الرئيسية » تحليل سياسات »   15 كانون الأول 2016

| | |
مشاركة المرأة في القوى العاملة

 

(إعداد: أشرف بدر، حمدي "علي حسين"، ريما شبيطة، عائدة الحجار)

 

مقدمة

على الرغم من الجهود المبذولة، سواء كانت رسمية أو مجتمعية، مشاركة المرأة الفلسطينية في القوى العاملة، إلا أن نتيجة هذه الجهود لم تنعكس على أرض الواقع، إذ لا تزال النسبة متدنية جدًا، حيث بلغت 19% في العام 2014[1]، وهي نسبة تكاد تكون الأدنى بين دول الإقليم والعالم، حيث يبلغ متوسط مشاركة المرأة العربية 28%، بينما يبلغ متوسط المشاركة العالمية 69%[2]. وتأتي هذه النسبة على الرغم من النسبة العالية للمرأة المتعلمة في فلسطين، إذ بلغ عدد الخريجات الإناث من مؤسسات التعليم العالي للعام الدراسي 2014/2015 26596 طالبة، في حين بلغ عدد الخريجين الذكور 16948[3]، وهذه المشاركة الضئيلة تعود بالأساس إلى عوامل عدة، سياسية واقتصادية ومجتمعية.

لقراءة الورقة بصيغة PDF اضغط/ي هنا

الهدف من الورقة

تهدف هذه الورقة إلى تبيان الفجوة القائمة بين السياسات الفلسطينية الذي يتم اتباعها لزيادة مشاركة المرأة، وواقع هذه المشاركة على أرض الواقع، بالإضافة إلى تبيان المعوقات السياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية التي ساهمت في تدني نسبة المشاركة. كما تهدف إلى لفت الاهتمام إلى الأضرار والمشاكل الجسيمة التي تعانيها المرأة في ظل محدودية خيارات العمل وارتفاع نسبة البطالة بين النساء في مجتمع تزداد فيه نسب الفقر والبطالة والمشكلات الاجتماعية، وإلى طرح العديد من البدائل للعمل على حل المشكلة بشكل تدريجي.

 

المشكلة

تكمن خطورة قلة نسبة المشاركة ليس في تعطيل العملية التنموية فحسب، بل وفي انتهاك حق المرأة بالعمل، وفي تحديد خياراتها وقراراتها، إذ تشير العديد من الدراسات إلى أن مشاركة المرأة في القوى العاملة في البلدان النامية تساهم في رفع قدرة المجتمع على تحمّل الصدمات الاقتصادية، عدا عن إبقاء التفكك الاجتماعي في حدوده الدنيا.

في الحالة الفلسطينية، تزداد أهمية مشاركة المرأة بشكل مضاعف، ويعود ذلك إلى ضعف الاقتصاد الفلسطيني وارتباطه بدولة الاحتلال من جهة، وإلى نسبة البطالة المرتفعة التي تصل إلى 27% في الضفة الغربية وقطاع غزة (تبلغ نسبة بطالة الإناث 38%) من جهة أخرى، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع نسبة الفقر، لا سيما أن هناك 11% من الأسر في الضفة والقطاع تترأسها نساء بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وهذه الأسر هي الأكثر عرضة للفقر.

تأتي أهمية مشاركة المرأة في القوى العاملة لتوسعة خيارات المرأة الفلسطينية وقراراتها، وتأكيدًا على حقها في المشاركة الفاعلة في الاقتصاد، وبالتالي تنعكس تأثيراتها الإيجابية على المجتمع بشكل مباشر، وتقلل من الضغط المجتمعي والاقتصادي. وقد لا يواجه خروج المرأة من المنزل لحاجة اقتصادية إشكالية كبيرة في المجتمع الفلسطيني، إذا نرى أن أكثر من نصف الفلسطينيين يعتبر أن خروج المرأة للعمل يجب أن يكون لحاجة اقتصادية، وبأن عملها له مردود اقتصادي جيد على العائلة.[4]

لكن خروج المرأة في ظل ضعف الحماية القانونية والتشريعية، والحاجة لسياسة حكومية مشددة وتدريجية، وتوعية مجتمعية بأهمية مشاركة المرأة في سوق العمل، وكذلك الحاجة لتقوية ثقتها بذاتها وزيادة مهارتها وكفاءتها؛ يعرض المرأة للاستغلال من قبل أرباب العمل، وللمواجهة المنفردة مع المجتمع بأعرافه التي تقلل من قيمة مشاركة المرأة في العمل والحياة العامة، ولا تسمح لها بحرية الاختيار في القضايا المتعلقة بها.

وتبقى الإشكالية قائمة بخصوص الوضع الاقتصادي المتدهور، فتؤدي الحاجة الملحة للإنفاق على العائلة في العديد من الأحيان إلى خروج المرأة إلى بيئة عمل خطرة، كما حصل مؤخرًا في خروج المرأة للعمل في المستوطنات وما تلاقيه من امتهان واستغلال، حيث وصلت نسبة عمل النساء في المستوطنات في العام 2015 إلى 1%[5]، إلى جانب عملها في القطاع غير المنظم وغير الرسمي.

تواجه النساء كما الرجال عنف الاحتلال من قتل وتشريد واعتقال، لكن تأثير هذا العنف على المرأة يكون مضاعفًا لانه يترافق مع شعورها بالفقدان، سواء للزوج أو الأخ أو الابن، الأمر الذي جعلها معيلة للأسرة، وتبلغ نسبة النساء المترأسة لأسر في الضفة الغربية حوالي 12%[6].

بناء على ما سبق، لا بدّ من إيجاد بدائل سياساتية لضمان زيادة نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل، والتأكيد على أن دور الإنجاب والرعاية الذي تمارسه النساء هو عمل أيضًا، يجب أن يكون مقدّرًا من الناحية الاقتصادية والمجتمعية.

 

أسباب ضعف مشاركة المرأة في القوى العاملة

أولًا: الظروف والمعتقدات المجتمعية، وتشمل:

  • القوانين والتشريعات

تفتقر القوانين الفلسطينية إلى بعض المسائل المهمة والمعاصرة في حياتنا، كونها قوانين قديمة من جهة، ولا تطبق بجميع حذافيرها على أرض الواقع من جهة أخرى. فالقوانين التي تتناول قضية حق المرأة في العمل لا تهيئ الظروف المناسبة لدخولها هذا المجال، مثل قانون الخدمة المدنية رقم (4) لسنة 1998 الخاص بالموظفين والموظفات في القطاع الخاص، أو قانون العمل لسنة 2000.

وفي هذا السياق، تؤكد الخطط والسياسات الحكومية على أهمية تمكين المرأة الاقتصادي وانعكاساته التنموية، حيث قامت الحكومة الفلسطينية بإنشاء كيان متخصص بقضايا المرأة متمثلًا بوزارة للمرأة، إضافة إلى تخصيص وحدات للنوع الاجتماعي المختصة بقضايا المرأة في الوزارات المختلفة ودعهما وإدماجها، وتوعية الوزارات بأهمية العدالة والمساواة داخل المؤسسات، وفي خطوة متقدمة اعتمدت الموازنة الحساسة للنوع الاجتماعي كموازنة للسلطة.

كما لا نغفل الاتفاقيات الدولية التي قامت فلسطين بتوقيعها، مثل اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) التي تم التوقيع عليها دون أي تحفظات، إلا أن هناك بعض الإشكاليات التي تواجه تطبيق هذه القوانين على أرض الواقع.

على الرغم من عدم التمييز إلى حد ما، وبناء على الظروف والشروط التي وفرتها الحكومة تطبيقًا لقانون الخدمة المدنية، ساهم ذلك في تسهيل عمل المرأة في القطاع العام، حيث تشكل النساء نحو 42% من موظفي القطاع العام المدني، وتعمل الغالبية العظمى منهن في مجالات التعليم والإدارة الوسطى والدنيا [7].

وهناك مشكلات تتعلق بمدى الالتزام بتنفيذ القوانين التي تؤكد على المساواة وعدم التمييز، وضرورة منح إجازة أمومة مثلًا، وبخاصة أن هذه القوانين لا تتناول جانب العقوبات بحق كل من لا يلتزم بها، ويقتصر تطبيقها بشكل إلزامي على القطاع العام، فمثلا 37% من النساء يحصلن على إجازة أمومة في القطاع الخاص[8]، عدا عن التمييز في الأجور، إضافة إلى عدم وجود رقابة قوية وفاعلة على تمثيل المرأة في وظائف القطاع الخاص الضعيف أصلًا، وهذا ما يساهم في تمادي بعض الشركات والمؤسسات في عدم توظيف النساء، خاصة المتزوجات، بسبب دورهن الإنجابي.

تحتاج المرأة العاملة أيضًا إلى سن قانون يحميها بشكل خاص من التحرش الجنسي، والتمييز على أساس الجنس، لأن هذه الظواهر أدت إلى استغلال بعض أرباب العمل للنساء، ونتج عنها في بعض الحالات انتشار شائعات ساهمت في عزوف العديد من النساء عن العمل في بعض المؤسسات، فأكثر من نصف الفلسطينيين يعتقدون بأن المرأة تتعرض للتحرش الجنسي داخل العمل.[9]

كما أدى غياب دور الحكومة في توفير دور الرعاية للأطفال والمسنين بأجر زهيد إلى تراجع مشاركة المرأة في سوق العمل لعدم جدواها اقتصاديًا، وذلك للتكلفة العالية لهذه الخدمات التي يوفرها القطاع الخاص، ونظرًا لضغط العمل الواقع على المرأة داخل المنزل وخارجه. ويلاحظ بأن أكثر من نصف النساء غير مشاركات في القوى العاملة نتيجة للأعمال المنزلية[10]، بالإضافة إلى عدم وجود بند واضح في الموازنة وبرامج عمل على المستوى الوطني تهدف إلى زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل وجسر الفجوة بين الجنسين فيما يتعلق بالمشاركة في القوى العاملة، إلى جانب غياب تمثيل احتياجات الجنسين في الموازنة.[11]

إحدى الإشكاليات التي ارتبطت بالمؤسسات الحكومية وغير الحكومية تتعلق بالتمويل الخارجي، فإذا نظرنا إلى ما يخص مشاركة المرأة الفلسطينية في القوى العاملة نرى بأن معظم الخطط والسياسات جاءت بناء على طلب من الممول وضمن ثقافته الخاصة بمعزل عن الثقافة الفلسطينية، وبمعزل عن الدور الوطني للفلسطينيين وللمرأة الفلسطينية، لذلك كان التركيز على مفاهيم حسب المقاييس والمواصفات الغربية دون مراعاه للخصوصية الثقافية الفلسطينية في ظل الاحتلال. وأدخل غموض المفاهيم المرأة في حالة صراع مع بعض الرجال الذين أصبحوا يقاومون وجودها[12]، ويقاومون ما يأتي من هذه المؤسسات تحت بند هذه المفاهيم التي رأوا بأنها تتعارض مع التقاليد والثقافة الفلسطينية، لذلك كانت هنالك معارضة لهذه المشاريع لعدم شموليتها وتركيزها على فئات محددة فقط من النساء.

 

  • التقاليد والمعتقدات الاجتماعية

لا يزال المجتمع الفلسطيني يخضع للمورثات الاجتماعية التي تركز على أن دور النساء ينحصر في الدور الإنجابي وإدارة أمور البيت، وأن المرأة لا شأن لها في المجال العام، على الرغم من مشاركتها في هذا المجال منذ البدايات، سواء في الانتفاضتين الأولى الثانية أو في حركة التحرر الوطني ككل، لكن الحديث عن المرأة عند ذكر التضحيات والمشاركة وارد، لكن عند التطبيق يكاد يكون معدومًا رغم التأثير المباشر على المرأة الفلسطينية من سياسات الاحتلال الإسرائيلي المجحفة بالشعب الفلسطيني ككل، وبحق المرأة بشكل خاص، وتأثرها الشديد بالسياسات الحكومية غير المراعية لاحتياجاتها.

 

  • التخصص والتدريب المهني

يلاحظ بأن المجتمع الفلسطيني قد حصر مجالات العمل التي باستطاعة المرأة الفلسطينية دخولها مسبقًا، كالتعليم والتمريض على سبيل المثال، لذلك نرى الفتيات بشكل عام يتجهن نحو التعليم الأكاديمي بنسبة تتجاوز 95% وغالبيتهن يتركزن بفرع العلوم الإنسانية، أما الفرع الصناعي مثلا فلا تتجاوز نسبته 8%، والفرع المهني 5%[13]، بالإضافة إلى موضوع التدريب المهني وتقليديته وعدم توجه الفتيات إلا إلى مجالات محددة مسبقًا، لذلك حصل انخفاض في الطلب على عمل النساء في السوق الفلسطيني، عدا عن وجود فائض في التخصص بين الخريجين والخريجات بنسبة 90%.

 

  • المواصلات ومكان السكن

تتركز الوظائف والمؤسسات الحكومية وغير حكومية في المدن الرئيسة، خاصة في محافظة رام الله والبيرة. وفي ظل وجود الحواجز الإسرائيلية المعيقة، وغياب شبكة مواصلات عامة، والعادات والتقاليد التي لا تشجع المرأة على الانتقال إلى أماكن بعيدة عن مكان السكن؛ تفضل النساء العمل في مكان قريب من المنزل[14]، لذلك فرص العمل المتوفرة للنساء قليلة.

كما أن إحدى الإشكاليات الحديثة التي سببها بعد مكان العمل والحاجة الاقتصادية الملحة، هي توجه بعض النساء في بعض المحافظات للعمل في المستوطنات القريبة[15]، بالرغم من عدم شرعية المستوطنات والعمل فيها كونه يضر بالقضية الفلسطينية بشكل عام، إلى جانب المخاطر المجتمعية والاستغلال الذي يصاحب عملهن في العديد من الأحيان، الأمر الذي يدل على قلة الحيلة وانعدام فرص العمل والحاجة الاقتصادية الملحة.

 

  • الدور الإنجابي ودور الرعاية

تسود أوساط المجتمع الفلسطيني معتقدات ومفاهيم ترى أن من وظيفة الرجل الإنفاق على العائلة، وأن وظيفة المرأة هي رعاية المنزل والأطفال، وإذا كانت تعمل نتيجة حاجة اقتصادية لا يرفع عنها عبء الرعاية، لذلك تواجه ازدواجية الأدوار، ونتيجة المورثات الاجتماعية التي تقلل من شأن المرأة ودورها الرعائي، لذا نرى أنها تنظر إلى نفسها بعدم ثقة بقدرتها على العمل في المجال العام، وبالتالي يقل وعي المرأة بذاتها وقدرتها وأهمية دورها.[16]

وبالعودة إلى الوضع الاقتصادي المتردي واضطرار الرجل إلى أن يعمل أعمال عدة لإعالة العائلة، وبالتالي غيابه عن العائلة كأب، فإن ذلك يضيف صعوبات على المرأة في تربية الأطفال، والأمر الذي أدى إلى زيادة نسب الطلاق التي بلغت 20% في 2015[17]، التي ترجع في معظمها إلى أسباب اقتصادية بالأساس.

وباعتبار أن المرأة معتمدة اقتصاديًا على الرجل، ففي ظل غياب المعيل وقلة فرص العمل تكون المرأة أمام خيارات صعبة، خاصة إذا كان لديها أطفال، لذلك نرى العديد من الحالات يدفع ثمنها الأطفال كون الأم لا تستطيع الإعالة فإنها تلجأ لعائلتها، وبالتالي فإن العائلة ترفض وجود الأطفال معها، هذا من ناحية، وتضطر بعض النساء في العديد من الأحيان لتقديم تنازلات عن حقوقها داخل العائلة بسبب عدم قدرتها على إيجاد مصدر دخل لإعالة نفسها وأطفالها من ناحية أخرى .

 

ثانيًا: المعوقات الاقتصادية

ضَعُفَ القطاع الخاص وتضرر بسبب الاحتلال والسياسات الاقتصادية التي لم تراع الخصوصية الفلسطينية تحت الاحتلال، ولم تحاول هذه السياسات دعم قطاعات مهمة كقطاع الزراعة، مقابل تركز العديد من النساء في العمل في هذا القطاع الحيوي المهم والمهمش، إذ تبلغ نسبة النساء العاملات فيه 21%[18]. كما يعاني المنتج المحلي من قلة الدعم، ما أدى إلى  ضعف القطاع الاقتصادي وصغره؛ وبالتالي قلة فرص العمل بشكل عام، وضعف استيعاب العمالة، والتركيز على الرجل باعتباره أكثر أهمية كونه المعيل الأساسي للأسرة.[19]

أما فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية الفلسطينية بشكل عام وعلاقتها بمشاركة المرأة بالاقتصاد، فهناك عدم انسجام على المدى البعيد، إذ لم يتح المجال لإقحام المرأة في سوق العمل، كما أن حجم الضغوطات على سوق العمل جعلت موضوع إشراك المرأة ليس على سلم الأولويات، عدا عن التمييز في الأجور والانطباع لدى اصحاب العمل بأن توظيف النساء، خاصة المتزوجات، غير مجدٍ من الناحية الاقتصادية نتيجة ارتباط المرأة بدورها الإنجابي.

كما أدى غياب قانون ملزم في ظل الحالة الاقتصادية المتردية التي يعيشها الشعب الفلسطيني إلى عدم قدرة المرأة العاملة على الاعتراض على عدم المساواة في الأجور مثلًا، بالرغم من النص الصريح لقانون العمل، لأنه بالإمكان الاستغناء عنها دون أي إشكالية.

 

ثالثًا: معوقات الاحتلال الإسرائيلي

يشكّل الاحتلال الإسرائيلي أحد أهم المعوقات التي تواجه المرأة الفلسطينية في سوق العمل نتيجة الإغلاقات والحصار والحواجز التي يفرضها على الضفة الغربية، والتي لا تشجع النساء على العمل في أماكن بعيدة عن أماكن سكنهن، بالإضافة إلى عرقلة نمو الاقتصاد الفلسطيني من خلال سيطرته على المعابر والحدود، الأمر الذي يسبب ضعف السوق المحلي وقلة وجود فرص عمل.

ونتيجة لهذه المعيقات، فإن الاقتصاد الفلسطيني هو اقتصاد صغير وضعيف في بنيته تابع للمؤثرات الخارجية، فهو قائم باعتباره سوقا استهلاكية للمنتجات الإسرائيلية، ومصدرا للأيدي العاملة الرخيصة بشكل عام، عدا عن الإشكاليات الاقتصادية اللاحقة التي حصلت نتيجة سياسات الاحتلال ووقوع الانقسام.

 

البدائل

أولًا: فرض عقوبات على التمييز بين الجنسين في الوظائف، وسن قانون لمكافحة التحرش الجنسي في أماكن العمل.

  • يمتاز هذا البديل بالمرونة المتوسطة بسبب الحاجة إلى حشد ضغط مجتمعي لإقرار هذا القانون، وإلى إقناع مؤسسة الرئاسة بأهمية إقراره للمساهمة في زيادة نسبة مشاركة المرأة الفلسطينية في العمل كون المجلس التشريعي معطلًا.

الكفاءة والفعالية: يمتاز هذا البديل بتحقيقه للكفاءة والفاعلية العالية كونه يساهم إلى حد كبير في تشجيع النساء على الخروج إلى العمل، ويقلل من الضغط المجتمعي لخروج المرأة بسبب الخوف من تعرضها للاستغلال والتحرش والتمييز.

الوعي العام: يوجد وعي متوسط بما يخص أهمية فرض عقوبات صارمة على الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في القطاع الخاص، كما أن الوعي العام متوسط لدى المشرع الفلسطيني بأهمية دور فرض عقوبات والمراقبة على تطبيق قانون العمل. وهناك إشكالية بالوعي المجتمعي الذي لا يحبذ اللجوء إلى القانون في مواضيع مشابهة، وكذلك الأمر ينطبق على النساء خوفًا من الاتهامات المجتمعية لهنّ.

هذا البديل له تأثير غير مباشر، ولكنه مهم جدًا على المديين القصير والمتوسط، وكذلك على المدى الطويل، وهو بحاجة إلى عمل تدريجي وتركيز من قبل الحكومة على فرض العقوبات والتوعية المجتمعية بمساعدة مؤسسات متخصصة.

 

ثانيًا: دعم دُور الرعاية النهارية، وتوفيرها بتكلفة زهيدة من قبل الحكومة.

ويساهم توفير دُور الرعاية، أو ما يسمى بحضانات الأطفال ودور المسنين، بشكل مباشر في زيادة مشاركة النساء في سوق العمل، لأنها تساهم في خفض ساعات عمل النساء غير مدفوعة الأجر في المنزل وفي رعاية الأطفال وكبار السن.

  • يمتاز هذا البديل بالمرونة العالية كونه يعطي وقتًا للمرأة للمشاركة في العملية التنموية والقوى العاملة بأجر، إضافة إلى توفيره فرص عمل أخرى مما يساعد على خفض نسبة البطالة.

الكفاءة والفاعلية: يمتاز هذا البديل بالكفاءة والفاعلية لجهة النتائج المتحققة للنساء ولتوفير للتكلفة من خلال توفير الحضانات المناسبة، ولجهة حصول كبار السن على خدمة ذات جودة عالية ضمن رقابة حكومية عالية، وعدم الخضوع لمزاجيات من يقومون بالرعاية في العديد من الأحيان، إضافة إلى النتائج التي ستصب في خدمة العملية التنموية ككل بمشاركة النساء فيها.

الوعي العام: ضعيف من قبل المجتمع الذي يركز على أن عمل النساء الأساسي هو رعاية الأطفال والأعمال المنزلية والرعاية بشكل عام، وينطبق هذا الأمر على صناع القرار، لذلك نحن بحاجة إلى قرار جريء وواع بتوفير ودعم دور الرعاية النهارية للأطفال حتى عمر ثلاث سنوات، وكذلك الأمر بالنسبة لدور رعاية كبار السن، وأن تكون ضمن معايير وجودة عالية.

بالنسبة للتكلفة المالية، فإن تخصيص بند في الموازنة ليس بهذه الصعوبة، فمن خلال جزء من الأقساط التي سيتم دفعها من المستفيدين، بالإمكان الاستفادة من المسؤولية الاجتماعية للشركات الكبرى، كما يمكن فرض  ضريبة على الأفراد كل حسب دخله لدعم الرعاية الاجتماعية، وكذلك من خلال العقوبات المالية للمخالفين للقانون، ومن مصادر دخل حكومية مختلفة.

البديل مهم على المديين المتوسط والبعيد، وهو بحاجة إلى خطة ورقابة محكمة من قبل الحكومة، وإلى توعية مجتمعية.

 

ثالثًا: المساهمة في تحفيز القطاع الخاص على توظيف النساء، وتوفير فرص عمل بشكل جزئي.

ويساهم ذلك بشكل كبير في تحفيز مشاركة النساء في سوق العمل.

  • يمتاز هذا البديل بالمرونة العالية، ويوفر للنساء مرونة في الوقت كي تستطيع فيه المشاركة في وظيفتها وعملها المنزلي.

الكفاءة والفاعلية: يمتاز بالمرونة والكفاءة المتوسطة كونه يساهم في زيادة فرص عمل النساء، وتوفير الحوافز للقطاع الخاص على توظيف النساء، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة إنتاجية النساء واستفادة القطاع الخاص.

الوعي العام: متوسط إلى عالٍ، فمعظم الفلسطينيين يفضلون عمل المرأة بشكل جزئي حتى لا يؤثر ذلك على عملها في المنزل من وجهة نظرهم.

هذا البديل مهم على المديين القصير والمتوسط. لكن بحاجة إلى فرض محفزات على القطاع الخاص لتوظيف النساء، من خلال تقليل الضرائب عليه عند توظيف عدد معين من النساء وتوفير الشروط الملائمة لعملهن، بالإضافة إلى وجود حاجة لتدريب النساء على استخدم التكنولوجيا في العمل حتى تستطيع التواصل مع العمل بشكل جيد ومثمر.

 

رابعًا: توسيع أماكن فرص العمل بما يخص إنشاء مدن صناعية في المحافظات، وإنشاء شبكة مواصلات عامة.

  • بديل متوسط المرونة لأنه يحكمه العديد من المعوقات التي تواجه الحكومة في التطبيق كونها واقعة تحت الاحتلال، ولكنه ليس صعب التحقيق، فبالإمكان الاستفادة من الدعم الدولي للحق الفلسطيني وتوجه الحكومة نحو هذا الحل، حتى نستطيع التغلب على المعوقات الإسرائيلية بما يخص المدن الصناعية وشبكة المواصلات.

الكفاءة والفاعلية: بديل ذو كفاءة وفاعلية عالية من ناحية تحقيق الهدف، وتوفير الوقت والتكلفة، وزيادة الإنتاجية بشكل عام، وللنساء بشكل خاص، إضافة إلى تقليل نسبة البطالة.

الوعي العام: الوعي عالٍ بأهمية توسعة العمل في المحافظات وإقامة مدن صناعية وإنشاء شبكة مواصلات عامة.

هذا البديل مهم جدًا للكل الفلسطيني على المديين المتوسط وبعيد المدى.

 

خامسًا: التدريب المهني والتخصصات الجامعية.

يقوم هذا البديل على التوعية بأهمية ربط التخصصات بسوق العمل، وزيادة التخصصات التي تدخلها النساء، والتركيز على التدريب المهني، الأمر الذي يوسّع فرص النساء في المشاركة بشكل أوسع.

  • بديل ذو مرونة عالية من ناحية التطبيق واستفادة النساء منه.

الكفاءة والفاعلية: يحمل هذا البديل كفاءة وفاعلية عالية لجهة ربط التخصصات بسوق العمل، ولجهة التركيز على التدريب المهني ذي التخصصات المختلفة، وخاصة التكنولوجية وذات الجودة العالية، الأمر الذي يساعد على فتح المجال أمام آلاف الخريجين/ات للحصول على فرص للعمل.

الوعي العام: هناك وعي عالٍ بأهمية ربط التخصصات بسوق العمل وعمل تدريب مهني عالي المستوى، لكنه بحاجة إلى توعية بأهمية التدريب المهني ورفع قيمته المجتمعية، وبأهمية زيادة التخصصات للنساء للمشاركة في سوق العمل بعيدًا عن التخصصات المعتادة والمقبولة مجتمعيًا، التي سببت فائضًا في أعداد الخريجات وحدوث بطالة عالية.

هذا البديل فعال على المديين المتوسط والبعيد بسبب الحاجة إلى حل الإشكالية القائمة نتيجة وجود فائض في التخصصات، وإلى السياسات والخطط اللازمة للتغير في السياسات التعليمية وفي التوجه المجتمعي والتوعية المجتمعية.

 

سادسًا: احتساب عمل المرأة الإنجابي كعمل منتج وله أجر من قبل الحكومة.

أشارت العديد من الدراسات إلى أن عمل النساء المنزلي وفي رعاية الأطفال هو عمل لا يدخل ضمن الناتج المحلي الإجمالي، وهو على أهميته بلا أجر.

  • هذا البديل ذو مرونة عالية، ويساعد على رفع قيمة عمل المرأة الإنجابي والاقتصادي، ويسلط الضوء على أهمية عمل المرأة الذي تمارسه دون أجر أو تقدير مجتمعي.

الكفاءة والفاعلية: يمتاز بالكفاءة والفاعلية العالية لما يساهم في تقليل الفقر وفتح خيارات متعددة أمام النساء بمختلف الأعمار، وتقديرًا لدورها الإنجابي مجتمعيًا واقتصاديًا، وبالتالي لا يتركها فريسة للتحكم من قبل المعيل، وأيضا يساعدها في مرحلة عمرية متأخرة على مجابهة مصاعب الحياة وغياب المعيل.

الوعي العام: ضعيف جدًا كون المجتمع معتادًا على ممارسة النساء لعملهن بلا أجر، كما لا توجد عليه  اعتراضات كثيرة كونه لا يتحدى تقاليد مجتمعية موجودة، ويساعد المرأة على المشاركة الاقتصادية دون إشكالية. الاعتراض لربما يأتي من بعض المؤسسات التي تعنى بالمرأة لجهة تأخير مشاركتها في المجال العام.

هذا البديل له إيجابيات عالية على المديات القصير والمتوسط والبعيد. أما بالنسبة للموازنة الحكومية فيمكن توفير الموازنة لهذا البديل كما في البديل الثاني. كما يمكن عمل خطة مدروسة لكيفية تقدير هذا الدور اقتصاديًا ودفع المخصصات، إلى جانب الكيفية التي لا يؤثر فيها هذا البديل على زياة مشاركة النساء في المجال العام، ومراكز صنع القرار. وتوسعة الخيارات أمام النساء.

  • تمتاز البدائل بأهميتها جميعًا كونها مكملة لبعضها البعض، وتشكل خطة جيدة لزيادة مشاركة النساء في سوق العمل على المديات القريب والمتوسط والبعيد، لكنها بحاجة إلى تطبيق محكم ورقابة عالية، وتوفير موازنة من قبل الحكومة، بالإضافة إلى عمل خطة توعوية للمجتمع الفلسطيني بأهمية عمل المرأة.

إذا تم تطبيق البدائل فإن الوضع الاقتصادي بالنسبة للكل الفلسطيني سيتحسن، وسيتم رفع الضغط عن المرأة والرجل في آن واحد، كما يؤدي ذلك إلى تحسين مستوى المعيشة والخدمات المقدمة، سواء في المجال الخاص أو العام، ويمكن البدء بالبدائل الأول والثاني والثالث على المديين القصير والمتوسط، ما يساعد على رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل بشكل سريع.

 

الهوامش

[1] مسح القوى العاملة الفلسطينية: التقرير السنوي 2014، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2015.

http://www.pcbs.gov.ps/Downloads/book2120.pdf

[2] مازن صلاح العجلة، المشاركة الاقتصادية للمرأة الفلسطينية: المؤشرات والمحددات، مجلة العلوم الإنسانية، المجلد 14، العدد 1، جامعة الأزهر، غزة، 2012.

[3] الدليل الإحصائي السنوي لمؤسسات التعليم العالي الفلسطينية 2015-2016، وزارة التربية والتعليم العالي، 2016. http://www.mohe.pna.ps/services/statistics

[4] ألفا العالمية للأبحاث والمعلوماتية واستطلاع الرأي، عمل المرأة الفلسطينية .. دراسة في انطباع الفلسطينيين وتوجهاتهم حول عمل المرأة، مركز المرأة للأبحاث والتوثيق، 2009.

[5] سامية البطمة، فتح سوق العمل للمرأة الفلسطينية، شبكة السياسات الفلسطينية (الشبكة)، 22/7/2015.

https://goo.gl/4udYND

[6] بيان صحفي، الإحصاء الفلسطيني واللجنة الوطنية للسكان يستعرضان أوضاع السكان عشية اليوم العالمي للسكان، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 11/7/2015.

http://www.pcbs.gov.ps/site/512/default.aspx?tabID=512&lang=ar&ItemID=1440&mid=3915&wversion=Staging#

[7] واقع المرأة في فلسطين، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا)، 2016.

http://www.wafainfo.ps/atemplate.aspx?id=3195

 [8] جواد الصالح ولؤي شبانة، تحديات مشاركة المرأة في سوق العمل والتدخلات المطلوبة، مركز المرأة للدراسات والتوثيق، 2008.

[9] ألفا، عمل المرأة الفلسطينية، مرجع سابق.

[10] مسح القوى العاملة الفلسطينية، مصدر سابق.  

http://www.pcbs.gov.ps/Downloads/book2120.pdf

[11] نضال كعكبان، المرأة الفلسطينية والاقتصاد، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا).

http://www.wafainfo.ps/atemplate.aspx?id=3192

[12] رولا القطب، دور المرأة في صنع القرار في المؤسسات الحكومية (1995-2010)، رسالة ماجستير، جامعة النجاح الوطنية، 2012.

[13] الرجل والمرأة في فلسطين ... قضايا وإحصاءات، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2013.

http://www.pcbs.gov.ps/Downloads/book2015.pdf

[14] مسح القوى العاملة الفلسطينية، مصدر سابق.  

[15] روان سمارة، بين مطرقة الحاجة وسندان الاستغلال. عاملات فلسطينيات في المستوطنات، دنيا الوطن، 29/5/2016. https://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2016/05/29/926033.html

[16] دينا جبر، الصعوبات التي تواجه المرأة الفلسطينية العاملة في القطاع العام في محافظات شمال الضفة الغربية، رسالة ماجستير، جامعة النجاح الوطنية، 2005.

[17] فلسطين: ارتفاع نسبة الطلاق إلى 20%، صحيفة الحدث، 15/11/2015.

http://www.alhadath.ps/article/26725/result.php

[18] سامية البطمة، مصدر سابق.

[19] أسماء الحج محمد وحاتم قرارية، مشاركة النساء في سوق العمل الفلسطيني، ورقة سياساتية رقم (6)، معهد الصحة العامة والمجتمعية بجامعة بيرزيت، 2013.

مشاركة: