ملخّص
يحاول هذا البحث أن يدرس ماهيّة وكيفيّة التغييرات البنيويّة في النظام السياسيّ لإسرائيل، وما تعكسه هذه التغييرات من رؤيةٍ أيديولوجيّة استعماريّة. فيربط بين رؤية نتنياهو للنظام السياسيّ والانتخابيّ من جهة، وسياسته اتجاه مبنى جهاز الإعلام من جهةٍ ثانية، وذلك في سياق أيديولوجيّ صهيونيّ أوسع وأكثر تطوّراً. لذلك، فإنّ موضوع البحث وسؤاله هو النظام السياسيّ الصهيونيّ، أما مبنى جهاز الإعلام التلفزيونيّ، فهو نموذج وحالة تُبحث لتقفّي أثر هذه التغييرات. وعلى الرغم من أهميّتها، لا يتطرّق هذا البحث إلى مضامين الإعلام الإسرائيليّ، وإنما يتوقّف في حدود الجوانب البنيويّة في المؤسسة الإعلاميّة الإسرائيليّة. ويختار البحث مجال التلفزة لأنه المجال الأكثر قوننةً وتقييداً رسمياً إدارياً وحكومياً، ويجري التعامل مع الترخيص التلفزيونيّ برؤيةٍ استراتيجيّة، بل وأيديولوجيّة، كما يبيّن البحث. لذلك، فإن مجال التدخّل والتقييدات السياسيّة الرسميّة فيه هو الأوسع من بين كلّ الوسائل الإعلاميّة الأخرى، وبخاصة الصحافة المكتوبة وصحافة الإنترنت.
يبدأ هذا البحث بمدخلٍ قد يبدو بعيداً عن صُلب الموضوع، إلا أنه، درءاً للبلبلة، يشرح ويفسّر التوجّه العام للبحث من حيث تجاوزه للتخصصات الأكاديميّة الجامدة والمحدّدة، ويطرح أهميّة تعدد التخصّصات في دراسة الاستعمار الصهيونيّ، وعدم التعامل مع الإعلام باعتباره وحدةً مغلقةٍ، أو النظام الانتخابيّ كوحدةٍ مغلقةٍ. كذلك، يشرح المدخل، وبالسياق ذاته، عدم التطرّق إلى مضامين الإعلام الإسرائيليّ.
من خلال الانتخابات الإسرائيليّة التي جرت العام 2015، يستعرض البحث في قسمه الأوّل إشكاليّة النظام الانتخابيّ الإسرائيليّ، ويدّعي أن السياسة الإسرائيليّة ترى بنظام التعدّدية الحزبيّة أحد الأسباب المركزيّة لعدم استقرار الحكم في إسرائيل، وأن تقليص عدد الأحزاب المتنافسة وصولاً إلى نظام ثنائيّ الحزب هو من الخيارات المطروحة بجديّة في السياسة الإسرائيليّة. ويستعرض البحث كيفيّة استخدام نتنياهو لمسألة النظام الانتخابيّ في حملته الانتخابيّة العام 2015، مفسّراً أهميّة التصويت لحزب "الليكود" من خلال تفسيره لإشكاليّة تعدد الأحزاب، وإمكانيّة خسارة اليمين أمام "اليسار" بسبب تشتت أصواته بين أحزاب اليمين المختلفة. وكيف خلقت هذه الحملة حالةً من تجاوز للنظام الانتخابيّ القائم، ومقدّمة لفرض واقع نظام الحزبين. من هذه العمليّة، يقترح البحث وجود منهج عمل يتّبعه نتنياهو في مجالات عدّة، وهو منهج من شأنه إحداث تغييرات بنيويّة عميقة في الدولة، من خلال تجسيدها بالطرح السياسيّ اليوميّ.
أما القسم الثاني من البحث، فيشرح التغييرات البنيويّة في جهاز الإعلام الإسرائيليّ وعلاقتها برؤية نتنياهو للإعلام. يطرح البحث قضيّة اتحاد البثّ العام، ومن خلاله يبيّن توجّهات نتنياهو التي تشجّع التلفزيون التجاريّ، وتطلب فتح سوقه والمنافسة فيه، بما يخالف التوجّه الذي ساد في إسرائيل لسنوات طويلة، والذي يعزز من شأن التلفزيون الحكوميّ والبث العام غير التجاريّ. ويعرض هذا القسم كيفيّة تطبيق نتنياهو لتوجهاته الاستراتيجيّة هذه من خلال منهجيّة عمله التي اقترحها البحث في قسمه الأوّل. وفي نهايته، يُظهر القسم كيف تخدم هذه الاستراتيجيّة رؤية نتنياهو السياسيّة اليمينيّة من خلال حالة "القناة 20"، التي تمّ افتتاحها بعد مخاضٍ طويل بدأ في العام 1997، وأقر فيه افتتاح عدد من المحطّات التجاريّة على أثر "تقرير بيليد" الذي أوصى بتشجّيع التلفزيون التجاريّ.
في قسمه الثالث، يطرح البحث رؤيته للتغيير في النظام الإسرائيليّ في سياق تجدد الرؤية الأيديولوجيّة الاستعماريّة باتجاه صياغة نظامٍ نيوليبراليّ يتأسس على تركيز واحتكار القوّة السياسيّة، مقابل "تعدّديّة ثقافيّة" استهلاكيّة مُفرغة من التأثير السياسيّ، تشبّهاً بنماذج استعماريّة تمكّنت من تحقيق ما تسعى إليه إسرائيل –استدامة وجودها غير المفهومة ضمناً– ومنها النظام الأمريكيّ. ويعرض كيف سيؤثر هذا التجدد على مستقبل النضال الفلسطينيّ، ويحوّل النظام الصهيونيّ إلى نظامٍ غير حسّاس لضغوطات رأيه العام، وبالتالي تقليص المساحات التي من خلالها يستطيع النضال الفلسطينيّ (من العنف الثوريّ وحتّى "الحوار") ليضغط على إسرائيل من خلال رأيها العام. وكيف تُضعف هذه التغييرات إمكانيّات نضال الفلسطينيين في الداخل.
في نهايته، يقترح البحث خطوطاً سياسيّة عريضة لا بد من التنبّه إليها في سياق تجدّد الاستعمار. وأهمها خطورة التعاطي مع الثقافة المعزولة عن المضمون السياسيّ التحرّري، والتعامل مع السياسة الداخليّة الإسرائيلية باعتبارها مضامين خلافيّة وليست ديناميكيّات استعماريّة في نظامٍ واحدٍ، وما لذلك من إسقاطات على الإنتاج الفلسطيني في الإعلام والثقافة أولاً، وفي العمل السياسيّ ثانياً مع الانتباه للاختلافات بين سياقات وطنيّة مختلفة.