الرئيسية » تحليل سياسات » أحمد جميل عزم »   29 كانون الثاني 2013

| | |
المُصَالَحَةُ الوَطَنِيَّةُ بَعْدَ التَّطَوُّرَاتِ الأَخِيْرَة
أحمد جميل عزم

 

عمّت الأجواء الإيجابيّة الضفة الغربيّة وقطاع غزة بعد الانتصار على العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، والانتصار الديبلوماسي على الولايات المتحدة الأميركيّة وإسرائيل والحصول على دولة مراقب في الأمم المتحدة؛ وأدى ذلك إلى انفراج في العلاقات الداخليّة من خلال تراجع التراشق الإعلامي وإطلاق سراح معتقلين والسماح النسبي بحريّة العمل السياسي التنظيمي، كما ظهر بتنظيم "حماس" لعدة مهرجانات إحياءً لذكرى انطلاقتها في الضفة، وتنظيم "فتح" لمهرجان الانطلاقة في غزة، وصولًا إلى عقد الاجتماع الأخير في القاهرة بين الرئيس "أبو مازن" وخالد مشعل، بحضور وفدين من "فتح" و"حماس"، الذي اتُفق فيه على تطبيق اتفاق المصالحة، وعَقْد اجتماع في هذا الأسبوع بينهما، يتبعه اجتماع تحضره بقيّة الفصائل للبحث في كيفيّة وضع الجداول الزمنيّة، على أن يعقد اجتماع لجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير في أوائل شهر شباط المقبل.

قبل عرض السيناريوهات المتوقعة في الأسابيع والأشهر القادمة بما يخص ملف المصالحة، لا بد من الإشارة إلى أن هذا الملف توقف لأسباب معلنة، وأخرى مخفيّة، ولا بد من التوقف أمامها لمعرفة الآفاق التي تنتظر المصالحة.

بالنسبة للأسباب المعلنة، فإن "حماس" قامت في أوائل تموز الماضي بوقف عمليّة تسجيل الناخبين في قطاع غزة، بحجة أن لجنة الانتخابات منحازة، وأنها لم تقم بفتح باب التسجيل في الضفة، وأن "حماس" تتعرض للقمع في الضفة، ما يجعل الأجواء ليست مهيأة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة. كما طالبت "حماس" بأن يبدأ "أبو مازن" بتشكيل حكومة الوفاق الوطني المتفق عليها في اتفاق القاهرة و"إعلان الدوحة"، على أن تقوم الحكومة بعد تشكيلها بتسجيل الناخبين وغيرها من المهمات المحددة والمنصوص عليها في اتفاق القاهرة.

وإذا نظرنا بحياديّة ووفقًا للمعلن، فإن المسألة قابلة للحل، سواء إذا تم تسجيل الناخبين أولًا، أو إذا تم تشكيل الحكومة أولا. كما يمكن حلها من خلال الاتفاق على تسجيل الناخبين وتشكيل الحكومة بشكل متزامن ومتوازٍ.

ولكن إذا نظرنا إلى ما وراء المواقف المعلنة، سنجد أن "فتح" تريد من خلال إعطاء الأولويّة لتسجيل الناخبين تجاهلت الملفات الأخرى، لأنها تعتبر أن الانتخابات مفتاح المصالحة الوطنيّة، ولا تريد أن تشكل الحكومة إلا في آخر لحظة ولمدة قصيرة، حتى لا تكون حكومة دائمة وتتحمل المسؤوليات كافة عن كل ما يجري في الضفة الغربيّة وقطاع غزة، وتغرق في بحر من المشاكل والتعقيدات الناجمة عن الانقسام لها أول وليس  لها آخر.

فـ"فتح" لا تريد مشاركة "حماس" في المنظمة، التي حصلت على أغلبيّة المقاعد في الانتخابات الأخيرة، ما يعطيها الحق في المشاركة بحصة تزيد أو تساوي على الأقل حصة "فتح". كما أن مشاركة "حماس" من دون اعترافها بشروط اللجنة الرباعيّة يمكن أن تؤدي إلى سحب الاعتراف الأميركي والإسرائيلي، وربما الدولي، بها، وأن مشاركة "حماس" في المنظمة وفق المعطيات المذكورة يمكن أن تقلل من فرص نجاح الجهود الرامية إلى استئناف المفاوضات التي لا تزال الخيار المفضل، إن لم يكن الوحيد، المعتمد عند الرئيس وحركة فتح.

كما سنجد أن "حماس" تريد إعطاء الأولويّة لتطبيق الاتفاق رزمة واحدة لإعادة بناء وتشكيل منظمة التحرير، وتتحدث عن إجراء انتخابات المجلس الوطني، لأنها تريد تأجيل الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة لأطول مدة ممكنة، حتى تتمكن من:

  •  الاستفادة من الربيع العربي وصعود الإسلام السياسي واستلام جماعة الإخوان المسلمين للحكم في مصر، التي تعتبر "حماس" امتدادًا لها في فلسطين.
  • التقاط أنفاسها، وإعادة بناء مؤسساتها في الضفة التي تعرضت للإغلاق أو السيطرة عليها، وتنظيمها الذي تعرض إلى حملات اعتقال مزدوجة من أجهزة الأمن الفلسطينيّة وسلطات الاحتلال.
  • أخذ فرصتها في الحكم في قطاع غزة، حيث عانت منذ استيلائها على الحكم هناك من الحصار والعدوان والتجويع والمقاطعة الدوليّة، الأمر الذي لم يتح لها تحقيق إنجازات تساعدها على الحصول على نتائج جيدة في الانتخابات القادمة.
  • توفير ظروف ملائمة تمكنها من المشاركة في المنظمة والسلطة في الضفة، المتعذرة بسبب الاحتلال الإسرائيلي، ورفض الحكومة الإسرائيليّة لأي مشاركة من "حماس"، خصوصًا في أجهزة الأمن قبل التزامها بشروط اللجنة الرباعيّة.
  • المحافظة على سلطتها في غزة لاطول فترة ممكنة، لأن "عصفور في اليد خير من عشرة عصافير على الشجرة"، ولأنها تريد المشاركة في المنظمة حتى تتمكن من الحصول على الاعتراف والشرعيّة العربيّة والدوليّة.

 

وما يزيد الوضع تعقيدًا أن "حماس" تشعر – خصوصًا بعد مهرجان انطلاقة "فتح"  الـ 48 في غزة-  أنها ستخسر من المصالحة إذا ذهبت سريعا نحو الانتخابات:

- فإذا فازت في الانتخابات لن تتمكن من الحكم، سواء عبر مقاطعة وحصار أي حكومة تشكلها بمفردها أو تشارك فيها، أو من خلال الاعتقالات الإسرائيليّة للنواب والوزراء المنتمين إلى "حماس"، ومنعهم من السفر والتنقل ما بين الضفة وغزة، بما في ذلك إلى القدس، وإلى الخارج.

- وإذا خسرت الانتخابات تتحول إلى أقليّة مطالبة بالانصياع لسياسات وقرارات الأغلبيّة، أي تخرج من الحكم من البوابة التي دخلت منها – أي صناديق الاقتراع-.

 

تأسيسًا على ما سبق، فإن السيناريوهات المحتملة:

 

السيناريو الأول: بقاء الوضع على حاله مع خطوة إيجابيّة هنا أو هناك، من دون اختراق نوعي في طريق المصالحة، أي من دون تشكيل حكومة وفاق وطني وإجراء الانتخابات.

ويعزز من هذا السيناريو العقبات الآتية: عدم الاتفاق على البرنامج السياسي؛ عدم الاتفاق على نقطة  البداية في تطبيق اتفاق المصالحة؛ الاختلاف حول إحياء المجلس التشريعي من عدمه خلال المرحلة الانتقاليّة إلى حين إجراء الانتخابات؛ تحكم إسرائيل الكامل بثلاثة ملفات من ملفات المصالحة الخمسة، وهي الحكومة والانتخابات والأمن؛ مخاوف "فتح" من حكم الإخوان المسلمين في مصر – حلفاء"حماس"-؛ ومراهنة "حماس" عليهم وعلى المتغيرات العربيّة لتحسين موقعها الداخلي، خصوصًا في المصالحة؛ مأسسة الانقسام وتعمقه أفقيًا وعموديًا؛ الخلاف على كيفيّة التعامل مع المقاومة وتشكيلاتها العسكريّة في ظل الخلاف ما بين واقع وظروف الضفة الغربيّة وقطاع غزة بعد فك الارتباط الإسرائيلي عن قطاع غزة، وفي ظل عدم التواصل الجغرافي وتبعاته على مختلف المستويات والأصعدة.

السيناريو الثاني: الشروع بتطبيق اتفاق القاهرة و"إعلان الدوحة" بشكل متزامن ومتوازٍ، من خلال تشكيل الحكومة وتسجيل الناخبين في قطاع غزة، والاتفاق على موعد لإجراء الانتخابات وإعمار قطاع غزة وفك الحصار عنه، ووقف حملات الاعتقال والملاحقة لمناصري "فتح" في غزة، ومناصري "حماس" في الضفة، والانتظام في اجتماعات لجنة تفعيل وتطوير المنظمة من دون تحويلها إلى إطار قيادي مؤقت، وفق ما هو منصوص عليه في اتفاق القاهرة.

نقطة ضعف هذا السيناريو أنه يؤجل ملفات مهمة، مثل البرنامج السياسي وإعادة بناء وتوحيد وتشكيل الأجهزة الأمنيّة والوزارات والمؤسسات والقضاء والنقابات .. إلخ، إلى ما بعد الانتخابات، مما يجعل كل الإنجازات التي يمكن أن تتحقق معرضة للانهيار عند أي اختبار حقيقي سيكون محتملًا حدوثه في ظل "جبال التعقيدات والمشاكل" التي تقف أمام طريق المصالحة. وهذه الملفات لا يمكن تأجيلها لأنه من دون حكومة قادرة لديها أجهزة أمنيّة موحدة، أو على الأقل جهاز شرطة واحد؛ لا يمكن الذهاب إلى انتخابات حرة ونزيهة، ولا ضمان احترام نتائجها إذا جرت.

نقطة قوة هذا السيناريو أن مصر، الدولة الراعية للحوار، تريد تقدم ملف المصالحة لأسباب تتعلق بأمنها القومي ودورها الراهن والمستقبلي، وأن "حماس" تريد تقدم المصالحة لفتح أبواب الشرعيّة والاعتراف الدولي بها، و"أبو مازن" يريد المصالحة لاستمرار قيادته للشعب الفلسطيني ودعم خطه السياسي، خصوصًا بعد اعتدال "حماس" بموافقتها على إقامة الدولة الفلسطينيّة، والمفاوضات، واعتماد المقاومة الشعبيّة والتهدئة في قطاع غزة.

 

السيناريو الثالث: تغيير المسار المعتمد لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة واتباع مسار جديد يرتكز على ما يأتي:

1) الانطلاق من إعادة بناء التمثيل الفلسطيني ومنظمة التحرير، بحيث تضم مختلف ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، وما يقتضيه ذلك من تشكيل إطار قيادي مؤقت له صلاحيات كاملة مع الحفاظ على صلاحيات اللجنة التنفيذيّة  للمنظمة لحين إجراء انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني.

2) بلورة برنامج سياسي يجسد القواسم المشتركة، يحفظ الحقوق والأهداف الوطنيّة، ويستند إلى القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقراراتها.

3) الحوار الجدي حول فكرة إيجاد ميثاق وطني جديد يتضمن "ركائز المصلحة الوطنيّة العليا"، ويستند إلى الميثاقين القومي والوطني، وإعلان الاستقلال، ووثيقة الأسرى، واتفاق القاهرة، ويأخذ الخبرات والمستجدات والتطورات الجديدة بالحسبان.

4) إن الحصول على الدولة المراقبة يتطلب:

- إعادة النظر بتسمية السلطة ووظيفتها وشكلها والتزاماتها السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة، وموقعها في إطار النظام السياسي الفلسطيني.

- إعادة النظر بوظيفة الانتخابات، بحيث تجري انتخابات رئيس الدولة ومجلس النواب للدولة وليس للسلطة.

5) مراعاة الخصائص الخاصة للتجمعات الفلسطينيّة المختلفة في إطار الوحدة وإعادة تعريف المشروع الوطني الفلسطيني وما يوحد الفلسطينيين.

إن السيناريو الثالث غير ممكن من دون توفر إرادة من الأطراف المتنازعة لتغليب المصلحة الوطنيّة العليا على المصالح الفئويّة والفصائليّة والفرديّة، والاستعداد لمجابهة محسوبة مع الإدارة الأميركيّة والحكومة الإسرائيليّة، ومن دون توفر قناعة بأن الحل السياسي الذي يحقق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينيّة بعيدٌ جدًا، وأن الانسداد في الأفق السياسي مرشحٌ للاستمرار لفترة طويلة لا يمكن أن تنتهي من دون إعادة تعريف المشروع الوطني الفلسطيني، وتوحيد الشعب الفلسطيني بمختلف قوه وفعالياته، ضمن نظام سياسي يؤمن بالتعدديّة والشراكة في إطار حركة تحرر وطني، وتنظيم مقاومة مثمرة يرافقها تحركٌ سياسيٌ قادرٌ على توظيفها، بحيث يصبح الاحتلال خاسرًا لإسرائيل، بما يفتح الطريق لدحر الاحتلال وتحقيق الحقوق الفلسطينيّة.

 

 

 

مشاركة: