تعجز الكلمات عن وصف ما يجري على الجسر الذي اسميناه بكل اعتزاز وفخر جسر الكرامة بعد ان حذفنا أسم الضابط البريطاني اللعين "اللنبي" عنه. فالذي اطلق عليه هذا الأسم كان يعتقد بانه سيشكل جسرالعودة والعبور للوطن تحترم فيه وتصان كرامة الإنسان الفلسطيني بالدرجة الأساس .فلم يكن يدر في خلد وتفكير مطلق التسمية الجديدة بانه سيتحول إلى جسر لإهانة وإذلال وإهدار كرامة شعب الجبارين وشعب الشهداء والأسرى والانتفاضات المتتالية.
هناك نقطة هامة جدا نسيناها أو اهملناها أو لم تعد لها اهمية وهي أن اتفاقية أوسلو تطرقت لإجراءات الدخول والخروج وهي موثقة وموقعة لكننا لم نفعل شيئا لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل وقفها من الجانب الإسرائيلي وبشكل منفرد، ولم نطرحها في المحافل الدولية ولم ننقل ما يعانيه شعبنا من مهانة وتفتيش مذل للعالم وإلى مجلس الأمن والمنظمات الدولية والى كل ما نستطيع الوصول إليه.كان علينا على سبيل المثال لا الحصر ان نرتب زيارات ميدانية لكل سفراء وقناصل وممثلي الهيئات الدولية لزيارة الجسر والتعرف عن كثب على الإجراءات الإسرائيليةالظالمة والمذلة والموغلة في العنصرية والتي تتنافى مع كل المواثيق الدولية والانسانية. وكان علينا ان ننظم جولات ميدانية للصحافة والمحطات أو القنوات الاجنبية ليبثوا على الهواء مباشرة حجم الأزمة والمأساة ونقل المعاناة إلى العالم اجمع، ليطلعوا على الإجراءات المبالغ فيها واللانسانية التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلية.وكان علينا أن نكلف جهات اجنبية محايدة لإنتاج أفلام وثائقية وتقارير صحفية عن الممارسات الاحتلالية المهينة لشيوخ ونساء واطفال فلسطين.وهناك نقطة لا تقل أهمية عما سبق وهي أن الجسر بات مصيدة لإعتقال المناضلين والتحقيق معهم بشكل شبه يومي وفي أحيان كثيرة بارجاع من لا ترغب سلطات الاحتلال بمغادرته خارج الوطن.فهي تتصرف وكأن الجسر لها ولا يوجد اتفاقية تظيم المرور ذهابا وإيابا بدون عوائق وإجراءات مذلة .
مشاهد واقعية مؤلمة
عدت إلى القدس يوم الأحد الماضي الموافق للسابع عشر من تموز الحالي فوجدت الساحات والقاعات بالجانب الاردني من الجسر مزدحمة بالعائدين إلى الوطن، ورغم كل التحمل والمرونة لدى الجهات الرسمية الاردنية إلا أن اعداد العائدين تفوق طاقتهم وامكانياتهم عن ترتيبها وتنظيمها. فما كان ممكنا ان يكون الوضع باحسن مما هو عليه ولربما كان سيخفف قليلا من الاندفاع أو الازدحام غير العادي،لو تأجلت عمليات التأهيل والتوسعة لما بعدالصيف مما زاد من حدة الازمة. المهم ان الحافلة التي صَعدت إليها كان رقمها 17 وهذا تم بواسطة معرفية لبعض الأشخاص المشرفين على الجسر.فالحافلة كانت مزدحمة وعدد الواقفين فيها لم يقل عن عشرة ومما زاد الطين بلة انها لم تكن مكيفية والاطفال يصرخون في معظم المقاعد،ومع ارتفاع درجات الحرارة تزداد العصبية والصراخ وحين بلغنا جانب النهر(وما زلنا في الجانب الأردني) ودخول الشرطي لتفقد المغادرين وجمع البطاقات كانت درجة الحرارة الداخلية في الحافلة المغلقة أبوابها لا تقل عن 42 درجة مئوية وفقا لمؤشر الحرارة المشار إليه في الجوال.وحينما تحركت الحافلة باتجاه الغرب حيث أول نقطة فحص إحتلالية كان امامنا سبع حافلات عدا الحافلة السياحة. وقد شاهدت بعض الركاب يغادرون الحافلات الموجودة خلفنا إلى تلك المتقدمة عنا، فسألت السائق إن كان بإمكاني فعل نفس الشيء فقال نعم ،لكن "بدك ترضي السائق" فوافقت، فانتقلت الى الحافلة رقم 11 ودفعت مبلغ عشرة دنانير ومع مرورنا على اول نقطة فحص احتلالية متجهة نحو المعبر ووصولنا لنقطة الأنتظار الثانية كان أمامنا 6 حافلات تنتظر إشارة من ضابط الحركة الإسرائيلي حيث يمرر كل 45 دقيقة حافلة تقريبا ،وهذا يعني ان علينا الانتظار لنحو 5 ساعات فوجدت نفس ظاهرة الانتقال(من حافلة إلى اخرى) لكن على الضفة الغربية للنهر وسألت السائق الجديد إذا كان بالإمكان الانتقال وتم ذلك بعد دفع خمسة دناير هذه المرة مقابل الانتقال للحافلة رقم 5 .
إجراءات التفتيش الإسرائيلية المذلة
مع ظهور الإشارة الضوئية الخضراء ورفع الحاجز الاليكتروني سمح للحافلة بالدخول إلى مجمع فحص الهويات والجوازات والحقائب. أكاد أجزم أن العديد من المسؤولين الفلسطينيين ومن رجال الأعمال وعالية القوم والذين يسافرون من خلال التنسيق الأمني المسبق لا يعلمون حقيقة،عدد نقاط الفحص والتفتيش الأمنية والإدارية والجمركية المنتشرة على مسافة ربما لا تزيد كثيرا عن ال300 متر،لسبب بسيط واحد لأنهم لا يمرون فيها ولا يقفون امامها. لذا فمن الواجب ام نقول لهم ان عددها بالضبط هو عشرة غير محطة الانتظار التي تقع في منتصف الطريق وهي كما يلي:
1- نقطة إرسال الحقائب على الناقل الإليكتروني والحصول على رقم /ارقام للحقائب وتلصيقها عليها وعلى الجواز وهذا يتطلب الوقوف بالصف الطويل والمتعب والشاق.
2- شباك فحص الجواز ووضع ورقة لاصقة صفراء صغيرة عليه من الخلف لتأكيد الدخول وهذا ايضا يكون على الصف الطويل والمرهق. (استحدث بعد العام 2002)
3- حاجز الاهانة والذل والمعاناة اللولبي حيث يتم خلع الأحذية والساعات والأحزمةوالمفاتيح وإخراج كل شيء معدني والمرور على الفاحص الاليكتروني (الأشعة) للتأكد من ان الفلسطيني لا يحمل تحت ملابسه شيئا غير جسمه العاري .
4- وبعد أن يلتقط الفلسطيني أنفاسه ويلبس حذاءه وحزامه ويأخذ بقية أغراضه يتجه نحو القاعة لتقديم الهوية /جواز السفر والتي يسبقها نقطة إنتظار لتخفيف التدافع على الكاونترات، ولا تقل فترة الوقوف في هذه المحطة الصغيرة عن عشرة إلى 20 دقيقة. وتتسم هذه المرحلة بالبطء الشديد حيث لا تضع سلطات الاحتلال ما يكفي من الموظفين لتسريع إنجاز المعاملات والفترة الزمنية التي يقضيها الفلسطيني هنا تتوقف على شدة الازدحام.ووفقا لما هو قائم حاليا فلا تقل تحت اي ظرف عن20 دقيقة.
5- محطة بداية الحشر والذي يطلق عليها الغزاويون (الحلابات) والموجودة في كل الحواجز العسكرية الإسرائيلية حيث لا يتسع الممر إلا لشخص واحد وهو لا يبعد سوى عشرة امتار عن محطة فحص الهويات. وتعمل عليه موظف /موظفة لفحص الاوراق والجوازات وهذه المحطة لا معنى لها حيث لم تكن موجود سابقا.
6- وعلى بعد أقل من عشرة أمتار هناك حلابات أخرى وفحص اخر على الجواز /الهوية قبل ان يسمح لك بالتوجه للبحث عن الحقائب، للتأكد من ان الحقيبة قد خرجت من التفتيش الاليكتروني ،والا فعلى الفلسطيني أن ينتظر فترة اخرى.
7- محطة البحث عن الحقائب حيث يتوقف طول فترة الانتظار على الفحص الآلي الذي تم عليهاداخل المبنى وفي احيان يطول الانتظار ويتم استدعاء صاحب الحقيبة لفحصها وتوجيه أسئلة له .
8- بعد ذلك هناك على الجانب الأيسر باتجاه المخرج ، فحص آلي أخر للحقائب عليك أن تضعها في ماكنة الجهاز الاليكتروني مرة اخرى، لم تكن مفعلة قبل ذلك.
9- وعلى الجانب الأيمن منها،مقابلها بالضبط،هناك فحص جمركي يدوي حيث يتم تفتش الامتعة وبعثرتها بكل حقد مع البطء والكلام بعنجهية ولؤم بقصد استفزاز الفلسطينيين.(كانت تتم بالسابق على عينات وعند وجود شك ما فحسب) الان باتت تتم على كل حقيبة بغض النظر عن كبرها أو صغرها بما في ذلك فحص شنطة اللاب توب(الحاسوب الشخصي) التي لم تكن تفتش قبل ذلك.
10 - وبعد كل هذه الإجراءات تقف موظفة/موظف ومعها آلة اليكترونية صغيرة تقوم بفحص الارقام الملصقة على الجواز والحقيبة لمطابقتهما قبل أن تسمح للفلسطيني بالخروج إلى حيث الحافلات.(لم تكن موجودة).
وهناك بالإضافة إلى ما سبق ما هو أخطر سياسيا حيث تقوم سلطات الاحتلال حاليا بعمل إنشاءات وتوسعة كبيرة للجسر الفلسطيني مما يعكس عدم رغبة سلطات الاحتلال بالانسحاب منه وتسليمه للفلسطينيين مستقبلا.وكل هذا يتم على مرأى ومشاهدة الجانب الفلسطيني وهذا ربما الوحيد الذي يراه المسؤولون الفلسطينيون.كيف يسمح المفاوض الفلسطيني لنفسه ان لا يطرح هذا الموضوع على النطاق الدولي او لا يقدم كتب او احتجاجات رسمية بما لمجلس الأمن وبقية المنظمات الدولية والإقليمية. سكوت غريب لا أجد تفسير له.
الخلاصة والمأمول
إذا اعتقد الجانب الفلسطيني ان المشكلة تكمن في تمديد ساعات العمل في الجسر 24 ساعة فحسب فهو واهم ، ففي بعض الحالات والفترات الزمنية تم ذلك لكن مع استمرار إجراءات الإذلال والمهانة والمعاناة على الجسر. فالقضية ليست تمديد ساعات عمل لتقليل الازدحام والتدافع وتقليل فترة الانتظار ، فهذا جزء إنساني بسيط قد يكون محل اعتبار وخاصة في فصل الصيف الحار، لكن المشكلة هي كيف يتحول إلى جسر يحفظ كرامة الانسان الفلسطيني .لا احد في العالم كله يتحمل ما يتحمله شعب فلسطين . وهناك من يبرر الإجراءات الإسرائيلية المذلة والطويلة باستحداث آليات سفر ال VIP حيث بات لهم قاعة مخصصة لا ترتبط ولا تمر عبر مسارب المواطنين الفلسطينيين مقابل دفع 150 دولارا للشركة الإسرائيلية الناقلة للشخص الواحد .حيث يدفع كل المسؤولين الفلسطينيين ورجال الأعمال وعالية القوم والذين يمرون من خلال التنسيق المسبق مع سلطات الاحتلال. والغريب انه صدرت تصريحات عنترية من بعض رجال الاعمال والمسؤولين يعلنون فيها عن رفضهم لهذا الإجراء ،إلا أنهم جميعا يتعاملون معه ويدفعون المبلغ المشار إليه فتصريحاتهم النهارية العنترية تمحوها عتمة الليل،بل وبافتراض قيام الشركة الإسرائيلية رفع رسوم ال VIP،إلى 500 دولار،فسيدفعونها بلا تردد،لأنهم ببساطة لا يدفعون من جيوبهم الخاصة وانما تسجل كمصاريف على الشركات التي يعملون فيها ولا يهم المبلغ لديهم لأنه يخصم من الضرائب كمصاريف ونفقات وهذا يؤدي إلى تقليص إيرادات الخزينة الفلسطينية.