نموذج فلسطيني للتنمية، والحكومة حين تحدثت، ومنذ العام 2007، عن نموذج للتنمية ظلمت نفسها، فما لدينا ليس سوى إدارية للاقتصاد، وبشكل مجزوء ويقوم على ردات الفعل.

 

وأضاف عبد الكريم: السياسة المالية قد تكون على النموذج الليبرالي الجديد فيما يتعلق بجبي الضرائب، حيث التركيز على الشرائح الفقيرة، ولكن الإنفاق يسير وفق النموذج الديقراطي الاجتماعي أو الاشتراكي، مطالبا بمراجعة نموذج الليبرالية الجديدة في الاقتصاد مراجعة فكرية بنيوية لا من حيث الافتراض بأن فشل تطبيقه يعود لأننا تحت الاحتلال.

 

 

واقع التجزئة والتنمية في غزة

 

واستعرضت ورقة د. سمير أبو مدللة، عميد كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية في جامعة الأزهر بغزة، في الجلسة السادسة، "آثار الحصار والانقسام والتكوين الاقتصادي والاجتماعي لقطاع غزة على المشروع الوطني الجمعي الفلسطيني".

 

والورقة، التي استعرضها رئيس الجلسة الأستاذ الجامعي في جامعة بيرزيت د. نضال صبري، تتحدث عن تجارة الأنفاق بشكل موسع، وعن الاقتراح الذي قدمته الحكومة المقالة في غزة للسلطات المصرية بإقامة منطقة تجارة حرة أو منطقة غير جمركية، إضافة إلى تفصيل لمصادر دخل سكان القطاع، حيث إن الغالبية منهم تعتمد على الوظيفة العمومية، وتتقاضى رواتب من الحكومة الفلسطينية برئاسة د. سلام فياض، تليها تلك النسبة التي تعتمد على الوظيفة العمومية وتتقاضى رواتبها من الحكومة المقالة برئاسة إسماعيل هنية، والفئة الثالثة تعتمد على رواتب "الأونروا"، وفي المرتبة الأخيرة يأتي القطاع الخاص.

 

وعقب د. يوسف عبد الحق، المحاضر الجامعي في الاقتصاد التنموي على الورقة بالقول: المعلومات التي وردت في ورقة د. أبو مدللة كافية، لكنها في ظني لم تلامس منهجية وفلسفة المؤتمر، كما أنها لم تتحدث عن فترة حكم السلطة لقطاع غزة قبل الانقسام، فيما لم يربط بين الفئات المختلفة، وتأثيرات الانقسام وغيره على الانتماء للمشروع الوطني، وما إذا كان الفقراء وتجار الحرب والأنفاق متساوون في مدى اقترابهم أو ابتعادهم عن المشروع الوطني، كما أغفل دور الاحتلال في تعزيز الانقسام.

 

 

نهاية الجغرافيات الفلسطينية

 

وحملت الورقة التي قدمها د. يوسف رفيق جبارين، أستاذ الدراسات الحضرية وتخطيط المدن في حيفا، وحملت عنوان "إنجازات التخطيط الإسرائيلي ونهاية الجغرافيات الفلسطينية"، معلومات قيمة وغاية في الخطورة، ومدعمة بالأرقام والرسومات التوضيحية، تتعلق بالسطو الإسرائيلي الممنهج على الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 1948.

 

وقال جبارين، في الجلسة الأخيرة لليوم الأول لمؤتمر "مسارات" الثاني، التي أدارها د. عبد الكريم البرغوثي، مدير معهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية: التخطيط في إسرائيل أسهم إلى حد كبير في بناء الدولة والأمة من جهة، وفي تقرير مصير، ليس فقط، المستقبل الجيوبوليتيكي والديمغرافي الإسرائيلي، وإنما أيضا في وضع المقدمات الجيوبوليتيكية للنزاع الفلسطيني- الإسرائيلي على امتداد البلاد. وتهدف هذه الورقة إلى عرض أهم المخططات القطرية في إسرائيل وتحليل إنجازات التخطيط القومي في إسرائيل وإسقاطاته المركزية على الفلسطينيين عامة، ومواطنو دولة إسرائيل خاصة.

 

ويحلل جبارين في ورقته كيف أن التخطيط القومي هو الذي يحدد التوزيع الإثني- المكاني للفلسطينيين واليهود في إسرائيل، ويتعرف على مساهمات وإنجازات التخطيط القومي في تحديد شكل الدولةالعبرية ومستقبلها الجيوبوليتيكي، كاشفا عن أن التخطيط القومي والمناطقي العام في إسرائيل، ينتج أجندة جيوبوليتيكية متماسكة في شأن بناء الأمة اليهودية منذ أن تمت هزيمة واقتلاع الأمة الفلسطينية التي تحولت من أغلبية في البلاد إلى أقلية مهزومة بعد حرب العام 1948، لافتاً إلى أن إسرائيل التي كانت عشية إعلان دولتها تملك 5.6% من أراضيها، باتت اليوم تملك 5.97% ما بين أراض مملوكة للدولة (93%)، وأراض خاصة لليهود (5.4%)، بينما لم يعد يملك العرب إلا 5.2% فقط، أي 500 ألف دونم فقط، مع الأخذ بعين الاعتبار الصراع على مليون دونم في النقب، لافتاً إلى أن إسرائيل أقامت 1500 بلدة يهودية على أنقاض البلدات والقرى الفلسطينية المهجرة، وإلى أن خطاب التخطيط القومي في إسرائيل متجانس منذ ما يزيد عن 100 عام، مع تغيير بعض المفردات أحياناً، وفق مقتضيات المرحلة.

 

وأكد جبارين: تأسست إسرائيل بيد اليهود لكي تكون الوطن القومي للشعب اليهودي. وهذا الدور لا ينعكس فقط في الهوية الجماعية الرسمية للدولة، وإنما كذلك في بنيتها المؤسسية، وتوزيعها للمصادر والسياسات المكانية وتقرير الأولويات القومية.. التخطيط في إسرائيل هو تخطيط إثنوقراطي، وهو نوع من النظم التي تسهل وتعزز عملية التوسع والسيطرة على أرض متنازع عليها، ويتم ذلك من خلال جهاز الدولة عبر تجييش جميع الموارد القانونية والاقتصادية والعسكرية.

 

وعقب د. مهند مصطفى، الباحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) على الورقة بالقول: جبارين في ورقته قدم صورة دقيقة للسياسات الإسرائيلي ضد فلسطيني 48 وفلسطينيي 67 إن جاز التعبير، ومن يتتبع التخطيط المحكم يجد أننا نتعامل مع مشروع سياسي كولونيالي محكم جداً لا يكتفي بسياسات استعمارية تقليدية، بل يستعين بجهاز للتخطيط يعمل حتى اللحظة، وبشكل متواصل لتكريس المشروع الكولونيالي الصهيوني.

 

وأضاف مصطفى: السياسة الإسرائيلية تقوم على تكريس ما يمكن تسميته بالسيادة اليهودية، وهي تختلف عن السيادة الإسرائيلية، والورقة تناولت عاملاً واحداً من بين عوامل تكريسها، وهو السيطرة على الحيز والاستيطان فيه، لكن هناك عوامل أخرى من بينها إعادة إنتاج ذاكرة الحيز من جديد، عبر تغيير المسميات، وإعادة إنتاج ذاكرة جديدة للحيز وهويته، ومؤخراً الحديث عن الفصل بين الحيز الذي يشغله فلسطينيي الداخل والحيز الذي يشغله اليهود، إما عبر جدران كما يحصل في اللد والرملة، أو عبر فصل تام ما بين الحيزين، وهي مقاربة جديدة لمفهوم السيادة اليهودية، ويندرج في إطاره سياسات استعمارية ضد فلسطينيي الداخل تتخذ العديد من الأشكال العنصرية.

 

من الجدير بالذكر أن المؤتمر الثاني للمركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات)، ينتظم على يومين، تحت رعاية شركة اتحاد المقاولين (CCC)، والوطنية موبايل، ومؤسسة الناشر للدعاية والإعلان والعلاقات العامة، وباديكو القابضة، والسيد أكرم عبد اللطيف.

 

(انتهى)

 

مرفق صور: من جلسات مؤتمر "مسارات" الثاني في يومه الأول.   (عدسة: عرين ريناوي)

مشاركة: