الفضيحة مش فضيحتنا، الفضيحة فضيحتكم إنتم، والعار عاركم إنتم، ياللي عاملين فيها ثورجية وبتنادوا بالحرية بس بتقسّموها درجة أولى ودرجة تانية، ووقته ومش وقته". سلمى الطرزي ** حكايا لا يكاد يصدقها عقل، عن اعتداءات على النساء، حدثت في أطراف ميدان التحرير، ومحيط مسجد عمر مكرم، وشارع الشهداء/ محمد محمود، وفي بعض الشوارع المعتمة من مصر المحروسة، خلال التظاهرات السياسية الغاضبة، التي شاركت النساء فيها بكثافة، في الذكرى الثانية لثورة 25 يناير. امتدَّت أصابع وأيادي، مزوَّدة بالمطاوي، والشوم، والسيوف؛ لتمزِّق ملابس نساء، من مختلف الأعمار، ولتعبث بأجسادهن، بشكل جماعي. ذئاب بشرية، انتهكت لحم الصبايا الحالمات بالحرية، وحلم النساء المناضلات من أجل العدالة الاجتماعية، في محاولة لخنقهن مادياً ومعنوياً، ولخلخلة إيمانهن بالثورة وقيمها. يا للوجع الذي يفتّ العظم، ويهز البدن، ويخلع الوجدان!
ما الذي يغذي العنف ضد النساء أكثر من ثقافة الاستبداد؟! وهل يمكن أن تنجح ثورة ضد الاستبداد، وتناضل من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، دون أن تثور ضد الثقافة التي تغذي الاستبداد؟!
** "يا متحرِّش قطع إيدك..بنت مصر هاتقطع إيدك".
اعتمد المتحرشون على القيم الثقافية العربية المتوارثة، التي تجعل النساء اللواتي يتعرضن للتحرش أو الاغتصاب، يحجمن عن الحديث عن الموضوع، خوفاً على سمعتهن، وسمعة أسرهن. أدركت معظم النساء اللواتي تعرَّضن للتحرش أو الاغتصاب، أن ما حدث لهن هو رسالة سياسية، هدفها إبعادهن عن العمل السياسي؛ فقرَّرن أن يقدِّمن شهاداتهن؛ ليعرّين المتحرشين، وليعلنَّ أنهن لن يخفن، وسوف يواصلن نضالهن ضد الاستبداد السياسي وتجلياته الثقافية، ولبناء دولة الحريات، ودولة القانون؛ التي تكفل لهن ولعائلاتهن حياة آمنة كريمة: "المتحرش حيوان جبان. كان لازم صوتنا يوصل للإعلام، وللناس، اللي في الميدان، التحرش جريمة في حق أي انسان عاوز يمشي في أمان". "محاولة ارهاب السيدات لن ترهبهم. هى فقط تزيدنا اصراراً لنكمل ما بدأناه". " أنا بأمل تكون الحادثة دي سبب إن يكون فيه وقفة بجد للتحرش، وأي اعتداء على أي بنت في مصر. يا ريت اللي شاف يتكلم، اللي اتأذى يحكي".
** "وحياتكم ما هنسكت". "يا أهالينا انضموا لينا..الحرية ليكو ولينا". تشكلت مجموعات شبابية، أطلقت على نفسها: "قوة ضد التحرش/ الاعتداء الجنسي"، و"إمسك/ متحرش"، "أنا مش هاسكت على التحرش"؛ استجابة لنداء النساء، وتصدت ببطولة نادرة للبلطجية، بعد أن تلقت تسعة عشر بلاغاً، يوم 25 يناير 2013، بخصوص اعتداءات جنسية جماعية، في محيط ميدان التحرير، وصل بعضها إلى محاولات قتل، وقامت المجموعة بالتدخل في خمسة عشر حالة، حيث قامت المجموعة بإخراج السيدات من محيط الاعتداءات، وأوصلتهن إلى أماكن آمنة، أو لمستشفيات للمعالجة: "أنا واحدة من المتطوعين في مجموعة "ضد التحرش". انضميت من أيام أحداث الإغتصاب الجماعي الي حصلت في نوفمبر ٢٠١١، في ذكرى محمد محمود. محاولة إرهابنا مش هتنفع، احنا غضبنا وإصررنا بيتضاعف. أنا فعلأ آسفة لكل بنت عدِّت بأي حادثة شبيهة، وحياتكم ما هنسكت". **
ما تعرَّضت له نساء مصر؛ ليس تحرشاً اعتيادياً، مما يمكن أن يحدث من بعض شباب عابثين، وليس حدثاً طارئاً؛ بل سياسة ومنهجاً، تلجأ إليه سلطات الاستبداد في كل بلاد العالم، لإرهاب القوى الفاعلة في المجتمع، وإضعاف الثورات الشعبية. وقد بدأت عمليات التحرش والاغتصاب الجماعي في مصر، بشكل ممنهج، على أيدي السلطة الحاكمة في مصر، منذ عام 2005، حين تعرَّضت إحدى الناشطات السياسيات إلى عملية تحرش جماعي، على أيدي بلطجية النظام، أثناء مظاهرة ضد الاستفتاء على الدستور. واستؤنفت عمليات التحرش، بأشكال أخرى، بعد اندلاع ثورة 25 يناير مباشرة، وبالتحديد بعد شهرين اثنين، في 9 آذار 2011، مع فحص العذرية، لبعض الناشطات المصريات، واستمرّ بأشكال مختلفة، تطوَّرت إلى أشكال جديدة، أكثر جرأة، في الذكرى الثانية لاندلاع الثورة. ومما ساعد على استمرار الانتهاكات ضد النساء، تقاعس السياسيين عن التعامل مع هذه الظاهرة، تحت حجة الحفاظ على سمعة الثورة، بحجة أنها ليست أولوية سياسية، مما تسبب في تفشيها، والتفنن في تطوير أساليبها: "عندي غضب وقرف شديد تجاه كل بني آدم عامل نفسه ثوري بس في نفس الوقت لما نيجي نتكلم عن التحرش يعتبره موضوع تافه، ومش من أولوياته لأن وراه ثورة. كل ست نزلت التحرير وتعرضت للتحرش/الاعتداء الجنسي مش أقل من أي مصاب ثورة، بتحطوا صورته في صورة البروفايل وتعتبروه بطل. كل ست نزلت واتعرضت للاعتداء خاطرت بحياتها وتم استهدافها لمجرد كونها ست، محدِّش بيحط صورتها في البروفايل، محدِّش بيتكلم عن ألمها وتضحيتها، بالعكس بتقولوا لها: أسكتي متسوئيش سمعة الثورة. كل ست تعرَّضت للاعتداء لما تروح بيتها مش هيستقبلوها استقبال الابطال، هيخبوا اللي جرى لها والشوية اللي عارفين هيكون همهم الأول هي بنت واللا لأ! وإزاي يداروا فضيحتها، إوعوا تفتكروا إن كلامي ده معناه إني عايزاكم تنزلوا تحمونا، لو انتم مش شايفين حقنا في التواجد من أولوياتكم فشكراً، مش محتاجين منكم حاجة، وهنفضل ننزل، وندافع عن حقنا، ونقاوم محاولات إقصاءنا، وزي ما فيه أفاقين كتير، فيه برضه ناس جدعان كتير، فاهمين إن اللي بقوله ده جزء لا يتجزأ من الثورة. الشهرين اللي فاتوا زي ما ورّوني قد إيه الرجالة ممكن تكون كائنات مقرفة وبشعة، ورّوني كمان إنه فيه رجّاله محترمة ومؤمنة بحقي في التواجد، وبيدافعوا عنه، مش عشان أنا ست محتاجة حماية، وإنما عشان مبادئهم مبتتجزأش".
** في يوم 3/1/2013؛ بدأت محاكمة المتهمين الستة، في قضية اغتصاب طالبة كلية الطب الهندية، التي تعرَّضت للاغتصاب الجماعي، ومحاولة القتل الوحشية، حيث ألقي بها من القطار، وحاول سائق الحافلة دهسها، وتوفيت متأثرة بإصاباتها. ومن المنتظر أن يحكم على القتلة بالإعدام. وفي يوم نأمل ألا يكون بعيداً، ووفق قانون عقوبات رادع يجرِّم التحرش الجنسي؛ تبدأ محاكمة المجرمين؛ الذين أساءوا لشعب مصر بشكل عام، ولفتياته ونسائه المناضلات بشكل خاص؟! |