جرائم الشرف بين الدين والقانون ... والعار الكبير
|
|
|
بثينة حمدان ناشطة فلسطينية في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والمرأة تستحق مع ناشطات اخريات زميلات لها اوسمة شرف على الجهود المتواصلة والمثابرة ضد ما تواجهه المرأة الفلسطينية من قمع ذكوري وتمييزي سواء من قبل المجتمع او القانون نفسه. داخل قاعات الدراسة في معهد ابو لغد للدراسات الدولية في جامعة بيرزيت وفي نقاشات مساقات برنامج الماجستير هناك حيث سعدت بتدريسها وزميلاتها وزملائها كانت بثينة تطرح الاسئلة الصعبة والجريئة وتنتقد البنية المجتمعية القامعة للمرأة. خارج قاعات الدراسة كانت قد بدأت تطل على الفضاء المفتوح من خلال مدونتها ومقالاتها وما تنشره في اكثر من منبر. هذه الايام تتضافر جهود بثينة مع ناشطات كثر في فلسطين وخارجها للوقوف امام فضيحة ما تسمى "جرائم الشرف" في فلسطين وهي ذات النسخة المعيبة من القتل الرخيص المنتشرة في المنطقة بشكل عام. الحملة النبيلة التي تقودها الناشطات الفلسطينيات تستهدف كشف المستور ووضع هذا الموضوع تحت الشمس والاهم من ذلك تغيير القوانين التي تخلق المناخ المساعد والمسهل على قتل المرأة بدعوى الشرف.
في مقالة جريئة لبثينة في شهر تشرين الثاني الماضي موجهة للرئيس محمود عباس بعنوان "سيدي الرئيس: هل تصمت على قتل النساء"، اطلقت بثينة صرخة قوية وعالية باسم كل الإناث الضحايا اللواتي قتلن بأيدٍ باردة واختبأ قتلتهن وراء "قانون العذر المخفف" الذي لا يمكث المجرم القاتل بسببه إلا شهورا قليلة في السجن. في المقالة المذكورة عددت بثينة بعض الحالات الحديثة و"الطازجة" من القتل والضحايا البريئات. إنهن بنات في عمر الورود لهن وجوه واسماء واحلام وحياة كانت ممتدة امامهن، ولسن ارقاما في سجل الموتى. اوردت المقالة حالاتهن ومختصرا موجعا عن الجرم ذاته وحيث تم إثبات جريمة القتل ومعرفة القاتل لكن الاحكام لم تطبق عليهم. تتضمن الحالات قصة آية برادعية ابنة العشرين عاما والتي وجدت جثتها في بئر في قضاء الخليل في نيسان من العام 2010 وقد تحللت بالكامل بعد ثلاثة عشر شهرا من إلقائها في البئر، وقد اعترف عمها والجناة بالقتل ولم يحاكموا حتى الآن. وقصة المرأة التي قتلت على يد زوجها في شهر تموز 2012 في احد شوارع بيت لحم، وفتاة قتلت في طولكرم وأخرى في مخيم الشاطئ في الشهر نفسه. ثم في شهر كانون الثاني 2012 حالة اخرى مروعة حيث صدر حكم بحق أب اغتصب ابنته العام 2007 أي بعد وقوع الجريمة وسجنه بخمس سنوات، وكان حكم عليه بالسجن عشر سنوات، تم تخفيفه إلى خمس بسبب اسقاط الحق الشخصي.. علما أن نسبة الاعتداءات الجنسية داخل الأسرة هي 75% من مجمل الاعتداءات الجنسية في المجتمع الفلسطيني. في شباط من 2012 حكم بالسجن خمس سنوات لقاتل شقيقته في طولكرم، قاتل مع سبق الاصرار يصدر هذا الحكم المخفف عليه، والذي غالبا ما يخفض بعد فترة! وفي أيلول من العام 2011 وفي مخيم الدهيشة اغتصبت طفلة بعمر 12 سنة، وقتلها خالها بعد أن اكتشف حملها، والقضية حتى الآن بلا حكم منذ أكثر من عام! وفي صيف نفس العام وفور إعلان نتائج الثانوية العامة الصيف الماضي قتلت فتاة عمرها 18 عاما على يد والدها فلم تكتمل فرحتها بنتيجتها المشرفة ولم تكتمل حياتها.
بشكل عام ثمة تحالف لئيم ومتماسك في كثير من بلادنا العربية ضد المرأة يضم موروثا من التقاليد البالية، والتفسيرات القاصرة للنصوص الدينية، والأطراف المنتفعة المدافعة عن السيطرة الذكورية على المجتمعات وقمع المرأة، وعلى رأسها القوى القبلية والعشائرية والقوى الإسلاموية. يستقوي هذا التحالف بقوانين تمييز ضد المرأة ولا تكرس المساواة بينها وبين الرجل بشكل تام، وتوفر لهذا الاخير القدرة على التحكم في المرأة واخضاعها في البيت وخارج البيت، في مكان العمل والدراسة والترفيه. نتائج الدراسات العلمية والمسحية حول وضع المرأة في المنطقة مخجلة حيث القمع وممارسات الضرب وانتهاك الحقوق وصولا إلى ما يُسمى "قتل الشرف". ولأن الممارسات القمعية والتمييزية ضد المرأة تضرب بعمق لعقود طويلة إن لم نقل قروناً فلم تعد مُستهجنة بل وُتعتبر اشياء طبيعية وتُنسب إلى "الخصوصية الثقافية" لمجتمعاتنا – بمعنى ان لنا خصائص ثقافية تسوغ ما تمارسه المجتمعات ضد المرأة، وان هذه الممارسات التي تُرى على انها قمعية إنما تنتمي الى السمات الثقافية التي تختلف عن نظيراتها للمجتمعات الاخرى.
"قتل الشرف" جريمة بلا شرف يجب القضاء على كل مناخ مُفضٍ إليها. فالقتل هو القتل وجزاؤه يجب ان يكون الاقصى ومحددا قضائيا ولا هوادة فيه. ومن الطبيعي ان يؤدي اي تراخٍ في او تهوين في التعامل مع جريمة القتل إلى تشجيع الآخرين في الحالات المشابهة لارتكاب ذات الجرم. في جرائم "قتل الشرف" هناك قصص يندى لها الجبين حيث قتل الإناث يتم لأسباب في غالبيتها الكاسحة لا تتعلق بـ "الشرف" المزعوم الذي انتهك، بل يكون القاتل نفسه عديم الشرف إما لأنه يريد ان يقتل اخته او قريبته للاستيلاء على الميراث كله، او لأسباب عائلية، او لأنه اعتدى عليها جنسيا والوسيلة الوحيدة لإخفاء جريمته تكون القيام بجريمة اخرى هي قتل الضحية، وهكذا. حتى في الحالات التي يثبت فيها الفعل الجنسي بين اثنين عاقلين ومن دون غصب او اجبار فإن القانون يجب ان يتدخل هنا ولا يسمح لأي كان التصرف بالطريقة التي يريدها. كيف لأي كان ان يتصرف إزاء حدث استوجب ثبوته وجود اربعة شهود يرون فعل الإيلاج كما يدخل المرود في المكحلة كما هو وارد ومعروف؟
في وسط الكآبة والضيق الذي يحدثه هذا الموضوع في الوجدان هناك بصيص عقلانية وأمل يستحق ان يُشار إليه هنا، وهو ان الحملة التي تنسقها بثينة وزميلاتها تثمر الآن ومن المؤمل ان تتكرس حتى تصبح هذه القضية شأنا عاما لا يتم تجاوزه إلا ان تواجه بالقانون والقضاء. وأهم انجاز اثمرته الحملة حتى الآن تمثل في الفتوى التي اصدرها الشيخ يوسف ادعيس رئيس المحكمة العليا الشرعية/ رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي، على الموقع الإلكتروني للمحكمة حيث بين موقف الشرع من جرائم الشرف في فلسطين، مؤكداً بالبينات أن هذه الجرائم تخالف الشريعة الإسلامية وأنها ظاهرة تتزايد وتستهدف نساء بريئات ولا تستند إلى البينات المذكورة في القرآن، وانها عادة جاهلية حاربها الاسلام.
|